كتاب عربي 21

قراءة هادئة في التطبيع المغربي ـ الإسرائيلي

طارق أوشن
1300x600
1300x600

فجأة، تحول رئيس الوزراء وأمين عام حزب العدالة والتنمية المغربيين، حسب كتابات إسلاميين، إلى ذنب من أذناب القصر، وتحول معه زملاؤه الوزراء من الحزب إلى وزراء للبلاط ومعهم حزبهم "الإسلامي" إلى "محللين" في سلطة لا يملك فيها الحكم على عقال بعير. هذا العثماني الذي اكتشفنا منذ أيام، حسب هذه الكتابات، خيانته للأمة وقضاياها وخنوعه لولي أمره، ملك المغرب، "المؤسس لنظام جائر فاسد"، تجدد لديه الإحساس بالطمأنينة من الخطر المحدق بعرشه من غضبة الجماهير فأمعن في إذلال وقهر أبناء التيار الإسلامي العريض وضربهم بعضا ببعض! 

ليس في الأمر أي جديد كما تصوره كتابات بعض الإسلاميين العرب، فسعد الدين العثماني ومن كان قبله ووزراؤهم كانوا وزراء البلاط، كما هم وزراء حكومة جلالة الملكة ببريطانيا. وملك المغرب كان دوما في دستور المملكة أميرا للمؤمنين، وهو بتلك الصفة ولي أمر، كما هي ملكة بريطانيا رئيسة الكنيسة الأنجليكانية. جريمة سعد الدين العثماني توقيعه، بصفته رئيسا لوزراء المغرب، على الاتفاق الثلاثي المؤطر للعلاقة المستقبلية بين المغرب والولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني، وهو الذي كان منذ ربع قرن يعتبر التطبيع إبادة حضارية في مقال ظهر على مجلة الفرقان.

كانت البداية من بعض مقالات وتحليلات اعتبرت المملكة المغربية مجرد دولة احتلال قايضت دولة احتلال لاستمرار قبضة الاثنتين على الصحراء "الغربية" وفلسطين. أما اعتراف دونالد ترامب بالسيادة المغربية على إقليم الصحراء، في الوقت الضائع من سيادته على البيت الأبيض، فمجرد وهم سيمحوه نهار بايدن الذي سيشرق على أمريكا والعالم في العشرين من شهر يناير المقبل. 

التاريخ، حسب نفس الكتابات، التي اكتفت بنقل ما تكتبه هآرتس ويديعوت أحرونوت وغيرها من الصحف الصهيونية، دليل على العمالة المغربية للمحور الصهيو ـ أمريكي، فهو الذي زود الكيان الصهيوني بالزاد البشري في أولى أيام بناء دولة الاحتلال، والتقى قادة الكيان ضدا على "الإجماع العربي" وفتح لهم الأبواب لعقد اتفاقيات "السلام"، وسهل على "الخونة" من الفلسطينيين مدّ جسر الخيانة والتفريط في الأرض وفي نضالات الشعب الفلسطيني دماء سالت وسنوات اعتقال دامت وتهجيرا في المنافي طالت.

اكتفت هذه الكتابات بقراءة مقالات وتحقيقات جرائد اليديعوت أحرونوت والهآرتس وغيرهما من صحف آل صهيون، ونقلت منها الوقائع كما العناوين، وجعلت من تحليلات جون بولتون نبراسا نهتدي به لفهم الماضي والحاضر ومستقبل الصراع في تلك البقعة، التي لا وزن لها، بجنوب المملكة المغربية التي ضمتها بالقوة منذ خمس وأربعين سنة كاملة، حسب السيد بولتون الذي أصبح مرجعا لبعض هذه الكتابات.

وقتها، حاول الكثير من أبناء الحركة الإسلامية أن يمنوا النفس بموقف رافض من حزب العدالة والتنمية. لكن بيان الأمانة العامة للحزب قطع الشك باليقين في اصطفاف أجهزة الحزب وراء القرار المغربي وتثمينه مع تجاهل الجزء المتعلق بإعادة العلاقات مع الكيان، وترك مسؤولية تصريف موقف القواعد للذراع الدعوي في تبادل أدوار ألفناه منذ زمان. تبادل الأدوار لم يعد مقنعا للحلفاء المفترضين في الجغرافيا العربية والإسلامية، فالقضية بالنسبة إليهم عقائدية لا يمكن لمناورات السياسة أن تقفز عليها. 

وإذا كان الموقف الطبيعي للعرب وللمغاربة هو رفض التطبيع، فلا يمكن في نفس الوقت تجاهل كيف "اختار" المغرب تأجيل الإعلان إلى ما بعد الانتخابات الأمريكية وهو أعز ما كان يطلبه المرشح دونالد ترامب، وكيف أن الإعلان لم يصاحبه اتصال بين الملك ورئيس الوزراء الإسرائيلي على غير الإعلانات الثلاثة السابقة. ثم إن البيان المغربي أكد على أن الخطوة المغربية عودة إلى ما كان عليه الأمر في 2002، أي فتح مكاتب اتصال وتدشين خط جوي، وهو ما لم يكذبه لا جاريد كوشنر ولا نتنياهو. 

المغرب في بيانه لم يقدم وعودا للفلسطينيين بل أكد على المبادئ التي يرتكز عليها موقفه من القضية الفلسطينية فلا هو تحدث عن وقف ضم للأراضي أو غيرها، وكلها مقدمات تبدو مطمئنة لمآل ما سيلي من إجراءات تطبيقية على الأرض. بولتون نفسه أقر بأن ما وافق عليه المغرب "ليس واضحا ولم يقل إن الاتفاق يعني علاقات ديبلوماسية كاملة"، وهي مقدمات أولية أكدها التوقيع على الاتفاق الثلاثي بالرباط خارج ما اصطلح على تسميته الاتفاق الإبراهيمي، وإن جاء في سياقه الكرونولوجي.

توقيع سعد الدين العثماني على الاتفاق كان النقطة التي أنهت أية آمال في رد فعل مناهض من داخل الحزب لتوجه الدولة، التي يرأس زعيمه حكومتها، وزادت تصريحات عبد الإله بنكيران الطين بلة، بالنظر إلى "القدسية" التي صُبغت بها شخصيته عندما عطل تشكيل الحكومة الثانية لأشهر طالت واعتبرت وقتها تحديا للقصر ولأذناب البلاط. 

بنكيران أكد أن الحزب لا يمكنه خذلان الدولة المغربية في قضيتها الوطنية ممثلة في تأكيد سيادته على الصحراء، وهو نفس الإيمان الذي منع كثيرا من الهيئات الوطنية، التي لا يرقى الشك من مبدئية إيمانها بالقضية الفلسطينية قضية مركزية للأمة، أن تعلن عن رفضها للقرار المغربي إلا باحتشام في أغلب الأحوال.

 

الإخوة في المشرق العربي لم يبذلوا يوما الجهد المطلوب لفهم الحالة المغربية التي جعلت رئيس الأمن القومي الصهيوني مئير بن شبات، الأمازيغي المغربي، يقدم الولاء لملك المغرب وهو في زيارة رسمية ممثلا للكيان. نفس الحالة جعلت الإسلامي سعد الدين العثماني، الأمازيغي المغربي، يتحمل مسؤوليته السياسية في توقيع الاتفاق مع الكيان الصهيوني

 


يحلو لبعض المحللين الذين يكتبون من محبرة الشعارات الجاهزة، أن يذكّروا بتاريخ يرى في استعادة المغرب لصحرائه "استعمارا" أتى بعد ضمه للأقاليم الجنوبية على إثر انسحاب المستعمر الإسباني منها. يحاول هؤلاء عبثا إقناعنا أن إسبانيا الفرنكفوية استفاقت ذات صباح فقررت سحب جيشها من الصحراء الممتدة على مساحة 270 ألف كلم مربع، وهي مساحة أكبر من مساحة المملكة المتحدة التي كانت ذات تاريخ إمبراطورية لا تغيب الشمس عنها. 

والحقيقة أن المغرب لجأ إلى محكمة العدل الدولية لاستصدار حكم يعترف بعلاقات البيعة بين سكان الصحراء والسلاطين المغاربة، ودخل في مفاوضات مع المحتل الإسباني بمدريد، وفق صيغة أقرب ما تكون لصيغة اتفاق غزة أريحا أولا، استعاد بها مدنا تلو الأخرى حتى انتهى المطاف بانسحاب الإسبان من الإقليم كاملا على إثر مسيرة "عودة" خضراء سلمية شارك فيها مئات الآلاف، لينطلق بعدها مسلسل من الاستنزاف بقيادة جبهة البوليساريو المدعومة من أنظمة اليسار العربي من الجزائر حتى سوريا.

تدعي الجبهة أن المغرب محتل، واستعارة مقولة (احتلال مقابل احتلال) ليس بالأمر الجديد. فالجارة الجزائر دأبت على الإصرار على ذات المفهوم وكرست له الجهد الديبلوماسي والمال والسلاح. وعندما يخرج مسؤولوها اليوم لمعاودة اللعب على نفس الوتر المفلس، محاولة منهم للتغطية على الفشل الديبلوماسي المتواصل في مواجهة الاختراقات المغربية أو القفز على المطالب الشعبية بالتغيير بدعوى الخطر الخارجي على الحدود، يبدو التأكيد بأن من جعل الحدود بين البلدين غير مستقرة هو من بادر بالهجوم على الجار في العام 1963، ثم آوى وسلح البوليساريو لمدة تقارب نصف قرن وحارب بكل ما أوتي من جهد وعلاقات أية مبادرة مغربية لحل النزاع بما فيها محاولاته في منظمة الاتحاد الإفريقي، كما تعامل بمنطق الطرشان أمام اليد الممدودة من المملكة المغربية في أعلى مستوياتها للحوار لدرجة كادت تبدو استجداء.

الإخوة في المشرق العربي لم يبذلوا يوما الجهد المطلوب لفهم الحالة المغربية التي جعلت رئيس الأمن القومي الصهيوني مئير بن شبات، الأمازيغي المغربي، يقدم الولاء لملك المغرب وهو في زيارة رسمية ممثلا للكيان. نفس الحالة جعلت الإسلامي سعد الدين العثماني، الأمازيغي المغربي، يتحمل مسؤوليته السياسية في توقيع الاتفاق مع الكيان الصهيوني، وهو أعلم من غيره بمرجعيته الإسلامية ومما اقترفت يداه في مقالات الماضي واتفاقات الحاضر. وهي نفس الحالة التي جعلت اليهودي سيون أسيدون، الأمازيغي المغربي، يتزعم كل المظاهرات الداعمة للشعب الفلسطيني والمنددة بالإجرام الصهيوني.

محاولة اعتبار المغرب مجرد هامش وعدم تفهم قدرة أبنائه في ابتداع طرق تمكنهم من مواءمة قضاياهم الوطنية مع قضايا الأمة وفق أحكام جاهزة تبنى على تاريخ الشرق والجهل بتاريخ الغرب الإسلامي لن يزيد العلاقة بين المشرق والمغرب إلا تنافرا. القراءة المتأنية للواقع المستجد تفترض الإلمام بالوقائع والاستماع للآراء بدل الانغلاق على الذات واعتبارها مركز الكون الذي لا محيد عنه.

سعد الدين العثماني لم يكن يوما صلاح الدين الأيوبي ولو أخطأ المتحدث في مراسم توقيع الاتفاق بالقصر في نطق اسمه، وتلك أيضا خاصية مغربية تجعل الشاهد على التوقيع مستحضرا في نفسه صلاح الدين.

التعليقات (6)
رائد عبيدو
الجمعة، 25-12-2020 03:46 م
تتزايد المقالات وتتنوع الأساليب في تجميل الخيانة، وهذا متوقع، فلكل خائن خصيم، ولكل مجرم ظهير. "فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة"؟ وهل يرجون عاقبة غير عاقبة من "كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه"؟
ابو زيد الجزائري
الجمعة، 25-12-2020 10:38 ص
تصحيح معلومة فقط ليست الجزائر التي هاجمت في 1963 في ما يسمي حرب الرمال بل المغرب حاولت الإستحواذ علي منطقة تيندوف و رغم ان كن ما زال نضمد جراحنا من الإستدمار الفرنسي إلا أن المغاربة أخذوا العصا و الركلة و فروا مذلولين و هذا الدرس عليهم ان يستوعبوه لأن جيش التحرير الجزائري في ردة الفعل دخل عشارات كلم في عنه المغرب .. ذل