سياسة دولية

كيف خططت إيران للوصول إلى البحر الأبيض عبر التوسّع غربا؟

خبراء: سعى الإيرانيون منذ فترة إلى أن يتحوّلوا إلى قوة ذات نفوذ كبير على مستوى المنطقة والعالم الإسلامي-الأناضول
خبراء: سعى الإيرانيون منذ فترة إلى أن يتحوّلوا إلى قوة ذات نفوذ كبير على مستوى المنطقة والعالم الإسلامي-الأناضول

نشر موقع "المعهد الإسباني للدراسات الاستراتيجية" دراسة سلط فيها الضوء على خطط إيران لإنشاء سلسلة من الطرق البرية نحو الغرب؛ بهدف توسيع نفوذها الجيوسياسي في منطقة البحر المتوسط.


وقال الموقع في تقريره الذي ترجمته "عربي21"؛ إن الطموحات الإيرانية تتقاطع مع مصالح عدد من القوى الإقليمية والعالمية، مما قد يؤدي إلى تأجيج الصراعات التي تعاني منها المنطقة حاليا.

 

وحسب الدراسة، فإن الطريقة التي ستتعامل بها القوى المختلفة مع "لعبة الشطرنج" الراهنة في المنطقة، هي التي ستحدد من سيسيطر على الشرق الأوسط مستقبلا، ومن سيفقد نفوذه على المدى الطويل. ومن بين جميع الجهات الفاعلة، يبرز الإيرانيون بقدرتهم على فهم طبيعة العلاقات المتشابكة في منطقة تتجاوز فيها الطائفية حدود الدول.


ومنذ فترة طويلة، سلط المفكر الاستراتيجي زبيغنيو بريجنسكي الضوء على أهمية إيران كمحور جيوسياسي، وإمكانية أن تصبح قوة فاعلة في المنطقة. بعد سنوات، أكد الأستاذ روبرت كابلان هذه الافتراضات من خلال تسليط الضوء على دور إيران، باعتبارها الفاعل الوحيد الذي يسيطر على موارد الخليج وبحر قزوين.


وبحسب الخبراء، فقد سعى الإيرانيون منذ فترة إلى أن يتحوّلوا إلى قوة ذات نفوذ كبير على مستوى المنطقة والعالم الإسلامي، وخلق استقرار داخلي طويل المدى. وقد ظهرت نوايا التوسع الإيراني بوضوح منذ غزو العراق في 2003.


أدى حل أعضاء حزب البعث إلى تأسيس نظام جديد، أدى فيه الشيعة العراقيون دورا كبيرا على حساب السنة والأكراد. تسللت المليشيات الموالية لإيران إلى الهياكل السياسية والإدارية والاجتماعية والأمنية في العراق الجديد، الذي شغل فيه نوري المالكي الموالي لإيران منصب رئيس الوزراء حتى سنة 2014.


بعد سقوط صدام، أتيحت لإيران الفرصة للنظر مرة أخرى نحو بلاد ما بين النهرين والشام كأحد مناطق توسع نفوذها، رغم أن الولايات المتحدة و السعودية و إسرائيل حاولوا منع ذلك، لكن جهات فاعلة أخرى مثل روسيا و تركيا استغلوا الموقف بما يناسب مصالحهم، بينما بدأت الصين تهتم بالمنطقة وعملت على استغلال الإيرانيين لتنفيذ مشروع الحزام والطريق.


لاحقا، شكل ما يسمى بالربيع العربي واندلاع الثورة في سوريا سنة 2011، فرصة جديدة لتوسيع النفوذ الإيراني في المنطقة. في هذه الحالة، وجد الرئيس السوري بشار الأسد أنه من الضروري اللجوء إلى الإيرانيين لدعم نظامه المنهك، وتحوّلت سوريا بسبب ذلك الدعم إلى دولة تابعة لإيران.


وأكد الموقع أن نفوذ طهران في الشرق الأوسط تعاظم بمرور السنوات، على الرغم من جهود الولايات المتحدة وحلفائها لإضعاف الاقتصاد الإيراني وعزل طهران سياسيا.


وقد شهدت السنوات الماضية زيادة في حجم وقدرات المليشيات المدعومة من فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإسلامي في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وتعمل إيران أيضا على إنشاء جسر بري في المنطقة يربطها بالبحر الأبيض المتوسط.


بصمة إيران في بلاد الشام


أقامت إيران سلسلة من التحالفات والأنشطة الخاصة بها لإنشاء جسر بري في اتجاه الغرب عبر سلسلة من الممرات، وعادة ما يشار إلى التحالفات الإيرانية في المنطقة باسم «محور المقاومة»، وهو مفهوم يتم تعزيزه يوما بعد يوم.


وحسب الموقع، فإن العرب السنة بدؤوا منذ نهاية سنة 2016 يخشون من أن تؤدي هزيمة تنظيم الدولة إلى تشكّل "ممر بري من طهران إلى بيروت". وعلى الأرض، توصل الإيرانيون وحلفاؤهم سنة 2018 إلى توافق بشأن إنشاء هذا الممر، وكان المسؤول الأول عنه هو اللواء قاسم سليماني.


وتعتمد فوائد هذا الجسر على ثلاثة محاور يكمّل بعضها بعضا: من جهة، سيوفر وسيلة نقل رخيصة لشحن الأسلحة إلى البحر الأبيض المتوسط؛ وسيكون أيضا طريقا بديلا للجسر الجوي الإيراني في المنطقة، في حال قيام إسرائيل بقصف أي من المطارات التي يعتمد عليها الإيرانيون. وأخيرا، سيعمل على إعادة تأكيد الهوية الشيعية في جميع أنحاء المنطقة.


الانعكاسات الإقليمية


اعتبرت إسرائيل نفسها متضررة بشكل مباشر من وجود هذا الممر، حيث يمكن بسهولة نقل الأسلحة من خلاله باتجاه سوريا ولبنان، ومن ثم إرسالها إلى الأراضي الفلسطينية. لذلك، في سنة 2018، أعلن نتنياهو أن هذا الجسر سيرسم طريقا من طهران إلى طرطوس في البحر الأبيض المتوسط، مما يسمح لإيران بـ "مهاجمة إسرائيل عن قرب".


وطوال سنة 2019، تعرض الجسر لهجمات مختلفة دون أن تُنسب إلى إسرائيل، على الرغم من أن القائد السابق في الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، ذكر أنها نُفذت من قبل "عملاء أو عمليات خاصة بطائرات حديثة".


وفي سنة 2020، قدمت القوات المسلحة الإسرائيلية وثائق لإثبات التواطؤ بين المليشيات الموالية لإيران وحكومات عدد من الدول، ومنها وثيقة تؤكد لقاء المسؤول عن جبهة الجولان الحاج هاشم واللواء السوري علي عماد الأسد. بالاعتماد على أدلة مختلفة، نفذ الجيش الإسرائيلي العديد من الهجمات ضد منشآت تابعة لفيلق القدس في سوريا.


وأعلنت تل أبيب أنها "لن تتسامح مع أي وجود إيراني على الحدود الإسرائيلية، وستواصل العمل على الحفاظ على أمن إسرائيل من إيران وحزب الله وسوريا".


وحسب الموقع، لا يبدو أن هناك أي مؤشر على تغيير في مواقف إيران وإسرائيل، حيث يرى كلاهما مصالح أمنية حيوية في الصراع السوري. بالنسبة للإسرائيليين، يعتبر الدعم الإيراني لحزب الله مصدر قلق دائم، وقد تفاقم بسبب وجود الإيرانيين في سوريا.


في غضون ذلك، أدت المفاوضات الجديدة التي بدأت بشأن برنامج إيران النووي إلى زيادة المخاوف الإسرائيلية والسعودية. إذا كان هناك نوع من الاتفاق لصالح الإيرانيين، فيمكن أن يؤدي تخفيف العقوبات إلى إعادة إحياء البرنامج الصاروخي، وهو ما قد يزيد من زعزعة استقرار المنطقة.


دور القوى العالمية


بعيدا عن المشكلات التي يواجهها اللاعبون الإقليميون على الأرض، ترى الصين إمكانية استخدام الممر الإيراني باتجاه الغرب فرصة لتعزيز مشروع الحزام والطريق. كما يلبي ذلك حاجة الصينيين للطاقة، وأساسا النفط العراقي وأيضا الإيراني.


في سنة 2018، أعلنت إيران أنها تعتزم بناء خط سكة حديد يربط الخليج بالبحر الأبيض المتوسط، بدءا من البصرة وعبورا بالحدود السورية عند البوكمال، ثم التوجه داخل سوريا إلى دير الزور. وإذا تم ربط السكة الحديدية بين الدول الثلاث، يمكن اتخاذ خطوة مهمة أخرى بربط الخط الحديدي الصيني بالبحر المتوسط عبر إيران والعراق وسوريا.


في نهاية ذلك العام، توصلت الدول الثلاث إلى اتفاق مبدئي مؤقت لبناء خط سكة حديد وطريق سريع، يبدأ من البصرة وينتهي في ميناء اللاذقية السوري على ساحل البحر المتوسط.
وأوضح الموقع أن إنشاء الجسر البري الإيراني، من شأنه أيضا أن يعزز الوجود الروسي ويوفر قوة أكبر لشركائها الإيرانيين والسوريين على حساب تركيا.


التعليقات (0)