مقالات مختارة

صناعة الاستقطاب عربيا

عمرو حمزاوي
1300x600
1300x600

لتصاعد حدة الاستقطاب الاجتماعي والصراعات السياسية في بلاد العرب أسباب عديدة.
فمن جهة أولى، يساهم التنوع العرقي والديني للسكان في نشوء الاستقطاب الاجتماعي وتراكمه.


وفيما يبدو الاستقطاب ظاهرة عالمية، يمكن القول إنه ليس في العالم منذ العام 2011 منطقة مجزأة ومبعثرة كالعالم العربي. ومع أن التفاصيل المحددة تختلف من بلد إلى آخر، فإن الفضاءات المتاحة للأصوات الرافضة للاستقطاب انحسرت بصورة عامة.


وقد مكّن إغلاق الحكام العرب للفضاء العام من تكريس ممارسات النظم الحاكمة السلطوية وفاقم الضعف الذي تشكو منه تيارات المعارضة الديمقراطية ومنظمات المجتمع المدني. ونتيجة لذلك، لم يبق للفاعلين السياسيين السلميين والمواطنين على السواء سوى مجال ضيق للمشاركة في العمل العام، واضطر هؤلاء إلى الاختيار بين دعم الحكومة أو معارضتها أو الذهاب إلى نقطة أكثر خطرا، وهي تبني هوية طائفية أو عرقية أو قبلية محددة تنتقص وتتناقض مع الهوية الوطنية الجامعة.


من جهة ثانية، يمكن تقسيم الاستقطاب السياسي في المجتمعات العربية إلى فئتين عريضتين: فئة إيديولوجية تتجلى في صراعات القوى الدينية والعلمانية، وتتمثّل في التجارب المختلفة التي واجهت بعض بلاد العرب ومنها تونس. فعلى الرغم من أن الثورة التونسية لم تترجم تماماً إلى ثقة جماهيرية بالمؤسسات السياسية، إلا أن تونس حققت نجاحا مهما في خلق الإطار اللازم لوضع نظام دستوري جديد يجمع بين القوى العلمانية والدينية ويشركهم في العمل السياسي والمدني ويؤمن للمواطنين النفاذ إلى فضاء عام مليء بالحيوية يمكن فيه النظر في المظالم الاقتصادية والتوترات الاجتماعية وقضايا الهوية والأهداف السياسية. 


غير أن روح المصالحة والبدايات الجديدة التي غلبت على تونس بين 2011 و2014 تتراجع اليوم بشدة وفي المقابل يتصاعد العنف السياسي بين الدينيين والعلمانيين، بين مؤيدي النظام القديم ومناصري تركيبة ما بعد الثورة، بين مريدي السلطة الرئاسية المتغولة والمدافعين عن نظام برلماني يخضع لحكم القانون.


أما الفئة الأخرى الأكثر معاناة من بين بلاد العرب، فتتمثل في حالات الاستقطاب السياسي المصاحب لحروب أهلية وصراعات واضطرابات في مجتمعات منقسمة عرقيا ودينيا. ويمكن استغلال هذا الاستقطاب، بوصفه أداة سياسية مؤثرة، لتوفير كبش فداء تعلق عليه الأزمات الاقتصادية والاجتماعية.


وقد تباينت النتائج بين تصاعد وتائر التوتر الطائفي في البحرين ولبنان، وبين نشوب حروب أهلية وانهيار الدولة في سوريا واليمن وليبيا. في البحرين، لم تزل الفجوة بين الأقلية السنية الحاكمة والأغلبية الشيعية المحرومة آخذة بالاتساع وتنتج من ثم وضعية عدم استقرار مجتمعي وصراعات سياسية وانتهاكات متصاعدة لحقوق الإنسان والحريات.


وفي لبنان، تتواصل صراعات توزيع الموارد المحدودة والتنافس الطائفي بصورة تضعف مؤسسات الدولة وتنزع المصداقية عن الطبقة السياسية الحاكمة. أما في سوريا، فقد أسفر نظام الاستبداد القائم على أساس طائفي والجرائم القمعية المتصاعدة عن انعدام الثقة الشعبية بكافة مؤسسات الدولة.

 

انهارت فكرة وجود هوية وطنية سورية ومعها مفاهيم المواطنة الحديثة القائمة على المساواة في الحقوق والاستحقاقات للسوريين كافة، وعمقت من ذلك جرائم التنظيمات الإرهابية التي اختطفت الانتفاضة الديمقراطية على نحو رتب تدمير النسيج الاجتماعي وتوليد واقع جديد يشبه إقطاعيات ما قبل الدولة الحديثة.


 وفي العراق، أسفرت السياسات الطائفية عن بروز فراغ أهلي وخلل في السياق الاجتماعي الذي كان يفضي إلى العنف والإرهاب. وقد أدت النزاعات المستمرة للاستحواذ على الموارد الاقتصادية والتمثيل السياسي بين المجتمعات الكردية والشيعية والسنية إلى خلق ملاذات آمنة لتنظيم الدولة الإسلامية وغيره من عصابات الإرهاب ودفعت مجموعات مسلحة أخرى مثل قوات الحشد الشعبي إلى السعي لاستغلال الانقسامات الطائفية وتبنّي استراتيجيات عنيفة مماثلة.


مع قلة المداخل المؤدية إلى التعبير السياسي الحر ومشاركة المواطن في العمل العام دون تعقب أو قمع، تهيمن إما الأصوات الحكومية أو الأصوات المتطرفة على المتبقي من فضاء عام في المجتمعات العربية. فالمواطن في بلاد العرب لم يستطع منذ عقود النفاذ إلى عمليات صنع القرار أو إلى ممارسة الرقابة الحقيقية على الحكومات.


على الرغم من كل ذلك ومن حدة الاستقطاب المجتمعي والسياسي في بلاد العرب، لم يقف المواطنون موقف المتفرج السلبي من التطورات التي تمس بلدانهم واستخدموا الأنشطة السلمية للتعبير عن همومهم. والواقع أن المواطنين من الشباب ومنظمات المجتمع المدني والحركات النسوية والعمالية والطلابية كانوا في صدارة حركات الاحتجاج السلمية المعارضة لاستمرار الوضع القائم والتي بلغت ذروتها في الموجة الأولى من الانتفاضات العربية 2011 والموجة الثانية 2018/2019.


وواقع الأمر أن الأغلبيات العربية لم تتخل أبدا عن المطالبة بتحسين الأحوال المعيشية المتدهورة ومحاربة الفساد والمحسوبية وتضييق الفجوات بين الأغنياء والفقراء والربط بين تلك المطالب العادلة وبين السعي لإلزام الحكومات باحترام حقوق الإنسان وقيم الشفافية. لذا، وبمعزل عن الاختلافات والتناقضات الكثيرة بين المسارات التي اتخذتها البلدان العربية بعد موجتي الانتفاضات الديمقراطية، يظل الحراك المجتمعي والسياسي المناهض للاستقطاب قائما وباحثا عن حلول للتخلص من صناع الاستقطاب من نخب حكم وقوى دينية وعلمانية.


1
التعليقات (1)
الكاتب المقدام
الثلاثاء، 13-07-2021 12:23 م
*** عمرو حمزاوي الذي يحذرنا في مقالته من الاستقطاب المذموم، هو نفسه الذي انضم ودعم حركة تمرد، التي أنشأتها المخابرات ومولها المتصهين بن زايد، وجندت عملاء مأجورين لدعم الانقلاب على أول حكومة مدنية منتخبة ديمقراطياُ في تاريخ مصر، والذي أدى إلى أكبر استقطاب سياسي في تاريخها الحديث، حيث قام الانقلابيون وداعموهم بتقسيم مصر إلى شعبين كقول منشدهم "انتم شعب واحنا شعب، لنا رب ولكم رب"، ولكن العلمانيون المتطرفون العرب من جوقة كاتب المقال يفترضون في القراء السذاجة، فلا يكلون ولا يملون من تكرار ذات الأكاذيب والافتراءات، بأن عروبتنا وإسلامنا هي سبب تخلفنا وأصل كل فرقتنا ومصائبنا، وتحويلنا وفقاُ لقوله إلى "منطقة مجزأة ومبعثرة"، فالكاتب يتهم العرب زوراً وبهتاناُ بأنهم السبب الرئيسي للاستقطاب في العالم، فهو يقول بأن: "الاستقطاب ظاهرة عالمية، ويمكن القول إنه ليس في العالم منذ العام 2011 منطقة..كالعالم العربي"، فالكاتب يضلل قراءه بإخفاءه عمداُ، للاستقطاب الحالي الذي يرقى إلى مرتبة جرائم الإبادة العليا ضد الإنسانية في الصين الشيوعية ضد الإيجور المسلمين، وفي الهند الهندوسية المتطرفة ضد مسلمي كشمير، وجرائم البوذيون في بورما ميانمار ضد الروهنجيا المسلمين، ولكن يبدوا أن الجرائم الجماعية ضد المسلمين يراها الكاتب مباحة ولا تستحق الذكر، لأن الاستقطاب والإرهاب في عقيدة أمثاله يقتصر على المسلمين المقاومين لغزو بلادهم وتدمير مدنهم وانتهاك حرماتهم، والكاتب لا يرى بأن قتل القوات الأميركية لمئات الآلاف من المدنيين في افغانستان والعراق، وتسليحهم لجماعات ضد أخرى، استقطاباً مذموماً يستحق الإدانة، كم أنه يتجاهل عمداً ذكر الاستقطاب في أوروبا كما في قمع مدريد للثورة في كتالونيا، وفوران المناداة بالاستقلال عن المملكة المتحدة في اسكتلندا وايرلندا التي يغذيها الصراع المسيحي الكاثوليكي البروتستانتي، فضلاً عن تجاهل جرائم الأرثوذوكس والكاثوليك في البوسنة والهرسك، كما أنه يزور في وقائع الثورة السورية في كونها ثورة شعبية ضد نظام حكم استبدادي مجرم استخدم الإبادة الجماعية ضد السوريون بدعم عسكري مباشر من روسيا وإيران، ويتهم الثوار زوراُ بكونهم طائفيون، كما أن وفداُ من زملاء الكاتب من السياسيين والفنانين المصريين قد زار سوريا بدعم من نظام السيسي الانقلابي لإبداء إعجابهم وتأييدهم للمجرم الطائفي بشار المتسربل كذباً بثوب العلمانية الإجرامي، فكفاكم استخفافاُ بالقراء، وستذهب إدعاءاتكم وتلفيقاتكم إلى مزبلة التاريخ.