ملفات وتقارير

تورط برلمانيين ورجال أعمال بتهريب الآثار المصرية

خبير آثار: لا يمكن تهريب قطعة آثار مصرية واحدة خارج البلاد دون أن يكون خلفها مسؤول كبير
خبير آثار: لا يمكن تهريب قطعة آثار مصرية واحدة خارج البلاد دون أن يكون خلفها مسؤول كبير
التنقيب عن الآثار ملف خفي في مصر يظهر ويختفي من آن لآخر؛ ليحمل للواجهة أسماء كبيرة لسياسيين وبرلمانيين ورجال أعمال، تورطوا في البحث والتنقيب عن الآثار المصرية القديمة وتهريبها للخارج.

آخر تلك القضايا تورط فيها من يعرف إعلاميا بـ"نائب الجن والعفاريت" البرلماني السابق علاء حسانين، والذي تم القبض عليه وحبسه و٣ آخرين بينهم شقيقه، السبت الماضي، بتهمة التنقيب عن الآثار وتجارتها.

وعُثر مع حسانين على (201) قطعة أثرية، بينها تمثال خشبي 40 سم، وآخر أوشابتي من المرمر، ولوحتان لتابوت منقوش بالهيروغليفية، و36 تمثالا، و4 تماثيل أوشابتي، و58 عملة برونز ونحاس رومانية ويونانية.

كما عثر معه على إناء فخاري، و3 إبر جراحية من العصر الإسلامي، وعقود بها تماثيل لمعبودات مختلفة، و3 قطع حجرية فرعونية، وتمثالين من البرونز، وآخر خشبي، وتمثال حجري من العصر اليوناني، وإبريق أخضر من الفيانس، وآخر من البرونز، وقطع أحجار من عصور ما قبل التاريخ، ومكاحل من المرمر، وغيرها.

"راتب وتهمة التمويل"

إلا أن التحقيقات الأولية، كشفت عن تورط رجل الأعمال الشهير ومؤسس فضائية "المحور" حسن راتب، بدفع ملايين الجنيهات للنائب حسانين للبحث عن الآثار، فيما أعلنت السلطات الأمنية توقيف راتب مساء الاثنين، من منزله بالقاهرة، بتهمة تمويل عمليات التنقيب غير المشروعة.

نشطاء قالوا إن راتب عمل لسنوات في شمال وجنوب سيناء عبر مشروعات سياحية وتعليمية وصناعية، وهو ما يجعله تحت عيون الجهات الأمنية والسيادية، مشيرين إلى أن أي أعمال مشبوهة لا بد للسلطات أن تكون على علم بها.

ويرأس راتب "جمعية مستثمري سيناء" و"شركة أسمنت سيناء"، و"جامعة سيناء"، ومجموعة "سما وسما العريش"، و"مؤسسة سيناء للتنمية"، و"منسق المشروع المصري الاستراتيجي للتنمية المحلية بسيناء".

"أسماء كبيرة"

قضية كبرى لتهريب الآثار كانت قد تفجرت في أيار/ مايو 2018، وارتبطت باسم الممثل رؤوف بطرس غالي، شقيق وزير مالية عهد حسني مبارك، يوسف غالي، مع القنصل الفخري الإيطالي السابق بالأقصر أوتكر سكاكال، بتهريب 22 ألف قطعة أثرية بحاوية دبلوماسية من ميناء الإسكندرية لأوروبا، وكشفتها سلطات ميناء ساليرنو الإيطالي.

وكان رئيس مجلس النواب السابق علي عبد العال، أثناء التصويت على قانون ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية حزيران/ يونيو 2017، قد قال للنائب سيد أبو بريدعة، وأحد المعترضين على القانون: "خليك في تجارة الآثار"، ما يعني أن هذا الملف يتم تحت سمع وبصر الدولة والجهات التشريعية والأمنية والسيادية.


ظهور أسماء شخصيات عامة وبرلمانيين ورجال أعمال وأقارب مسؤولين سابقين كبار في الدولة المصرية بقضايا الآثار، يثير الكثير من التساؤلات حول الملف الخطير، وحول صمت الدولة المصرية.

"نائب مستقبل وطن"

أحد الأنصار المقربين من نائب برلماني فاز بالدورتين الأخيرتين في عهد السيسي، ومن عائلة برلمانية عريقة في عهد حسني مبارك، أكد في حديث لـ"عربي21" أن "النائب الحالي والذي وُضع على رأس قائمة حزب (مستقبل وطن)، ما كان أمامه طريق سوى تجارة الآثار".

وأوضح أنه "في انتخابات البرلمان بالعام 2014 والعام 2021، فاز النائب الذي تحفظ على ذكر اسمه، بأغلبية أصوات إحدى دوائر محافظة الشرقية، ليعيد عائلته للبرلمان بعدما خسرت مقعدها في انتخابات برلمان الثورة عام 2012، وأنه طُلب منه مبالغ كبيرة للتبرع إلى الحزب ولصندوق مصر السيادي، وللدعاية الانتخابية".

وأكد أنه "يتاجر في الآثار، وكثيرون يعلمون بالأمر ولكنهم لا يستطيعون الحديث فيه، وأنه ضاعف أعماله لتعويض الأموال التي دفعها ليستعيد مقعد عائلته وليتبرع وينال رضا المسؤولين بالنظام".

"كبار جدا"

أحد أساتذة الآثار المصريين تحدث لـ"عربي21"، شريطة عدم ذكر اسمه، مؤكدا تورط العديد من الأسماء الكبيرة في عمليات البحث والتنقيب وتهريب الآثار وسط صمت الأمن وتورطه فيها ببعض الأحيان.

وجزم بأنه "لا يمكن تهريب قطعة آثار مصرية واحدة خارج البلاد دون أن يكون خلفها مسؤول كبير"، موضحا أن "عمليات التنقيب وما يليها من عثور على الآثار ومن ثم تهريبها للخارج لا تتم دون وجود كبار، وكبار جدا"، دون أن يذكر أسماء بعينها.

وأكد أن "المواطن العادي لا يستطيع القيام بذلك إطلاقا دون غطاء"، لافتا إلى أن "عمليات تهريب الآثار تخرج من منافذ برية وجوية وبحرية، وهي منافذ رسمية تشرف عليها الدولة، ولذلك لا يمكن خروج هذه الآثار دون وجود اتفاقات".

وقال إنه "بالرغم من وجود أكثر من 30 وحدة أثرية لضبط الآثار بتلك المنافذ؛ إلا أن هذه المنافذ التي تشرف عليها وزارة الآثار لا تقوم بتفتيش أي شيء، إلا إذا قُدم إليها بلاغ من الشرطة الموجودة بالمنافذ".

وحول أسباب تزايد عمليات التنقيب مؤخرا، ومدى ارتباطها بافتتاح متحف اللوفر بالإمارات، أوضح أن "الأمر أكبر من ذلك, وأن الإمارات وإسرائيل تقودان عمليات ضخمة لتجارة الآثار ليست المصرية فقط، بل الفلسطينية والعراقية والسورية والليبية واليمنية أيضا".

 

اقرأ أيضا: مصر تعتقل "نائب الجن والعفاريت" متلبسا بتهريب الآثار

"ضعف التشريعات والأمن"

الخبير المصري في الآثار حسين دقيل، أكد أن "التنقيب عن الآثار يعتمد على كثير من العلوم لاختيار مكان الحفر، وخاصة (الفيزياء)، والتصوير من الجو، وأجهزة الغوص، وعلم المساحة، ويعتمد حتى نهاية الحفر على أجهزة علمية معقدة"، في إشارة إلى أنه عمل منظم وليس فرديا.

الأكاديمي المصري، أوضح لـ"عربي21"، أن التنقيب عن الآثار يعود لعقود طويلة، لكنها ظهرت بوضوح بداية عصر محمد علي وأسرته، وكان التنقيب يتم عبر تجار الآثار والدبلوماسيين الأجانب، وفي 15 آب/ أغسطس 1835، حظر محمد علي تصدير الآثار وأنشأ متحفا يضم الآثار الناتجة عن الحفائر.

وأكد أن "الأمر ازداد سوءا منذ ثورة يناير 2011 وما تلاها من أحداث"، مشيرا لإعلان وزير الآثار الأسبق محمد إبراهيم، في 21 أيلول/ سبتمبر 2013، عن سرقة 2000 قطعة.

ولفت أيضا لتقرير مجلة "سبكتاتور" البريطانية تشرين الثاني/ نوفمبر 2013، الذي أكد زيادة "أعمال نهب الآثار المصرية، وأن اللصوص يبيعون الكنوز الأثرية لهواة جمع التحف من الأجانب بلندن والإمارات".

وقال: "الآن؛ تحدث عمليات التنقيب غير الشرعي، بشكل يومي من أسوان حتى الإسكندرية ومن سيناء حتى سيوة، والأرقام المرصودة بالأسابيع والشهور الأخيرة؛ تدل على أن الأمر بدأ يتخذ منحى خطيرا".

وأكد أنه "في شباط/ فبراير 2021، تم ضبط 5142 قضية آثار، وفي كانون الثاني/ يناير 2021، تم ضبط 2715 قضية، وفي أيلول/ سبتمبر 2020؛ تم ضبط 2792 قضية حيازة وحفر وتنقيب عن الآثار".

ويرى الباحث المتخصص في الآثار، أن "ما يتم الإعلان عنه، أو ضبطه لا يمثل سوى نسبة 10 بالمئة من الواقع الفعلي"، مشيرا إلى العديد من الأسباب التي تقود البعض للتنقيب ومنها "ضعف الوعي لدى المواطنين، والبحث عن الثراء السريع، وانتشار بعض الفتاوى الدينية التي تحلل التنقيب".

وألمح دقيل إلى "ضعف التشريعات التي تمنع من الاعتداء على الآثار والتنقيب غير الشرعي عنها، رغم وجود قانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983، وتعديلاته المتتالية التي لم تعمل بجدية على تجريم التنقيب بشكل يمنع وقوعه".

ولفت أيضا إلى "ضعف وقلة عدد الحراسة التابعة لوزارة الآثار لتأمين المواقع الأثرية، وضعف وقلة عدد أفراد الشرطة والمخبرين السريين المخول لهم مراقبة مثل تلك الأعمال الإجرامية، فضلا عن انشغال جهاز الشرطة بالسنوات الأخيرة بأمور ابتعدت كثيرا عن مهامه الأساسية".

وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، علق الأكاديمي المصري الدكتور ناصر فرغل، على القضية مؤكدا أن "التنقيب عن الآثار يتم جهارا نهارا من شخصيات نافذة، خاصة بالصعيد".

وفي تعليقه على قضية حسن راتب، قال الكاتب الصحفي قطب العربي، إنه يعمل لسنوات طويلة بشراكة أو تنسيق مع المخابرات، بكل مشروعاته بسيناء كالجامعة وشركة الأسمنت والقرى السياحية، وغيرها.

وأضاف أن القبض عليه بدعوى تمويل التنقيب عن الآثار لا يستقيم مع تلك العلاقة؛ لكنه يعكس صراع مراكز قوى داخل النظام، أراد أحدها تأديبه وقد أجبره سابقا على التخلي عن قناة "المحور".


التعليقات (0)