قضايا وآراء

هل يمكن تصور حرب كونية على أنقاض الأزمات؟

أحمد القديدي
1300x600
1300x600

لا نستبعد أبدا حين نقرأ الأحداث الراهنة وتفاقم بؤر التوتر والصراعات الإقليمية أن البشرية مقبلة على مأساة حرب كونية قادمة. وآخر التوقعات والمحاذير جاءت على لسان (عميد) الدبلوماسية الأمريكية الثعلب الأمريكي الأكاديمي، كما سماه وزير خارجية فرنسا في عهده صديقي طيب الذكر (ميشال جوبير)، وهو وزير الخارجية الأسبق و مستشار الأمن القومي الأسبق (هنري كيسنجر) راعي ما يسمى السلام في ما يسمى الشرق الأوسط وصاحب براءة اختراع سياسة "الخطوة خطوة" ومبتكر ما اصطلح على تسميته في السبعينيات بالجولات المكوكية في عهد الرئيس نيكسن ثم جونسن ثم ريغن.

حذر هنري كيسنجر من حرب عالمية محتملة أطلق عليها نعت (الحرب الكونية) لأنها كما قال تتجاوز الصدامات التقليدية لتحتل مواقعها في الفضاء وعلى شبكات الويب وتستعمل فيها خاصة أدوات الذكاء الاصطناعي. وسيكون طرفاها الرئيسيان الولايات المتحدة والصين. 

ونقلت وكالة "بلومبيرغ" يوم الخميس 8 تشرين أول (أكتوبر) الجاري عن كيسنجر قوله، إن المهم الآن في السياسات العريضة للبلدين هو وضع حدود للمواجهة. وحذّر قائلا: "ذلك السبيل أمام عدم تكرار الحرب العالمية الأولى اليوم". وقال كيسنجر إن ما يحصل اليوم أشبه بحرب عالمية باردة بين الدولتين، مضيفا أنه يخشى أن تتطور هذه الحرب قريبا. وأوضح كيسنجر أن هناك مشكلة لدى واشنطن وهي ترسيخ قناعة أن الولايات المتحدة هي المهيمنة على العالم وحدها وهي قناعة خاطئة يجب تغييرها بحسب كيسنجر. وليست هذه المرة الأولى التي يحذر فيها كيسنجر من صراع محتمل بين البلدين. 

 

جاء في خطاب رئيسة الإتحاد الأوروبي السيدة (أورسيلا فون دير لايان) الذي ألقته في بروكسيل بعنوان (حالة الإتحاد الأوروبي) أن أوروبا تخشى من انهيار النظام العالمي الغربي أساسا ودخول العالم منطقة مطبات خطيرة لافتة الأنظار إلى أن حلف الناتو يتصدع تدريجيا بالتوترات القائمة بين بعض أعضائه

 



يشار أيضا إلى أن وزير الخارجية الصيني (وانغ يي) كان أعلن في تموز/ يوليو الماضي خلال مؤتمر صحفي أن بكين ستتخذ إجراءات حازمة وحاسمة ضد واشنطن إذا تدهورت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وقال: "إن إغلاق القنصليات والتضييق على البعثات الدبلوماسية الصينية في أمريكا يعتبر آخر أشكال الحرب الباردة بين البلدين.

"ثم إن وكالة (يو بي شاينا نيوز) المستقلة والمطلعة عادة على أدق الملفات السياسية سربت خبرا مفاده أن وزارة الخارجية الصينية استدعت سفير الولايات المتحدة هذه الأيام و"أبلغته تمنيات القيادة الصينية كامل الشفاء للرئيس ترامب والسيدة الأولى كما أشعرت السفير أن بكين لم تكن مرتاحة للتصريحات المتكررة للرئيس ترامب والتي مفادها نعت الرئيس لفيروس كوفيد ـ 19 بأنه فيروس صيني وذلك في عديد المرات آخرها على تويتر في تغريدة للرئيس الأمريكي صدرت عنه يوم الأربعاء 7 تشرين أول (أكتوبر).

يستنتج خبراء الجيوستراتيجيات في العالم أن هذه المؤشرات لا تخطئها العين، لأنها تؤكد مناخ انعدام الثقة بين القيادتين.. أضف إلى ذلك ما أصدره معهد (ستانفورد) للدراسات من إحصائيات الاقتصادات العالمية جاء فيها أن الصين هي الدولة الوحيدة التي ستحصل في نهاية عام 2020 على درجات نمو اقتصادي وصناعي وزراعي إيجابية بعكس الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا. 

وإذا حللنا الأوضاع الداخلية في الإدارة الأمريكية نجد أن أزمات عديدة تهدد استقرار واشنطن منها صدور كتاب خطير لمستشار الأمن القومي السابق (جون بولتن) الذي بيع منه إلى حد اليوم 3 ملايين نسخة دون الترجمات إلى 8 لغات، وهو يقرأ أسرار البيت الأبيض من الداخل ويكيل التهم لرئيسه ترامب بما صنفه هو من حجج تؤكد أن الولايات المتحدة مهددة بالتلاشي والفوضى جراء ما اعتبره المستشار السابق تهورا رئاسيا وانعدام شعوره بالمسؤولية الثقيلة التي وضعها الشعب الأمريكي على كتفيه في تشرين الثاني (نوفمبر) 2016، مع عنصر طارئ جديد وهو ما أطلق عليه الرئيس ترامب نفسه نعت (مؤامرة المجمع العسكري الصناعي) military industrial complex ضده شخصيا واتهم وزيره المقال للدفاع (جون ماتيس) بأنه يحرك ضده حوالي 65 ضابطا ساميا متقاعدين بهدف إزاحته من البيت الأبيض بالقوة في حال إعادة انتخابه للرئاسة يوم 3 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل (راجع نشرة ستراتيجيك ألرت الأمريكية عدد 39 ليوم 24 أيلول/ سبتمبر 2020). 

ولا بد أن نشير إلى أصداء كل هذه المحاذير في الاتحاد الأوروبي، حيث جاء في خطاب رئيسة الاتحاد الأوروبي السيدة (أورسيلا فون دير لايان) الذي ألقته في بروكسيل بعنوان (حالة الاتحاد الأوروبي) أن أوروبا تخشى من انهيار النظام العالمي الغربي أساسا ودخول العالم منطقة مطبات خطيرة، لافتة الأنظار إلى أن حلف الناتو يتصدع تدريجيا بالتوترات القائمة بين بعض أعضائه (تركيا واليونان) والتي وجد الأمين العام للحلف نفسه عاجزا عن حلها سلميا في زيارته الأخيرة لكل من أنقرة و أثينا!

التعليقات (0)