ملفات وتقارير

توتر على خط الجزائر باريس.. هل عادت العلاقات للانتكاس؟

التشنّجات الأخيرة لا تعني أزمة رسمية بين البلدين بقدر ما تعني صعوبة المفاوضات الحالية وفق مراقبين- أرشيفية
التشنّجات الأخيرة لا تعني أزمة رسمية بين البلدين بقدر ما تعني صعوبة المفاوضات الحالية وفق مراقبين- أرشيفية

بعد فترة من الهدوء وتبادل الإشارات الإيجابية، عادت مظاهر التأزم إلى العلاقات الجزائرية الفرنسية،  ووصل الأمر ذروته بتأجيل زيارة مهمة للوزير الأول الفرنسي، جون كاستكس، ووفد من كبار وزرائه.


ورافق هذا الإلغاء المفاجئ للزيارة، سلسلة تصريحات لوزراء من البلدين، بعضها تميز بالحدة تجاه الطرف الآخر، ما جعل موضوع العلاقات بين البلدين يتصدر اهتمامات الصحف، ومثارا لتأويلات كثيرة.


وتشير التطورات إلى مرور العلاقات بأسوأ فتراتها، على الرغم من أن التوتر الطارئ لم يصل درجة القطيعة بين البلدين أو استدعاء السفراء كما يحدث عادة في الأزمات الدبلوماسية.


ولمواجهة الأسئلة الكثيرة التي طرحها تأجيل زيارة كاستكس، أشارت الرواية الرسمية إلى أن السبب في ذلك يعود إلى الأزمة الصحية التي أحدثها فيروس كورونا في ظل المخاوف من الدخول في موجة ثالثة.


وفي تعليقه على الموضوع، قال وزير الدولة الفرنسي للشؤون الأوروبية، كليمون بون، إن "عدم إمكانية عقد هذا الاجتماع الرفيع المستوى بين الحكومتين يرتبط بالوضع الصحي الذي لم يسمح للحكومة الفرنسية بإرسال وفد كبير إلى الجزائر".


وذكر بون في تصريحاته التي تناقلتها وسائل إعلام فرنسية، أنه لم يكن ممكنا تنقل الحكومة الفرنسية بوفد كبير كأن الأمور طبيعية، مشيرا إلى أن ذلك يعكس عدم مسؤولية من جانبها في هذا الوقت.


أما من الجانب الجزائري، فلم تظهر تصريحات رسمية تتحدث عن التأجيل، لكن وسائل إعلام نقلت امتعاض المسؤولين من العدد المحدود للوزراء الفرنسيين في مقابل العدد الكبير من الملفات المطروحة على طاولة الاجتماع.


أسباب غير معلنة


وخارج الأسباب المعلنة، قد تكون هناك أمور أخرى خفية أفسدت الزيارة، بحسب مراقبين؛ فالتحجج بفيروس كورونا بدا غير مقنع بالنظر إلى علم الجميع بالظروف الصحية منذ وقت طويل، كما أن حضور مسؤول بحجم الوزير الأول على رأس الوفد لا يمكن أن يجعل منه ضعيف المستوى. 


وذهبت بعض القراءات إلى أن تحفظ الطرف الجزائري على الزيارة في آخر لحظة، يعود إلى انزعاجه من خطوة حزب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي فتح له مكتبا في منطقة الداخلة التي تعتبرها الجزائر جزءا من أراضي الصحراء الغربية.


كما رأى آخرون، أن سبب امتناع الوزير الأول الفرنسي عن المجيء، يعود لتصريحات وزير العمل الجزائري الهاشمي جعبوب، التي وصف فيها فرنسا بـ"العدو" في مداخلة له بمجلس الأمة الجزائري.


وجاء تصريح الوزير جعبوب، ذي الخلفية الإسلامية، في سياق حديثه عن عجز نظام التأمين الصحي في الجزائر، حيث كان يشرح للسيناتورات أن هذا العجز يوجد في دول أخرى منها فرنسا التي وصفها بـ"العدو التقليدي والدائم".


وعلى الرغم من أن هذه العبارة كانت خارج سياق حديث الوزير أو اختصاصه، إلا أن الصحافة الفرنسية لم تمرر تصريحه غير المسبوق من وزير جزائري، وتحدثت عن بوادر أزمة بين البلدين.


أما من الجانب الرسمي الفرنسي، فاعتبر وزير الشؤون الأوروبية كليمون بون أن هذه "التصريحات لا مبرر لها"، داعيا إلى "تهدئة العلاقات بين البلدين".


وأمام حماس الإعلام الفرنسي، قال بون إن تصريحات الوزير جعبوب "لا تستحق استدعاء السفير الفرنسي في الجزائر"، نافيا بذلك نية سلطات بلاده للتصعيد.


قلق من نشاط السفير


لكن تصريحات الوزير الفرنسي لم تخفف من حدة التوتر، الذي ظهر مرة أخرى بسبب السفير الفرنسي بالجزائر، الذي تنظر السلطات الجزائرية إلى تحركاته بعين الريبة.


ودفع تصريح وزير الاتصال والناطق الرسمي للحكومة، عمار بلحمير، السلطات الفرنسية للرد مرة أخرى، عندما قال بأن بلاده لن تتوانى بخصوصه في اتخاذ الإجراءات اللازمة عند الاقتضاء.

 

اقرأ أيضا: هذه أبرز جرائم الاستعمار الفرنسي في الجزائر 


وأعربت إثر ذلك الناطقة باسم الخارجية الفرنسية، أنياس فون دير مول، عن أسفها لهذه التصريحات المختلفة، التي لا تعكس حسبها، جودة علاقاتنا الثنائية، ولا دينامكيات تعزيزها، بدعم من أعلى السلطات بين البلدين. 


ودافعت المتحدثة باسم الخارجية الفرنسية عن سفير بلادها، بالقول إنه يقوم بمهمته مع الاحترام الكامل للسيادة الجزائرية، وأبرزت "أنه يعمل على تعزيز علاقاتنا الثنائية بما يتفق مع إرادة السلطات الفرنسية".


ومما أثار قلق السلطات الجزائرية بخصوص السفير فرانسوا غويات، هو لقاءاته التي لا تتوقف مع السياسيين، فقد شملت عشرة من قادة أحزاب كبرى في البلاد، بينما اعتبر هو في تصريحاته أنه يقوم بعمله فقط.


ونقلت جريدة "ليبرتي" الناطقة بالفرنسية، مؤخرا، بأن السفير الفرنسي خلال حديثه مع الأحزاب المقاطعة للانتخابات التشريعية، طلب منها مراجعة موقفها وعدم ترك الساحة خاوية للإسلاميين.


لكن السفارة الفرنسية، علقت على هذه الأخبار بالنفي التام، وقالت إن السفير لا يتدخل في الشؤون السياسية للجزائر عند لقائه بمسؤولي الأحزاب.


"توتر يعكس صعوبة التفاوض"


ومن وجهة نظر أكاديمية، يرى الباحث في العلاقات الدولية زين العابدين غبولي، أن التشنّجات الأخيرة لا تعني أزمة رسمية بين البلدين بقدر ما تعني صعوبة المفاوضات الحالية حول ملفات كثيرة تربطهما ومحاولة كل طرف انتزاع مكاسب إضافية. 


واعتبر غبولي في تصريح لـ"عربي21"، أن "ما يحدث هو نتيجة لعملية إيجاد توازنات جديدة خصوصا في ظل التغييرات السياسية والاجتماعية في الجزائر والانتخابات الرئاسية المصيرية في فرنسا".


ووفق غبولي، فإن سبب التوتر، يعود أولا لاختلاف الرؤى والمصالح بين البلدين وثانيا لضغوط السياسة الداخلية في فرنسا والجزائر. 


وتابع بقوله: "يبدو واضحا أنه وعلى الرغم من رغبة الرئيسين، عبد المجيد تبون وإيمانويل ماكرون، في تجاوز الخلافات التاريخية، فإن السياقات الانتخابية في فرنسا والجزائر والملفات الحسّاسة مثل أزمة السّاحل والذاكرة الوطنية تعقّد مأمورية ذلك". 


حساسية الشارع


وينظر في الشارع الجزائري بحساسية إلى كل ما يتعلق بفرنسا الرسمية، ويحرص نشطاء الحراك على رفع لافتات خلال مسيراتهم الأسبوعية تشير إلى ما يعتبرونها "الوصاية الفرنسية" على بلادهم.


وفي تعليقه على ما يحدث، قال عبد الوهاب فرصاوي، رئيس جمعية "راج" المنخرطة في الحراك الشعبي، إن العلاقات بين النظامين الجزائري والفرنسي بعيدا عن التشنج المؤقت حاليا، مبنية أصلا على الضبابية دون إشراك الشعبين في بناء ملامح المستقبل.


وأوضح فرصاوي في تصريح لـ"عربي21"، أن "مستقبل العلاقة بين الجزائر وفرنسا لم يكن يوما بين أيدي الشعبين اللذين يطمحان في العموم إلى بناء علاقة مبنية على المصلحة المشتركة والتعايش دون طي صفحة الماضي الاستعماري".  


وذكر أن النظام السياسي في الجزائر يتمسك بالشرعية التاريخية والثورية ويوظفها سياسيا من أجل توجيه الرأي العام الجزائري، في حين يقوم السياسيون الفرنسيون بنفس الشيء حسبه، عندما يتعلق الأمر بالذاكرة قبل مواعيد الانتخابات. 


وبحسب فرصاوي، فإن فرنسا لا تزال السند للنظام الجزائري على حساب مصلحة الشعب والديمقراطية، معللا كلامه بالتصريحات "الودية" لماكرون وتبون في سياق الحراك الشعبي السلمي.

التعليقات (0)