كتاب عربي 21

التعاون الإماراتي الإسرائيلي لنقل النفط وأثره على قناة السويس وسوميد

ممدوح الولي
1300x600
1300x600
ربما يتعجب البعض من خطوة الإمارات للاتجاه لإنشاء خط أنابيب لنقل النفط منها إلى ميناء إيلات الإسرائيلي، ثم نقله من خلال خط أنابيب آخر ما بين إيلات على شاطئ البحر الأحمر وميناء عسقلان الإسرائيلي على شاطئ البحر المتوسط، لتسهيل نقل النفط إلى أوروبا وأمريكا الشمالية.

فحسب بيانات أوبك لعام 2019 فإن الإمارات لا تصدر نفطا خاما لأوروبا، حيث توزعت كميات الخام التي صدرتها الإمارات خلال العام، بنسبة 98 في المئة لدول آسيا والمحيط الهادئ، وأقل من 2 في المئة لدول أفريقية، ونسبة واحد بالألف فقط لدول أمريكا الشمالية.

كذلك فإن الدول الآسيوية تستحوذ على النسبة الأكبر من صادرات الخام لباقي الدول الخليجية بنفس العام، لتصل النسبة إلى 91 في المئة بإيران، و88 في المئة بالكويت، و73 في المئة بالسعودية، و63 في المئة بالعراق، كما تستحوذ الدول الآسيوية على كامل صادرات قطر من الخام وغالبية صادرات سلطنة عمان منه.

ومن هنا فإن نصيب أوروبا من صادرات النفط الخام لتلك الدول، قد بلغت نسبته 27 في المئة بالعراق و11 في المئة بالسعودية و9 في المئة بإيران و1 في المئة بالكويت، ونفس النسب المتدنية لصادرات تلك الدول إلى دول أمريكا الشمالية، لتصل النسبة إلى 8 في المئة من مجمل صادرات كل من السعودية والكويت والعراق من النفط الخام.

ومن هنا، فإن الإمارات ستعتمد على تصدير نفط باقي الدول الخليجية عبر خط الأنابيب المزمع إنشاؤه، بنفس الفكر الذي تعتمد عليه في تجارتها السلعية، حيث بلغت نسبة إعادة التصدير من مجمل صادرات الإمارات عام 2019 نحو 46 في المئة من مجمل الصادرات، مما أتاح لها احتلال المكانة الأولى في قيمة الصادرات السلعية عربيا، أي قبل السعودية، كما أتاح لها ذلك أن تكون ضمن الدول العشرين الأكبر بالتجارة السلعية في العالم منذ عام 2012 وحتى عام 2019 بلا انقطاع.

كميات النفط لأوروبا كافية للتشغيل


ونتصور أنها ستنفذ نفس الأمر مع صادرات باقي الدول الخليجية النفطية والتي ستجد وفرا في التكلفة والوقت، باستخدام خط الأنابيب المقترح بالمقارنة للنقل بالسفن الأعلى تكلفة والأطول في مدة الرحلة، كما أنه يتيح للإمارات نفسها تنويع جهات صادراتها النفطية، وهي الدول السادسة في العالم بصادرات الخام عام 2019 بنحو 2.4 مليون برميل يوميا.

فتلك النسب المتدنية من صادرات النفط لدول الخليج لأوروبا بلغ مجموع كمياتها عام 2019 نحو مليون و944 ألف برميل يوميا، موزعة ما بين مليون و71 ألف برميل من العراق، و797 ألف برميل من السعودية، و60 ألف برميل من إيران، و16 ألف برميل من العراق، بينما تصل سعة خط أنابيب إيلات عسقلان 600 ألف برميل يوميا.

ومن الطبيعي أن تفضل بعض تلك الدول نقل جزء من نفطها على أسطولها البحري، كما ستفضل بعض السفن طريق رأس الرجاء الصالح، لكننا على الجانب الآخر سنجد أن كميات النفط المتجهة لدول أمريكا الشمالية من الدول الخليجية تزيد عن المليون برميل يوميا، منها حسب أرقام 2019 نحو 561 ألف برميل من السعودية، و300 الف برميل من العراق، و153 ألف برميل من الكويت.

وهكذا سيجد خط أنابيب إيلات- عسقلان الذي تم إنشاؤه خلال فترة إغلاق قناة السويس وتصدير النفط الإيراني عبره خلال حكم الشاه؛ الكميات الكافية من النفط لاستخدامه.

لكن الأمر غير المفهوم هو إسراع الإمارات بالاتفاق مع إسرائيل لتشغيل خط الأنابيب ما بين إيلات وعسقلان من الآن، وقبل إنشاء خط الأنابيب ما بين الإمارات وإيلات عبر الأراضي السعودية، حيث أن هناك خط أنابيب مصريا موجودا بالفعل من السبعينات من القرن الماضي، يربط ما بين العين السخنة على البحر الأحمر وميناء سيدي كرير على البحر المتوسط والذي تديره شركة سوميد.

تراجع الكميات المارة بخط سوميد

هي شركة تم تأسيسها عام 1974، وتساهم مصر بنسبة 50 في المئة من رأس مالها، وبنسبة 15 في المئة لكل من السعودية والإمارات والكويت، وبنسبة 5 في المئة لقطر، حيث أن عمق قناة السويس الحالي لا يسمح بمرور ناقلات النفط ضخمة تفوق حمولتها 240 ألف طن، بما يعني أن قناة تسمح بمرور نسبة 61 في المئة من ناقلات النقط في العالم بها، ونسبة 31 في المئة لا تسطيع المرور بها بكامل حمولتها، وبالتالي تقوم تلك السفن بتخفيف حمولتها من النفط بالسويس كي تستطيع المرور في القناة، ثم تقوم بتحميل نفس الكميات مرة أخرى بعد عبورها للقناة، في الإسكندرية.

ولهذا، فعندما تسارع الإمارات باستخدام خط أنابيب إيلات عسقلان البالغ طوله 300 كيلومتر، فإن هذا سيكون على حساب خط سوميد البالغ طوله 320 كيلومتر، خاصة وأن خط سوميد الأكثر سعة والذي مر من خلاله في العام المالي 2019/2020 نحو 64 مليون طن متري من النفط، تمثل متوسط مليون و287 ألف برميل يوميا، أي ضعف ما يستوعبه خط إيلات- عسقلان.

ويعاني الخط من تراجع كمية النفط المارة من خلاله، والتي كانت قد بلغت أكثر من 80 مليون طن متري في العام المالي 2011/2012، تعادل مليونا و610 ألف برميل يوميا. لكن تلك الكميات تراجعت خلال السنوات التالية، وتراوحت ما بين 52 مليون طن إلى 66 مليون طن خلال تلك السنوات.

ضغوط أوروبية وأمريكية لتنفيذ الخط

ونظرا لكون ناقلات النفط تمثل أحد الموارد الرئيسية للعبور بقناة السويس، فإن إنشاء خط أنابيب أبو ظبي- إيلات، المزمع إنشاؤه خلال خمس سنوات بتكلفة تقديرية تبلغ مليارا دولار، سيكون مؤثرا سلبيا على إيرادات القناة، نظرا للوفر الذي سيحققه الخط الذي سيرتبط بخط إيلات- عسقلان، لتكون رحلة الخام ما بين الخليج العربي إلى البحر المتوسط أقل وقتا وأقل تكلفة، بالمقارنة بتكلفة نقل الخام بالسفن بالإضافة إلى دفع رسوم للعبور بالقناة.

وربما يقول البعض إنه ربما يكون أمر إنشاء خط أنابيب الخليج العربي إيلات يسير في إطار التصريحات الإعلامية، المواكبة لإقامة علاقات دبلوماسية بين الإمارات وإسرائيل بضغط من الرئيس السابق ترامب.

لكن مصالح أوروبا في تعزيز تنوع مصادر الطاقة بديلا عن الاعتماد بنسبة كبيرة على النفط الروسي الذي يصل إليها عبر الأنابيب أيضا، سيدفعها للضغط على الإمارات لتنفيذ الخط، وكذلك المصالح الأمريكية للتقليل من القدرات الروسية والتي تجلت في اعتراضها على خط إمداد الطاقة ما بين روسيا وألمانيا في أواخر فترة ترامب.

كما أن إسرائيل ستجد في ذلك الخط بجانب المكاسب التجارية؛ فرصة لكسر القطيعة بينها وبين الدول الخليجية التي ستجد أن مصلحتها التجارية ستحقق عبر الخط.

من هنا يصبح مطروحا إطالة مشروع خط سوميد الذي أنشأه الرئيس المصري أنور السادات وبنفس المساهمين، وهم الهيئة العربية للبترل بمصر، وشركة أرامكو السعودية، وشركة الاستثمارات البترولية الدولية في أبو ظبي (إيبيك)، والهيئة العامة للاستثمار الكويتية، وشركة الكويت للاستثمار، والشركة الكويتية لصناعات الأنابيب المعدنية، وشركة قطر للبترول. بل يمكن إدخال شركات أخرى من نفس الدول أو من دول عربية أخرى، وهو ما يسمح به النظام الأساسي للشركة، لتربط إطالة الخط ما بين الخليج العربي وخليج السويس، مع الاستفادة من خط السويس- الإسكندرية الأكثر سعة من الخط الإسرائيلي، ولتعظيم الاستفادة منه ورفع الحرج عن الدول الخليجية وإيران والعراق من التعامل مع إسرائيل، ولتعوض إيرادات سوميد المُعدلة النقص الذي سيحدث في إيرادات قناة السويس، نتيجة تفضيل النقل بالأناببب عن النقل بالسفن حتى الإسكندرية، بل ربما يتم التفكير مستقبلا في الربط ما بين الإسكندرية وجنوب أوروبا عبر خط أنابيب آخر.

twitter.com/mamdouh_alwaly
التعليقات (0)