مقالات مختارة

دحلان وفريدمان والجامعة العربية

علي الصالح
1300x600
1300x600

حتى جماعة محمد دحلان لم تتحمل وقاحات السفير الأمريكي في إسرائيل الصهيوني المستوطن ديفيد فريدمان، التي انعكست في تصريحاته لصحيفة "إسرائيل هيوم" اليمينية الناطقة بلسان نتنياهو، التي تجاوز فيها كل وقاحاته وتطاولاته السابقة على الشعب الفلسطيني.


طبعا ليس لأن هذه الجماعة لا تتمنى تحقيق ذلك على الأرض ورؤية قائدها وهو ينصب زعيما على فلسطين، ولكن لأن فريدمان بتصريحاته هذه، إنما يفضح على الأقل مخططات وطموحات دحلان، الذي عين نفسه رئيسا، لما يطلقون عليه تجاوزا "التيار الإصلاحي" في حركة فتح، إذ كيف يمكن أن يدعي أي شخص بأنه إصلاحي، بينما كان محورا أساسيا من محاور الفساد في السلطة الفلسطينية.


وللتذكير فقط؛ فإن ما يسمى "التيار الإصلاحي" ليس الظاهرة الأولى في تاريخ النضال الفلسطيني، بل سبقتها ظواهر أخرى، أشهرها ظاهرة صبري البنا (أبو نضال) الذي كان يطلق عليها "فتح الخط الصحيح" في أعوام السبعينيات والثمانينيات.


وانتهت هذه الظاهرة بتصفيته في آب/ أغسطس عام 2002 في العاصمة العراقية بغداد، بعدما رأى فيه نظام صدام حسين عبئا ثقيلا، رغم الخدمات الجليلة التي قدمها على مدى سنوات طويلة. وكذلك ظاهرة "فتح الانتفاضة" التي قادها العقيد أبو موسى وخالد العملة، بعد الخروج من بيروت بعد حرب 1982. وتلاشت هذه الظاهرة أيضا تدريجيا، كما تلاشت ظاهرة أبو نضال، رغم أنهما كانتا ظاهرتين سياسيتين، ليس الفساد في صلبهما.


وهذه الظواهر ليست موضوع مقالنا، وإنما تصريحات فريدمان، الذي تجاوز في عنصريته ويمينيته وحقده وكرهه للفلسطينيين، حتى عتاة المستوطنين، فجاءت هذه التصريحات مغمسة، كما العادة بالعنجهية والعنصرية والتعالي والفوقية؛ فقد اعترف فريدمان ردا على سؤال من صحيفة «إسرائيل هيوم»، حول ما إذا كانت الإدارة الأمريكية، تفكر في تنصيب دحلان المفصول من حركة فتح، بسبب تهم فساد وغيرها، واختار العيش في المنفى في كنف "صديقه" محمد بن زايد، في دولة الإمارات كزعيم فلسطيني جديد، بالقول: "نحن نفكر في ذلك، رغم أنه ليست لدينا مصلحة في هندسة القيادة الفلسطينية".


وأثارت هذه التصريحات ضجة كبيرة، خاصة على الصعيد الفلسطيني، حيث وصفت بسياسة ابتزاز رخيصة وتهديد ووعيد، ما دفع "إسرائيل هيوم" إلى تعديلها، والزعم بأن مراسلها أرئيل كاهانا ارتكب خطأ مطبعيا، بإسقاط حرف الـ"لا". بالتأكيد أن هذا التصريح لا يمكن أن يكون مجرد زلة لسان، وليس خطأ مطبعيا يرتكبه صحفي. وما يثبت أنه لم يكن هناك خطأ ارتكب، هو الجملة التي تلت "رغم أنه ليس لدينا مصلحة في هندسة القيادة الفلسطينية". ففريدمان وقبل أن يكون دبلوماسيا عاديا وسفير أكبر دولة في العالم، عمل محاميا لدى مجموعة ترامب، ولن تفوته مثل هذه الأخطاء، ولا بد أنه اطلع على نص اللقاء الصحفي قبل إعطاء الموافقة على نشره.

 

هذا التصريح يحمل بين طياته معاني كثيرة، وينطوي على رسائل عدة ليس أقلها محاولة غبية لترهيب أبو مازن والفلسطينيين بشكل عام، وحملهم على القبول بصفقة القرن التصفوية. وثانيا الترويج تدريجيا لفكرة عودة دحلان إلى الأراضي الفلسطينية، حتى إن كان على متن دبابة إسرائيلية/ أمريكية، وتسلم زعامة السلطة. وهذا ليس جديدا على أمريكا. ألم تأت بزعامات من المعارضة العراقية على متن الدبابات الأمريكية، بعد الإطاحة بنظام صدام حسين، ثم ألم يعلن ترامب قبل أيام أنه خطط قبل ثلاث سنوات لتصفية رئيس النظام السوري بشار الأسد، لكن وزير الدفاع السابق جيمس ماتيس هو من نصحه بعدم فعل ذلك.

وقد تلجأ العصابة الصهيونية التي تمسك بخيوط البيت الأبيض إلى أسلوب التصفيات والاغتيالات مجددا، إذا ما بقي موقف أبو مازن، هو العقبة الكأداء في طريق التنفيذ الكامل لصفقة القرن التصفوية للقضية الفلسطينية.


جامعة الدول العربية التي أبّنها وشيعها الفلسطينيون بعد اجتماعها الأخير الرافض للمقترح الفلسطيني، سقطت في الامتحان النهائي كما في كل مرة.


ولم يأت الرد على فريدمان، الذي يحتفظ بشقة في مستوطنة بيت أيل شمال رام الله، التي يوجد فيها مقر القيادة العسكرية في الضفة، وكذلك شقة أخرى في حي الطالبية في القدس الغربية، من أركان السلطة وقيادتها، كما أسلفنا، ولكن حتى من المتحدث باسم جماعة دحلان ديمتري دلياني، الذي قال إن كلام فريدمان مرفوض ومدان وغير مقبول.

 

ولكن رد دحلان شخصيا، بقي في إطار العموميات، وانتهاز هذه الفرصة للدعوة لتجديد شرعية القيادات والمؤسسات الفلسطينية كافة، بانتخابات وطنية شاملة وشفافة. وكأن ظاهرته ليست بحاجة إلى التجديد. وأسلوب العموميات هو الأسلوب نفسه الذي اتبعه دحلان للتهرب من إعطاء رأيه المباشر على إعلان اتفاق التطبيع الخياني بين نظام محمد بن زايد ونتنياهو رئيس وزراء حكومة الاحتلال، إذ لم يصدر عنه تصريح واحد واضح وصريح، يدين اتفاق التطبيع، أو على الأقل رفض التطبيع المجاني.

 

فجاء رده أنهم لو رفعوا علما إسرائيليا ليس في كل بلد أو مدينة عربية، بل في كل شارع، فإن هذا لا يغير شيئا من الواقع على الأرض، وهو وجود خمسة ملايين فلسطيني يعيشون في الضفة وقطاع غزة. كلام حق يراد به باطل، خاصة بعدما تردد أن دحلان أدى دورا أساسيا في التوصل إلى الاتفاق.

 

وحسب صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية، فإنه واحد من الفلسطينيين القلائل المؤيدين للاتفاق بين الإمارات وإسرائيل. وتحدث دحلان عن الدور التاريخي لدولة الإمارات في دعم صمود الشعب الفلسطيني، وأشاد في بيان له بالإمارات "لما تقوم به من ضغط مباشر على الإدارة الأمريكية وغيرها (إسرائيل) لإنهاء خطة الضم الإسرائيلية، وإحلال قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية، بدلا من خطة ترامب الاستعمارية".


وأخيرا، فإن ما يسمى بجامعة الدول العربية التي أبّنها وشيعها الفلسطينيون بعد اجتماعها الأخير، الذي رفضت فيه اقتراحا فلسطينيا يدين الدول التي ستوقع اتفاقات خيانية للقضية الفلسطينية، ومبادرة السلام العربية، سقطت في الامتحان النهائي، كما في كل مرة من المرات التي كان يراد منها أن تؤدي دورا محوريا. ولكن الامتحان الأخير ليس ككل الامتحانات السابقة التي كان فيها دورات تكميلية.

 

سقطت هذه المرة بجدارة وبامتياز على نحو لا يسمح لها بدورة تكميلية. فالسقوط الأخير هو الشعرة التي قصمت ظهر البعير. ولا أسف على هذه الجامعة، التي وجب تغيير اسمها لتحمل بعد "مفرقة الدول العربية"، أو "جامعة الدول العبرية". ونضم صوتنا إلى صوت رئيس الحكومة الفلسطينية محمد اشتية بضرورة تصويب علاقة فلسطين بالجامعة العربية، لصمتها أمام "الخرق الفاضح" لقراراتها؛ فقد أصبحت هذه الجامعة حقا رمزا للعجز العربي.


واختتم بالقول لإظهار الوجه الإيجابي في المعادلة السياسية الحالية، وبما يمدنا بالتفاؤل ويؤكد لنا أن ما تقوم به دول خليجية هو الاستثناء. فقد قال وزير الشباب والرياضة الماليزي سيد صادق عبد الرحمن، بعد قرار سحب بطولة العالم للسباحة من ماليزيا على خلفية رفضها دخول الرياضيين الصهاينة إلى أراضيها، في تصريح له: "إذا كانت استضافة حدث رياضي أهم من الوقوف إلى جانب إخواننا الفلسطينيين الذين يقتلون ويعذبون من قبل الاحتلال الصهيوني، فإن ذلك يعني أننا فقدنا البوصلة الأخلاقية، فلتذهب الرياضة إلى الجحيم".


وهذا الوزير الشاب من مواليد تسعينيات القرن الماضي، وهو بقوله هذا أثبت أنه أكثر أصالة وانتماء للحق، من الزعماء والرعاع المطبعين الذين تسندهم عكاكيزهم. ونقارن هذا الموقف بموقف قادة دولة الإمارات قبل توقيع اتفاق الخيانة مع إسرائيل، الذين سمحوا لوزيرة الرياضة الإسرائيلية ميري ريغيف السابقة، بعد أن شتمت الإمارات بألفاظ وإشارات مشينة لرفضها السماح بعزف النشيد الوطني الإسرائيلي ورفع العلم، في زيارتها للإمارات، ورُفع العلم الإسرائيلي في مناسبة رياضية أخرى في العام التالي. يذكر أن ريغيف وهي وزيرة المواصلات في حكومة نتنياهو الحالية تنتمي إلى الجناح الأكثر يمينية في حزب الليكود اليميني أصلا، وهي من النساء القلائل التي وصلت إلى رتبة عميد في جيش الاحتلال.


ويبقى أن نقول إن احتفالات البيت الأبيض بتوقيع اتفاقيات السلام بين إسرائيل والإمارات والبحرين، لن تجعل نحو خمسة ملايين فلسطيني يختفون من الواقع، وسيستمرون في البقاء جيرانا لنا، وليس لأبو ظبي والمنامة كما قال الكاتب الإسرائيلي أليئور ليف في مقال له في صحيفة "يديعوت أحرونوت".
نعم نحن على قلوبهم باقون صامدون مقاومون، وسينقلب قريبا السحر على الساحر.

 

"القدس العربي"
0
التعليقات (0)