كتاب عربي 21

الصحفيون أعداء الشعب: "الإرهابي" حجاج نموذجا!

حلمي الأسمر
1300x600
1300x600
-1-
"يلعن أبو وصفي اللي بتحبسوا الناس عشانه"..

عبارة كتبها بخط يده الراحل وصفي التل، رئيس وزراء الأردن الأكثر شهرة واحتراما وإلهاما في التاريخ الأردني، بين كل رؤساء الوزارات.

والقصة كما تروى أن مواطنا تظلم للرئيس في زمن الحكم العرفي بعد أن تم حبس ابنه لأنه شتم الرئيس، فكتب العبارة على ورقة الأب ليسلمها إلى مركز الأمن!

في حادثة أخرى، من نفس النوع تقريبا، لكنها تختلف في تفاصيلها، وإن كانت في السياق نفسه، احتج الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك أمام وزير الخارجية الصهيوني ديفيد ليفي، لأن الممثل الصهيوني إيلي يسبان قلد مبارك وهو يسب الذات الإلهية، فرد عليه ليفي بأن القانون الصهيوني يضمن ليسبان وغيره السخرية من كل شخص، فبلع الرجل لسانه!

-2-
عرفت رسام الكاريكاتير عماد حجاج عن قرب منذ سنوات طويلة، كزميل وصديق، طبقت شهرته الآفاق، ليس في الأردن فقط، بل في العالم العربي كله.

فهو صاحب ريشة مبدعة، قوية في النقد، ملتزم بقضايا أمته، وصاحب موقف سياسي صريح وفظ أحيانا، وإن كان على صعيد شخصي دمث الأخلاق، عف اللسان، حلو المعشر، لا يساوم على مبدئه، حتى ولو دفع ثمنا باهظا.

وُلد عماد حجاج في الضفة الغربية، وتلقى تعليمه في مدارس وكالة الغوث في مخيم الوحدات في الأردن. حصل عام 1974 على أول شهادة تقدير للرسم عن مسابقة مدرسية حول موضوع إحراق المسجد الأقصى. التحق عام 1986 بجامعة اليرموك لدراسة الفيزياء، ثم تحوّل عام 1988 لدراسة الفنون الجميلة، ليحصل في عام 1991 على شهادة البكالوريس في الفنون الجميلة (فن الجرافيك) مع تخصص فرعي في الصحافة والإعلام.

نشرت أولى رسوماته الكاريكاتورية في صفحات مشاركات القراء في صحيفتي "الدستور" و"صوت الشعب" ومنذ عام 1989 عمل كرسام كاريكاتير سياسي في جريدة "آخر خبر" الأسبوعية. وفي الفترة ما بين 1990 و1998 عمل في عدة صحف محلية وعربية هي: "القدس العربي" اللندنية، "الوطن" القطرية، "الدستور" و"العرب اليوم" الأردنيتين. وفي الأسبوعيات المحلية: "الأهالي"، "الرصيف"، "البلاد"، "المستقبل"، "شيحان"، "الصحفي".

عام 1993 انتظم رساما يوميا في جريدة الرأي، واستمر حتى عام 2000 حيث أُنهيت خدماته. عمل في صحيفة الدستور الأردنية من العام 2000 حتى منتصف العام 2004. وعمل في صحيفة الغد الأردنية والقدس العربي. انتقل في 1 تموز/ يوليو 2012 للعمل مرة أخرى في جريدة الرأي الأردنية، واستقر به المقام أخيرا في صحيفة العربي الجديد اللندنية، التي نشر فيها الكاريكاتير الذي اعتقل بسببه، وانتشر في العالم كله انتشار النار في الهشيم، وكان من قبل غير معروف إلا لقراء "العربي الجديد"!

تحولت قضية عماد حجاج من قضية أردنية محلية إلى قضية رأي عام، ليس في الأردن فقط، بل في غير ساحة عربية، واستأثرت باهتمام الأردنيين والموطنين العرب من رواد منصات التواصل الاجتماعي، حتى أن الزميل الكاتب داود كتّاب نشر مقالا مطولا في الصحيفة الأمريكية الشهيرة "واشنطن بوست" عن القضية. المقال جاء بعنوان: "يقول الأردن إنه مهتم بحرية التعبير، ولكنه وضع رسام كاريكاتير سياسي في السجن"!

يقول كتاب: "إن الغريب إن تهمته لا علاقة لها بالأردن. مسؤولون قالوا لمدافعين عن الحريات أن توقيفه جاء لأن رسما كاريكاتيريا نشر في صحيفة صادرة في بريطانيا أغضب قادة في الخليج". ويقول إن الملك عبد الله بن الحسين يرفض في الأردن معاقبة الصحفيين للتعبير عن رأيهم، وكان قد قال إنه يريد لحرية الصحافة أن يكون سقفها السماء. ولكن توقيف حجاج يعكس وجود قوانين تتعارض مع هذا الهدف النبيل!

ويتحدث كتاب عن فكرة "الذم" في أنحاء العالم العربي، حيث تعمد الحكومات لتطبيق خاطئ للفكرة، حيث تعتبر أي إساءة لمشاعر قادة أصدقاء سببا لإسكات الصحفيين. والأردن ليس استثناء كما يبدو، فرغم موقف الملك المعلن، إلا أن الأردن له مواقف عدائية للعمل الصحفي مهما كانت وسيلة الإعلام.

ففي نيسان/ أبريل قامت قوى الأمن بتوقيف فارس الصايغ ورئيس التحرير محمد الخالدي لثلاثة أيام، بعد أن قام تلفزيون رؤيا بنشر آراء الأردنيين غير المرتاحين للحظر العام الذي فرضه الأردن بسبب جائحة كورونا.

وفي تمور/ يوليو، عندما اعتقلت الشرطة قادة نقابة المعلمين الذين كانوا يدعمون فكرة إضراب، أصدر المدعي العام الأردني قرارا للإعلام المحلي يمنعه من نشر أي كتابات متعلقة بالأمر. باسل عكور، صاحب موقع "جو 24" الإخباري قرر تحدي القرار. تم اعتقاله، وبعد ذلك تم إطلاق سراحه بكفالة.

ويقول كتاب، إن كون الرئيس الأمريكي يصف الصحفيين "بأعداء الشعب" فهذا يذهب بدون انتباه قادة تلك الدول. ولكن يجب أن لا يتم الاعتماد على واشنطن لحل المشكلة، فحرية التعبير حق عالمي مكفول في البند 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. كما كفل العهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية هذا الحق من خلال اتفاقية وقعت عليها معظم دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ودول أخرى مثل مصر ولبنان والمغرب واليمن قامت بإقرار تلك المعاهدة.

تضمن المعاهدة " حق كل إنسان في اعتناق آراء دون مضايقة.. وحرية التعبير. ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء بشكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها".

التزمت الدول العربية أيضا بإلغاء كافة المعيقات التي تهدد حرية التعبير. ففي عام 1996 وقعت الدول العربية على إعلان صنعاء الذي يعترف بأن "توقيف أو اعتقال صحفيين بسبب نشاطاتهم المهني هو انتهاك جسيم لحقوق الإنسان". الإعلان أيضا طالب بإلغاء كافة التدابير التي تحد من حرية الصحافة، ودعا لخلق مؤسسات إعلامية حرة ومتعددة الاتجاهات.

رغم ذلك، تُظهر قضية عماد حجاج أن الأردن فشل بتنفيذ التزاماته، وهو أمر موجود في الغالبية العظمي من باقي الدول العربية!

-3-
عماد حجاج، رقمه ١٠ من بين صحفيين وناشرين تم توقيفهم/ سجنهم بموجب قوانين الجرائم الالكترونية والمطبوعات والإرهاب منذ بداية العام الجاري، فضلا عن عدد من الصحفيين كانوا قد أحيلوا إلى القضاء بتهم متعلقة بالمحتوى، أو من تعرض للتهديد أو التخويف.

تغرد المحامية نور الإمام على تويتر قائلة: عندما عدلت المادة ١١٤ من قانون أصول المحاكمات الجزائية، أكد المشرّع على أن التوقيف إجراء استثنائي لا يتم اللجوء إليه إلا في أضيق الحدود، لحماية الحرية الفردية وللتأكيد على التوقيف إجراء احترازي وليس عقوبة مسبقة.

قضية عماد حجاج ليست قانونية كما يبدو، فهي سياسية بامتياز، لم تزل تتفاعل، ومنظمات حقوق إنسان وصحفيون وكتاب في الأردن وحول العالم، يتضامنون معه، خاصة وأنه معرّض لحكم بالسجن من سنة إلى ثلاث سنوات، كما حصل مع القيادي الإسلامي زكي بني رشيد، الذي حُكم بالتهمة نفسها بالحبس ثلاثة أعوام، خُفضت إلى عام ونصف العام مع الأشغال الشاقة، بعد إدانته بتهمة "القيام بأعمال من شأنها أن تعرض المملكة لتعكير صلاتها وصفو علاقتها بدولة أجنبية"، وهي جريمة بموجب قانون منع الإرهاب الأردني، وهو ينص في الفقرة (ب) مادة 3 على أنه يحظر "القيام بأعمال من شأنها تعريض المملكة لخطر أعمال عدائية أو تعكر صلاتها بدولة أجنبية أو تعرض الأردنيين لخطر أعمال ثأرية تقع عليهم أو على أموالهم"!

من أكثر التغريدات دلالة على ما يجري اليوم في قضية حجاج، ما كتبه الناشط السياسي الأردني أحمد أبو غنيمة في "تويتر": "أصبحنا في زمن يسمع فيه الأردني مسبّته وشتيمته بأذُنه ويقرأها على مواقع التواصل الاجتماعي ولا يستطيع الرد، أتعرفون السبب؟ لا خوفا من الشاتمين فهم أصغر من أن يخافهم أي أردني، بل خوفا من أن يجد نفسه في زنزانة في بلادنا، أي هوان أوصلتمونا إليه؟".
التعليقات (0)