كتاب عربي 21

الرفيق عبد الفتاح السيسي!

سليم عزوز
1300x600
1300x600
آخر ما كنت أتوقعه، أن يكون لدى الجنرال المصري عبد الفتاح السيسي تطلعات شيوعية، في بلد لا تزال أجهزتها الأمنية تحتوي على أقسام لمكافحة الشيوعية، فقد فاجأنا بالاحتفال بالعيد المئوي للحزب الشيوعي الصيني، ووصفه بالصرح السياسي العظيم!

لقد ألقى خطاباً غير مسبوق بهذه المناسبة، ووصف الحزب الشيوعي الصيني بأنه قاد المعجزة الاقتصادية الصينية، وأنه صاحب قصة النجاح التي يسعى كثيرون إلى دراستها والاستفادة منها!

ولأنه لم يسبق لحاكم مصري، ولو السيسي نفسه، أن احتفل بذكرى تأسيس حزب حاكم في بلد آخر، لا سيما إذا كان هذا الحزب راديكالياً كالحزب الشيوعي الصيني، فلا بد من البحث عن المعنى في بطن الشاعر!

نعلم بطبيعة الحال أنه حدث تقارب بين مصر في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، مع الاتحاد السوفييتي، وهذا التقارب لم يكن يعني أبداً منح الشرعية القانونية للشيوعيين المصريين، ففي وقت كان التقارب على أشده كان يتم التنكيل بهم، وما جرى للإخوان المسلمين في سجون ناصر جرى مثله للشيوعيين، وإن لم يمنع هذا من وجود شهر عسل، لم ينسحب أبداً على الشيوعية الصينية التي كانت منافسة لشيوعية الاتحاد السوفييتي!
لأنه لم يسبق لحاكم مصري، ولو السيسي نفسه، أن احتفل بذكرى تأسيس حزب حاكم في بلد آخر، لا سيما إذا كان هذا الحزب راديكالياً كالحزب الشيوعي الصيني، فلا بد من البحث عن المعنى في بطن الشاعر

بل إن الكاتب المعروف صلاح عيسى يروي في كتابه القيّم "مثقفون وعسكر"، كيف تم القبض عليه مع آخرين، في وقت تقترب فيه الدولة المصرية من الاشتراكية، ليفاجأ بعد وصلة تعذيب بأن الأسئلة كلها تدور حول علاقتهم بالحزب الشيوعي الصيني، إذ بدا له أنهم ضحايا المنافسة بين الحزبين، وكان أهل الحكم في مصر وهم ينحازون لشيوعية الاتحاد السوفييتي، لا يريدون تأثيراً لشيوعية الصين!

وعلى كل فقد انتهى المطاف بعبد الناصر، إلى إعلان رفضه للشيوعية السوفييتية أيضاً، وقال إنه لا يمكن أن يكون شيوعياً لأنه يؤمن بالله. وربما كان هذا في وقت تجاذبات سياسية بينه وبين الروس، بعد أن بدا له بعد الهزيمة أنهم لا يريدون مساعدته بشكل جاد. وبعد ست عشرة ساعة من النقاش مع الزعيم السوفييتي أصيب على إثرها بالسكري، لتكون بسببه نهايته!

وإذ تولى السادات حكم مصر، فقد ولى وجهه شطر البيت الأبيض، وكان الشيوعيون موضوعه في الهجوم، وقد ناصبهم العداء، ومنذ ذلك الحين، بل قبل هذا الحين، والنظام الحاكم في مصر ينظر للشيوعية على أنها مذهب مجرم قانوناً، وعندما يأتي عبد الفتاح السيسي فيحتفل بمئوية الحزب الشيوعي الصيني، فلا عجب إن بدا الأمر غريباً وعصياً على الفهم!

قد يُقبل أن يكون هذا من باب المجاملات الدبلوماسية، ولو كانت هناك سوابق لما حدث، والتعامل على أنه في حدود الضرورة التي تقدر بقدرها، فيقال كلام عائم، لكن أن تكون هذه المرة الأولى، وأن يصبح الحزب الشيوعي الصيني هو "ذلك الصرح السياسي العظيم" الذي شكل الدولة الصينية العظيمة، فهنا نكون أمام وضع يحتاج لتفسير، لا سيما وأن الجنرال لم يسبق له تعاطي الأفكار الشيوعية، أو التفاعل معها، كما أنه لم يكن رفيقاً سابقاً أو متقاعداً!
قد يُقبل أن يكون هذا من باب المجاملات الدبلوماسية، ولو كانت هناك سوابق لما حدث، والتعامل على أنه في حدود الضرورة التي تقدر بقدرها، فيقال كلام عائم، لكن أن تكون هذه المرة الأولى، وأن يصبح الحزب الشيوعي الصيني هو "ذلك الصرح السياسي العظيم" الذي شكل الدولة الصينية العظيمة، فهنا نكون أمام وضع يحتاج لتفسير

وقبل هذا وبعده، فليس هو عبد الناصر الذي كان يتبنى النهج الاشتراكي، ولهذا كان التأميم والقطاع العام، وامتلاك الدولة لوسائل الإنتاج. ففي الحقيقة أنه أخذ منه جانب التأميم، لكنه يتبع سياسة سلفه مبارك في الاندفاع في طريق الخصخصة والتخلص من القطاع العام، استجابة لتعليمات صندوق النقد الدولي!

إن السيسي الذي تهرب من سؤال: ماذا يمثل له عبد الناصر؟ أكد إعجابه بتجربته في الإعلام، عندما قال إنه كان محظوظاً بإعلامه، وقد تجاوزه في عملية تأميم الإعلام واحتكاره، غاية ما في الأمر أن عبد الناصر كان حوله صحفيون كبار، جعلوا من الفسيخ شربات، في حين أن شرط عدم الدراية هو مسوغ الترقي في المؤسسات الإعلامية الآن، حتى صار لدينا رؤساء تحرير لا يفكون الخط، ويفتقدون للمهارات المهنية التي كان يتمتع بها صحفيو السلطة في عهود عبد الناصر والسادات وفي عهد مبارك، قبل أن يتولى جمال مبارك والسيدة والدته الحكم، ومهما يكن فاختيارات مبارك الابن في سنة 2009 أفضل من الاختيارات الحالية!

وإذا كان ما يؤخذ على عبد الناصر أنه طبق الاشتراكية بدون الاشتراكيين، فإن صاحبنا يريد شيوعية بدون شيوعيين، ومن حيث التأميم والمصادرة، واستبدال المؤسسة العسكرية بالشعب في ما يختص بتملك وسائل الإنتاج. ثم إنه يعجبه في الحزب الشيوعي الصيني "ذلك الصرح السياسي العظيم"، صيغة الحزب الواحد، والتي يطبقها عملياً بدون نص، لكن حزب الأنابيب المسمى "مستقبل وطن" ليس في كفاءة الحزب الشيوعي الصيني، تماماً كما أنه ليس في كفاءة شي جين بينغ، رئيس الصين!

ثمة شيء آخر وراء هذا الاحتفال، فالسيسي يريد أن يرسل إشارات للبيت الأبيض بأنه إذا افتقد الحاضنة الأمريكية فقد يطلب الاحتواء ولو في الصين. وقد جرب هذا الهروب عندما لم يتفاعل معه أوباما بالشكل المطلوب، بأن سافر إلى موسكو، وسط زفة من أنصاره صفقوا لمن يتجه شرقاً ليذكر القوم بعظم التربة، وكان هناك استدعاء قسري لعبد الناصر، وتقديم السيسي على أنه الامتداد الطبيعي له!
السيسي يريد أن يرسل إشارات للبيت الأبيض بأنه إذا افتقد الحاضنة الأمريكية فقد يطلب الاحتواء ولو في الصين. وقد جرب هذا الهروب عندما لم يتفاعل معه أوباما بالشكل المطلوب

ومن الواضح أنه تلقى تعنيفاً أمريكيا على ذلك، فما عاد يكررها، لكنه يفعل الآن بالتقارب مع الصين، حتى تلاحظه عيون العناية الأمريكية، وهو يرى البيت الأبيض مشغولاً بالحضور الصيني. ويبدو أن هناك جبهة تتشكل من أجل مواجهة الصين، ويريد أن يقول إنه هنا، وهو هنا يمارس هوايته في إرسال الرسائل إلى معلوم العنوان!

لقد بدا أن الإمارات والسعودية قد توقفتا عن تقديم المساعدات له. ثم إن الإمارات وقد دفعت ولم تحصل على المقابل الذي تريده، فقد كان التقارب مع قطر وتركيا، لهذا السبب ولأسباب أخرى يطول شرحها، وفي خطوات بطيئة، لأنها مجرد رسائل للفت الانتباه. ثم في الوقت الذي يقول فيه البعض إن قطيعة قد تحدث بينه وبين حاكم أبو ظبي، فإنه يدعوه وأفراد أسرته لحضور افتتاح قاعدة بحرية؛ بدا واضحاً أنها موجهة لليبيا انحيازاً للصديق المشترك "حفتر"، وضد العدو المشترك "القوات التركية"، وفي حضور لم نعرف فيه الداعي من المدعو، وصاحب الدار من الضيف!

وهي رسالة أيضاً لقطر وتركيا بأنه لم يخسر حليفه الاستراتيجي، وأنه قد يعود إليه في أي وقت، على نحو ربما يجعل البلدين يقطعان خطوات أسرع في اتجاه الوقوف على طلباته وتلبيتها!

تماماً كما عاد من جديد يذكر بأنه لم يفقد علاقته مع اليونان عندما بدأ التقارب مع الأتراك، لأن المطالب الخاصة بقنوات المعارضة هناك لم تتم الاستجابة لها بالشكل المرضي، وقال إنه اتفق مع اليونانيين على تدفق الاستثمار اليوناني في مصر فأضحك الثكالى، لأن يكون لليونان استثمارات، وهي الدولة التي تعيش على القروض، وقد أشهرت إفلاسها.

إنه يناور، حتى وإن تقمص شخصية "الرفيق"، ويوشك أن يجدد الهتاف التاريخي: "يا عمال العالم اتحدوا".

twitter.com/selimazouz1
التعليقات (1)
ابوعمر
الأربعاء، 07-07-2021 12:35 م
الزنديق بن الزنديقين عبدالفتاح السيسي...أعزكم الله