صحافة دولية

FP: خسر الاشتراكيون الديمقراطيون لكن أفكارهم فازت

رغم هزيمة زعيمي التيار على ضفتي الأطلسي، إلا أن ما حققاه من تغيير في عقول الكثيرين يواصل الاتساع- جيتي
رغم هزيمة زعيمي التيار على ضفتي الأطلسي، إلا أن ما حققاه من تغيير في عقول الكثيرين يواصل الاتساع- جيتي

نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية مقالا للكاتب البريطاني، دارين لوسايديس، المتخصص في شؤون الشعبوية وسياسات الهوية، سلط فيه الضوء على بصمة تيار "الاشتراكيين الديمقراطيين" في البلدين، ممثلا بكل من "بيرني ساندرز" و"جيرمي كوربين".

 

واعتبر الكاتب، في مقاله الذي ترجمته "عربي21"، أنه وبالرغم من خسارة ساندرز ترشيح الحزب الديمقراطي للانتخابات الرئاسية بالولايات المتحدة، وتنحي كوربين عن زعامة حزب العمال إثر تكبده هزيمة نكراء في الانتخابات البرلمانية، عام 2019، بالمملكة المتحدة، إلا أن الحركتين اللتين أوجدتهما حملتاهما "سوف تظلان على قيد الحياة داخل السياسات اليسارية علي جانبي الأطلسي".

 

ونبّه الكاتب إلى وجود تشابه كبير في صعود اليسار الاجتماعي في كلا البلدين خلال السنوات الماضية، والسرعة الهائلة في اتساع تأثيره السياسي والاقتصادي والاجتماعي لديهما، وفي طبيعة التحديات التي واجهته كذلك.

 

ورغم هزيمة زعيمي التيار على ضفتي الأطلسي، إلا أن ما حققاه من تغيير في عقول الكثير من الأمريكيين والبريطانيين يواصل الاتساع، ومن أبرز نتائجه، على سبيل المثل، بدء فقدان المحافظين لأهم معاقلهم في الولايات المتحدة، تكساس، التي سيشكل تصويتها، غير المستبعد تماما، لصالح المرشح الديمقراطي، جو بايدن، ضربة تاريخية للحزب الجمهوري.

 

ورغم قرار حزب العمال، في 29 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، عضوية كوربين، على خليفة قضية "العداء للسامية"، فإن اليساريين والاشتراكيين يتمتعون الآن بقاعدة أقوى داخل الحزب، لم يسبق أن تشكلت لديهم منذ عقود، بحسب الكاتب.

 

ويضيف "لوسايديس" أن التقدميين سيسعون إلى حماية المكاسب التي حققوها على ضفتي الأطلسي، وخاصة في ضوء الشعبية المتنامية في أوساط الناخبين للكثير من السياسات اليسارية.

 

والمهمة الملحة الآن بالنسبة لهم، بحسبه، هي تشكيل أقوى معارضة ممكنة للحكومات ذات التوجه اليميني في الولايات المتحدة وفي بريطانيا، "التي تعمل في الجانبين على الزج بديمقراطياتهما العتيقة إلى المجهول مع كل خطوة سلطوية تتخذانها". 

 

 

وتاليا نص المقال كاملا كما ترجمته "عربي21":

في أمسية يوم قائظ من شهر آب/أغسطس 2017 ركب "جو بيردسمور" و"آدم كلوغ"، الناشطان اليساريان البريطانيان، سيارتهما وتوجها بكل حماس عبر الطريق الساحلي لولاية كاليفورنيا من مزرعة التفاح التي يعيش فيها "بيردسمور في ميندوسينو" إلى سان فرانسيسكو. كانا ذاهبين للقاء معشوقتهما "بيكي بوند"، وهي واحدة من كبار المستشارين في حملة ترشح السيناتور ساندرز للرئاسة في انتخابات عام 2016.

وكان بيردسمور وكلوغ قد شاركا مؤخراً في الانتخابات العامة البريطانية كجزء من "مومينتوم"، تلك المجموعة اليسارية التي تشكلت عقب نجاح جيريمي كوربين غير المتوقع في المنافسة على زعامة حزب العمال في عام 2015. منذ البداية لم يراهن كثيرون على فوز كوربين، ولكنه ما لبث أن صدم المؤسسة السياسية والإعلامية بأسرها عندما فاز. أرادت مومينتوم بناء حركة جماهيرية لدعم السياسات التقدمية والدفع بها إلى قلب التيار السائد في السياسة البريطانية. كما انتهى بها الأمر لأن تتصدى للدفاع عن زعامة كوربين في وجه منتقديه من خارج ومن داخل حزب العمال على حد سواء.

لعبت مومينتوم دوراً حيوياً في الوصول إلى النتيجة المفاجئة التي حققها حزب العمال في انتخابات 2017 في وقت مبكر من ذلك الصيف. بدأ حزب العمال متخلفاً عشرين نقطة، ولكن ما أن انقضى يوم الانتخابات حتى كان قد نال من أغلبية حزب المحافظين الحاكم، بينما كان يتصدر منصة سياسة تقدمية لم تشهد بريطانيا مثلها من حزب كبير منذ عقود، إذ تعهد برفع الضرائب على أصحاب المداخيل المرتفعة، وتأميم المياه ومرافق الخدمات الأخرى، وإلغاء رسم الدراسة الجامعية، وزيادة الإنفاق على الرعاية الصحية العامة.  حينها، تنبأ كثير من الخبراء والمعلقين من اليسار واليمين على حد سواء ألا تتم حكومة الأقلية بزعامة حزب المحافظين فترة كاملة وأن حزب العمال هو الحزب الصاعد.

 

اقرأ أيضا: وفاة الصحفي البريطاني روبرت فيسك.. مؤيد لقضية فلسطين

بعد الانتخابات، قرر كلوغ، والذي كان شارك في تأسيس مومينتوم، أخذ إجازة والتوجه لقضاء بعض الوقت مع بيردسمور، الذي يعيش في كاليفورنيا منذ 2015 ولكن بقي قريباً من النشطاء البريطانيين يساعد مومينتوم تطوعاً. كان بيردسمور وكلوغ يقارنان بين ما يجري داخل اليسار في الولايات المتحدة وما يجري داخل اليسار في بريطانيا، وقد نال من إعجابهما كتاب شاركت بوند في تأليفه بعنوان "قواعد للثوار: كيف يمكن للتنظيم الكبير أن يغير كل شيء". يقول بيردسمور: "كلانا قرأناه في نفس الوقت وكلانا أدهشتنا التشابهات. ولذلك قررنا أن نبحث عن بيكي وأن نذهب إليه."

وافقت بوند على لقاء البريطانيين على مشروب في سان فرانسيسكو. قالت لي بوند: "كنت أقوم بذلك من باب المجاملة لا أكثر. ولكن ما أن التقينا حتى تشكلت بيننا مباشرة علاقة متينة." انتهى بهم الأمر أن بقوا لتناول العشاء، ثم قضوا بقية المساء معاً يتبادلون أطراف الحديث حول السياسة والنشاط فيها. وبعد يومين من الحديث وتدوين الملاحظات بكل اهتمام، أدركت بوند وضيفاها البريطانيان أنهم واجهوا الكثير من نفس التحديات في عملية بناء حركات جماهيرية جديدة وأن بإمكانهم تعلم الكثير من بعضهم البعض.

كانت بوند متحمسة جداً للقاء البريطانيين لدرجة أنها بعد أسابيع قليلة قررت السفر إلى بريطانيا. قررت بوند ومعها زاك ماليتز، الذي عمل في حملة ساندرز، استخدام الأموال التي جمعاها من رحلاتهما الجوية لشراء تذاكر والسفر لحضور نشاط بعنوان "العالم الذي يتغير في بريطانيا"، وذلك على هامش المؤتمر السنوي لحزب العمال. ونزلا في ضيافة كل من كلوغ وزميلته إيما ريس التي شاركت معه في تأسيس مومينتوم.

خلال المناسبة التي استمرت لأربعة أيام، التقت بوند بالشخصيات الأساسية في مومينتوم وبغيرهم من النشطاء اليساريين. بعد ذلك بدأت بوند وماليتز بعقد اجتماعات أسبوعية عبر زوم مع نظرائهما البريطانيين، حيث كانوا يتبادلون فيما بينهم الخبرات والأفكار. تمخض عن ذلك ميلاد تحالف يساري عبر الأطلسي.

ما لبث هذا التحالف أن أثر بشكل كبير، وإن لم يحظ بكثير من التغطية الإعلامية، على السياسات اليسارية على ضفتي الأطلسي، حيث ساهم نشطاء مومينتوم من بريطانيا من طرفهم بتقديم ما لديهم من أدوات ووسائل إقناع الناخبين بمنح الأصوات، وتم الاستفادة من ذلك لصالح حملة "الرعاية الطبية للجميع" في الولايات المتحدة – والتي غدت مع انتهاء التصفيات بين المرشحين الديمقراطيين في 2020 جزءاً من الخطاب السياسي العام – وقدموا كذلك تجاربهم في محاولات التأثير على حزب العمال. ومن جانبها كانت بوند وزملاؤها يقدمون للبريطانيين خبراتهم في آليات التنظيم الكبير، وبذلك ساهموا في أكثر حملات كسب الأصوات طموحاً في تاريخ الاقتراع البريطاني في انتخابات ديسمبر / كانون الأول من عام 2019.

ولبعض الوقت في وقت متأخر من العام الماضي، بينما بدا ساندرز متوجهاً نحو الفوز بترشيح الحزب الديمقراطي وبدا كوربين متألقاً يرتقي في استطلاعات الرأي، هيء للمرء بأن الحركتين اليساريتين الراديكاليتين في البلدين كانتا على وشك الوصول إلى الحكم.

بالطبع، لم يتحقق شيء من ذلك.

في ديسمبر 2019، مُني حزب العمال بزعامة كوربين بهزيمة مدوية على أيدي حزب المحافظين، ولم يلبث بعيداً حتى جُمدت عضويته في حزبه. وأما ساندرز الذي غدا المتصدر في تصفيات الحزب الديمقراطي لبضعة أسابيع في مطلع عام 2020، ما لبث أن هُزم يوم الثلاثاء العظيم (في تصفيات المرشحين الديمقراطيين).

على الرغم من إدارة الحركتين لعمليات جماهيرية قاعدية ضخمة جذبت إليها أعداداً كبيرة من النشطاء الشباب ومن الناس الذين لا يشاركون عادة في السياسة، إلا أنهما أخفقتا في الوفاء بوعودهما المبكرة، مخلفتين الأسئلة التالية: أين وقع الخلل؟ وماذا بعد؟

بعد إخفاق ساندرز في الفوز بترشيح الحزب الديمقراطي في 2016 وفوز دونالد ترامب في الرئاسة، لم يرغب القائمون على حملة ساندرز في رؤية الحركة التي أنشأوها تختفي. سعت بوند ومن معها إلى تحقيق هدفين اثنين: عمل كل ما هو ممكن لإلحاق الهزيمة بترامب في 2020 وتكييف ما تعلموه حتى الآن في المنافسات على الترشح للمناصب الأدنى.

صدر كتاب "قواعد للثوار" الذي شاركت بوند في تأليفه بعد فوز ترامب بوقت قصير. شارك معها في وضع الكتاب زميلها زاك إكسلي، الذي عمل أيضاً مستشاراً لساندرز وشارك في تأسيس "ديمقراطيون من أجل العدالة"، والتي قامت فيما بعد بدعم ترشح ألكسندريا أوكازيو كورتيز للكونغرس ومكنتها من الفوز في الانتخابات.

في تلك الأثناء شاركت بوند وماليتز في تأسيس "الممارسة الاشتراكية" وهي عبارة عن خدمة استشارات سياسية للحملات والمجموعات التقدمية بالإضافة إلى "العدل الحقيقي بيه إيه سي"، والذي يهدف إلى مساعدة المصلحين الراديكاليين في الفوز بمنصب المدعي العام في مدن مثل فيلادلفيا وبوسطن وسان فرانسيسكو، حيث اختار الناخبون في 2019 تشيزا بودين – محامي الدولة السابق – الذي كان والداه البيولوجيان قد حبسا كلاهما عندما كان طفلاً. كما فازت "العدل الحقيقي بيه إيه سي" في المقاطعة التي تشمل فيرغاسون، ميزوري، التي قتلت فيها الشرطة مايكل براون في عام 2014، مما أطلق موجة من الاحتجاجات الحاشدة.

كما أتاحت الانتخابات الدورية نسبياً، المحلية والنصفية، لبوند صقل واختبار وسائل وأدوات مختلفة منذ 2016. ومنذ أن التقت بوند بكل من بيردسمور وكلوغ في سان فرانسيسكو وهي تحضر مؤتمر حزب العمال كل عام.

كان من أوائل ثمار هذه العلاقة ما أطلقت عليه بوند "عمل التضامن" في قضايا الرعاية الصحية، وذلك أن بوند ما فتئت تساعد أكبر نقابة للممرضين في الولايات المتحدة، الاتحاد الوطني للممرضين، والذي كان أول نقابة وطنية تعلن تأييدها لترشح ساندرز في عام 2016 ولعبت دوراً مركزياً في الجهود الشعبية لدعم حملته.

بينما كان الاتحاد الوطني للممرضين يناضل من أجد "الرعاية الطبية للجميع" في الولايات المتحدة منذ ثلاثين عاماً، وفرت حملة ساندرز دفعة كبيرة للفكرة على مستوى البلاد بأسرها. وبعد أن خسر ساندرز أعرب الممرضون عن عزمهم على الاستمرار في النضال. وأعلنوا عن استراتيجية لذلك ساهمت فيها بوند بما لديها من خبرات، وشارك فيها أيضاً بيردسمور بشكل مباشر.

 

اقرأ أيضا: فلسطينيو بريطانيا يتخوفون من تراجع حرية الرأي بحزب العمال

على غير ما هو عليه النشطاء الآخرون الذين يضغطون باتجاه تعميم الرعاية الصحية، يعتقد الاتحاد الوطني للممرضين بالفوز من خلال الحديث مع الناس وجهاً لوجه. وللمساعدة في ذلك بدأ بيردسمور في تدريب المتطوعين من الاتحاد الوطني للممرضين على شيء نجحت مومينتوم في استخدامه في الانتخابات البريطانية عام 2017: المحادثة المقنعة.

لن ترأب لا الشيوعية ولا الاشتراكية الديمقراطية الصدوع السياسية الحالية، ولكن الديمقراطية الاجتماعية – التي وقفت في وجه التطرف بعد الحرب العالمية الثانية – بإمكانها ذلك.

يمكن لليسارية الراديكالية أن تبلغ ذروة سياسية ولكنها لن تجلب النصر، وأعراض الانسحاب قد تستمر لعقود.

استهلك الحزب لسنوات بسبب الجدل حول معاداة السامية، والمرتبط بالزعيم السابق.

بينما يكتفي من يبحثون عن أصوات الناس بالتحقق من الاتجاه الذي قد يصوتون له والمساعدة في انتزاع الأصوات منهم، يهدف التدريب على المحادثة المقنعة إلى تحويل من تُكسب أصواتهم للمرة الأولى إلى مقنعين مؤثرين بسرعة البرق. كان لاستخدام مومينتوم لهذه المقاربة في انتخابات 2017 الفضل في تأمين الانتصارات لحزب العمال في منافسات حرجة نتائجها متقاربة كما أكسبه في مناطق لم يكن من المفترض أن تكون له فيها فرصة.

بينما كان نشطاء الاتحاد الوطني للممرضين يستخدمون حكاياتهم الشخصية كممرضين قبل أن يسمعوا بمومينتوم، في كل مرة كانت تنظم حملة في بريطانيا أو في الولايات المتحدة يتم تبادل الخبرات بين الطرفين. كما أن بناء التضامن بين البلدين غاية في الأهمية. أخبرتني بوند أن بنوك الهاتف البريطانية استخدمت من أجل الاتصال بالأمريكيين لتبديد الأساطير حول خدمة الصحة الوطنية – وهي منظومة الرعاية الصحة البريطانية الممولة من قبل الدولة – وإثبات أنها ليست بالحلم الذي يستحيل تحقيقه.

في شباط/ فبراير 2018، فقط بعد ستة شهور من اللقاء بين الطرفين، توجه ريس وكلوغ المشاركان في تأسيس مومنتوم إلى الولايات المتحدة لرؤية كيف يعمل الاتحاد الوطني للتمريض، واستعراض الدروس المستفادة من التجربة البريطانية وتنظيم ورشات العمل. كما سافر الاثنان أثناء هذه الرحلة إلى تكساس للاطلاع على تجربة بيتو أوروك في التنافس على مقعد مجلس الشيوخ ضد تيد كروز. حضر البريطانيان نشاطاً نظمته "العدالة الحقيقية بيه إيه سي" في دالاس ورأوا كيف أن الناشط اليساري والصحفي والمشارك في تأسيس "العدالة الحقيقية بيه إيه سي" شوان كينغ جذب حشداً ضخماً من الناس، جلهم من الملونين، بالرغم من قصر فترة الإعداد للنشاط.

يذكر ريس أن كينغ سأل كم من الناس في الجمهور لديهم صديق مقرب أو فرد من العائلة مسجون، ولم يبق أحد من الحاضرين تقريباً إلا ورفع يده. ثم سأل كم منهم يشعر بالغضب بسبب ذلك، وكان التجاوب مشابهاً. ثم سأل كينغ: "وكم من الناس يقومون بالفعل بعمل شيء إزاء ذلك؟" كان عدد من رفعوا أيديهم أقل بكثير. وفي نهاية النشاط كان معظم المشاركين فيه قد وقعوا أسماءهم للتطوع.

بينما يقوم كينغ بمثل هذا النشاط منذ سنوات، إلا أن الأسلوب شبيه جداً، ولدرجة التطابق تقريباً، بما تفعله مومينتوم في بريطانيا، من مثل ما يقوم به كاتب صحيفة الغارديان أوين جونز من حشد المتطوعين للعمل ضمن حملة "اخلع" ضد أعضاء يمينيين بأعينهم داخل البرلمان البريطاني.

كما شهد ريس وكلوغ آليات العمل الداخلية في حملة أورورك، حيث أنشأ ماليتز، المدير الميداني للحملة، واحدة من أضخم العمليات القاعدية التي شهدتها مثل تلك المنافسات، من خلال تطويع البنية التحتية التي كانت تدار من قبل المتطوعين في حملة ساندرز لتستخدم في بنوك الهاتف والرسائل النصية والرسائل المباشرة، بالإضافة إلى الجهود الشخصية لاستمالة الناخبين والتي لم تترك زاوية في الولاية إلا وصلت إليها.

طرق النشطاء على أبواب ما يقرب من ثلاثة ملايين بيت، مما أكسبهم مناطق لم يكن وارداً من قبل أن يفوز فيها مرشحهم. كان أورورك على وشك أن ينتزع من كروز مقعده، وهو من الأمور التي كانت تعتبر مستحيلة في بداية التنافس. (قد تتحول تكساس في هذا الشهر إلى اللون الأزرق في السباق الرئاسي، تشير استطلاعات الرأي إلى أن ترامب ونائب الرئيس السابق بايدن كفرسي رهان.)

قبل الانتخابات العامة في بريطانيا عام 2019، توسعت مومينتوم بشكل كبير في عملياتها من فريق صغير خاض انتخابات عام 2017، إلى الانتقال إلى مكاتب كبيرة قريباً من وسط لندن تتسع لمزيد من الموظفين والمتطوعين العاملين في مقرها الرئيسي.  

جاءت بوند إلى المملكة المتحدة ست مرات في العام الماضي. وفي سبتمبر / أيلول 2019، عندما بدا أن المحافظين سيدعون إلى انتخابات في بريطانيا في أي وقت كانت بوند في اتصال عبر زوم مع العاملين في مومينتوم لتنصح البريطانيين حول التبرعات الصغيرة ولتشجعهم ألا يخجلوا من طلب التبرعات – وعندها سألوها إن كان بإمكانها السفر إليهم لتساعدهم شخصياً. استقلت بوند طائرة متوجهة إلى لندن ووصلت إلى المقر الرئيسي لمومينتوم في اليوم السابق لانطلاق حملة الانتخابات العامة.

إلى جانب الرغبة في مساعدة مومينتوم، كانت بوند تعلم بأن بإمكانها أن تتعلم الكثير من الانتخابات البريطانية – يرى النشطاء الأمريكيون أنه يمكن للأصوات في بريطانيا أن تشكل ما يشبه الاختبار بالنسبة للولايات المتحدة، وخاصة إذا ما أخذنا بالاعتبار السرعة التي جاء بها انتصار ترامب في 2016 بعد صدمة بريكسيت.

أثرت الوسائل والآليات المتبعة في تكساس بشكل مباشر على إطلاق مبادرات مثل "أساطير العمال" حيث طلبت مومينتوم من أنصارها أخذ إجازة أسبوع من وظائفهم للعمل كمتطوعين.

ساعدت بوند المنظمين الشباب الذين التحقوا مجدداً بإدارة المتطوعين – والذين تجاوز عددهم بنهاية الحملة أربعة آلاف متطوع. كما كانت لبوند نقاشات مطولة مع الفريق الفني المسؤول عن "خريطة حملتي"، وهو موقع على الإنترنيت لمومينتوم أطلق بهدف مساندة الجهود التي تبذل لاستمالة الناخبين. وكانت نسخة أولية من الأداة في انتخابات 2017 قد أرسلت المتطوعين إلى أقرب دوائر يكون السباق فيها محتدماً. استهدفت "خريطة حملتي" تجنب الزج بالنشطاء في ما يشبه عنق الزجاجة وبدلاً من ذلك توزيعهم على مختلف السباقات المحتدمة، وكذلك تمكينهم من القيام برحلات عبر البلاد إلى مقاطعات لا يوجد فيها متطوعون.

 

اقرأ أيضا: حزب العمال البريطاني يعلق عضوية جيرمي كوربين.. والأخير يرد

ولكن كانت هناك تحديات. فعلى النقيض من مومينتوم، لم يكن الكيان الرئيسي لحزب العمال مستعداً بشكل جيد للانتخابات. تشير بوند إلى أن نظام الاتصالات بالناخبين لدى حزب العمال لم يكن يعمل خلال الأسبوعين الأولين من الحملة. كما كان حزب العمال يعاني من الاقتتال الداخلي خلال الأشهر التي سبقت الانتخابات. وكان سبب ذلك جزئياً هو عدم تقبل وسط الحزب أبداً لتوجه الحزب نحو اليسار، وجزئياً بسبب زعامة كوربين الإشكالية. فقد واجه مشقة في السيطرة على أزمة معاداة السامية مما لطخ سمعة الحزب كما أنه ارتبك في التعامل مع الدعوات التي طالبت باستفتاء ثان حول بريكسيت.

ومع أن حزب العمال تراجع في استطلاعات الرأي مع مرور الأيام أثناء الحملة، هيمن على المشهد إحساس بالحتمية مع اقتراب يوم الاقتراع. وفي المناظرة التلفزيونية الأخيرة بين كوربين ورئيس الوزراء بوريس جونسون، والتي شاهدتها على شاشة كبيرة في مكتب مومينتوم، أعرب بعض موظفي مومينتوم عن استيائهم لأن كوربين لم يوجه الضربة القاضية. في لحظة ما انتقد كوربين عبارات عنصرية صدرت عن جونسون في الماضي في بعض من مقالاته الصحفية، ولكنه تجنب مهاجمته بشكل شخصي. تبين من استطلاع للرأي بعد المناظرة أن الناخبين تشكل لديهم انطباع عن كوربين أنه أكثر مصداقية ولكن جونسون برأيهم كان الأنسب للقيام بدور رئيس الوزراء.

بحلول الثالث عشر من كانون الأول/ديسمبر 2019، لحقت بحزب العمال هزيمة شنيعة وتبخرت جميع المكاسب التي كان قد حققها في عام 2017، فما كان من كوربين إلا أن أعلن عن نيته التنحي بمجرد اختيار الحزب لزعيم جديد.

كما شعر أنصار ساندرز في الولايات المتحدة بخيبة شديدة في 2020 عندما خسر أمام بايدين. لقد مُني التقدميون على ضفتي الأطلسي بخسارة فادحة.

ومع ذلك فثمة فوارق كبيرة. لم يكن ساندرز قائماً على رأس أزمة كتلك التي واجهها حزب العمال بزعامة كوربين وخاصة فيما يتعلق بمعاداة السامية وقضية بريكسيت. كما أن ساندرز لم يكن مضطراً لمواجهة التحدي الناجم عن كون المرء رئيساً لحزب سياسي. ولكن في نهاية المطاف أخفقت الحركتان في الوصول إلى أبعد من قواعدهما اليسارية، ولم تتحقق الوعود بتدفق أعداد كبيرة من الناس الذين لم يكونوا يشاركون في الاقتراع من قبل.


بالرغم من أن هذا التحالف اليساري عبر الأطلسي يبدو أنه قد انتهى إلى الفشل إلا أنه لا ينبغي الاستهانة بتأثيره. فقد استخدمت آليات "المحادثة المقنعة" لحركة مومينتوم في حملة ساندرز وكذلك في حملة إليزابيت وارين أثناء التصفيات الأولى بين المرشحين للرئاسة هذا العام، وبعض العناصر كانت نسخة طبق الأصل من أساليب الإقناع التي استخدمت في الصميم من حملة "الرعاية لطبية للجميع" التي ساعد البريطانيون في تصميمها. (كانت حملة "الرعاية الطبية للجميع" تعتبر على نطاق واسع الموضوع الأول من حيث الأهمية في جميع المناظرات الديمقراطية خلال هذه الدورة الانتخابية.)

ازدهرت الحملات التي نظمت بهدف استبدال أصحاب المناصب من الديمقراطيين أو الضعفاء من الجمهوريين.

ولكن، وكما أظهرت "خارطة حملتي"، مازالت التحديات البنيوية قائمة. تقول جان بايكارا عن موقع الإنترنيت لاستمالة الناخبين الذي ساعدت في تصميمه: "أظن أن الأدوات من حيث المبدأ أدت مهمتها. لكن المعضلة الأكبر كانت إخراج الناس من لندن." وذلك ما جعلهم يقترحون ميزة تساعد في تنظيم الرحلات والأسفار. تقول بايكارا: "كان الهدف بالضبط هو السعي لحمل آلاف الناس على تغيير أماكن إقامتهم لمدة أسبوعين." ولكن حزب العمال ومومينتوم أدركا متأخرين أن الاستنفار لم يكن يحدث في الأماكن التي كان في الواقع مطلوباً فيها.

وتضيف بايكارا: "مهمة تنظيم المجتمعات تتطلب سنوات من العمل ولا يمكن إنجازها في أسابيع قليلة." ينبغي أن يكون التركيز الآن على قوة المجتمع، وليس فقط على دورات الاقتراع – وهو الأمر الذي يبدو أن مومينتوم باتت تدركه. فعندما ضربت جائحة كوفيد-19 بريطانيا جرى إعادة تكييف "خريطة حملتي" لتمكين مجموعات المتطوعين من مساعدة من كانوا بحاجة إلى نجدة، وهي الآن تمكن المستخدمين من البحث عن، أو الانضمام إلى، مجموعات الحملات المحلية في عدد من القضايا – أطلقت مومينتوم لتوها مبادرة قاعدية ضد موجة من إجراءات الإخلاء القسري من البيوت بعد تفشي الجائحة.

رغم الانتكاسات الانتخابية، إلا أن هناك بعض الانتصارات. صحيح أن ساندرز لم يفز بالترشيح، إلا أن حركته لم تلبث تدفع بالحزب الديمقراطي نحو اليسار. ولا أدل على ذلك من أن مسودة أجندة الحزب التي نشرت بعد تغلب بايدن على ساندرز تظهر فيها لمسات تقدمية كثيرة. وحتى فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، يقول مستشار ساندرز "مات داس" إن بايدن تزحزح بشكل واضح نحو اليسار. ففي هذا الموضوع كما في كثير من القضايا الأخرى مثل "الاتفاق الأخضر الجديد" واجه بايدن استنفاراً تقدمياً بشكل لم يسبق أن واجهه الرئيس السابق باراك أوباما خلال ثمانية أعوام من وجوده في الرئاسة.

يمكن القول إن الصورة مختلفة قليلاً في بريطانيا. منذ شهر إبريل، أصبح كير ستارمر هو الزعيم الجديد لحزب العمال، واعداً بالتمسك ببرنامج الحزب التقدمي. ولكن منذ ذلك الحين يشعر بعض من هم على يسار حزب العمال بالاستياء لما يرون أنه زحف مرتب نحو اليمين. من المؤكد أن حكومة الظل التي يرأسها ستارمر أقل يسارية من تلك التي كان يرأسها كوربين. وفي خطابه أمام المؤتمر السنوي لحزب العمال، توجه ستارمر نحو ما يسمى "ناخبو الجدار الأحمر" الذين تحولوا إلى محافظين واعداً إياهم بأن يضع "العائلة في المقدمة" مؤكداً على الوطنية وعلى الأمن.

كما راوغ ستارمر حول برنامجه التقدمي الذي تعهد به أثناء حملته للتنافس على الزعامة – وباتت وعوده الأساسية في خطر بما في ذلك تعهده بزيادة الضرائب على أصحاب الدخول المرتفعة ووعده بتأميم السكة الحديد والبريد والمياه والطاقة، مما دفع أحد أهم ممولي حزب العمال، اتحاد يونايت النقابي، إلى أن يقول إنه سيقلص مساهماته للحزب مؤثراً دفعها لمجموعات يسارية أخرى، فيما اعتبر تحذيراً صريحاً لستارمر.

صحيح أن حزب العمال تعافى في استطلاعات الرأي – ومعدلات الرضى عن ستارمر مقارنة بمعدلات الرضى عن بوريس جونسون أفضل بكثير مما كان عليه الحال أيام كوربين. ولكن، في خضم التعامل الفوضوي للحكومة مع جائحة كوفيد-19، ما زال حزب العمال متأخراً قليلاً عن حزب المحافظين في عدد من استطلاعات الرأي. والحقيقة هي أنه على الرغم من أن الجمهور البريطاني لم يكن يحب كوربين إلا أن سياسات حزب العمال التقدمية كانت تحظى بالشعبية كما يتضح من استطلاع آراء الناخبين بشكل فردي وقد تزداد شعبيتها فيما لو انحدرت بريطانيا نحو حالة من الركود ما بعد الجائحة.

في التاسع والعشرين من تشرين الأول/ أكتوبر جمد حزب العمال بزعامة ستارمر عضوية كوربين في الحزب، وذلك بعد أن ندد تقرير صادر عن هيئة المساواة وحقوق الإنسان بتعامل حزب العمال مع قضية العداء للسامية. وكان سبب التجميد هو تصريح لكوربين، أعرب فيه عن قبوله إلى حد كبير بما خلص إليه التقرير ولكنه قال إن حجم المشكلة قد "ضخم بشكل كبير لأسباب سياسية من قبل خصومنا داخل وخارج الحزب، وكذلك من قبل الكثير من وسائل الإعلام." كان ذلك بمثابة ضربة لليسار داخل الحزب أدت إلى ترنحه وهو يبحث عن رد على قرار التجميد.

ومع ذلك، يتمتع اليساريون والاشتراكيون الآن بقاعدة أقوى داخل حزب العمال وداخل الحزب الديمقراطي لم يسبق أن تشكلت لديهم منذ عقود. ولسوف يسعى التقدميون إلى حماية المكاسب التي حققوها بجهد جهيد على ضفتي الأطلسي – وخاصة في ضوء الشعبية المتنامية في أوساط الناخبين للكثير من السياسات اليسارية. ولكن معظمهم يتفقون فيما بينهم على أن المهمة الملحة الآن هي تشكيل أقوى معارضة ممكنة للحكومات ذات التوجه اليميني في الولايات المتحدة وفي بريطانيا، والتي تعمل في الجانبين على الزج بديمقراطياتهما العتيقة إلى المجهول مع كل خطوة سلطوية تتخذانها.

التعليقات (0)