ملفات وتقارير

تحقيق خاص: جائحة كورونا تقصم ظهر اللاجئين في مصر (شاهد)

يعاني اللاجئون في مصر من ظروف معيشية سيئة - جيتي
يعاني اللاجئون في مصر من ظروف معيشية سيئة - جيتي

 

"كانت أوضاعنا صعبة وقاسية جدا قبل ظهور فيروس كورونا المستجد، فما بالكم بوضعنا الآن بعد تفشي تلك الجائحة التي قصمت ظهورنا".. بهذه الكلمات عبّرت لاجئة سودانية تُدعى "أم ضرار" عن معاناة أسرتها من تداعيات جائحة كوفيد-19.


ويعيش اللاجئون بمصر في أوضاع إنسانية بالغة الصعوبة ازدادت حدة وقسوة مع جائحة كورونا، خاصة أن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين أغلقت أبوابها في وجوههم، إلا أمام الحالات الطارئة فقط، كما يؤكد العديد من اللاجئين الذين تحدثنا معهم.


وفي هذا الإطار، حصلت "عربي21" على نحو 20 شهادة للاجئين بمصر، تثبت مدى قسوة جائحة كورونا على أوضاعهم، والتي "تكاد تفتك بهم"، كما قال أحدهم.

 

لا إحصاءات رسمية


وحتى الآن، لا تتوفر إحصائيات رسمية أو حصر تقريبي لأعداد المصابين من اللاجئين بكورونا وحالات الوفاة في صفوفهم، إلا أن نشطاء حقوقيين قالوا إن رصد إصابات ووفيات كورونا في مجتمع اللاجئين بمصر أمر في غاية الصعوبة، خاصة أنه لا توجد جهات بعينها تهتم برصد تلك الأرقام، بالإضافة إلى أن الكثير من اللاجئين لا يقومون بالإبلاغ عن إصاباتهم.


ويقطن غالبية المجتمع الإريتري في مناطق بعينها بمحافظة الجيزة كحي فيصل، وأرض اللواء، ومدينة 6 أكتوبر.


وإزاء ظروفها القاسية، اُضطرت أسرة "أم ضرار" إلى العيش في شقة واحدة مع ثلاث أسر أخرى نزحت إلى القاهرة، بعدما كانوا يعيشون جميعا في معسكرات اللجوء بشرق السودان.

 

وتتابع، في حديثها مع "عربي21": "تعيش معنا أسرة زوجة أخي، وهي حامل في شهرها السابع، ومعظمنا من غير عائل، وننام على الأرض".


"يوم بلا طعام"


من جهتها، قالت اللاجئة السودانية (ف. م): "أنا معي 3 أطفال، وكان وضعنا سيئا منذ البداية، وكانت معاناتنا شديدة، ثم جاءت جائحة كورونا التي تسببت في ترك زوجي لعمله، وحالنا أصبح أسوأ مما كان عليه قبل ذلك؛ فأحيانا يمر علينا يوم كامل بلا طعام".

 

فيما تقول لاجئة إريترية تُدعى، (خ. ر)، إنها وصلت قبل نحو سبعة أشهر إلى مصر، وذلك بعدما اُضطرت إلى ترك معسكرات اللجوء في شرق السودان، بسبب أحداث العنف والاضطرابات التي شهدها خلال الفترة الأخيرة، خاصة بعد ما وصفته بحملات التحريض والاتهامات التي لاحقتهم بأنهم مَن يقفون وراء تأجيج المشهد بشرق السودان.


معاناة متفاقمة


كذلك، قال (ن. ش)، وهو لاجئ مُقيم بمصر منذ نحو 4 سنوات، إن "معاناة اللاجئين تفاقمت جدا مع تفشي جائحة كوفيد 19، للعديد من الأسباب منها البيروقراطية القاتلة التي تتخلل عمل المفوضية وشركائها من المنظمات".

 

شهادة "مفزعة"


بدورها، تروي (ي. ص)، لاجئة سودانية، ظروفها القاسية بالقول: "حاولت الانتحار ونُقلت إلى المستشفى. تواصلت معنا المفوضية ووعدت بالاعتناء بنا لكنهم لم يفعلوا"، مضيفة: "إننا بحاجة إلى الحماية، لسنا آمنين حتى الآن، وهذا الضغط قد يقودني إلى الانتحار للمرة الثانية".


اغتصاب ومحاولة انتحار


وكشفت (ي. ص) عن أنها "تعرضت لعملية اغتصاب متكرر، ونتج عنه حمل وإجهاض، ومن ثم دخلت في محاولة انتحار فاشلة، وتم إسعافها في المستشفى ثم دخلت مصحة نفسية".


وتابعت: "لقد تعرضت للاغتصاب أنا وأختي من 3 أشخاص، المحامي الذي لجأنا إليه لنحتمي به، وناشط نوبي، ولاجئ مثلي اغتصبني مرتين".


من جهته، أشار ناشط حقوقي مصري مهتم بقضايا اللاجئين، رفض الإفصاح عن هويته، في تصريح لـ"عربي21"، إلى أن "بعض السيدات اللاتي يتعرضن لمشكلة مثل التحرش والاغتصاب والعنف بشكل عام لا يستطعن التقدم بشكواهن إلى المنظمات للحصول على الحماية والدعم القانوني"، منوها إلى رصد حالات متعددة في هذا الصدد.


"بيع الأعضاء البشرية"


ولفت همد باشاي، لاجئ إريتري، إلى أنه يعرف "بعض اللاجئين بمصر الذين اُضطروا لبيع كل ما يمتلكون في بلادهم لمحاولة العيش ومواجهة أعباء الحياة المتزايدة، بل أن بعضهم قام ببيع أجزاء من أعضائهم البشرية إزاء تلك الأزمة العصيبة التي يمرون بها، بالإضافة إلى أن آخرين يفكرون في الإقدام على ذلك وسط محاولات حثيثة لإثنائهم عن تلك الخطوة الخطيرة للغاية".


واستطرد باشاي، في تصريح خاص لـ"عربي21"، قائلا: "بكل أسف وحزن وألم، أصبح الاتجار بالأعضاء البشرية فاتورة خطيرة للغاية يدفعها ثمنها بعض اللاجئين".


"عذاب في الوطن وقسوة في مصر"


اللاجئة (ن، أ)، أم لستة أبناء، تشير إلى أنها عانت كثيرا حتى تمكنت من الوصول إلى مصر منذ عام تقريبا، حيث قُبض عليها مرتين داخل إريتريا، إلا أن معاناتها لم تتوقف داخل مصر، كما كانت تتمنى، حيث أنها تكافح للعيش، وقد كانت تعمل في أعمال النظافة وتتقاضى يوميا نحو 70 جنيها (نحو 4 دولارات)، لكن مع أزمة كورونا خسرت عملها، وعليها متأخرات لإيجار السكن 3 أشهر لم تتمكن من سدادهم، ولم تتلق أي معونات.


كما تحكي اللاجئة (ص. ع) معاناتها هي الأخرى، قائلة: "للأسف لا تصلني أي مساعدات حتى الآن، رغم وعودهم لي، وذلك بالرغم من أنني أعاني من مرض سرطان الثدي، ومعي طفلان لديهما أنيميا، ولا أعلم إلى متى ستستمر تلك المعاناة".


"السيسي واللاجئون"


وخلال كلمة له بالجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر أيلول/ سبتمبر 2020، وأثناء معاناة بلاده من جائحة "كوفيد-19"، قال السيسي إن "اللاجئين في مصر يتمتعون بكافة الخدمات التي تقدمها الدولة للمصريين دونما أي عون أو دعم يُعتد به من شركائنا الدوليين، رغم الأهمية التي يعلقونها، على حقوق هؤلاء المهاجرين".


وشدّد السيسي على أنهم لم يقصروا أبدا في أداء "واجبنا الإنساني إزاء نحو 6 ملايين مهاجر ولاجئ، وذلك دون متاجرة أو ابتزاز".


وهذه ليست المرة الأولى التي يتحدث فيها السيسي عن حسن معاملة اللاجئين الذين يصفهم دائما بأنهم "ضيوف مصر"؛ فهو دائم التأكيد على هذا المعنى من وقت لآخر، وخاصة خلال بعض زياراته الخارجية لأوروبا وأمريكا.


لكن بعض اللاجئين الذين تحدثنا إليهم ينفون صحة تلك التصريحات "الوردية"، مؤكدين أن الدولة المصرية لا توفر كافة الخدمات – كما يقول السيسي – لأن الكثير منهم يعانون على صعد مختلفة، سواء في المسكن أو التعليم أو الصحة أو حتى الإحساس بالأمان.


"اللاجئون وتمويل مصر"


ورغم أن السيسي قال أكثر من مرة إن بلاده لم تتلق أي دعم دولي للمساعدة في تحمل الضغوط الناجمة عن استضافة اللاجئين المنتشرين في مصر، إلا أن الواقع ينافي هذا الكلام.


واطلعت "عربي21" على وثيقة أممية صادرة عن وكالة الأمم المتحدة للاجئين في أيلول/سبتمبر 2020، تشير إلى أن الميزانية التي طلبتها المفوضية لعام 2020 بلغت 118.3 مليون دولار كتمويل دولي لدعم اللاجئين من أمريكا، والاتحاد الأوروبي، وإيطاليا، وألمانيا، وهولندا، وبريطانيا، وصندوق الأمم المتحدة للسكان، وجهات مانحة أخرى.


فيما أوضحت مسؤولة العلاقات الخارجية بمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بمصر، كريستين بشاي، في تصريحات خاصة لـ"عربي21"، أن "المفوضية تلقت 43% من إجمالي المبلغ الذي طالبت به، مما أثر سلبا على بعض القطاعات، وأجبر المفوضية على تقديم المساعدات بحسب الأولوية آخذين في الاعتبار احتياجات الحماية والوضع المادي والصحي والمعنوي لكل أسرة".


"من سيء إلى أسوأ"


في السياق ذاته، أكد الباحث المصري في شؤون اللاجئين، إبراهيم حجي، لـ"عربي21"، أن ظروف اللاجئين بمصر في ظل أزمة كورونا تمضي من سيء إلى أسوأ؛ فخلال الموجة الأولى للجائحة لم تكن هناك مراكز طبية لاستقبالهم، وهذا تسبّب في أزمة كبيرة وضاعف أعداد المُصابين بين اللاجئين، خاصة أن كثيرا منهم يضطرون للعيش في شقق سكنية مشتركة، تضم 3 أو 4 عائلات في شقة واحدة، ما يجعل إمكانية العزل المنزلي مستحيلة".


"كورونا تزيد الطين بلة"


كما يقول الناشط الإنساني الإريتري، حامد العجب، إن "المكتب الإقليمي للمفوضية بالقاهرة في الأصل ضعيف الخدمات والإمكانيات، وجاءت جائحة كورونا لتزيد الطين بلة، حيث أن مكتب المفوضية ما زال مُغلقا، وإجراءات التسجيل من المفترض أنها تتم عبر الإنترنت، لكن لا يتم التجاوب مع هذه الطلبات في زمن مناسب، لأن ملتمس اللجوء ينتظر وقتا غير محدود، ويظل القادمون الجُدد دون أي سندات، وقد يتعرض بعضهم إلى الاعتقال وربما الترحيل القسري، ما يعرض حياتهم للخطر".


ولفت، في مقابلة مصورة مع "عربي21"، إلى أن "تأخر إجراءات التسجيل بالمفوضية يؤدي أيضا إلى تأخر الاستفادة من الخدمات البسيطة والمحدودة من الأساس، خاصة أنه لا يحصل على أهم خدمة منها، وهي الحماية القانونية، بجانب التعليم والعلاج والغذاء".


مفوضية الأمم المتحدة تتحدث لـ"عربي21"


في المقابل، قالت مسؤولة العلاقات الخارجية بمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بمصر، كريستين بشاي، إن "المفوضية تعمل بشكل وثيق مع الحكومة المصرية لضمان تلبية احتياجات اللاجئات واللاجئين من مختلف الجنسيات. وتقوم الحكومة المصرية بتوفير الخدمات الصحية العامة لكل اللاجئين من مختلف الجنسيات على قدم المساواة مع المصريين". 


وأردفت: "كما تقوم الحكومة بتوفير خدمات التعليم الحكومي للأطفال اللاجئين من اليمن وسوريا والسودان وجنوب السودان على قدم المساواة مع الأطفال المصريين، كما قامت الحكومة بمنح الأطفال اللاجئين المسجلين بالمدارس الحكومية حق الالتحاق بالمدارس للعام الدراسي 2020/2021 بدون الحاجة إلى كروت تسجيل مع المفوضية سارية، نظرا لصعوبة تجديد تلك الكروت في ظل جائحة كورونا والوضع الراهن". 


وأضافت بشاي، في تصريحات خاصة لـ"عربي21": "قبل تفشي فيروس كورونا، كان غالبية اللاجئين في مصر يُعدون من الفئات الأكثر احتياجا، حيث كان سبعة من كل 10 لاجئين غير قادرين على تلبية احتياجاتهم الأساسية وغالبا ما يضطرون إلى تبني آليات التكيف السلبية مثل تكبد الديون أو تقليل الإنفاق على الغذاء والمواد الأساسية الأخرى اللازمة للبقاء على قيد الحياة.


إلا أنه بعد تفشي الجائحة، فقد الكثيرون مصدر دخلهم ومن ثم وجدوا صعوبة أكبر في شراء الغذاء أو دفع الإيجار. كما يُعَد اللاجئون من كبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة والحالات الطبية من بين أكثر الفئات تضررا من الجائحة".


المسؤولة الأممية أشارت إلى أن "جائحة كورونا ألقت بظلالها على أنشطة المفوضية كذلك؛ فمع الحاجة إلى تقليل مخاطر العدوى الفيروسية باعتبارها أولوية، تم تأجيل المقابلات داخل المكاتب مؤقتا، مع استخدام بدائل مبتكرة لضمان استمرارية البرامج شديدة الأهمية عن بُعد ومنها المضي قدما في مقابلات التسجيل وتحديد وضع اللاجئ عن بُعد، بالإضافة إلى تعضيض برنامج المساعدات النقدية".

 

"لا رد من السلطات المصرية"


حاول معد التحقيق في "عربي21" التواصل مع مساعد وزير الخارجية المصري للشؤون متعددة الأطراف والأمن الدولي، السفير إيهاب فوزي، للرد على الشكاوى الموجّهة لهم، وللوقوف على رؤيتهم من تداعيات الجائحة على اللاجئين بمصر، إلا أنه لم يتلق ردا حتى لحظة نشر التحقيق.


لكن "فوزي" قال، في تصريح نهاية العام الماضي، إن مصر ملتزمة بتقديم الحماية والخدمات المتاحة لطالبي اللجوء واللاجئين بها، حسب قوله.


وبين هذه التصريحات الوردية والمعاناة المؤلمة التي رصدناها على أرض الواقع يبقى آلاف اللاجئين متمسكين بالأمل، منتظرين قدوم مَن يمد لهم يد العون خاصة بعد تفشي جائحة كورونا التي زادت أوضاعهم سوءا فوق سوء، فإلى متى يستمر هؤلاء اللاجئون في دفع حياتهم ومستقبلهم ثمنا لتقصير السلطات المصرية والمنظمات والجهات الدولية المعنية؟

التعليقات (0)