قضايا وآراء

الأزمة المصرية.. الرهان على من؟!

محمد عماد صابر
1300x600
1300x600
ما زال السؤال حاضرا لم ولن يغيب: على من الرهان للخروج من الأزمة المصرية؟ من النفق المظلم، من الانقسام المجتمعي، من قتل المسار الديمقراطي وهيمنة حكم العسكر، من التردي في الخدمات الأساسية في التعليم والصحة، من هذا المستوى العام الذي وصلت إليه الشخصية المصرية إلى بناء الإنسان ليكون بمستوى يليق ببشريته وتاريخه وحضارته؟!

نعم قد يرى قطاع من الشعب والنخبة معا فضلا عن السلطة؛ أن مصر لا تعيش أزمة، بالعكس مصر تعيش حالة نهوض عملاقة وغير مسبوقة بعد 3 تموز/ يوليو 2013. ألم يتم التخلص من الاحتلال الإخواني؟ هكذا يقولون، بل يؤكدون أنه لو لم يفعل 3 تموز/ يوليو سوى إزاحة الإخوان من المشهد لكفاه هذا!!

لكن هؤلاء لا يُراهن عليهم ولا يركن لهم لأن موقفهم مبني على المكايدة السياسية وتصفية الحسابات الشخصية، حتى لو كان الثمن ما تعانيه مصر اليوم من حبس عشرات الآلاف وإعدام المئات، إلى حبس إثيوبيا جريان النيل عن مصر وتعرض حياة الملايين للإعدام عطشا وجوعا! حتى قائد الانقلاب شخصيا يرى أن كل ما يجرى "هري"، ويطالب المصريين بألا يُشغلوا بالهم وأن يعيشوا حياتهم. وهذا ما يفسر خروجه للتنزه على الدراجة الهوائية ليلة انعقاد مجلس الأمن لمناقشة أزمة سد النهضة!

الواقع يؤكد أن مصر في أزمة وجودية بسبب مياه النيل المهددة وأزمة حدودية، بسبب سياسة التفريط التي ينتهجها السيسي لكسب المزيد من الشرعية، فضلا عن الأزمات الحياتية اليومية، وأخيراً أزمة الحقوق والحريات والمحاكم والمحاكمات وغير ذلك.

نعود إلى السؤال: الرهان على من للخروج من الأزمة؟!

هناك عدة سيناريوهات قائمة وقادمة، بعضها ممكن وأغلبها مستحيل بشواهد الواقع، منها:

أولا، سلطة الانقلاب التي لا ترى أن هناك أزمة من الأصل، بل هناك الجمهورية الجديدة والمشروعات العملاقة، وأن ما تم في بضع سنوات لم يتم في عقود مضت، وأن مصر تتجه لتأخذ مكانها بين دول الكبار على مستوى العالم، وبالتالي ترى أن التخلص من الإخوان والمعارضة هو انتصار عسكري ومجتمعي لم يتم منذ قرون، فلا مصالحة ولا مصارحة بل اشتباك وعنف ومكافحة.

ثانيا، بقايا القوى السياسية في الداخل. حاولت كتابة بقايا المعارضة المدنية في الداخل، لكن الواقع أنه لا معارضة ولا يستطيع أحد المعارضة ولا النصح ولا تقديم المشورة رغم وقوف الجميع في مربع الانقلاب، فضلا عن الموقف القائم من الحركة الإسلامية والإخوان، وأن إزاحتهم وإخلاء الساحة منهم هدف منشود وأمل معقود على أمل التمدد في الفراغ الحادث بالغياب.

وبالطبع لا تمدد لكن المزيد من الضمور والانكماش والتآكل، وأصبحت تهمة الانضمام إلى جماعة إرهابية نسخة موحدة على حلفاء السيسي قبل الإخوان أنفسهم، لدرجة اتهام بنات التيك توك بالانضمام لجماعة إرهابية!!

ثالثا، بقايا المعارضة المصرية في الخارج قدمت كل ما لديها، نعم أجادت في الملفين الإعلامي والملف الحقوقي، لكنها لا تملك أدوات إعادة التوازن لمعادلة الصراع، وتعطلها طريقة التفكير ونمط الإدارة وإعادة التدوير والتكرار للأشخاص والأفكار، والرهان عليها وحدها معطل ودون عائد.

رابعا، دول المحيط الإقليمي والدولي، خاصة الخليج. فقد تغيرت عقيدتها تجاه الإخوان والحركة الإسلامية عموما منذ غزو العراق للكويت، ثم رسخت هذه العقيدة المعادية مخافة تصدير الثورة في أجواء الربيع العربي منذ العام 2011. هذه العقيدة كانت أساس الانقلاب العسكري على إرادة الشعب وقتل المسار الديمقراطي، وتعرض الإخوان وغيرهم لهذا الكم الهائل من الانتهاكات والمذابح الدموية.

المخرج والرهان هو بناء تيار وطني جديد، قائم الجذور قادم النمو والحضور، تيار شعبي بخلفية وطنية. نعم يحتاج لوقت طويل، وكل النقاط المطروحة سابقا ستجعل الوقت بلا حدود، لكن التيار الوطني وإن طال الوقت محدد ومحدود، وقد تناولنا هذا التيار في عدة مقالات سابقة.
التعليقات (0)