كتاب عربي 21

أشباح نوال السعداوي

ساري عرابي
1300x600
1300x600
ماتت نوال السعداوي. وكأيّ شخصية مثيرة للجدل، تقع في منطقة استقطاب حادّ بين تيارات أيديولوجية متباينة، وفي لحظة تتسم باليأس والتوتّر، من بعد الهزيمة الظاهرة للثورات العربية.. لا بدّ وأن تحظى وفاة هذه الشخصية بقدر من التجاذب، من جوانب متوقّعة ومفهومة، وأخرى غير ذات معنى، وهي مشاهدة، يمكن منها الخلوص إلى بعض النقاط، وذلك بغض النظر عن الشخص الذي صار موضوع ذلك التجاذب.

في ما هو متوقع، أن يتهم الطرف المتبني للراحلة خصومها بأنّهم لم يقرؤوا لها شيئا، وهو اتهام لا يخلو من المغالطات، ويذكّرني ببعض صناع السينما حينما كانوا يدافعون عن أفلام بعينها، إزاء هجمة تتعرّض لها، بأنّ المهاجمين لم يشاهدوا الفيلم، في حين أنّه إذا تأكّد لهم أنّ المهاجم قد شاهد الفيلم بالفعل، ينتقلون لتعييره بأنّه يقول ما لا يفعل، بمشاهدته ما لا يرتضيه.. الاتهام ونقيضه، والحالة هذه، لا يزيد على كونه مكايدة رخيصة، وهذا ما يبدو في كثير من أوجه السجال حول نوال السعداوي.
كأيّ شخصية مثيرة للجدل، تقع في منطقة استقطاب حادّ بين تيارات أيديولوجية متباينة، وفي لحظة تتسم باليأس والتوتّر، من بعد الهزيمة الظاهرة للثورات العربية.. لا بدّ وأن تحظى وفاة هذه الشخصية بقدر من التجاذب، من جوانب متوقّعة ومفهومة، وأخرى غير ذات معنى

والاتهام بعدم القراءة يذكّرني بنقاش، شهدته بعد وفاة محمد شحرور على صفحة أحد الأصدقاء على موقع فيسبوك، مع سيدتين كانتا، وللمفارقة، تنحدران من جذور فكرية إسلامية، تهاجمان منتقدي الرجل، إحداهما كانت شديدة الادعاء بأنّ شحرور غيّر فيها كثيرا، والأخرى تنعى على الإسلاميين مسارعتهم إلى نقد المختلف (وكأنّ المختلف لا يقيم مشروعه على تحطيمهم!)، فلما تدخّلت في النقاش، ووثقت شيئا من أقوال الرجل، فرّت الأولى، وأقرّت الثانية بأنّها لم تقرأ له شيئا، بل لم تسمع ولم تشاهد له شيئا، وبهذا يتبيّن أنّ الأمر في قضايا كهذه، سريعا ما يتحوّل إلى اصطفافات، وتفريغ أزمات نفسية؛ يندرج فيها الاتهام بعدم القراءة. فحتى بعض الذين يتبنون الشخصية الراحلة، يظهر أيضا أنهم لم يقرؤوا لها، بل لا يعرفون بعض مواقفها المهمّة المعلنة، وهذا حاصل في حالة نوال السعداوي.

الاتهام بعدم القراءة، ممن لم يقرأ، أمر يفيض بالدلالة، ولكن فلنتجاوز عنه إلى ما هو أكثر جوهرية؛ بالتأكيد على أنه لا يلزم أيّ أحد أن يقرأ المنتج الفكري، لأيّ أحد، لكي يأخذ موقفا من المقولات الأساسية، التي باتت معلومة الضرورة في نسبتها لصاحب ذلك المنتج، وإنما يعيب المرء أنه لم يقرأ؛ في حال كان باحثا وقصّر في الإحاطة بتراث الشخصية المبحوثة، أو في حال زعم أنه قرأ وهو لم يفعل، أو في حال نسب قولا لأحد ولم يتثبّت من صحة نسبته له، وما سوى ذلك، فلا يلزمنا لاتخاذ موقف، من مقولات ثابتة النسبة، أن نقرأ منتج صاحبها ولا بعضه.

العالم يضجّ بالمقولات، والأفكار، والأديان، والمذاهب، والاتجاهات، ولا يمكن لأحد أن يزعم أنه قرأ كلّ ما ضجّ به هذا العالم حتى بلغ درجة من الاطمئنان إلى ما يعتنقه. وزعم كهذا عَتَه خالص، والسعي لأن يطلع المرء على كل ما قيل هو جنون محض. فثمّة مقولات أساسية، يكفي نقضها ببداهة العقل لإثبات تهافتها والإعراض عنها، وثمة مقولات أساسية في منظومة ما، دينية أو فكرية، قوية لدرجة أنّ بعض ما يشكل لا يمكن أن يُنقض به الأساس القوي، وثمة مقولات يكفي مجرد ثبوت نسبها لأخذ موقف منها. فحتى الملحد العتيّ الذي في الذروة من الادعاء، لا يمكنه الزعم بأنّه قد قرأ كلّ تراث الأديان والمتدينين، وكلّ ما كتب في إثبات وجود الله، وكلّ ما قيل في مناقشة دواعي الإلحاد الفلسفية والعلمية والنفسية، وما سوى ذلك، حتى بات واثقا من صحة موقفه، هذا بالرغم من أنّ الإلحاد موقف عدميّ، قد يستدعي من صاحبه، إن كان متجرّدا للحقّ، مزيد بحث وتساؤل.

إنّ مطالبة نقّاد نوال السعداوي بقراءة كلّ ما كتبت؛ تشغيب لا معنى له، ما دام نقادها لا ينسبون لها شيئا لم تقله. كما أنّ الظهور التلفزيوني جزء من الأداء الفكري والثقافي للشخصية، فمن قال شيئا في التلفزيون يتحمّل المسؤولية عن قوله، فكيف إذا تبين في النقاشات أن بعض حماة حمى السيدة سعداوي أنفسهم، كانوا يجهلون حقيقة مواقفها السياسية، المنحازة للسيسي ومذبحته ضدّ خصومه، وهو أمر ستندرج فيه بالضرورة ممارسات أجهزة السيسي المنتهكة للمرأة، بل إنّ سعداوي نفسها، في بعض مناظراتها التلفزيونية كانت تبدو كمن لم يطلع على ما تنتقده، ثم لا يستحي المدافعون عنها من اتهام خصومهم بعد القراءة!
انحيازها الجارف لنظام السيسي، ودفاعها عن ممارساته، والتي بعضها تضمّنت انتهاكا مريعا لحقوق المرأة، تعني أن مشكلتها مع الصورة لا مع الحقيقة. فما دام نظام السيسي لا يسمّي نفسه نظاما إسلاميّا، بل يسحق الذين يسمّون أنفسهم إسلاميين، فلا مشكلة لديها مع السيسي، مهما اقترف

يسوقنا ذلك إلى دوافع سعداوي نفسها، في تبنيها لعدد من القضايا، مثّلت جوهر نشاطها وطرحها. فانحيازها الجارف لنظام السيسي، ودفاعها عن ممارساته، والتي بعضها تضمّنت انتهاكا مريعا لحقوق المرأة، تعني أن مشكلتها مع الصورة لا مع الحقيقة. فما دام نظام السيسي لا يسمّي نفسه نظاما إسلاميّا، بل يسحق الذين يسمّون أنفسهم إسلاميين، فلا مشكلة لديها مع السيسي، مهما اقترف مما يفترض أنه يتعارض مع مبادئها. والأمر نفسه كذلك مع بعض من تصدّر للسجال دفاعا عنها بعد موتها، فهو منحاز لها لمجرد أنه تسامع بأنها عارضت الأديان ونادت بحقوق المرأة، ثمّ هو لا شأن له بما هو خلف ذلك، وذلك لأنّ الأمر لا يزيد، كما قلنا، عن كونه مكايدات وعقدا نفسية!

من التناقضات في هذا الإطار؛ أيقنة سعداوي وإحطاتها بالحمى، فتصير أي معالجة لأفكارها بعد موتها إساءة لها وإهدارا لرمزيتها، في حين أن مشروعها كان المسّ بأقدس ما يستقرّ في وجدان مئات الملايين من الناس، لنكون أمام مفارقة عجيبة، تؤلّه فيها سعداوي، ويؤنسن فيها الله تعالى! وما لا يقلّ عن ذلك طرافة، أنّها لو كانت صاحبة منتج فكري، فالطبيعي أنه لا يبقى بعد موت الإنسان إلا أفكاره، والأفكار في هذه الحالة محلّ اختلاف، والناس في مواقع التواصل ليسوا في حلقات أكاديمية، وإنما يعبّر كلّ عن مواقفه إزاء تلك الأفكار بلغته وأسلوبه، هذا وليست كلّ فكّرة تستحقّ التعامل معها بجدّية، فبعض الأفكار تافهة إلى درجة تكفي أن يقال عنها تافهة!

twitter.com/sariorabi
التعليقات (3)
لم تكن صاحبة فكر يقرأ
الأربعاء، 24-03-2021 08:04 ص
هذه المرأة لم تنتج فكرا يستحق قراءته انما انتجت هرتلات و سفالة وانحطاط خلقي وكراهية شديدة لجميع القيم الخلقية السامية وعلى رأسها القيم الاسلامية وهذا ربما ناتج عن امرض نفسية المت بها نتيجة انحلالها وفسوقها وكراهية المجتمع لسلوكها والنظرة الدونية التي ينظر بها المجتمع لكل من هو على شاكلتها من الانحلال والتفسخ.
إلى الأخ الذي يسمي نفسه الكاتب المقدام
الأربعاء، 24-03-2021 07:50 ص
يبدو أخي أنك قرأت أول فقرة ولم تكمل، كما أنه يبدو أنك لم تتابع السجالات على مواقع التواصل.. المقالة لا تناقش أفكارها، بل تناقش جانبا من منطق بعض من يدافع عنها، وهو منطق لا نتوهمه بل قرأناه ونعرف أصحابه.
الكاتب المقدام
الثلاثاء، 23-03-2021 11:44 م
*** أي شخصية مثيرة للجدل تلك التي تتحدث عنها يا عم ساري؟ وأي استقطاب حاد بين التيارات الإيديولوجية المتباينة ذلك الذي تذكره؟ فالسعداوي المقبورة تلك لم أجد إجماع على مثلها من العامة والخاصة، فالكل يعلم بأنها كانت أمرأة حيزبون، سليطة اللسان، منفلتة العيار، مكفهرة الوجه، منعدمة الموهبة، وقد عملت على لفت الأنظار إليها بالمتاجرة بالجنس في كتاباتها، كما تفعل أي أفلام رخيصة لجذب المراهقين، ولكي تلفت ابواق الغرب الملحدة المتطرفة إليها فقد تطاولت على الأديان والمقدسات، فهللوا لها واحتفوا بها، كما يفعلوا مع أمثالها، وكما فعلوا مع نجيب محفوظ، عندما منحوه نوبل مكافأة له على تطاوله على المقدسات في رواية "أولاد حارتنا" السطحية الساذجة السخيفة، التي حاكى فيها تاريخ الأنبياء وربهم في محاكاة واضحة مفضوحة، لينزلهم من مكانتهم في نفوس الناس إلى ظلمة الحواري والأزقة، كما استدعى الجنرال المنقلب الحيزبون لتعلن تأييدها له، وهو الذي اظهر ما في نفسه الخبيثة باتهامه صراحة للمسلمين جميعاُ بأنهم إرهابيون يريدون قتل الناس جميعاُ، ولم يجد من يعجب به ويؤيده إلا أمثال تلك العجوز المنحلة من كل القيم، ولم يحضر في جنازتها ويتباكى عليها إلا إلهام شاهين، الممثلة الإباحية التي قالت علانية بأنها لا تخرج إلا وفي حقيبتها صنم العذراء المعبودة، والتي استدعاها السيسي هي أيضاُ لتعلم المسلمين حقيقة دينهم ... هكذا !!!، كما نعتها مخرجة أفلام الجنس إيناس الدغيدي، التي قالت بأنها تريد أن تقيم لها تمثالاُ ليطوف حوله المصريين ... هكذا !!!، والحمد لله على نعمة الإسلام.