أفكَار

أكاديمي: العنف نتاج الواقع والفكر وهذه أبرز الكتب المؤسسة له

كمال حبيب: تم وضع النظرية العامة في تقديري للعنف المعاصر من قبل  المودودي وسيد قطب (فيسبوك)
كمال حبيب: تم وضع النظرية العامة في تقديري للعنف المعاصر من قبل المودودي وسيد قطب (فيسبوك)

قدم الأكاديمي المصري المتخصص في العلوم السياسية، والخبير في الحركات الإسلامية، الدكتور كمال حبيب في سلسلة مقالات بحثية ينشرها تباعا، قراءة نقدية تحليلية لعشرة كتب باعتبارها كتبا مرجعية مؤسسة للعنف حسب تصنيفه لها. 

وقال حبيب في حوار مع "عربي21": "كنت من أتباع الرؤية التفسيرية التي تقول بأن الواقع والسياسات والسجون والقهر هي المسؤولة عن إنتاج العنف، لكنني مع التعمق كباحث في العلوم السياسية، وأستاذ لها وجدت أن الواقع ليس وحده المسؤول، إذ لم يكن أيمن الظواهري قد دخل السجن قبل أن يسعى لتأسيس تنظيمه، بل كانت لديه أفكار في رأسه دفعته إلى ذلك".

ولفت إلى أن مؤلفي الكتب العشرة التي قام بدراستها ونقدها، وبيان مكامن الخطأ فيها يلتقون على فكرة مركزية تتمثل بـأنهم يسعون إلى "إعادة ترتيب منظومة الدين وفق اجتهاداتهم بجعل أفكارهم المركزية هي الحاكمة على منظومة الدين كما عرفها المسلمون قبلهم".
 
وقلل حبيب من قيمة الاتهامات التي عادة ما توجه إلى أصحاب المراجعات الفكرية والفقهية داخل الحركات الجهادية، بأنها نتاج الضغوط الأمنية وتمت تحت إكراهات الاعتقال والسجون، وليست وليدة مراجعات ذاتية محضة، واصفا إياها بأنها "لا تستحق الرد عليها"، ومشددا في الوقت نفسه على أهمية المراجعات والتفكير النقدي.
 
وذكر أنه سُجن عشر سنوات، وأنه أول من قدم مراجعات فكرية حول أزمة العنف والتنظيمات السرية وضرورة بناء نظرية سياسية جديدة للحركة الإسلامية، وله كتاب مهم بعنوان (الحركة الإسلامية من المواجهة إلى المراجعة)، وكتاب آخر بعنوان (تحولات الحركة الإسلامية والاستراتيجية الأمريكية). 

وعبر عن هدفه من وراء نشره لهذه القراءات النقدية بقوله: "نحن ننزع عن هذه الكتب طابع القداسة ونحولها بتفكيكنا ونقدنا إلى كونها كتبا طبيعية عادية، أو نسلط الضوء للتنبيه ولخلق الوعي حين التعامل مع تلك الكتب بحيث لا تأخذ قراءها إلى مناطق ومسافات هي أبعد ما تكون عن عقولهم ونفوسهم وربما لم يكونوا يرجون لأنفسهم أن يكونوا فيها.

وأكدّ حبيب أن خلاصة ما يسعى إليه عبر هذه القراءات النقدية فتح الأفق "لاجتهادات جديدة، ومؤلفين جدد، وأفكار جديدة، أكثر بألف مرة مما نرى الآن، وحينها سوف توضع كل الأفكار في حجمها الطبيعي ووزنها المعتاد بلا تكفير ولا جاهلية ولا خصام مع الدنيا والعالم، ولا فكر تآمري ولا وسوسة، ولا عدم ثقة بالذات هذا هو ما نسعى إليه". 

في ما يلي الجزء الأول من المقابلة:

س ـ ليتك تذكر لنا الكتب العشرة التي قمت بمراجعتها ونقدها بوصفها كتبا مرجعية تؤسس للعنف؟


 ـ الكتب العشرة هي: 1 ـ المصطلحات الأربعة في القرآن لأبو الأعلى المودودي، 2 ـ معالم في الطريق لسيد قطب، 3 ـ رسالة الإيمان لصالح سرية، 4 ـ رفع الالتباس عن ملة من جعله الله إماما للناس لجهيمان العتيبي، 5 ـ الفريضة الغائبة لمحمد عبد السلام فرج، 6 ـ الدفاع عن أراضي المسلمين أهم فروض الأعيان لعبد الله عزام، 7 ـ الجامع في طلب العلم لسيد إمام شريف، 8 ـ مسائل في فقه الجهاد.. وله اسم آخر فقه الدماء لعبد الرحمن العلي وكنيته أبو عبد الله المهاجر، 9 ـ إدارة التوحش لأبي بكر الناجي، الذي يرجح أنه محمد خليل الحكايمه، 10 ـ كتاب الدار والديار لحلمي هاشم.

س ـ في مراجعتك النقدية والتفكيكية للكتب العشرة التي وقع عليها اختيارك للدراسة والمراجعة.. ماهي الأفكار المركزية المشتركة بين تلك الكتب بحسب قراءتك؟


 ـ نحن أمام ظاهرة تكبر، وتبدو لي كدرج السلم بدأت بالحاكمية عند المودودي، ثم أخذت بالتصاعد والتشدد والعنف والوحشية والدم حتى بلغت منتهاها مع داعش، وهو ما أفزعني جدا، فذهبت لدراساتها ومراجعاتها وتفكيك أفكارها والتنبيه على ما فيه من أفكار.

أما الأفكار المركزية المشتركة بين تلك الكتب، فتتجلى في فكرتين رئيستين تعمل تلك الكتب على نشرها وترسيخها، الأولى: أنها جعلت الأمة موضوعا للاجتهادات الجديدة لمؤلفيها بتوجيه سهام الجاهلية والتكفير إليها باعتبار أفرادها تزلزلت عقائدهم وأنهم لم يعودوا رغم شهادتهم بشهادة الحق والتوحيد على شيء من الإسلام رغم أنهم يصومون ويصلون ويزكون ويحجون ويقرأون القرآن ويقيمون الجمع والجماعات ويحبون الله ورسوله وغالب نسائهم محجبات، فهم يجتهدون (أعني مؤلفي تلك الكتب) في مواجهة الأمة يجعلها موضوعا لأحكام التكفير والتجهيل وانقطاع الصلة بالإسلام. 

الفكرة الثانية تتمثل في إعادة ترتيب منظومة الدين وفق اجتهادات مؤلفي تلك الكتب بجعل أفكارهم المركزية هي الحاكمة على منظومة الدين كما عرفها المسلمون قبلهم، فالمودودي بدأ بالحاكمية السياسية واعتبر من لم يؤمن بها ويفهم المصطلحات الأربعة كما يقدمها هو من مسلمي الهند قد خرج من الدين الإسلامي، ثم طور سيد قطب مفهوم الحاكمية السياسية إلى مفهوم الجاهلية التي كررها أكثر من ستين مرة في كتابه المعالم، ثم انتقل صالح سرية إلى الردة الجماعية للمسلمين ووضع لائحة للتكفير مريعة ومخيفة، ثم جاءت أفغانستان التي تخلقت في عنفها ودمويتها ووحشيتها أفكار فقه الدماء والتوحش وتكفير أعيان المسلمين ثم تكفير أعيان المسلمين بسبب أنهم رضوا بالعيش في ديار الكفر على حد قول غلاة المؤلفين وغلاة غلاتهم وهكذا.
 
وفي تقديري أن مؤلفي تلك الكتب بلا استثناء شخصيات قلقة لديها شعور ذاتي بالاصطفاء، وأنها تحمل على عاتقها هما كبيرا وحملا ثقيلا هو إعادة الدين إلى ما كان نقيا صافيا تماما كما كان في عصر الصحابة والدعوة الأولى، وهم جميعا تلبستهم أحوال مهدوية تصوروا فيها أنهم من حاملي عبء الدفاع عن هذا الدين، وبالتالي تصوروا أنهم مرشدون فوق الناس وأن أفكارهم وكتبهم هي سبيل الخلاص والنهوض للأمة ليس عن طريق الاعتراف بالأمة وإسلام أهلها وإنما بخلق أمة جديدة  وإنشائها إنشاء، جميعهم إما دعا إلى تأسيس تنظيم جديد أكثر عقدية كما في حالة سيد قطب الذي اعتبر أن تنظيم الإخوان لم يكن على مستوي عقدي كاف وبالتالي لا بد من إعادة التربية العقدية للتنظيم الجديد وفق عقيدة جديدة، وكما فعل سيد إمام حين فاصل تنظيم الجهاد وذمه وذم غيره من أمثال الجماعة الإسلامية وغيرهم، أو أبو مصعب الزرقاوي الذي اعتبر رؤيته القاطعة الجذرية في مواجهة الأمة والشيعة هي التوحيد والجهاد.

س ـ وهل تلك الأفكار المؤسسة للعنف تتشابه في مضامينها أم ثمة تمايز وفروقات بينها مع كونها في مجموعها ينطبق عليها ذلك الوصف؟


تم وضع النظرية العامة في تقديري للعنف المعاصر من قبل المودودي وسيد قطب، وهما لم يكونا على وعي أو علم بالتطور الذي سيجري من بعدهما ويجعل من أفكارهما سياقا فكريا لظاهرة العنف المستندة للدين، وجرى توظيف أفكارهما من جانب من جاء بعدهم فشكري مصطفى تأثر بهما، وصالح سرية تأثر بهما والسلفية الجهادية تأثرت بهما وأخطر ما قدماه هو جعل الدين أيديولوجيا، والأيديولوجيا تجرد الدين من قدسيته وتحوله إلى مساحة للتلاعب والتوظيف والتخليق كما حدث فيما عرف باسم السلفية الجهادية التي خلقت وخلطت أفكار سيد قطب والمودودي وأفكار ابن تيمية على وجه الخصوص، وربما أحمل المسؤولية لمن فعلوا ذلك مع أفكار ابن تيمية، لكنني لا أستطيع أن أبرئ قطب والمودوي لأنهما كانا يدركان أنهما يبذران بذورا لأيديولوجيا سياسية في سبيل الوصول للسلطة وإقامة الدولة الإسلامية كغاية في ذاتها باعتبارها أداة تحقيق الفردوس المفقود لاستعادة المدينة الفاضلة التي تبدو حالة مهدوية أغرت أجيالا مسحورة بها وبددت طاقات هائلة فيما لا طائل منه.

نحن أمام أفكار متشابكة تتصاعد من الحاكمية والجاهلية إلى الولاء والبراء إلى التكفير إلى تكفير الأعيان بشكل ممجوج وواضح كما فعل مثلا سيد إمام في تكفير أعيان الطائفة الممتنعة، ثم في إدارة التوحش التي اتجهت بعنفها وتدميرها إلى المجتمع ذاته لتفكيك حيواته وأسباب تماسكه وتلاحمه وتوجيه السهام إليها حتى يسهل على تنظيماتهم افتراسها وإدارتها من أجل إسقاط النظم القائمة وإقامة دولتهم الممكنة. 

س ـ من خلال قراءتك ومراجعتك للكتب العشرة المذكورة ما هي أبرز الأفكار التي نقلها اللاحق عن السابق، كسيد قطب عن المودودي مثلا، وأصحاب الكتب المتأخرة عن سيد قطب؟


 ـ قطب أخذ الحاكمية من المودودي وطورها للجاهلية، ثم طور صالح قائمة بالردة الجماعية للأمة، ثم طور محمد عبد السلام فكرة الطائفة الممتنعة مستلهما إياها من ابن تيمية في الفتاوى الكبرى، ثم الجامع في طلب العلم الشريف الضخم كفر المعين من الطائفة، ثم إدارة التوحش وهو كتاب في الاستراتيجية أكثر منه في العقيدة وهو أشبه بكتاب الأمير لميكافيللي الذي سعى لتدمير وإضعاف بنى المجتمعات وأسباب وحدتها وتماسكها حتى يمكنه أن يقيم بينهم إدارة للتوحش كما حدث في الرقة والموصل وفي إفريقيا والصومال وفي المناطق التي سيطر عليها تنظيم القاعدة وكذلك تنظيم داعش من بعد.

س ـ ما هي المعايير المحددة لاعتبار فكر ما بأنه مؤسس للعنف.. وهل التزامك بتلك المعايير هو ما أوصلك إلى إدراجها تحت ذلك الوصف؟


 ـ بالإضافة لما ذكرته عن الاجتهاد في مواجهة الأمة وليس من أجل الأمة كما فعل أئمتنا الكبار أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد، وطبقاتهم من بعدهم فقد كانوا يحمون عرض الأمة من أن يغتصبه جاهل أو غال بإخراج الناس من الدين وتكفير المسلمين فعقيدة أهل السنة والجماعة أنهم لا يكفرون مسلما بذنب ما لم يستحله أو بجحد ما أدخله في الإسلام.

الأمة عندي أعز وأهم من كل مؤلفي الكتب العشرة وغيرهم فهي حامية الدين وهي الجسر الذي حمل هذا الإسلام حتى وصل إلينا نحن الأجيال الجديدة التي أرادت تجديد الدين بالقطع مع ما سبق من علوم وحضارة وأعمال وإعادة الاكتشاف والتأسيس للدين من جديد وكأننا نبدأ من اللحظة التي ظهر فيها النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم في مكة.

مسألة العقيدة والتوسع فيها وتضخيم حجمها وإعطائها أهمية أكبر من بقية نظام الدين ونسقه، وهذه كارثة كبيرة، فالعقيدة كما نلاحظها في عالم أهل السنة والجماعة وأفكارهم أنها كتيبات صغيرة لا تبلغ بضع صفحات جاء شراح من بعدها فتوسعوا فيها، بل وبنوا عالما من المقولات التي وسموها بالعقدية واعتبروها معيارا لإسلام المسلمين والمختلفين معهم من العلماء كما كان يفعل حنابلة بغداد وهم أغلب من كتبوا عن البدعة والمخالفين وهجرهم وتفسيقهم وذمهم وحتى إخراجهم من الملة، ودعم تلك المؤلفات التيار النجدي السعودي بعد ذلك، وجاء شباب الحركات الإسلامية في السبعينيات فلم يدرك السياقات التي ألفت فيها تلك الكتب واستلهم أفكارها وأعاد عالم الفرق إلى الحياة من جديد.

فكل واحد يقول إعادة العقيدة وتعليم الناس على العقيدة، وكأن العقيدة وحدها هي التي تجعل المنظومة كلها تعمل فالصلاة والصيام والزكاة والحج والصدقة والتزكية والتحلية كله يعمل لكن أن تجعل العقيدة هي معيار تعاملك مع الناس فتصنفهم وتكفرهم وتقاتلهم بعد ذلك.

التعليقات (1)
مصري
الإثنين، 28-09-2020 03:17 م
الاستاذ كمال حضرتك تاريخ و صاحب عشرة سنين في السجن ربنا يجعلهم في ميزان حسناتك و ربما انا لا استطيع احتمال يوم واحد ربنا يحفظنا و يفرج كرب المسلمين و الاسرى استاذ كمال اقل الاشياء من حقنا ان ندافع عن انفسنا و لا تلوم الكتب استاذ كمال احتلنا العدو بجيشنا و شرطتنا و هذا اشد انواع الاحتلال قسوة و ضبابية حيث يقلب الحق باطل و العكس و الخونة ابطال و الابطال اصبحوا جواسيسي مثل الرئيس محمد مرسي رحمة الله عليه استاذ كمال لم يعد هناك ما نخسره و سلمية الاخوان اقوى من الرصاص ماذا افادت و الرئيس مرسي كان يثق في الجيش و الشرطة و يقول عنهم رجال من ذهب فكانوا اول من خانوه و قتلوه صبرا طوال 6 سنين و قتلوا ابنه و خطفوا ابنه الاخر و يريدون نهب امواله لتشحت زوجته لكن لو كان تخلص من هؤلاء الخونة الصهاينة لكنا في امان و سلام الان هذه تجربة قاسية قتل في رابعة و احرق الجرحى احياء 11 الف بينما في مسرحية خالد يوسف كان توزع الحلوى استاذ كمال لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين و نحن قتلنا مرات و مرات