مقالات مختارة

بين مصر واليونان.. الطريق المسدود أمام تحالف موءود!

أحمد القديدي
1300x600
1300x600


عندما ظهرت على سطح الأحداث قضية شرق البحر الأبيض المتوسط، واحتواء باطن البحر على كنوز من الغاز حسب مسح جيولوجي أمريكي - أوروبي حديث، بدأت المناورات الدولية من أجل احتلال حيز من شرق المتوسط، ولم تبق دولة لا عظمى ولا قوة إقليمية خارج السباق.

فالاتحاد الأوروبي رأى في هذا المسح فرصة تاريخية لتزويد دوله بطاقة الغاز المكلفة حاليا وخاصة فرنسا وإيطاليا، كما سارعت تركيا إلى عقد اتفاقها مع الحكومة الشرعية في ليبيا، ودشنت مصر السيسي مرحلة جديدة من التحالف مع خصمها القديم (اليونان) وذيلها (قبرص اليونانية)، ودخلت روسيا على الخط من باب المتمرد خليفة حفتر، وبالطبع لم تبق واشنطن مكتوفة الأيدي، لكنها عوض التدخل المباشر اختارت خطة صفقة القرن بجلب العرب إلى توقيع معاهدات "سلام" مع الدولة العبرية، التي هي درعها التقليدي في الشرق الأوسط وحامية حمى المصالح الأمريكية.

والرئيس ترامب - كما قالت واشنطن بوست في افتتاحيتها - سمع نصائح مجلسه القومي للأمن، فلم يتدخل في صراع مفتوح على مخزون غاز شرق المتوسط مخيرا سياسة الخطوة خطوة، وها هي السودان المستنزفة توقع معاهدة "السلام" مع نتنياهو! مقابل عودتها إلى منظومة الدول المتمتعة بثقة الولايات المتحدة والمتخلية عن وصمة الدولة الراعية للإرهاب!.

فقوة أمريكا الحقيقية هي هنا: حلف عربي تقوده إسرائيل وأركانه مصر والسعودية والإمارات والبحرين والسودان في انتظار ما أعلنه ترامب من التحاق خمس دول أخرى، وهنا جاء التحالف المصري اليوناني، ولو أردنا تلخيص موقف مصر الرسمي من هذا التنافس الخطير لقلنا على لسان شخص مقرب من السيسي بأن مصر تعتبر أن أهم قوتين في منطقة شرق المتوسط هما مصر واليونان، باستخفاف بالقوة التركية التي ثبت أنها مدربة منذ عقدين على حماية مصالحها في سوريا والعراق وليبيا وقبرص وناغرنو كاراباخ، وتقول مصر بأن تحالفها مع اليونان إلى جانب دولة قبرص هو بمثابة "تكتل سياسي استراتيجي لتعزيز ما سمته مصر "السلام والاستقرار والتنمية في المنطقة"! مدعية أن الدولة المصرية وقيادتها السياسية نجحت خلال السنوات الأخيرة في إدارة ملف العلاقات داخل منطقة شرق المتوسط بآلية سمتها "ذكية وفعالة"! وبما يخدم استراتيجيتها الوطنية للتنمية على صعيد الطاقة واكتشافات الغاز الجديدة وخطط التحول إلى مركز إقليمي لتداول الطاقة مع الدول المحيطة بحوض المتوسط وفي أفريقيا والمنطقة.

وتعتقد مصر أن زيارة السيسي لقبرص الأسبوع الماضي وقمته الثلاثية مع نظيريه القبرصي ورئيس وزراء اليونان دفعة قوية لملف الطاقة الإقليمي وخطط مصر للتوسع في هذا المجال، كما أنها حسب رأيها رسالة إيجابية مهمة، فيما يخص العلاقات الحيوية مع الدول القريبة من مصر في المتوسط، كما أنها تدفع منتدى شرق المتوسط للغاز إلى الأمام بقوة، وتمثل تأكيدا لاستراتيجية التحالف بين البلدين، لا سيما في ضوء اتفاقية تعيين مناطق الصلاحية البحرية الموقعة أخيرا، إلى جانب الاتفاقية المثيلة مع اليونان، والجهود المتواصلة لتنشيط العلاقات الاقتصادية، وزيادة معدلات الاستثمار في قطاع الطاقة، واستغلال البنية التحتية ومرافق التكرير وتسييل الغاز، في تكوين قاعدة لوجستية مهمة للطاقة يُمكن أن تلعب دورا كبيرا في تلبية جانب من الاحتياجات الأوروبية، وزيادة عوائد قطاع الطاقة في مصر.

هذا هو منطق مصر إلا أن الواقع يفند هذه النظريات الواهمة، لأنها تقوم على ردود الفعل وليس على الفعل الإرادي المدروس، لأن تركيا أقرب جغرافياً وسياسياً من دول أوروبا، فجغرافياً تعتبر تركيا دولة أوروبية في ثلاثة أرباع إسطنبول وسياسياً هي عضوة فاعلة في حلف الناتو الذي يجمعها بالاتحاد الأوروبي، عكس مصر التي - حسب خبراء الاستراتيجيات - لا تحظى بثقة المجموعة الأوروبية، لكونها متقلبة المواقف ومدانة من قبل منظمات حقوق الإنسان مثل (هيومن رايتس ووتش) والمرصد الأوروبي لحقوق الإنسان وبرلمان سترازبورغ الأوروبي.

فلا يمكن لدول أوروبا الاعتماد على نظام مهزوز متقلب، ليس لديه قضاء مستقل ولا إعلام حر أو أي احترام للمواثيق الدولية الموقعة عليها مصر! ولم يكن تحالف اليونان مع مصر سوى مناورة مرحلية عابرة لمحاولة قطع الطريق في وجه تركيا، بعد أن وفقت أنقرة في فرض السلام ومفاوضاته على حفتر وإنقاذ طرابلس من محرقة أعدها المتمرد حفتر لإنهاء النزاع المسلح لصالح صفقة القرن!.

العالم أدرك اليوم أنه لولا تدخل تركيا العسكري الحازم في ليبيا لما كان هذا السلام (اليوم في شكل هدنة تشرف عليها منظمة الأمم المتحدة)، ولما كان الوضع يرى نور الحل السلمي وسيكون مصير التحالف الخطأ بين مصر واليونان إلى طريق مسدود؛ لأنه ولد موءودا وسينتهي بانتهاء مرحلة الصراع الخطأ!.

 

الشرق القطرية

0
التعليقات (0)