كتب

الحرب الجزائرية ضد الكولونيالية.. ذاكرة الاستعمار والمقاومة

قراءة حديثة في تاريخ المقاومة الجزائرية للاستعمار الفرنسي  (عربي21)
قراءة حديثة في تاريخ المقاومة الجزائرية للاستعمار الفرنسي (عربي21)

الكتاب :La Guerre d Algerie 1954-2004 La fin de Lamnesie
الكاتب:Mohammed Harbi,Benjamin Stora  de Sous la direction
الناشر :Robert Lafont S.A,Paris 2004,(728pages grand format)  Editions 

الكتاب :LEFLN DOCUMENTS ET HISTOIRE 1954-1962
الكاتب :Mohammed Harbi ,Gilbert Meynier
الناشر:  (898 pages grand format) Librarie Artheme FAYARD ,Paris 2004

رغم مرور 66 عاما على انطلاقة حرب التحرير الوطنية الجزائرية في عام 1954 ضد الاستعمار الفرنسي، فلا يزال ملف الذاكرة التاريخية يُسمِّمُ العلاقات الجزائرية الفرنسية، علما أنِّ الجانبين الفرنسي والجزائري أنشأا مؤخرا لجنة ثنائية، يقودها من الجانب الجزائري، عبد المجيد شيخي، وهو شخصية أكاديمية وطنية، معترف لها بالقدرات العلمية والمعرفة العميقة بالملف التاريخي، بكل حيثياته، في حين أنّ فرنسا عينت من سيكون الطرف الثاني في اللجنة، ممثلا لها، وهو المؤرّخ بنجامين ستورا، صاحب التصانيف الكثيرة في تاريخ الجزائر.

لماذا العودة إلى هذين الكتابين الآن؟ لأنهما تمَ اعتمادهما من قبل المؤرخ الفرنسي بنجامين ستورا مرجعا في كتابة تقريره حول حرب الذّاكرة التّاريخية بين الجزائر وفرنسا، بكل ما تحمله من مآس وجرائم ضد الإنسانية، يجب التّأكيد عليها حتى يكون التفاوض على قدم المساواة بين الطرفين الجزائري والفرنسي.

ملخص عن الكتاب الأول

إنَّه التحدي الذي يكشفه كل من المؤرخ الجزائري محمد حربي والمؤرخ الفرنسي بنجامين ستورا، اللذين جمعا أفضل المتخصصين في دراسة المسألة الجزائرية. وبصرف النظر عن جنسياتهم وأصولهم واختلاف انتماءاتهم إلى هذا الجيل أو ذاك، فقد سعى حوالي خمسة وعشرين مؤرخا لتحديد المعرفة التاريخية الحالية لحرب الجزائر ضد الكولونيالية، بهدف الانتقال من الذاكرة إلى التاريخ، مفضلين مقاربة موضوعية أكثر منها متسلسلة تاريخيا، مركزين على الفاعلين وعمل الذاكرات. لقد رسموا لوحة بانورامية كاملة للمأساة الجزائرية لكي تكون مرجعا.

 

 


أما المشرفان على هذا العمل التاريخي الضخم، فهما: أولا، محمد حربي الذي كان مقاتلا في صفوف الثورة الجزائرية قبل أن يصبح مؤرخا. وقد تقلد مناصب عدة في صفوف حزب جبهة التحرير الوطني وشارك في المفاوضات الأولى بإفيان، ثم أصبح مستشارا للرئيس الراحل أحمد بن بيللا، واعتقل عقب الانقلاب العسكري الذي قاده الرئيس الراحل هواري بومدين عام 1965، وهرب من السجن إلى فرنسا في عام 1973، وهو الآن يدرس في جامعة باريس 7، وله مؤلفات عدة عن الثورة الجزائرية، وهو يعدّ من الشخصيات الملمة بتاريخ الجزائر المعاصرة. 

ثانيا، بنجامين ستورا، ولد بقسنطينة عام 1950. وبعد أن كان يناضل في صفوف الحركات اليسارية المتطرفة أيام شبابه، انتقل في ما بعد إلى دراسة تاريخ بلده الأصلي، وبشكل أدق للصراع الجزائري الذي أصبح باحثا متخصصا فيه منذ ما يقارب 25 سنة، ولبنجامين ستورا مؤلفات عدة حول حرب الجزائر، وهو يدرس الآن في المعهد الوطني للغات والحضارات الشرقية في باريس.

 

إنَّنا نتعلم الكثير من خلال قراءتنا لهذه الحرب الجزائرية، التي يؤرخها محمد حربي وبنجامين ستورا، خاصة عندما نتساءل، ونطرح للبحث ثانية، ما كنَّا نعتقدُ معرفته، وباختصار شديدٍ نحن نتفهم أكثر مما نتعلم، ما دام الكتاب يكثر من مفاتيح التحليل، طورا متوافقة، وطورا آخر مختلفة، حول ما سمته فرنسا بخبث، الأحداث لمدة طويلة.

 


لا يمكن لستورا أن ينسى كيف غادر الجزائر مع آلاف ممن غادرها من المعمّرين الفرنسيين، غداة الإعلان عن وقف إطلاق النار في الجزائر في 1962، ويُعرف ستورا، في فرنسا، بأنه صديق عديد الرؤساء ومستشارهم في ملف الذاكرة التاريخية بين الجزائر وفرنسا، فقد دخل قصر الإليزيه في عهود الرؤساء السابقين فرانسوا ميتران وجاك شيراك ونيكولا ساركوزي وفرانسواهولاند، ثم الرئيس الحالي ماكرون. 

وكان مستقرّا في آرائه، عندما يُثار ملف العلاقات الجزائرية الفرنسية، ودور الذاكرة في إعادة التوازن لها، ومركّزا، دوما، على مسائل الجرائم، ظلامية المرحلة الاستيطانية، إضافة إلى وجوب العمل على نزع فتيل هذا الملف، ولكن من دون التعبير، صراحة، عن ثلاثية الاعتراف، الاعتذار ثم التعويض، ليبقى في دائرة من يساوي بين جرائم الاستيطان وما يسميه عنف الجزائريين، أي عنف المستعمَرين (بفتح الميم)، وهو لب ما حاول الوزير الجزائري السابق، سليمان الشيخ، الحديث عنه في رسالته للدكتوراه التي ناقشها في فرنسا، وبيّن فيها خطأ من يفعل ذلك، لأن العنف الاستيطاني هو الأصل والعنف الآخر، من الجزائريين، من 1830 إلى 1962، ردّ فعل للدّفاع عن النفس وتحرير الوطن، على حدّ قول باحث جامعي جزائري.

كم عدد الشهداء الذين سقطوا في الثورة الجزائرية ما بين أعوام 1954 ـ 1962؟ ما بين 250 ألفا و375 ألفا، وهو رقم ضخم بالنسبة لعدد سكان الجزائر في ذلك الوقت (حوالي 9 ملايين نسمة) لكنَّه يظل بعيدا عن الرقم الرسمي (مليون ونصف مليون شهيد)، الذي فرضته السلطات الجزائرية منذ حينئذ من خلال إعادة كتابتها للتاريخ. 

إنَّ الممارسة المنهجية للتعذيب لم تكن من فعل الجنود المظليين في الجبال فقط، بل إنَّ رجال الشرطة المتروبوليين لم يتوانُوا عن ممارسته، إلى درجة أن رئيس الحكومة الفرنسية في عهد الجنرال ديغول ميشال دوبريه استدعى للنظام عام 1961، مدير شرطة باريس، موريس بابون، لكي يضع حدّا لممارسة التعذيب. وفي الواقع، متى كتب فرنسوا مورياك بدقة يجب منع الشرطة من ممارسة التعذيب مهما كلف الامر؟ الجواب: بعيد انطلاقة الثورة الجزائرية في 1 تشرين الثاني (نوفمبر) 1954. 

إنَّنا نتعلم الكثير من خلال قراءتنا لهذه الحرب الجزائرية، التي يؤرخها محمد حربي وبنجامين ستورا، خاصة عندما نتساءل، ونطرح للبحث ثانية، ما كنَّا نعتقدُ معرفته، وباختصار شديد نحن نتفهم أكثر مما نتعلم، ما دام الكتاب يكثر من مفاتيح التحليل، طورا متوافقة، وطورا آخر مختلفة، حول ما سمته فرنسا بخبث، الأحداث لمدة طويلة. 

لنقل، بداية أنَّ هذا الكتاب يتوجه إلى القراء المتنبهين، فهو يدير ظهره للمعالجة الحدثية، ويتخلى عمدا عن نشر الأحداث السياسية والعسكرية للحرب، ويكنس في الغالب الأعم ومن زاوية التحليل السلالي التاريخي عددا من الأفكار الرئيسة: الكولونيالية ونزع الكولونيالية، القمع، الانشقاقات الداخلية في صفوف الحركة الوطنية الجزائرية، النساء، القبائل، الأقدام السود (سكان الجزائر من أصل أوروبي)، اليهود، الحركيون، منظمة الجيش الفرنسي السرّية، ذاكرة الحرب. وهو بذلك يتجاوز المعالجة الأدبية والسينماتوغرافية. 

وبما أنَّه كتاب مشترك، فإنَّ الباحثين المساهمين فيه يتمسكون في الجوهر بتفكيك بواكير الصراع الخاصة، لإضاءة الأحداث اللاحقة، بحيث إنَّ المجموع، من خلال الصعود ثانية، غالبا بعيدا في الزمن، يشكل مكثفا من المعطيات السلالية، والاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، في آن واحد، لذلك الاستعمار الفظِّ والْمُهينِ، وللمكوناتِ الخاصة بالمجتمع المستعمر بفتح الميم، وهي المعطيات التي سبقت اندلاع الثورة. 

 

الثورة الجزائرية غاب عنها برنامج الثورة الديمقراطية، ويمكن أن نتساءل بلا نهاية لماذا الذي كان في بعض الحدود ممكنا في أفريقيا الجنوبية لم يكن كذلك في الجزائر؟ ويمكن أن يطرح السؤال أيضا ما سيكون عليه الأمر بين إسرائيل وفلسطين؟

 



الشيء المذهل يكمن في ميل عدد من الباحثين إلى ربط النظرة النزاعة إلى الحرب للبراديغم الحالية. إنَّ دراسة عمر كارليير المعنونة العنف، التي تذكر بالمقلوب مقولة كلاوزفيتس الحرب هي استمرار للسياسة بوسائل أخرى، لها علاقة بهذا الاتجاه الحديث، الذي يدخل الحرب الأهلية خلال العشرية السوداء (أكثر من 200 ألف قتيل) الدائرة بين الجيش والإسلاميين في الجزائر منذ اثنتي عشرة سنة، في إطار العنف الكولونيالي الذي مورس طوال سنوات 1954 ـ 1962، حيث استخدم مقاتلو جبهة التحرير الوطني أنفسهم أيضا عنفا دمويّا قل نظيره. 

ويذكرنا الباحث محمد حربي منذ مقدمته، ماضي/ حاضر: بشعبوية مصالي الحاج أب الوطنية الجزائرية العرقية الثقافية (...) شديدة الارتباط بالتراث، حيث يشكل الإسلام واللغة العربية ركائزه، فهو لم يحكم لأحد الخصمين: المثقفين الذين يعملون لمصلحة النهابين الحاليين المسيطرين على السلطة في الجزائر، والإسلاميين الذين يمثلون العكس المجرد.

ويضيف حربي، إنَّ الاثنين يختلقان فكرة عن الجزائر قبل مجيء الكولونيالية من دون تناقضات داخلية، منورة بالأبهة التي تذكرنا بغرناطة، طامسين بذلك واقع الانكفاء وعدم المساواة.
 
ويؤكد حربي أنَّه من خلال إخفاء عراقيل هذا الماضي، استدرجنا إلى إعادة إنتاجه (...) ومن خلال جعل الكولونيالية كتلة متجانسة، نعيد إلى مزبلة التاريخ الاختلاق الديمقراطي الذي نخفضه إلى شكل من الأشكال التي يستخدمها الغرب لتأبيد سيطرته. في فرنسا، نسيان الحرب، وفي الجزائر نسيان التاريخ الحقيقي من أجل بناء ثقافة حرب. 

ذلك هو البيان المصون لمدة طويلة من الجانبين من قبل ذاكرة غير محسومة حسب تحليل بنجامين ستورا. والحال هذه، فهو يلاحظ منذ مدة قصيرة تسارعات لهذه الذاكرة، التي يعزوها إلى مرور الأجيال (يجب انتظار أربعين سنة للاعتراف بمأساة فيشي، وأربعين سنة ضرورية أيضا للنظر قبلا إلى حرب الجزائر)، بقدر ما هي إعادة تفعيل وضع الماضي. 

ويضيف بنجامين ستورا، بأنه من الآن فصاعدا، لا يبدو الخطاب حول حرب الجزائر محكوما عليه بالصمت الثقيل. فالارتجاج المضاعف الذي أحدثته تراجيديا الجزائر الحالية والصعود القوي لليمين المتطرف في فرنسا، يشجعان على التفكير في أصول العنف، أو في رفض الأجنبي.
 
ويشكل هذا الجمع بعنوانين سابقة. أولا، لأنه للمرة الأولى يحاول باحثون من ضفتي المتوسط كتابة تاريخ مشترك للصراع، من خلال تقاطع مقارباتهم. ولن نظل نركز على الأصالة هذه، ما دام من الجهتين، الرؤى المتمركزة على الذات، والأحادية الجانب، والمحصورة في المؤثرات الناجمة عن صراع هيّج الانفعالات، قد ضغطت حتى الآن على العمل التاريخي المتسم بـ الفجوة في الذاكرة، وهو العنوان الفرعي الذي يحمله الكتاب. 

إنه سابقة أيضا، لأنه على عكس غالبية الأعمال الكبيرة السابقة، فإن معظم المساهمين في هذا العمل التاريخي لم يعرفوا الجزائر زمن الثورة. بكل تأكيدٍ، المشرفان على هذا العمل يندرجان في إطار الجيل الموسوم، فمحمد حربي كان عضوا في جبهة التحرير الوطني الجزائرية قبل أن يصبح من ألمع محلليها، أما بنجامين ستورا فقد ولد في قسنطينة، وعرف لاحقا المنفى. لكنَّ ثلثي المساهمين ينتمون إلى جيل جديد من الباحثين، الذين لم يعيشوا الأحداث التي يدرسونها. ومن وجهة النظر هذه، تشكل حرب الجزائر واحدا من كل الكتب الأولى للتاريخ، المتحرر من المعاصرة. 

وليس عجبا والحال هذه أن يكون الكتاب معتمدا على الأرشيف أكثر منه على الشهادات المباشرة. إنه يفيضُ بمصادر الوثائق العسكرية، والبوليسية على وجه الخصوص، التي يتم تفحصها للمرة الأولى. ويجب التذكير هنا، أنَّ قضية الجنرال أوساريسيس عام 2000، المتساوقة مع دفاع الجنرال الفرنسي السابق (شهادتي حول التعذيب، بيرين للنشر 2001) كان لها تأثير على هذا العمل الضخم، لجهة مراجعة الأرشيف الذي أصبح في متناول الباحثين وتفحصه، سواء من الجانب الفرنسي، أم من الجانب الجزائري.

ملخص عن الكتاب الثاني 

من جهته، يقدم لنا الباحث الفرنسي الشهير جلبار ماينيير تحليلا معمقا لكتابه الجديد عن التاريخ الداخلي لجبهة التحرير الوطني، بالاشتراك مع المؤرخ الجزائري محمد حربي. وإن كان يوجد أرشيف لجبهة التحرير الوطني الجزائرية، إلا أنَّه من غير المسموح الوصول إليه من جانب المؤرخين الجزائريين أو الفرنسيين، في الوقت الحاضر. 

أما هذا الكتاب الضخم الذي هو بين أيدي القارئ، فهو نتاج عمل جماعي لفريق فرنسي جزائري. ويقدم محمد حربي نموذجا نادرا جدا للمناضل، الذي كان كادرا قياديّا في جبهة التحرير الوطني، ثم أصبح رجل أبحاث ودراسات، وباختصار مؤرخا رائعا قادرا على ملاحظة ما عاشه بعين متبصرة. 

 



أما جلبير ماينيير، فقد كان طالبا في أثناء حرب الجزائر، ولكنه طالب ملتزم بكل تأكيد. فتعلم اللغة العربية، ودرس في الجزائر لمدة ثلاث سنوات، وقد أراد أن يعرفها ويدرس فيها التاريخ الحديث. وكان حربي سجينا سياسيا في عهد حكم العقيد هواري بومدين، بينما لم يعش ماينيير هذه التجربة، لكنه ليس معتبرا صديقا للسلطات العسكرية. وكيف يمكنه أن يكون كذلك، وأحد أهدافه تكمن في شرح الأسباب التي قادت إلى عسكرة الثورة الجزائرية؟  

بكل تأكيد، وضع مؤتمر الصمام لجبهة التحرير الوطني (آب / أغسطس 1956) برنامج دولة يعقوبية، وكان منظمها الرئيس رمضان عبان، الذي كان يشبه في خطبه روبسبيير أكثر منه بونابارت. لقد كان عام 1957 عصيبا على جبهة التحرير الوطني، ليس فقط بسبب القمع الدموي للجيش الفرنسي الذي سلطه على مدينة الجزائر، فاستعاد السيطرة عليها، وإنما أيضا بسبب تصريحات رمضان عبان التي أثارت غضب بن بيللا، حين قال يجب إعطاء أولوية العمل السياسي على العمل العسكري، ونادى بطريقته اليعقوبية، بجزائر تعددية. فلم يحقق أي نصر لطروحاته، وغادر بدوره إلى المنفى، حيث تمت تصفيته في الخارج من قبل الكولونيلات الثلاثة، كريم بلقاسم، والأخضر بن طوبال، وعبد الحفيظ بوسوف في نيسان 1958. 

وهذا لم يمنع جريدة المجاهد من إعلان موته الفخور في ساحة المعركة في 29 أيار. وتمثلت حنكة بومدين في تنفيذ الأعمال الكبيرة للكولونيلات الثلاثة، قبل أن يصبح الرجل القوي على رأس قيادة جيش محترف، لم يقاتل قط، حتى أزمة 1962 التي شهدت تمزق جبهة التحرير الوطني. وقدم أحمد بن بيللا غطاء مدنيّا مناسبا، قبل أن تتم إزاحته من السلطة في حزيران 1965.

إن كتاب حربي وماينيير الضخم غني بشكل مذهل. بكل تأكيد، يمكن أن نناقش هنا أو هناك شرحا موجزا حسب رأيي. ويمكن أن نناقش أيضا مصلحة إقحام هذه الوثيقة أو تلك. هل يجب على سبيل المثال بشأن مجزرة 17 تشرين الأول (أكتوبر) 1961، إعادة إنتاج المنشور للبوليس الجمهوري (الأمر يتعلق بالشيوعيين)، من دون إحالته إلى أعمال جون لوك إينودي الذي وجد كاتبه، وعرف كيف يميز الصحيح من المزور؟ وفي المقابل ما يبرزه الكتاب على الوجه الأكمل، التناقضات والالتباسات في خطاب جبهة التحرير الوطني؛ لأن الجبهة عينها كانت أداة تحرير وقمع في آن واحد. 

 

إنَّ مأساة الثورة الجزائرية، هي أنها بحكم انشطارها بين المستعمرين الأوروبيين بكسر الميم، والمستعمرين الجزائريين بفتح الميم، المنفصلين بالقانون، والحلم بجزائر متعددة الإتنية، كان يمكن أن يتعايش فيها الشيوعيون والبروليتاريون خاصة في وهران.

 



لنعطِ بعض الأمثلة. لقد وقّع العقيد عميروش الذي خدعته أجهزة المخابرات الفرنسية عندما أرسلت إليه معلومات خاطئة عن عملائها في منطقة القبائل على أمر في 11 أيار 1958 ينص على: إعدام الأسرى فورا ودفنهم بشكل سرِّي. وبادئ ذي بدء، يجب تعذيبهم لانتزاع معلومات منهم. والحال هذه، وما يقارب سنة قبل هذا الأمر القاطع، كان الرائد في جيش التحرير الوطني قد فهم بمرونة كبيرة من هو المستهدف: عقب كل اشتباك مسلح، أو مداهمة وتفتيش، يترك العدو وثيقة يتهم فيها إخلاص شخص ما يريد التخلص منه. هذه الوثيقة تحصل عليها منظمتنا (...) وتستخدمها كحجة مقنعة ضد الشخص المستهدف الأمر الذي يقود إلى إعدامه. وقد وقع عميروش في هذا الفخ الذي نصبته له أجهزة الاستخبارات السرية الفرنسية. 

ربما بصدد موضوع مكانة المرأة في الثورة الجزائرية، تبرز التناقضات بصورة جلية. بكل تأكيد، لا يخلو الخطاب من التأكيدات المبدئية الجميلة: شعب تعيش فيه المرأة على هامش النضال الوطني ليس إلا نصف نفسه. إنَّه مهزوم، وأخطر من ذلك ايضا، فهو ينزلق ببطء وبلا ريب نحو موته المؤكد. ولكننا نقرأ أيضا في نص يعود على الأرجح إلى عام 1957: في الجزائر المستقلة، تقف حرية المرأة الجزائرية عند عتبة بيتها. ولن تكون المرأة متساوية مع الرجل. ويمكن أن نعدِّدَ الاستشهادات. 

إنَّ مأساة الثورة الجزائرية، هي أنها بحكم انشطارها بين المستعمرين الأوروبيين بكسر الميم، والمستعمرين الجزائريين بفتح الميم، المنفصلين بالقانون، والحلم بجزائر متعددة الإتنية كان يمكن أن يتعايش فيها الشيوعيون والبروليتاريون خاصة في وهران. ولكن، بشكل أساسي، كانت الثورة تعبيرا عن تمرد طوائفي أكثر منها عن نزعة مواطنية مثلما هي الحال في ثورة 1789. ويمكن أن نأسف لذلك. فالثورة الجزائرية غاب عنها برنامج الثورة الديمقراطية. ويمكن أن نتساءل بلا نهاية: لماذا الذي كان في بعض الحدود ممكنا في أفريقيا الجنوبية لم يكن كذلك في الجزائر؟ ويمكن أن يطرح السؤال أيضا ما سيكون عليه الأمر بين إسرائيل وفلسطين؟ 

إنَّ المنطق الذي كان في أصل الثورة الجزائرية، ووجود تراجع ممكن في المتروبول أيضا، جعلا من الحلم بإمكان جزائر مختلطة غير قابل للتحقق. فلا الأوروبيون ولا اليهود الذين اندمجوا مع الفرنسيين عام 1870 بحكم قانون كريميي، ظلوا. ونقرأ هذه الرسالة من قيادة الولاية الرابعة والمؤرخة في 19 شباط / فبراير 1960 بنوع من الحنين: خلال الأيام الأخيرة، يدور الحديث عن مجزرة حلت بعائلة فرنسية بتيزي أوزو، إذا كان الأمر صحيحا، فإنَّه يجب الانتباه للمرَّة المقبلة؛ إنَّ قتل النساء والأطفال يسبب لنا ضررا دائما. وكان الموقع عليها المقدم سي صالح (محمد زمون)، هذا الذي جاء إلى باريس ليقابل شارل ديغول قتل بعد عودته. 


التعليقات (0)