ملفات وتقارير

هل تخلت روسيا عن مصر في سد النهضة.. ماذا عن زيارة لافروف؟

سياسيون: ما عقده السيسي من صفقات اقتصادية وعسكرية مع موسكو لم يشفع له عند بوتين- جيتي
سياسيون: ما عقده السيسي من صفقات اقتصادية وعسكرية مع موسكو لم يشفع له عند بوتين- جيتي

جاءت زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الاثنين، إلى مصر في وقت تواجه فيه القاهرة تأزما في ملف المياه بمواجهة إثيوبيا التي تبني سدا على النيل الأزرق يهدد حصة مصر من المياه.

إلا أنه وفق مراقبين، فإن الزيارة لم تقدم للقاهرة دعما فعليا بالملف الأخطر لدى المصريين، موضحين أن للرئيس الروسي فلاديمير بوتين حسابات أخرى قبل دعم رئيس الانقلاب عبدالفتاح السيسي، ومؤكدين أن ما عقده الأخير من صفقات اقتصادية وعسكرية مع موسكو، لن تشفع له عند بوتين، المأزوم كالسيسي، تماما.

تصريحات لافروف، أكدت رؤية المراقبين، حيث قال إن "مصر أحد الشركاء الرئيسيين لروسيا"، وتحدث عن تطور العلاقات وعن مشروعات اقتصادية والتلاقي في كثير من المواقف حول القضايا الإقليمية، مشيرا إلى اتفاقية الشراكة التي وقعها السيسي وبوتين، في تشرين الأول/ أكتوبر 2018.

لكن الوزير الروسي، لم يتطرق في حواره الذي أجراه مع صحيفة "الأهرام" المصرية الاثنين، إلى أزمة مصر مع إثيوبيا، ولكنه أكد أن محادثاته مع الجانب المصري خلصت لضرورة "التغلب على الأزمات والصراعات بالوسائل السياسية فقط"، في إشارة لرفض روسيا أية مواجهة عسكرية بهذا الملف.

وخلال لقائه لافروف، كرر السيسي، حديثه عن أن عدم الوصول لتفاهم بملف السد من شأنه التأثير سلبا على أمن واستقرار المنطقة، فيما أكد الوزير الروسي موقف بلاده الثابت رفض المساس بالحقوق المائية التاريخية لمصر بمياه النيل، ورفض الإجراءات الأحادية بهذا الصدد.

وعلى الرغم من أنه على مدار سنوات أزمة مياه النيل لم تتدخل روسيا أو تقترح حلولا أو تعلن رغبتها في المشاركة كمراقب في المفاوضات؛ إلا أن وزير الخارجية المصري سامح شكري، قال خلال لقائه نظيره الروسي، إن مصر تعول على قدرة روسيا لوقف الإجراءات الأحادية من جانب إثيوبيا.

وشهدت العلاقات المصرية الروسية تطورا هائلا بين السيسي وبوتين؛ نتج عنها الكثير من المشروعات الاقتصادية التي تشارك بها روسيا في مصر، أهمها بناء محطة "الضبعة" النووية، وصفقات السلاح والتي كان آخرها صفقة طائرات "سوخوي 35" التي أغضبت واشنطن من القاهرة.

غياب الدب الروسي عن أزمة مياه النيل رغم خطورتها وتفاقمها ورغم علاقات البلدين، يدعو للتساؤل: لماذا لم تشفع للسيسي عند بوتين مشترياته من السلاح والصفقات التجارية ومفاعل الضبعة كي يتدخل بالأزمة؟

وتدعو تصريحات لافروف حول ضرورة التغلب على الأزمات بالوسائل السياسية فقط إلى التكهن حول مدى تقييد موسكو لخيار القاهرة نحو المواجهة العسكرية.

"طرفان مأزومان"

وفي تفسيره قال، السياسي المصري رضا فهمي، إن "الدول الكبرى تحب الاستثمار في القضايا التي يمكنها أن تحقق نجاحات فيها"، لافتا إلى أن "الطرف الروسي يدرك أن الأوضاع بملف السد الإثيوبي قد حسمت بالوضع القائم ولا توجد فرص لتغييره".

رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بالبرلمان المصري سابقا أضاف لـ"عربي21": "وبالتالي فهذه التصريحات هي مجاملات بالدرجة الأولى، خاصة أن روسيا لا تملك أوراق ضغط على إثيوبيا وإن كانت تمتلك أوراقا فليس من مصلحتها الضغط على أديس أبابا".

وألمح إلى أن "روسيا تدرك أن إسرائيل لديها مصالح وشراكات ضخمة مع إثيوبيا، حتى إنها قامت باكتتاب شعبي لدعم الموقف الإثيوبي ودعم المشروعات المختلفة مثل الكهرباء والطاقة والمياه وغيرها"، مبينا أن "الجانب الروسي لديه قراءة للمشهد بأن الوضع بالنسبة لمصر لا يوجد أفق له لحلحلة الأوضاع".

فهمي، جزم بأن "روسيا تدرك أنها في وضع لا يسمح لها بممارسة ضغوط على أطراف مؤثرة مثل إسرائيل؛ بل إن روسيا لديها إشكالية الآن مع الأمريكان والاتحاد الأوروبي حول أوكرانيا وملفات أخرى، وتم توقيع عقوبات عليها مؤخرا، ولذا فليس لديها رفاهية تعويم طرف السيسي".

وأكد أن "الصفقات بين السيسي وبوتين، تمت في سياق مختلف غير مرتبط بالسد، ولكن مرتبط بتثبيت وضع الجنرال القادم على الدبابة، وروسيا قدمت له الدعم السياسي والاعتراف الدولي مقابل هذه الصفقات، وأي حديث عن مشروعات مثل المفاعل النووي وصفقة (سوخوي 35) حتى الجانب المصري يدرك أنها في سياق مختلف".


وخلص فهمي، إلى أن "الطرفين مأزومان، ولا يوجد فائض قوة لدى الروس لدعم مصر، ولا يريدون إغضاب إسرائيل والإمارات والصين، أو خسارة علاقاتهم مع هذه الدول، وقد يكون الروس لديهم معلومات أن الطرف المصري تواطأ منذ البداية، فكيف يدافع عنه الآن؟".

"لعبة الحياد"

وفي رؤيته أكد الباحث والأكاديمي المصري، محمد الزواوي، أن "روسيا تحاول الظهور بمظهر المحايد لكي لا تخسر زبائنها وحلفاءها في أفريقيا من مشتري السلاح الروسي، وإثيوبيا واحدة من الدول الواعدة في ذلك المجال بالنظر إلى التهديدات المتزايدة".

المحاضر بمعهد الشرق الأوسط بجامعة سكاريا التركية، قال في حديثه لـ"عربي21": "وكذلك إعلان إثيوبيا عن نيتها لإنشاء أسطول بحري بالرغم من أنها دولة حبيسة، وسيعمل في حال إنشائه من خلال موانئ أريتريا والصومال".

وتابع: "من ثم فإن روسيا قالت إنها تدعم حلا أفريقيا لتلك الأزمة لكي تقف على الحياد وتحافظ على دورها المستقبلي في القارة السمراء".

ويعتقد الأكاديمي المصري، أن "أزمة السد الإثيوبي وعلى عكس ما تبدو للشعب المصري؛ أنها من الأزمات التي يمكن احتواؤها والسيطرة عليها باعتبار الفارق الكبير في القوة بين الدولتين، ومن ثم فإن الصراع يعد محسوما لصالح القاهرة في ما يتعلق بميزان القوة".

وأضاف: "كما أنه من غير المتوقع في حسابات الدول الكبرى أن تجرؤ إثيوبيا في النهاية على الإضرار بمصالح مصر المائية أو تعطيش شعبها، ومن ثم فإن الخيارات كلها يمكن السيطرة عليها بالرغم من تصريحات السيسي بأن عدم حل أزمة سد النهضة ستجلب حالة عدم استقرار  ممتدة".

ويعتقد الزواوي، أن "الجميع بما في ذلك أمريكا يعلم أن تلك الأزمة ستحل في النهاية، وأن مصر قادرة على ضرب الجزء الأعلى فقط من السد بدون التدمير الكلي له، ومن ثم فلن يسبب ذلك خسائر كبيرة للطرفين".

ويرى أنه "حتى الآن، لا تزال الأزمة تحت السيطرة ويمكن الوصول إلى حلول فيها، ومن ثم فهي بعيدة عن اهتمام القوى الكبرى حتى الآن، لكن في حال نقصان حصة مصر من المياه حينئذ فسينتبه العالم لضرورة التدخل والضغط على أديس أبابا قبل أن تتحول القضية إلى أزمة إقليمية حقيقية".

"الصفقات مقابل الشرعية"

وفي تقديره للموقف، قال مدير المعهد الدولي للعلوم السياسية والاستراتيجية، ممدوح المنير، إن "وجود روسيا في القرن الأفريقي ضعيف في مقابل الوجود الأمريكي والصيني ولا تملك أوراق ضغط حقيقية على إثيوبيا".

الباحث المصري، أضاف في حديثه لـ"عربي21"، أن "كلام شكري، أيضا أقرب إلى مجاملة روسيا، والإيحاء بأنها قوة عظمى يمكن أن تتدخل أو تفعل شيئا".

وأكد أن "مشتريات السيسي، من الأسلحة الروسية وغيرها؛ هي تثبيت لشرعيته المغتصبة وسمسرة سلاح لا أكثر ولا أقل، ويهدف السيسي، إلى شراء هذه الأسلحة بقروض طويلة وبالتالي يظل تسديد القروض مرتبطا ببقائه بالسلطة، وبالتالي فالصفقات مقابل الشرعية".

المنير، ختم حديثه بالقول، إن "أزمة السد الإثيوبي، هي أزمة خيانة بالمقام الأول؛ قام بها السيسي عندما وقع على اتفاقية إعلان المبادئ، ما جعل إثيوبيا تفعل ما فعلته".

 

التعليقات (0)