صحافة دولية

بلومبيرغ: عملاء الرياض بوادي السيليكون سبب خطف معارضين

تتبع الصحفي الراحل خاشقجي يعتقد أنه مرتبط بعملية الاختراق عام 2015، فضلا عن حالات قتل وخطف وتعذيب أخرى- CC0
تتبع الصحفي الراحل خاشقجي يعتقد أنه مرتبط بعملية الاختراق عام 2015، فضلا عن حالات قتل وخطف وتعذيب أخرى- CC0

نقلت وكالة "بلومبيرغ" عن ناشطين سعوديين ومنظمات حقوقية أن الرياض تمكنت من اعتقال معارضين من خلال عمليات تجسس عملاء للمملكة يعملون في وادي السيليكون.

وأوضحت الوكالة في تقريرها، الذي ترجمته "عربي21"، أن تجسسا داخليا في شركة "تويتر"، قبل نصف عقد، أسفر عن تسرب بيانات استخدمتها المملكة لاحقا لمضايقة أو اعتقال أشخاص ينتقدون النظام، وذلك وفقا لدعاوى قضائية ومنظمات حقوقية، وشقيقة معارض تم القبض عليه عام 2018.

وعام 2015، زُعم أن اثنين من موظفي تويتر تمكنا من الوصول إلى أكثر من ستة آلاف حساب أثناء عملهم كجواسيس للسعودية، وتم الكشف عن بعض تفاصيل الحادث من قبل المدعين العامين الأمريكيين، الذين وجهوا اتهامات للرجلين في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، وفي الدعاوى القضائية الأخيرة من قبل أشخاص زعموا أن حساباتهم تعرضت للاختراق.

إلا أن تفاصيل جديدة ظهرت حول ما قد تفعله الحكومة السعودية بالبيانات، وفق تقرير الوكالة.

وينقل التقرير عن شقيقة معارض سعودي كان يدير حسابا مجهولا على تويتر، إن اختفاءه نتج عن أنشطة جواسيس تويتر المزعومين.

وكان الرجل المشار إليه، ويدعى "عبد الرحمن السدحان"، يعمل في مكتبه بالرياض في 12 آذار/مارس 2018، عندما ظهرت الشرطة السرية السعودية أمامه فجأة وأخذته بعيدا، وفقا لشقيقته "أريج".

ولم تر أسرة السدحان ابنها منذ ذلك الحين، وإلى أن سمح له بإجراء مكالمة هاتفية قصيرة مع أحد أقاربه في شباط/ فبراير، كان الترجيح أنه قد قتل.

وكان السدحان، البالغ من العمر 36 عاما، موظفا في الهلال الأحمر، ومعلقا منتظما على قضايا حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية في السعودية، وقد عبر عن آرائه عبر حساب مجهول على تويتر حصل على آلاف المتابعين، بحسب شقيقته.

وقالت أريج: "من الواضح أن هذا كان هجوما يستهدف عن قصد نشطاء ومنتقدين على تويتر" ، وأوضحت أن شخصا مطلعا على التحقيق الأمريكي أخبرها بأن حساب شقيقها قد تعرض للاختراق.

وأضافت: "أخي، للأسف، من بين المستهدفين. الآن نحن قلقون للغاية بشأن سلامته وصحته، بالنظر إلى التاريخ الفظيع لانتهاكات حقوق الإنسان في السعودية ".

اقرأ أيضا: مشرعون أمريكيون وبريطانيون يطالبون بالإفراج عن لجين الهذلول

ملايين الدولارات على "التجسس الرقمي"

ونقل التقرير عن العديد من منظمات حقوق الإنسان في الشرق الأوسط أنها حددت هوية ستة مواطنين سعوديين كانوا يديرون حسابات تويتر مجهولة أو بأسماء مستعارة تنتقد الحكومة، وتم اعتقالهم.

وفي خمس من تلك الحالات على الأقل، يشير توقيت الاعتقالات وخرق تويتر إلى أنهما متصلان، بحسب جمال عيد، المدير التنفيذي للشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان.

وثلاثة من السعوديين الخمسة الذين تم اعتقالهم منذ عام 2015 استخدموا أسماء تويتر "sama7ti" و"coluche_ar" و"mahwe13"، وفقا للشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان. وحددت مجموعة سجناء الرأي الحقوقية حالة سادسة، وقالت إن رجلا سعوديا نشر تعليقا سياسيا على تويتر تحت اسم "albna5y" اعتقل في أيلول/ سبتمبر 2017.

وقال عيد: "أعتقد أن جميعهم اعتقلوا نتيجة اختراق تويتر" الذي نفذه الجواسيس المزعومون داخل الشركة، مضيفا أن الاعتقالات تثير قلقا عميقا على مصير النشطاء في المملكة.

وأضاف: "السعودية تنفق ملايين الدولارات على التجسس الرقمي واختراق حسابات المدافعين عن حقوق الإنسان والمنتقدين والمعارضين".

تفاعل مخجل

وزعم معارضان سعوديان آخران، أحدهما في كندا والآخر في الولايات المتحدة، في دعاوى قضائية أن حساباتهما على تويتر كانت مستهدفة من قبل التجسس الداخلي المزعوم، وهو إجراء يقولون إنه يعرضهم أو يهدد أصدقائهم في السعودية.

وفي الشهر الماضي، بحسب "بلومبيرغ"، تعرض موقع تويتر لخرق محرج للبيانات، حيث تم اختطاف 130 حسابا، بما في ذلك حسابات باراك أوباما وجو بايدن وجيف بيزوس وإيلون ماسك، وتم اتهام شاب يبلغ من العمر 17 عاما من فلوريدا بأنه العقل المدبر، وتم القبض على اثنين آخرين لدورهما في العملية، التي تمحورت حول احتيال للعملات المشفرة ويعتقد أنها حققت أكثر من 100 ألف دولار.

وأثارت تلك الفضيحة ضجة عارمة، لكن اتهام وزارة العدل للمتسللين السعوديين على "تويتر" لم يحظ في المقابل بذلك الصيت، رغم أن كشف عن مشكلة أكثر خطورة، فكميات البيانات التي تم جمعها عن المستخدمين من قبل "تويتر" وشركات التواصل الاجتماعي الأخرى تجعلهم هدفا مثاليا لعمليات التجسس التي تقوم بها الدول، وسط غياب لحماية كافية.

وتؤكد العملية السعودية على المخاطر التي ينطوي عليها الأمر، فقد تم سجن منتقدي الحكومة في المملكة، بل وإعدامهم، كما في حالة الصحفي في "واشنطن بوست"، جمال خاشقجي، الذي قتل عام 2018 في قنصلية الرياض بإسطنبول.

ولم ترد وزارة الخارجية السعودية على طلب للتعليق ولا سفارة الرياض لدى واشنطن، بحسب "بلومبيرغ".

اقرأ أيضا: اتهام 3 أشخاص بأمريكا بالتجسس على "تويتر" لصالح الرياض

"اعترافات القحطاني"

في آب/أغسطس 2017 ، أصدر أحد أقرب مستشاري ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان آنذاك، سعود القحطاني، تحذيرا عبر حسابه الخاص، ضد حسابات "تويتر" المجهولة، قائلا: "هل الاسم المستعار يحميك من #القائمة السوداء؟"، مضيفا: "لا".

وزعم القحطاني أن الحكومات يمكنها كشف الهويات الحقيقية لمستخدمي تويتر، عبر "طرق تقنية"، بالإضافة إلى "سر لن أقوله".

وفي أيلول/ سبتمبر 2019، علق تويتر حساب القحطاني نهائيا، مشيرا إلى"انتهاكات لسياسات التلاعب بالمنصة". وعزل القحطاني من منصبه الحكومي بعد مقتل خاشقجي ووضع قيد التحقيق، لكن النائب العام قال فيما بعد إنه لا توجد أدلة كافية لتوجيه الاتهام إليه. ومع ذلك، فإنه لا يزال على قائمة العقوبات الأمريكية للاشتباه بدوره في القتل.

وينقل التقرير عن متحدث باسم "تويتر" إنه بمجرد علم الشركة بالانتهاك المزعوم من قبل الموظفين، فإنها "تعاونت مع السلطات الفيدرالية واتخذت إجراءات فورية لإخطار الأفراد المتضررين وحمايتهم''.

وقالت تويتر إن فرقها، بما في ذلك أمن المعلومات وأمن الشركات، تعمل لدعم الموظفين في جميع أنحاء العالم "عند تعاملهم مع المخاوف، بما في ذلك الضغوط التي قد يتعرضون لها" لاستخدامهم في التجسس.


ورفضت الشركة تقديم أسماء الحسابات التي تم اختراقها لأسباب قانونية.

تفاصيل القضية

وفي عام 2015، أخطر مكتب التحقيقات الفيدرالي "أف بي آي" موقع "تويتر" بأن واحدا على الأقل من موظفيه كان يتجسس لصالح المملكة، وفقا لمصادر مطلعة على التحقيق الذي أعقب ذلك.

واتهم رسميا كل من "علي الزبارة"، وهو مواطن سعودي، و"أحمد أبو عمو"، اللبناني الأمريكي، من قبل وزارة العدل الأمريكية العام الماضي، بالعمل سرا كجواسيس للحكومة السعودية.

ووفقا للائحة الاتهام، فقد جمع الرجلان معلومات من أنظمة تويتر الداخلية التي كشفت عن أرقام الهواتف وعناوين IP وتفاصيل أخرى مرتبطة بمعارضين سعوديين.

وتم اتهامهم بقبول هدايا أو مبالغ نقدية، أو وعود بالعمل في المستقبل، من المسؤولين السعوديين، مقابل معلومات خاصة حول مستخدمي "تويتر" الذين انتقدوا العائلة المالكة والحكومة.

ويعتقد أن الزبارة وصل دون إذن، في يوم واحد بحزيران/ يونيو 2015، إلى البيانات الخاصة بنحو خمسة آلاف و502 مستخدما، وفقا للشكوى الجنائية، المقدمة في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي.

وينتظر أبو عمو حاليا المحاكمة على جرائم تشمل العمل كوكيل لحكومة أجنبية والاحتيال الإلكتروني وغسيل الأموال. ودافع بأنه غير مذنب، فيما فر الزبارة إلى المملكة، حيث تم تعيينه في منصب الرئيس التنفيذي لمركز مبادرات "مسك"، وهي شركة تابعة لولي العهد السعودي.

ولم يرد أبو عمو ولا الزبارة على طلب للتعليق عبر البريد الإلكتروني. فيما كانت "تويتر" قد أعلنت عن إجراءات لحماية المستخدمين ولمواجهة الاختراقات.

شكاوى "عبد العزيز" و"الأحمد"

لكن المعارض السعودي "عمر عبد العزيز"، قال في دعوى قضائية ضد "تويتر" إن الشركة لم تحذره من تعرض حسابه للخطر، ما جعله عرضة لمحاولة قتل في مكان إقامته بكندا، وهو ما تنفيه المنصة.

ورفع المعارض السعودي الآخر علي الأحمد، المقيم في واشنطن، دعوى قضائية ضد الموقع في تموز/يوليو، زاعما أن حسابه كان أحد الحسابات التي تعرض للخطر من قبل الزبارة وأبو عمو.

اقرأ أيضا: ديلي ميل: هكذا بدأت حملة السعودية لاختراق "تويتر"

وقال الأحمد في مقابلة صحفية إنه استخدم حسابه للتواصل عبر رسائل خاصة مع معارضين سعوديين آخرين، بمن فيهم عبد الرحمن السدحان، ومصادر مقربة من الحكومة السعودية كانوا يقومون أحيانًا بتسريب معلومات إليه.

وبدورها، أكدت "تويتر" أنها أخطرت الأحمد أيضا في عام 2015 باختراق حسابه، وهو ما ينفيه المعارض السعودي.

وتنقل "بلومبيرغ" عن الأحمد قوله: "الكثير من الناس داخل البلاد لا يستخدمون أسمائهم الحقيقية على تويتر.. لقد تابعوني وتبادلنا الرسائل.. انتهى الأمر ببعضهم بالموت أو السجن".

ويأمل الأحمد في أن تكون دعواه القضائية قادرة على الكشف عن المزيد من الأفراد الذين يُزعم أنهم استهدفوا من قبل موظفي تويتر السابقين.

كما شدد على ضرورة عدم السماح للحكومة السعودية بإملاء من يسمح له بالتواجد على تويتر، والوصول إلى معلومات عن الناشطين قد تؤدي إلى السجن والموت والتعذيب، واصفا ذلك بـ"الشائن".

وبحسب "إياد البغدادي"، فإن المعلومات التي يعتقد أن موظفي "تويتر" السابقين قد نقلوها إلى المسؤولين السعوديين، ربما تم ويتم استخدامها في تعقب المواقع الدقيقة لمختلف المعارضين.

وفي العام الماضي، تم وضع "البغدادي" نفسه تحت الحجز الوقائي في النرويج بعد أن تلقت السلطات هناك بلاغا استخباريا بأنه في خطر.


وتنقل "بلومبيرغ" عن الناشط الحقوقي قوله: "أعتقد أن ما كانوا يبحثون عنه هو أرقام الهواتف التي ارتبطت بحسابات معينة.. إذا حصلوا على رقم هاتف شخص ما في المملكة يستخدم اسما مستعارا على تويتر، فيمكنهم بعد ذلك معرفة هويته. يمكنهم الاطلاع على سجلات الهاتف المرتبطة بالرقم أو تتبع المكالمات".

تعذيب وقتل.. بعد التسريب

وقال البغدادي إن رجلا سعوديا آخر، هو تركي بن عبد العزيز الجاسر، كان يدير حسابا مجهولا على تويتر، تم اعتقاله في نفس وقت اعتقال السدحان، فيما أكدت منظمات حقوقية أن الأمر يتعلق أيضا بالمعلومات المسروقة من تويتر.

وذكرت بعض وسائل الإعلام أن الجاسر توفي أثناء تعذيبه في الحجز، لكن تقارير أشارت إلى أن السلطات السعودية أبلغت فريق الأمم المتحدة لرصد حالات الاختفاء القسري، في شباط/فبراير،  أن الجاسر محتجز في معتقل الحائر بالقرب من الرياض.

التعليقات (0)