ملفات وتقارير

ما هو المستقبل السياسي للإسلاميين في السودان؟

الغموض يلف مستقبل الإسلاميين في السودان  (الأناضول)
الغموض يلف مستقبل الإسلاميين في السودان (الأناضول)

كان للإسلاميين في السودان دور رئيس في قيام حكومة الإنقاذ وفي استمرارها لثلاثين سنة. وكان نفوذهم الأقوى رغم أنهم تقاسموا السلطة مع كثير من الحلفاء في مراحل مختلفة وكانت الفترة الأخيرة هي الأوسع تحالفاً مع بعض الأحزاب وكثير من ممثلي الحركات الإقليمية التي وقعت اتفاقيات سلام مع حكومة البشير.. ويمكن القول بأن نفوذ الإسلاميين تضاءل في الفترة الأخيرة رغم بقاء رموز منهم في مفاصل السلطة.

بعد الثورة التي أطاحت بنظام البشير يتساءل المراقبون عن حقيقة وضع الإسلاميين الآن، وهل سيستمر حال الإنزواء وقلة الفاعلية في المشهد السياسي أم إن هذا الوضع سكون مؤقت فرضته رياح الثورة التي استهدفتهم؟

يرى رئيس منبر السلام العادل في السودان الطيب مصطفى في حديث مع "عربي21"، أن بناء الإسلاميين في خلال نصف القرن الماضي لا يمكن أن يختفي فجأة، كأنه لم يكن وأن تنظيماتهم لابد أنها ستعاود التجلي بعد الاحتجاب في أشكال مختلفة.

ولكن ما هو المستقبل السياسي للإسلاميين في السودان؟

للإجابة على هذا السؤال لابد من ربط الاحتمالات بأمر آخر هو أيضا مجال تكهن وحيرة، وهو مستقبل الديمقراطية والحرية في السودان، بما أن المرحلة الانتقالية تشهد اختلافات وإخفاقات كثيرة ولا يستبعد أن تنتهي إلى نهايات غير المرسومة لها. 

يتحدث الطيب مصطفى عن احتمالين:

 ـ الاحتمال الأول: المضي إلى انتخابات وقيام نظام ديمقراطي، بحسب الوثيقة الدستورية التي توافقت عليها الأطراف، وهي مرحلة ستنتهي بعد ثلاث سنوات (مضى نصفها) وتقوم انتخابات عامة حرة ونظام ديمقراطي مفوض.

هذا الاحتمال الذي يبدو بعيداً الآن، حيث لم تعد الأطراف تذكر الانتخابات أو تستعد لها بما يلزم من إجراءات، ذلك أن الأحزاب الصغيرة الأكثر نفوذا في هذه الحكومة ليست معنية بالانتخابات وترى فيها نهاية لنفوذها وسيطرتها التي اكتسبتها من خلال الثورة. وقد عبرت جهات عديدة عن ضرورة تمديد الفترة الانتقالية وفيها الحركات المسلحة التي بدأت توقيع اتفاقات مع الحكومة وتريد أن تقتسم السلطة معها إلى أجل غير مسمى. 

ومن أهم العوامل المحسوسة التي تدعو للشك في تنفيذ البنود الخاصة بقيام انتخابات وتسليم السلطة لحكومة منتخبة أن القوى الإقليمية المؤثرة في واقع السياسة السودانية، لا ترغب في هذا التطور.

ومن الواضح أن دول الجوار التي كانت نشطة جدا في ملاحقة ثورات الربيع العربي وإجهاضها (كما حصل في مصر وليبيا) لا تزال حريصة على ذات الملاحقة في تونس والسودان. ونسبة لظروف الضائقة الاقتصادية فالسودان مضطر للرضوخ لضغوط هذه القوى ولإغراءاتها.

ومع كل ذلك فإن احتمال أن تقوى بعض الأحزاب السودانية ومعها الشارع أو جزء من الشارع في فرض إرادتها والالتزام بقيام انتخابات، هو احتمال قائم.

ومن المحتمل، وفق الطيب مصطفى، أن يسعى الإسلاميون، والذين يرى بأن حالهم اليوم أفضل بكثير من أيام الثورة الأولى، إلى ترجيح كفة الديمقراطية والعبور إلى انتخابات. وفي هذه الحالة فإنه بوسعهم تجميع صفوفهم التي تعرضت للانقسام والتمزق، وربما يسعون لقيام جبهة من التيارات الإسلامية حول القضايا التي ستبرز مرة أخرى.

ومن المرجح في حالة ديمقراطية، أن يحدث اصطفاف جديد بحسب المسائل والبرامج المطروحة. لأن تقسيمات الأحزاب القديمة لم تعد تعبر عن حقيقة الواقع السياسي في السودان أو في الإقليم كله، فالأحزاب التقليدية لا اختلاف بينها إلا في التاريخ والأشخاص، والحزب الشيوعي لم يعد يعبر عن فلسفة اقتصادية محددة وبينهم اختلافات حول البرامج كما أن المعسكر السوفييتي الذي كان يلهم مسيرتهم لم يعد موجودا.. والأحزاب العربية كالبعث والناصري هي صدى مراحل تاريخية ولا تعبر عن أشواق المستقبل. في ظل هذه الحالة سيكون الاصطفاف، متوقفا على أسس جديدة وحول برامج مختلفة.. 


ووفق الطيب مصطفى فإنه سواء بقي الموتمر الوطني باسمه أو تحت أي اسم جديد فإنه كذلك سيكون معرضا للأخذ منه انتقاصا، أو بالإضافة إليه، زيادة بحسب برامجه ومواقفه.

وبما أن الموتمر الوطني كان أشبه بتحالف يجمع بداخله الإسلاميين مع بعض رجال الإدارة الأهلية وأعيان القبائل وكثير من رجال الأعمال وحلفاء آخرين فإن بعض هؤلاء يختارون مواقعهم بحسب السلطة القائمة وقريبا منها ليكونوا قريبين من مكان اتخاذ القرار، أما أصحاب الأفكار والمبادئ فربما يبقى موقفهم التاريخي وأكثرهم من الشباب ومن طبقة المهنيين وبعض البيوت الدينية المحافظة. 

وفي هذه الحالة ـ أي وجود مناخ ديمقراطي ـ فإن إجراءات العزل السياسي التي عانى منها الإسلاميون ستكون ضعيفة ولا يرجى لها نجاح.. هذا فضلا عن أن الحجر على الرأي مخالف أيضا لمبادئ الثورة وللوثيقة الدستورية.. وربما يبقى المؤتمر الشعبي مستقلا من الناحية التنظيمية وأن تتفق المواقف في مسائل الشريعة والعلاقات الخارجية مع غيره من الإسلاميين، وربما لا يحقق الإسلاميون نصرا يمكنهم من الحكم في الانتخابات القادمة ولكن وزنهم على الأقل سيجعل التحالف بينهم وبين غيرهم مؤثرا في الساحة السياسية وربما تقارن هذه الحالة بما آل إليه الوضع في تونس، حيث آثروا حتى عند حصولهم على أغلبية برلمانية أن يكونوا جزءا من تحالفات أوسع.

 

إقرأ أيضا: سياسي سوداني يطالب بنقل مفاوضات السلام إلى الدوحة

ـ الاحتمال الثاني:

 تترجمه الظروف الإقليمية الساعية لإدراج السودان في تحالف إقليمي خليجي مصري وكذلك ترجحه رغبة الأحزاب الصغيرة كالبعث والشيوعي والحركات المسلحة الموقعة جميعا في أن تمتد الحالة الانتقالية وأن يكون لهم الحظ الأوفر.. وعلى كل حال فإن مثل هذه الحكومة سيكون من همها القضاء على تفوذ الإسلاميين في المجتمع وهو خط اعتمده الحلف الخليجي في كل المنطقة ويناصره عليه في داخل السودان كثيرون..
 
والسؤال الذي ينشأ في هذه الحالة وهو مصدر قلق للقوى المعنية في الداخل والخارج ماذا يصنع الإسلاميون في هذه الحالة؟ هل هم قادرون على مواجهة حكومة شمولية مدعومة بالمال والقوى الدولية تتوجه لتصفية وجودهم؟

الجواب على هذا السؤال ليس سهلا ولكن التجربة في البلاد الأخرى مصر ـ تونس ـ ليبيا تدل على أن تصفية الإسلاميين بالكامل ليس وجبة سهلة، وبما أن وجودهم في المجتمع متجذر فهم يتقلبون بين حالة النشاط والكمون أو البيات الشتوي والنشاط الصيفي بين شرعية النشاط وظهوره وبين سرية العمل وخفائه.

والحالة في السودان نسبةً لطول بقاء الإسلاميين في الحكم وتجذر وجودهم في المجتمع قد تجعلهم وفق الطيب مصطفى أصعب مراساً مما كان عليه الحال في البلاد الأخرى، ومع ذلك فإن الإسلاميين في السودان الأقرب لأنهم تيار عريض وليسوا تنظيماً واحداً متماسكاً، ومثل هذا التيار إذا تعرض لضغوط هائلة فإن من المحتمل أن يكون لكل مجموعة بداخله رد فعل مختلف، وفق تعبيره.


ورأى مصدر سياسي سوداني تحدث لـ"عربي21"، وطلب الاحتفاظ باسمه، أن بعض الإسلاميين قد يُؤْثر التراجع إلى نشاط اجتماعي أو روحي دون السياسي، والبعض الآخر قد يبحث عن منصة مشروعة للتعبير عن فكره، والشباب هم النواة الصلبة في هذه الجماعة وقد يلجأ بعضهم للعنف وقد يجد متنفساً في الجماعات المسلحة بالمنطقة.

وأشار إلى أن هذا "حدث لجماعات الإخوان في مصر عندما اشتدت بها الضائقة وألقيت قياداتها وشبابها لسنين طويلة في السجون، صبرت القيادات واستمسكت بالعمل السلمي الدعوي، بينما تملك الشباب غضبٌ ألجأه إلى تكوين جماعات عديدة سميت بأسماء مختلفة وقامت بتكفير السلطة واستباحت العنف المطلق".

وفي حالة السودان، يرى المصدر، أن قيام جماعات مسلحة وإرهابية من شأنه أن يؤدي تلقائياً إلى تواصل هذه الجماعات بأشباهها في شرق القارة وغربها، وإذا وقع ذلك فإن تأثيره سيكون واسعاً وعميقاً؛ نسبةً لموقع السودان في وسط القارة ولطبيعته الجغرافية.

وأضاف: "فيما عدا الشباب أو بعضهم الذين ربما يدفعهم الكبت إلى هذه المصائر، فإن بقية التيار الإسلامي على الأرجح ستتمكن من إيجاد منافذ من العمل المحدود بمقدار الحرية المتاحة وسيكون أمامهم خيارات كالتي كانت تتحدث عنها معارضة الإنقاذ في نداء السودان وهي: الثورة السلمية أو الثورة المدعومة عسكرياً أو اختراق السلطة سعياً لهبوط ناعم (من الصعب تصور حالة استقرار سياسي في ظل أوضاع قهرية ويقاومها إسلاميون مع معارضة أخرى ليبرالية وفي ظل أوضاع اقتصادية بائسة، لا يمكن تصور بقاء نظام كهذا إلى أمدٍ طويل فسيكون على الأرجح حالةً عابرةً إلى أجلٍ معدود)"، على حد تعبيره.

 

أما رئيس تحرير صحيفة "المجهر السياسي" السودانية الهندي عزالدين فرأى في حديث مع "عربي21"، أن "الإسلاميين في السودان يعيشون حالياً حالة نشوى و ارتياح نفسي رغم ما يضربهم من حصار سياسي و أمني، ورغم حل حزبهم و اعتقال جميع قيادات الصف الأول، والسبب أن الشعب السوداني تأكد بما لا يدع مجالاً للشك أن اليسار المتحالف مع العسكريين في السودان قد فشل فشلاً ذريعاً في إدارة الدولة".


وأضاف: "الآن في السودان بدأ كثيرون يندمون أنهم خرجوا أو أيدوا ثورة كانون أول (ديسمبر) 2018 التي أطاحت بحكم البشير في نيسان (أبريل) 2019، فالأوضاع الاقتصادية تأزمت بصورة غير مسبوقة، وتضاعفت أسعار السلع الاستهلاكية بنسبة ما بين 200% إلى 400%، وارتفع سعر الدولار في السوق من 80 جنيهاً في أواخر عهد البشير إلى 250 جنيهاً".


وتابع: "انهار الاقتصاد، وضعفت سيطرة الدولة على الولايات، وقطعت قبائل البجا في شرق السودان طريق العاصمة القومي مع الميناء الرئيسي، وصارت التفلتات الأمنية السمة الأساسية للمشهد في السودان، وتراجعت هيبة القوات النظامية و ضعف دور الشرطة".

 

وأشار الهندي عزالدين إلى احتمال أن تنضم مجموعات من الإسلاميين إلى أحزاب و كيانات أخرى، خاصة المنحدرين من ولايات دارفور، حيث عادت بعض الحركات من العمل المسلح للعمل السياسي، لكنه "استبعد تماماً أن ينخرط إسلاميون من عضوية الحزب الحاكم سابقاً في السودان في أي تنظيمات جهادية أو إرهابية"، وفق تعبيره.

 

إقرأ أيضا: لجنة "إزالة التمكين" بالسودان تبرر مصادرتها لمؤسسات إعلامية

التعليقات (0)