قضايا وآراء

رحلة أزمة سد النهضة حتى مجلس الأمن

عبد الله الأشعل
1300x600
1300x600
هناك حقائق في ملف سد النهضة لا يمكن تجاهلها:

الحقيقة الأولى: هي أن سد النهضة مقام على نهر دولي يمد مصر بمعظم حصتها من المياه، أما إثيوبيا فلديها 12 نهرا دوليا و40 نهرا داخليا وستة بحيرات كبرى. ولو حسنت نية إثيوبيا لكانت قد بنت السد بمواصفات أقل لتوليد الكهرباء فقط بكميات تجارية، ولكن على نهر آخر أو على النيل الأزرق، والاعتراف بأنه نهر دولي ينبع في إثيوبيا ويصب في السودان ومصر.

ولو حسنت النية الحبشية لاستجابت لمقترحات مصر، وهي ملء السد على فترات طويلة حتى لا يحجب المياه عن عن مصر والسودان.

والثابت في هذه الحقيقة أن السد قصد به أن يكون أداة لإبادة مصر، فلا ينازع أحد بأن هذا السد بهذه المواصفات وبالطريقة التي ينفذ بها وفق جدول زمني محدد سيؤدي إلى إفناء الشعب، وإفناء مصر كلها لتختفي من الخريطة.
مهما كانت مكاسب الحبشة من السد، فلا يجوز أن يكون الثمن هو وجود مصر، فليس هناك تناسب بين النفع الإثيوبي والضرر لمصر

ومهما كانت مكاسب الحبشة من السد، فلا يجوز أن يكون الثمن هو وجود مصر، فليس هناك تناسب بين النفع الإثيوبي والضرر لمصر.

الحقيقة الثانية: هي أنه إذا كان الضرر مؤكدا لمصر وليس محتملا فقط من جراء هذا السد، فإن إثيوبيا لم تحترم قواعد القانون الدولي، وأهمها لا ضرر ولا ضرار. فلا يجوز قانونا للدولة أن تعمل بحريّة داخل أراضيها إذا كان عملها يسبب ضررا جسيما لغيرها، وهو مبدأ ثابت في القانون الدولي.

فالنيل الأزرق نهر دولي تحكمه قواعد القانون الدولي، وليس نهرا داخليا كما زعمت إثيوبيا وأصرت على أن النهر جزء من أراضيها وأن المياه تسقط عليها ومن حقها السيادي أن تتصرف في النهر ومياهه كما تشاء، وأنه ليس من حق أحد أن يمس سيادتها. وهذا خرق واضح ومتعمد للقانون الدولي يؤدي إلى إفناء مصر والسودان إلى حد كبير.

الحقيقة الثالثة: أن الدول الثلاث وقعت على إعلان الخرطوم عام 2015، متضمنا القواعد العشر التي يهتدي بها المفاوضون للوصول إلى اتفاق ملزم حول السد. وكان يتعين أن تخطر الحبشة مصرَ قبل الشروع في التنفيذ، ولا بد أن تحصل على موافقة صريحة منها حتى تبدأ تنفيذ المشروع. ولكنها أبرمت إعلان المبادئ بعد أن أنجزت نصف المشروع، وكان يتعين أن تتوقف عند البناء ولكن لا تملأ السد إلا بالاتفاق الثلاثي.
تمسك إثيوبيا بأن إعلان المبادئ تضمن موافقة مصرية سودانية على إطلاق يد إثيوبيا في السد فغير صحيح، والصحيح هو أن مصر والسودان اعترفتا بحق إثيوبيا في بناء السد من أجل التنمية؛ بشرط احترام إثيوبيا التزاماتها في القانون الدولي للمياه. فتمسكت إثيوبيا بجزء يهمها في الإعلان وتجاهلت التزاماتها

أما تمسك إثيوبيا بأن إعلان المبادئ تضمن موافقة مصرية سودانية على إطلاق يد إثيوبيا في السد فغير صحيح، والصحيح هو أن مصر والسودان اعترفتا بحق إثيوبيا في بناء السد من أجل التنمية؛ بشرط احترام إثيوبيا التزاماتها في القانون الدولي للمياه. فتمسكت إثيوبيا بجزء يهمها في الإعلان وتجاهلت التزاماتها.

ثم أن الإعلان ليس اتفاقا نهائيا وإنما هو اتفاق إطاري، فهو ليس معاهدة دولية ولا ترتفع به تحفظات مصر على تمويل السد، كما ذهبت إليه إثيوبيا, كما أن الإعلان ليس شيكا على بياض لإثيوبيا، ولا هو تنازل من الحكومة لإثيوبيا عن حقوق مصر المائية.

الحقيقة الرابعة: ان إثيوبيا استخدمت المفاوضات لكسب الوقت ثم فرضت من طرف واحد كلمتها، دون التوصل إلى اتفاق ملزم بشأن الملء وضمانات السلامة والجوانب البيئية، لتقوم بفرص الأمر الواقع بذرائع واهية لتبرير انتهاكها للقانون الدولي.

لم تترك الحبشة فرصة للتسوية السياسية، بل إن الحكومة شيطنت مصر لدى الشعب الإثيوبي، وصورت "جهاد" الحكومة في موقعة السد بأنه تحرر وطني من هيمنة مصر المائية، علما بأن الأمطار الساقطة على الحبشة تربو على 500 مليار متر مكعب في السنة وتحصل مصر والسودان مجتمعتين على 79 مليارا فقط؛ تقسم بينهما وفقا لاتفاقية 1959.

الحقيقة الخامسة: أن الحكومة المصرية صبرت على مكر إثيوبيا طويلا مما عرضها للكثير من الهمز واللمز. وهناك تهديد باستخدام القوة ضد السد، وهذه القضية هي دفاع عن بقاء مصر، ومهما كانت النتائج فإنها تتواضع أمام نتيجة التراجع وفناء مصر. ولا شك في أن مشروعية الحكم في أي عصر تتوقف على قدرته ورغبته في المحافظة على بقاء مصر.

الحقيقة السادسة: أن الموقف المصري اعتمد أساسا على حسن نية إثيوبيا، واتسم بعدم الحرفية والكفاءة، وهو ما أغرى إثيوبيا في الاندفاع بقدر تراجع مصر.

الحقيقة السابعة: أن إثيوبيا تستقوي بمصالح الدول الدائمة العضوية بمجلس الأمن في السد، وكذلك إسرائيل، ثم الاستثمار الخليجي في السد أيضا.

وهذا سبب تردد الموقف الأمريكي، رغم أن الحكومة المصرية متحالفة مع فرنسا والصين وروسيا وأمريكا وإسرائيل، مما يعكس التناقض والسذاجة في الموقف المصري في استخدام هذه التحالفات من أجل الدفاع عن بقاء مصر.

الحقيقة الثامنة: أن لجوء مصر والسودان إلى مجلس الأمن وفق الفصل السادس لن يجدي في وقف الجريمة الإثيوبية، ولكنه مفيد في استنفاد كل سبل التسوية الودية التي أغلقت إثيوبيا كل فرصة لها، وكانت تكفي توصية المجلس لإثيوبيا بوقف الملء الثاني حتى يتم التوصل إلى اتفاق ثلاثي ملزم.
مصر إذا تركت إثيوبيا تبيدها فإن النظام سيسقط سقوطا مروعا، وستحدث فوضى عارمة، وقد يحدث انقلاب عسكري دموي في مصر لكي يدافع الجيش عن كرامة مصر وحقها في البقاء

الحقيقة التاسعة: أن مصر لديها كل المبررات القانونية لتدمير سد النهضة وهو الخيار الوحيد الباقي. ومهما كانت تبعات هذا العمل فإنها أقل كثيرا من فناء مصر. فمصر إذا تركت إثيوبيا تبيدها فإن النظام سيسقط سقوطا مروعا، وستحدث فوضى عارمة، وقد يحدث انقلاب عسكري دموي في مصر لكي يدافع الجيش عن كرامة مصر وحقها في البقاء. ولذلك فإنني أعتبر تصريحات السيسي ليست تهديدا وإنما هي تعبير عن حقيقة إذا لم يتمتع بشرف عملها فإن غيره قطعا سيفعلها. وأيا كان من يقود عمل تدمير السد، فإنه سيحظى بشعبية لم يظفر بها أحمس طارد الهكسوس.

ومهما كانت تداعيات الخيار العسكري في أفريقيا فإنه لبقاء مصر، ويبرر كل التضحيات ويؤسس لسياسة مائية استراتيجية للمستقبل.

والخلاصة هي أن إثيوبيا اغلقت كل سبل التسوية وألقت بالقفاز في وجه المجتمع الدولي وانتهكت القانون الدولي جهارا نهارا، وهذا عار على الاتحاد الأفريقي الذي قد يختفي في هذه الأزمة لأنه تواطأ مع إثيوبيا لأسباب كثيرة.

الحقيقة العاشرة: أن استخدام مصر للقوة ضد السد سوف يفتح الباب لتداعيات خطيرة في العلاقات الأفريقية والدولية، وتتحمل إثيوبيا المسؤولية كاملة وكذلك المجتمع الدولي والأمم المتحدة، وسوف تعود الدول إلى القرن التاسع عشر عبر استخدام القوة للحصول على الحقوق.
التعليقات (0)