قضايا وآراء

عن الحروب والانقلابات وحقوق الإنسان في عالم إدارة بايدن

أسامة الرشيدي
1300x600
1300x600
تفاءل البعض بفوز الرئيس الأمريكي جو بايدن على دونالد ترامب، وتحدثوا عن عهد جديد، يسود فيه العالم السلام وتغلب فيه السياسة والدبلوماسية والقوة الناعمة، وكذلك الانتصار لقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، على حساب استخدام لغة التهديد والقوة الخشنة وانتهاكات حقوق الإنسان وصعود اليمين المتطرف وخطاب الكراهية والعنصرية، وهي ظواهر شهدت انتشارا خلال عهد ترامب بشكل أو بآخر في العالم أجمع، نظرا لأن ما يحدث في واشنطن يؤثر في قارات العالم الست.

وبالفعل كانت هناك إرهاصات لتلك التوقعات، تمثلت في المصالحة الخليجية بين قطر من جهة، والسعودية والإمارات والبحرين ومصر من جهة أخرى، وبدء المفاوضات بين إيران والولايات لإعادة الاتفاق النووي من جديد، وشهدت العلاقات التركية الأوروبية تهدئة متبادلة، وأفرجت السلطات السعودية عن الناشطة لجين الهذلول، وأطلقت السلطات المصرية سراح الصحفي محمود حسين وعدد من الصحفيين الآخرين، بالإضافة إلى أقارب الناشط محمد سلطان الذين ألقي القبض عليهم قبل ذلك بسبب الدعوى القضائية، التي رفعها الأخير ضد رئيس الوزراء المصري السابق حازم الببلاوي يتهمه فيها بتعذيبه، كما أوقفت الإدارة الأمريكية الحصانة التي كانت إدارة ترامب قد أعطتها للببلاوي، وقررت إدارة بايدن مراجعة صفقة بيع طائرات "إف 35" للإمارات.

لكن ما حدث بعد ذلك أثار شكوكا كثيرة حول حدوث تغيير كبير، فقد نفذ جيش ميانمار انقلابا عسكريا أطاح خلاله بالعملية الديمقراطية وقتل المئات من المحتجين، واعتقل الآلاف، منهم كبار قادة الدولة، في ظل عجز أمريكي عن فعل أي شيء. وفي أرمينيا حدثت محاولة انقلاب تمثلت في طلب قادة الجيش من رئيس الحكومة تقديم استقالته، لكن الأخير رد بإقالة قائد الجيش، ولا تزال الأزمة محتدمة والأوضاع غير مستقرة هناك. وأعادت السلطات المصرية اعتقال عدد من أقارب محمد سلطان بعدما كانت قد أفرجت عنهم، تزامنا مع موافقة إدارة بايدن على صفقة بيع صواريخ لمصر بقيمة 197 مليون دولار.

واكتفى المتحدث باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس بالقول؛ إن إدارته تتواصل مع الحكومة المصرية "بشأن بواعث القلق المتعلقة بحقوق الإنسان". وقال وزير الخارجية الأمريكي بشكل واضح؛ إن بلاده تحتاج إلى مواصلة العمل مع السعودية في مجالات كثيرة، وأهمها الحرب في اليمن، ومن ثم فإنها ستتواصل مع القيادة السعودية، مضيفا: "علينا العمل مع زعماء في كل أنحاء العالم تورطوا في تصرفات نعارضها أو في بعض الأحيان نعتبرها مستهجنة. لكننا نفعل ذلك من أجل تمرير مصالحنا وقيمنا".

وأخيرا، شهدت تونس انتكاسة كبيرة بسبب قرارات الرئيس قيس سعيد الذي جمد البرلمان وأقال الحكومة بدون أن يكون له الحق في ذلك، وقيل إن مستشار الأمن القومي الأمريكي تحدث مطولا لمدة ساعة كاملة مع سعيد. ومن الصعب التكهن بمحتوى تلك المكالمة، كما أنه من المبكر الحكم على موقف الإدارة الأمريكية من هذه الانتكاسة.

وفي أوروبا، اشتعلت التوترات بين الاتحاد الأوروبي والناتو من جهة، وروسيا من جهة أخرى، على خلفية الحشود العسكرية الروسية الكثيفة على الحدود مع أوكرانيا، والتهديد بشن حرب ضدها، وهو ما أعاد إلى الأذهان أجواء الحرب الباردة من جديد، بالإضافة إلى تبادل فرض عقوبات وطرد الدبلوماسيين بين روسيا ودول أوربية عدة. وعلى الرغم من إعلان روسيا الأخير سحب قواتها من الحدود، إلا أن الوضع لا يزال على فوهة بركان ومن الممكن أن يشتعل في أي لحظة، ومن الممكن جدا أن يكون الإعلان الروسي مجرد خداع لإخفاء نوايا الحرب، التي إن اندلعت فربما يمتد لهيبها لأجزاء أخرى من القارة العجوز.

وفي المحيط الهادي، حذر قائد القوات الأمريكية في منطقة المحيطين الهندي والهادي، الأدميرال فيليب ديفيدسون، من أن الصين قد تغزو تايوان في غضون السنوات القليلة القادمة. كما حذر من المطامع الصينية في بحر الصين الجنوبي وجبال الهيمالايا وجزيرة غوام الأمريكية، مطالبا مجلس الشيوخ باعتماد ميزانيات لتوفير أسلحة هجومية لردع بكين.

كل تلك المؤشرات تدل على أن الانقلابات والحروب وانتهاكات حقوق الإنسان والحرب على الديمقراطية وانتشار استخدام القوة العسكرية، لن تختفي بمجرد تغيير الإدارة الأمريكية، وأنه ستكون هناك صراعات وتوترات لأسباب عدة، في محاولة من كل معسكر لفرض رؤيته وأهدافه، وهي صراعات طبيعية في مجال العلاقات الدولية بشكل عام.
التعليقات (0)