كتب

جرائم الحرب الإسرائيلية في غزة.. وقائع وشهادات

كتاب يوثق للجرائم التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي في غزة عام 2010  (عربي21)
كتاب يوثق للجرائم التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي في غزة عام 2010 (عربي21)

الكتاب: "الجرائم الإسرائيلية خلال العدوان على قطاع غزة: دراسة قانونية"
الكاتب: بدر عقيلي 
الناشر: دار الجليل للنشر والدراسات والأبحاث الفلسطينية، عمان الأردن 2010
عدد الصفحات: 230 صفحة

لمقاومة النسيان وحفظا للذّاكرة الفلسطينية وبحثا عن سبل جديدة لخدمة القضية الفلسطينية، نقدم كتابين يتكاملان يوثق الأول لجرائم الحرب الإسرائيلية في غزة في العملية التي أطلقت عليها الاسم الرمزي "عملية الرصاص المصبوب"، فنعرض في حلقة أولى وقائع وشهادات نقلها بدر عقيلي. أما الحلقة الثانية فنخصصها للنضال على المستوى القانوني من وجهة نظر الدكتور عبد الرحمن محمد علي في مؤَلفه "الجرائم الإسرائيلية خلال العدوان على قطاع غزة دراسة قانونية وفقا لمعاهدة روما المؤسسة للمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي".

1 ـ شروط فتح النار في القانون الإسرائيلي وسياق العدوان 

استقى بدر عقيلي شهاداته مما اعترف به جنود إسرائيليون شاركوا في الحرب، ومن التحقيقات التي أجراها الموفد الأممي القاضي غولدستون، التي تكشف ملابسات الجرائم الإسرائيلية. فحسب القانون الإسرائيلي لا يستخدم السلاح إلاّ عند الحاجة الأكيدة والفورية لصد اعتداء غير قانوني يتم تنفيذه بأسلحة ساخنة كالآليات التي تطبق النار والقنابل اليدوية والزجاجات الحارقة والعبوات الناسفة أو بالأسلحة الباردة كالسكاكين والخناجر والقضبان والهراوات ويعرّض الحياة للخطر. فيكون الحل الأخير لصدّ العدوان بعد أن يفتقد حامله كل السبل الأخرى للسيطرة على المعتدي. ولا يُستهدف منه القتلُ وإنما منع الاعتداء. 

لذلك يوجه نحو الرجلين ولا يُرمى الجسد إلا للحيلولة دون خطر مؤكد. ويتم الاكتفاء بعيار واحد. ولا بدّ للجندي أن يصرخ باتجاه المشبوه "قف" أو "توقف وعرّف بنفسك" أو "توقف أو أنني سأطلق النار" ثم يكرر ذلك بالعربية فيقول "وقّف وإلا راح أطخك". وتتضمن شروط إطلاق النار سحب السلاح بطريقة استعراضية للردع ثم إطلاق عيارين ناريين للتحذير ثم الرمي على الرجلين كما ذُكر أعلاه. 

وفي عمل مواز يذكّر الكاتب بسياق هذا العدوان. فيذكر أنه وقع ثلاثَ سنوات بعد حرب إسرائيل "الخاسرة" مع حزب الله، والخسارة في عرف الرأي العام الإسرائيلي تتمثل في وقوع جنود في الأسر أو في سقوط عدد كبير من القتلى. لذلك بُنيت خطط الجيش على تجنب الاشتباك المباشر مع جنود حماس لضمان سلامة الجندي الإسرائيلي، وعلى اعتماد سياسة الأرض المحروقة التي تعتبر أنّ كل القطاع مزرعة متفجرات لا بد من تطهيرها بالطائرات والمدفعية وقنابل الفوسفور. 

ولتحقيق ذلك كانت التعبئة مزدوجة. فغرس القادة في أذهان الجنود أن غزة وكر لإرهابيينَ قتلةٍ، وأن كل من فيها هو تابع لحماس. ومما نقل عنهم في هذه الشهادات "لن يكون هناك مدنيون في غزة" أو "هذه حرب والحرب لا تهتم بالمدنيين، اطلقوا النار على كل من ترونه، اطلقوا ثلاث قذائف وليس قذيفة واحدة، على الهدف لضمان عدم بقاء أي مخرّب" أو "سندخل غزة والهدف هو ألف قتيل فلسطيني وليس وقف الصواريخ". وكانت التعليمات تختزل في"انسحب ودع الأمر للدبابات والجرافات والطائرات لتتصرف، وعند الاقتضاء اجعل من الفلسطينيين دروعا بشرية". 

وتولّى الحاخامات إصدار فتوى خاصة للجنود مدارها على أنّ جميع الذنوب التي سترتكب خلال الحرب مغفورة سلفا لأنهم يحاربون من أجل شعب الله وومن أجل حقه في الأرض والأمن.

2 ـ شهادات الجنود الإسرائيليين:

تعمل المنظمة الإسرائيلية المناهضة للاحتلال "فلنكسر حاجز الصمت" أو "شوفريم شتيكاه" على نشر انتهاكات جنود الجيش الإسرائيلي بحق فلسطيني غزة والضفة، مؤكد أنها تتم بعلم القادة والضباط الكبار ومباركتهم. وكان جنود مسرحون في عام 2004، كانوا قد عاينوا الانتهاكات الإسرائيلية، أسّسوها ساعين إلى الدفع بحوار مجتمعي حول البعد الأخلاقي لاحتلال فلسطين. وظلت إسرائيل تسعى إلى محاصرتها وإخراس صوتها بالضغط على مانحييها الدوليين مثل بريطانيا وإسبانيا وهولندا. 

وتبرز هذه الشهادات إباحة الدّم الفلسطيني والاستهتار بحقه في الحياة وإطلاق أيادي الجنود لتخريب الممتلكات الفلسطينية وسرقتها. ونكتفي بعرض شهادة عن قتل فلسطيني، رغم وجود شهادات أخرى لأعمال أفظع، لدقة الوصف الذي يبيّن أنّ القتل بدم بارد يتحوّل عند هذا الجيش إلى ضرب من التسلية دون رادع أخلاقي أو محاسبة قضائية. فقد ورد في الشهادة "كانت الليلة بعد خمسة أو ستة أيام من دخولنا إلى القطاع، وكنا نحضر توجيهات في الموقع حيث تحدث قائد السرية ونائب القائد وفجأة سألني أحد الجنود فيما إذا كنت أرى ضوءا متقطعا على محور الطريق؟ فنظرنا نحو محور الطريق بضعة ثوان. وفجأة شاهدنا ضوء فانوس وأدركنا أنّ هناك شخصا ما يسير باتجاهنا، وفعلا، بدأنا تمييز هذا الشخص رويدا رويدا فبدا كهلا طويل القامة، يرتدي جلبية بيضاء ويحمل فانوسا ولم يبد أنّ معه سلاحا. وفجأة قال قائد السرية: جميع القناصة إلى السطح، فسألوه: لماذا يصعد جميع القناصة إلى السطح؟ ما الأمر؟ فقال: "جميع القناصة إلى السطح، اعتمدوا عليّ.

 

غرس القادة في أذهان الجنود أن غزة وكر لإرهابيينَ قتلةٍ، وأن كل من فيها هو تابع لحماس. ومما نقل عنهم في هذه الشهادات "لن يكون هناك مدنيون في غزة" أو "هذه حرب والحرب لا تهتم بالمدنيين، اطلقوا النار على كل من ترونه، اطلقوا ثلاث قذائف وليس قذيفة واحدة، على الهدف لضمان عدم بقاء أي مخرّب" أو "سندخل غزة والهدف هو ألف قتيل فلسطيني وليس وقف الصواريخ".

 



وعندما صعدوا أصبح الرجل على بعد مائة وخمسين مترا بينما يقول قائد السرية: لا تقلقوا، اعتمدوا عليّ، وعندما أصبح على بعد مائة متر، تبيّن لنا أنه لا يحمل شيئا والأمر الوحيد الممكن في هذه الحالة هو أنه يحمل حزاما متفجّرا أو يجمع معلومات استخبارية لحماس، أما على الصعيد الآني، فلم يكن هناك أية تهديدات. قال الجنود لقائد السرية أنه لا يحمل أسلحة وطلبوا منه السماح لهم بإطلاق النار للردع. كانت الدنيا ليلا والأوامر تنص على إزالة مثل هذا الرجل ليلا، لكننا من جانب آخر كنا نراه يتقدّم وهو يحمل فانوسا وكأنه يفتّش عن شيء يأكله أو عن مأوى يبيت فيه.

ولم يبد أنه آت لقتلنا، لكنك تعرف، هناك في نهاية المطاف تقديرات تنفيذية. وعندما سألنا فيما إذا كان يجب إطلاق عيارات ردع تجاهه؟ قال قائد السرية أنه ليس لديه أوامر. وعندما أصبح على بعد 50-60 مترا بدأ التوتر يسود، لأنه يستطيع باستخدام حزام ناسف أن يقتل كل من في الغرفة. وبدأت أسمع صيحات الجنود في غرف أخرى تقول يجب إزالته. وفي هذه اللحظة لم يكن يجب إطلاق النار للردع، بل لإزالته، وبدا الرجل على بعد 20-25 مترا، كان الجميع يطلقون النار، والرجل يصرخ ويصرخ وقائد السرية مسرور. وعندما سألوه لماذا لم يطلق النار للردع؟ قال الدنيا ليل، وهذا مخرب، وعندما قالوا له: لكنك كنت تعرف أنه يحمل فانوسا، ولا يوجد لديه سلاح، قال لا يهم الدنيا ليل. لقد حدث لدي انطباع بأنّ الجميع كانوا يريدون أن يقتلوا، وأنّ أيا منهم لم يكن يشعر بأية غضاضة في ذلك. 

وفي صبيحة اليوم التالي أرسلنا الكلب الذي يشم المتفجرات واتضح أنّ الرجل لم يكن يحمل شيئا، كان الرجل ملقى على الطريق والمصباح في يده، وشعرت بعدم الارتياح من القضية كلّها. لكنني كنت أعرف أنه من غير المناسب أن أطرح ذلك لأنني في هذه الحالة سأتشاجر مع قائد الفصيل.

س ـ ما الذي قاله الجنود لقائد الفصيل بعد ذلك؟

ج ـ (...) لقد أدرك الجنود أنه حتى إذا ما رفعوا الأمر إلى الجهات العليا، فلن يحدث شيء، لذا صمتوا".

3 ـ تقرير غولدستون لتقصي الحقائق:
 
ترأس ريتشارد غولدستون القاضي السابق بالمحكمة الدستورية لجنوب إفريقيا والمدعي العام للمحكمتين الجنائيتين الدوليتين ليوغسلافيا وجنوب إفريقيا بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق بتكليف من رئيس مجلس حقوق الإنسان. وعهد إليها "التحقيق في جميع انتهاكات حقوق الإنسان الدولي والقانوني الإنساني الدولي التي قد تكون ارتكبت في أي وقت في سياق العمليات العسكرية التي جرى القيام بها في غزة في الفترة الفاصلة بين كانون الأول (ديسمبر) 2008 وكانون الثاني (يناير) 2009". وحرّرت البعثة تقريرا عرف باسم رئيسها يثبت الانتهاكات الإسرائيلية في قطاع غزة وفي الضفة الغربية من عزل اقتصادي وسياسي وفرض للقيود على السلع وإغلاق للمعابر وتخفيض للإمدادات بالوقود والكهرباء وتقليص لمساحات الصيد والزراعة والصناعة رغم أنّ إسرائيل تظل ملزمة، بموجب اتفاقية جينيف الرابعة بضمان توريد حاجيات القطاع. وعرض الكتاب التقرير كاملا. أما نحن فسنقتصر على ملخّص له. فقد تضمن العناوين الفرعية التالية:

ـ العمليات العسكرية في قطاع غزة والإصابات الواقعة

ـ هجمات القوات الإسرائيلية على المباني الحكومية وأفراد السلطات في قطاع غزة، بما في ذلك الشرطة

ـ الهجمات العشوائية التي شنتها القوات الإسرائيلية والتي أسفرت عن فقدان أرواح وإيقاع إصابات بالمدنيين.

ـ الهجمات المتعمدة على السكان

ـ الهجمات التي شُنّت ضد أساسيات الحياة المدنية في غزة: تدمير البنية التحتية الأساسية الصناعية وإنتاج الغذاء ومنشآت المياه ووحدات معالجة الصرف الصحي والمساكن

ـ استخدام المدنيين الفلسطينيين كدروع بشرية

ـ الحرمان من الحرية: الغزيون المحتجزون أثناء العمليات العسكرية الإسرائيلية الممتدة من 27 كانون الأول (ديسمبر )2008 إلى 17 كانون الثاني (يناير) 2009.

ويتضمن كل عنوان مواد تسرد نماذج من الفظاعات التي كانت إسرائيل ترتكبها نحو:
 
ـ ما ورد في المادة 39 فـ"تخلص البعثة أيضا إلى أنّ القوات المسلحة الإسرائيلية قد قامت في اليوم نفسه وعلى نحو مباشر ومتعمد بمهاجمة مستشفى القدس في مدينة غزة ومستودع سيارات الإسعاف المجاور بقذائف الفوسفور الأبيض. وتسبب الهجوم في نشوب حرائق استغرقت عملية إطفائها يوما كاملا وأوقع الذعر في نفوس المرضى والجرحى الذين تعيّن إجلاؤهم. وقد وجدت البعثة أنه لم يصدر في أي وقت تحذير بوقوع هجوم وشيك. وترفض البعثة الادعاء القائل بأنّ نيرانا قد وجّهت إلى القوات المسلحة الإسرائيلية من داخل المستشفى، وهي تستند في ذلك إلى تحرياتها هي". 

ـ ما ورد في المادة 46: "تخلص البعثة استنادا إلى الوقائع المتحقّق منها في جميع الحالات المذكورة أعلاه إلى أنّ سلوك القوات المسلحة الإسرائيلية يشكل خرقا خطيرا لاتفاقيات جينيف الرابعة من حيث القتل العمد والتسبب عمدا في إحداث معاناة كبيرة للأشخاص المحميين وعلى ذلك فإنه ينشئ المسؤولية الجنائية الفردية، وهي تخلص أيضا إلى أنّ الاستهداف المباشر والقتل التعسفي للمدنيين الفلسطينيين يشكل انتهاكا للحق في الحياة. 

ـ ما ورد في المادة 52: "وقامت القوات الإسرائيلية أيضا بتوجيه ضربة إلى جدار إحدى برك الصرف الصحي غير المعالج التابعة لمصنع معالجة المياه المستعملة بغزة، مما تسبب في تدفق أكثر من 200000 متر مكعب من الصرف الصحي غير المعالج في الأراضي الزراعية المجاوزة، وتوحي ملابسات هذه الضربة بأنها ارتكبت عمدا وبسبق إصرار".

لقد جاءت هذه الاعترافات من الطرف الإسرائيلي نفسه وجاء التقرير من أطراف قضائية محايدة ما يؤكد جديتها ويرفع من مصداقيتها ويحول دون إسرائيل والادعاء بأنها شهادات لاسامية، معادية لها كما دأبت دائما. وتكمن أهميتها في تعريف الرأي العام الدولي بحقيقة إسرائيل، خاصّة أنّ قطاعا واسعا منه يظل واقعا تحت تأثير أذرع الآلة الإعلامية الإسرائيلية المنتشرة في كل بقاع العالم، وفي اتخاذها منطلقا لنضال على الواجهة القانونية لملاحقة مجرمي الحرب والتضييق عليهم. وهذا ما يجعله د عبد الرحمن محمد علي مادة لكتابه "الجرائم الإسرائيلية خلال العدوان على قطاع غزة: دراسة قانونية" ونجعله نحن الحلقة الثانية من دراسة الجرائم الإسرائيلية أوان عملية "الرصاص المصبوب".


التعليقات (0)