مقالات مختارة

الوجود العسكري الأمريكي بين أفغانستان والعراق

وائل عصام
1300x600
1300x600

يأتي عنوان عريض في مقال مهم في صحيفة «واشنطن بوست» «طالبان هزمت أمريكا»، يتساءل الكثير من القراء العرب المراقبين للوجود العسكري الأمريكي في العراق، لماذا نجحت طالبان في أفغانستان، بما فشل فيه العرب في العراق؟ لماذا صمدت طالبان، ثم عادت بقوة، بينما انهار نظام صدام حسين بسرعة، وتلاشى الحزب الحاكم، وأخفقت المقاومة العراقية السنية لاحقا في مواجهة الاحتلال الأمريكي، بل تحولت فصائل كاملة منها لتقاتل بدعم وتمويل أمريكي؟


الإجابة قد تحتاج لسرد تاريخي وتحليل اجتماعي، وقد لا يتفق كثيرون على مخرجاته، لكن المؤكد أن مقاومة الوجود الأمريكي في أفغانستان، نجحت على مدى 20 عاما في إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، ويبدو أن عدة عوامل أدت دورا كبيرا في ذلك؛ منها وجود كتلة سكانية وازنة ممثلة في قبائل البشتون، وفّرت دعما اجتماعيا، وحاضنة لحركة طالبان، فبالإضافة إلى قدرات الحركة التنظيمية والعسكرية؛ فإن العامل الاجتماعي يؤدي دورا مهما في تهيئة الظروف للحركات المتمردة في نوع كهذا من الحروب، تخوض فيه جماعات مسلحة حربا طويلة في مواجهة جيوش نظامية متفوقة عسكريا، لكن في العراق مثلا، كانت المقاومة العراقية (في العامين الأولين) تعتمد على مكون سني فقط، لا يمثل سوى نسبة معينة من السكان، بينما كان الأكراد والشيعة، وهم يمثلون ما يقرب من ثلثي السكان في العراق، معارضين بل محاربين للعمل المسلح ضد الأمريكيين؛ باعتباره يعارض مصالحهما، لذلك كانت عمليات وحاضنة الفصائل المتمردة على الوجود الأمريكي، منحصرة في كتلة سكانية وقطاع جغرافي معين، والأهم من ذلك، أنه حتى هذه الكتلة السكانية السنية، انقسمت على نفسها بعد نحو عامين فقط من بدء العمل المسلح ضد الوجود الأمريكي في العراق، أي عام 2006 تقريبا، إذ استعر النزاع السني السني بين تنظيم «القاعدة» وفصائل سنية أخرى، واقتطع كل طرف مؤيدين له، لتدخل حاضنة المقاومة في حرب داخلية مزقت النسيج المجتمعي، وأصبحت أجزاء من تلك الفصائل منضوية ضمن برامج الصحوات الأمريكية، وباتت عشائر سنية كبيرة منخرطة كذلك في المجهود الأمريكي لمحاربة «القاعدة» وتنظيم «الدولة الإسلامية» الأصولي لاحقا.

وهكذا، فإن الواقع الاجتماعي يؤدي دورا مهما للغاية في دعم حركات التمرد أو إضعافها، وهو ما يطلق عليه ضباط المارينز الأمريكيون في مذكراتهم، التي نشروها لاحقا «التضاريس البشرية»، تلك التضاريس التي درسها جيدا الجيش الأمريكي ليتمكن من خلال فهمه الاجتماعي لها، من مواجهة التمرد السني وتفتيته، ونشرت كليات الحرب الأمريكية عشرات الدراسات لاحقا، التي تشرح فيها بالتفاصيل الدقيقة، كيف كان للعامل العشائري والقبلي دور حاسم في فهم حركة التمرد ومواجهتها، ومن ثم إضعافها بشكل كبير، ومن سوء حظ المناطق المتمردة في العراق، أنها أيضا غير محظوظة بتضاريس جغرافية داعمة لعمل الجماعات المسلحة الشعبية، فالجبال والغابات والحواجز الطبيعية المنتشرة في أفغانستان، محدودة في العراق، وهكذا كانت «التضاريس البشرية» والتضاريس الجغرافية» عوامل لعبت لصالح حركة طالبان المناهضة للوجود الأمريكي، بينما كانت نقاط ضعف حركة التمرد العراقية السنية، التي واجهت الوجود العسكري الأمريكي بعد الاحتلال، قبل أن ينقلب المزاج السني مرة أخرى؛ ويصبح مفضلا للوجود العسكري الأمريكي أمام الهيمنة الشيعية المدعومة من إيران، وهذه مشكلة جديدة في اضطراب «التضاريس البشرية».

 

(عن صحيفة القدس العربي)

0
التعليقات (0)