آراء ثقافية

الجسد: سلطة الترقّي في السينما

فيلم الشريدة
فيلم الشريدة

غالبا ما التفت السينما المصرية حول جسد المرأة، الذي شكّل وسيلة بشكلٍ أو بآخر للصعود نحو الترقي الاجتماعي والاقتصادي، عن طريق انتهاج مهنةٍ ما، راقصةٍ على سبيل المثال، أو عن طريق سُلطته التي أجبرت الأوساط الطبقية العُليا في جلبه معها في حياة الترف والنعيم، عن طريق الزواج أو العمل. سينما الأديب الراحل نجيب محفوظ، قد مثّلت هذا الالتفاف في قصصها، فقد مثّل الجسد الأنثوي المثالي في سينما محفوظ طريقا إلى الارتقاء اجتماعيا وماديا، فما هي أبرز أعمال محفوظ حيال ذلك، وكيف يصبح الجسد رأس مال، يمدَّ صاحبه بسلطةٍ ونفوذ؟ 

الجسد والسلطة


اقتبست السينما المصري أكثر من 40 عملا أدبيا بين الرواية والقصة القصيرة والسيناريو والحوار، للأديب الراحل نجيب محفوظ، تعددت القصص والسيناريوهات واختلفت وتباينت، وفي منها ما تشابه، حول رؤية محفوظ للعالم من حوله، المرأة والرجل، الاجتماعات المصريّة، السلطة والجسد وغير ذلك. ركزت بعض الأفلام، المُقتبسة من أعمال محفوظ حول الجسد، وسلطته في ميزان المُجتمع المصري، وكيف شكّل سلطة ووسيلة نحو الترقّي والانتشال من النبذ المُتمثل في الفقر والجوع والتهميش المُجتمعي. 

كانت الفنانة نبيلة عبيد لها نصيب، من قصص محفوظ التي تمحوّرت حول الجسد وارتقائه طبقيّا، في ثلاثة أفلام. وهم "الشريدة 1980" و"الشيطان يعظ 1981" و"سمّارة الأمير 1992". 

كان فيلم الشريدة، مأخوذ من قصة لنجيب محفوظ، وهو من بطولة محمود ياسين، ونجلاء فتحي، ونبيلة عبيد، ومن إخراج أشرف فهمي، الشريدة، ومعناها الغير مُستقرة، أو التي بلا مأوى، وقد جسّدت هذا الدور الفنانة نبيلة عبيد، حيث كانت على علاقة مع رجال كثيرين، وبفضل علاقاتها المُتعددة بالرجال، استطاعت أن تعيش بشكلٍ مُترف، حيث تقيم الحفلات في ليلها، للأصدقاء من كل حدبٍ ولون، ما جعلها ترتقي اجتماعيا، وتتعرف على رجال الأعمال، بينما أيضا كانت تعاني من ألم فقدان الحب العاطفي، بعيدا عن الحب الإيروسي، أي الشهواني المُتعلّق بالجسد. كذلك كان فيلم الشيطان يعظ، إذ فتاة تسكن في حيٍ شعبي، يحكمه الفتوات، وبسبب جمالها وشبابها، تتلاحق الفتوات على الزواج بها أو امتلاكها كجسدٍ لا كروحٍ، ما يعرّضها وحبيبها إلى الكثير من المخاطر. 

أما في فيلم، سمّارة الأمير، وهو من سيناريو وحوار نجيب محفوظ، قد تجلّى أكثر دور الجسد في الصعود والترقّي، حيث كانت تعمل شلبيّة في إحدى قصور الباشويّة قبل قيام الجمهورية في مصر، وبينما طُردت من القصر وأخذها حبيبها إلى الملاهي الليلية، كي تعمل راقصة باسم جديد "سمّارة"، ومن هنا قد تعرّفت سمّارة على رجلٍ تُلو الآخر، وذاع صيّتها بين الناس، وكوّنت ثروة، وقد أحبّها الصحافي والسياسي والموظّف المرموق وغيرهم، وتهافت الكثيرون من الرجال، من مُختلف الأعيان المَدينية والريفية إليها، كي يجلسوا معها وينالوا الرضا والحبّ منها، أو تقبل أن تصاحبهم في الليل مقابل أي مبالغٍ من المال. ومن الفقر والخدم في القصور، إلى المال والخدم لها، إلى أن انتهى الفيلم بمقتلها حول شجارٍ بين حبيبها السابق وزوجها الأخير الموظف المرموق، حيث كان الاثنان يلعبان القِمار، ومن يفوز يحصل على سمّارة. 

أيضا، مثلت شادية لاقتباسات محفوظ السينمائيّة، ما قارب الترقي الاجتماعي والمادي، بواسطة الجسد، في فيلميّ، "زقاق المدق 1963" وفيلم "ميرامار 1969"، حيث تهرب الفتاة الفقيرة من أهلها، وتخرج إلى العالم الخارجي، ولا أي شيء يساعدها على الترقّي سوى جمالها المثاليّ. وفي السياق التاريخي للسينما المصرية، لن تختلف القصص والسيناريوهات كثيرة، بشأن الصعود المُجتمعي للنساء بواسطة جمالهُن ومثاليتهن الجسدية، فالكثير من الأفلام القديمة والحديثة، جسدت هذا الصعود، لكن، بسيناريوهات مُختلفة، تتمحور حول طالبة جامعية، راقصة، فتاة فقيرة مُهمّشة في حارةٍ، سكرتيرة عمل، وغير ذلك. 

وفي هذا السياق، رسم المجال الفنّي في مصر، خاصة السينما، مِخيال جسديّ مثاليّ في أعين الجمهور، فكانت بطلات معظم الأفلام السينمائية تتمثّل في فتاة ممشوقة العود، تمتلك مؤهلات جسديّة مثالية من حيث الجمال والإغراء، بدايةً من سعاد حسني وسهير رمزي ونبيلة عبيد وشمس البارودي وصولاً إلى منى ذكي ومنّة شلبي ورانيا يوسف وغادة عبد الرازق وغيرهنّ، هذا بالطّبع لا ينفى مواهبهُنّ الفنية، ولكنّ أجسادهنّ أَزادت من فرصتهنّ في التألق واستكمال مسيرتهنّ الفنيّة. لكن، في حاضرنا الحاليّ، أخذ الجسد سلطة أكبر من سابقتِها، وأصبح الجسد يشكّل محور القصة في أي اجتماعٍ في الفضاء العام والخاص، وليست فقط الفيلم السينمائي. 

في مهرجانات السينما، يظهر هذا جليًّا، بينما تستعرض الفنانات جمال أجسادهنّ وملابسهنّ في تعبير واضح، أن الجسد هو محلّ اهتمامٍ وتقييم أساسيّ لدى كلٍّ من النخبة والجمهور. فضلا عن أحاديث الفنانات الإعلامية، التي لا تخص أعمالهُنّ أو آرائهنّ في السينما والفن، كما كانت الفنانات قديما، بل تجد أن الأحاديث كلّها تتمحور حول شراء الفساتين، وإلى أي براندز BRANDS تنتمي، وكم سعرها، الذي في الغالب يدور حول آلاف الدولارات، في نسيانٍ تام لمحتوى المهرجان الأصلي وهو الحديث عن الفن لا الأجساد وما مدى مثاليّتها، يضاف إلى ذلك الحديث بشكل مباشر على الأجساد ومثاليّتها ومن تُشبه أجساد الفنانات بنظيرتها من أجساد الفنانات الغربيات وغير ذلك. 

كذلك، ومع توفر منصات التواصل الرقمية المُتعددة، من فيس بوك وانستغرام وتيك توك وغيرهم، حيث أُتيحت الفرصة إلى أجساد أُخرى عرض مثاليّتها دون اللجوء إلى السينما أو التلفزيون، هذه الأجساد التي باتت لا تحتاج إلى الموهبة الفنية، كي تظهر إلى الجمهور، بل تستقطبها شركات الإعلانات والمُنتجات، لعمل عروضها وإعلاناتها، أو تسويق مُنتجاتها على هذه الأجساد، في حالة شركات الملابس، ويتم التسويق والعرض في جلسات التصوير، في أماكن مُختلفة، وتتلقّى الفتيات جراء العمل في الإعلانات والتسويق مبالغ باهظة، حسب نوع وانتماء الشركة المُستقطبة، التي تتنوع من المحلية إلى العالمية. 

ومع الوقت، تصبحن الفتيات، العاملات بين التمثيل والرقص والموديل والفاشينيستا وغيرهِن، من الطبقة الثريّة، المتمركزة في كومباوند العاصمة، وفي الفلل الخاصة بهم في المصايف، فضلا عن الهدايا المكونة من أموال وسيارات وفللٍ في مصر وخارج مصر، المُقدمة من عشّاقهِنّ من الأثرياء المصريين والعرب، وقد أشارت الراقصة صافينار إلى عروض مثل تلك الهدايا عليها في برنامج "شيخ الحارة والجريئة" في شهر رمضان من هذا العام، في تجلّي واضح لما شرّحه الاجتماعي الفرنسي بيير بورديو[1]، حيث اتخذ الجسد في نظريته موقعا من رأس المال الثقافي، والسلطة الرمزية التي ترتقي بصاحبه إلى مستويات أعلى، وتنتشله من النبذ في المُجتمعات الرمزية الأكثر فقرا وغمورا وتهميشا من المجتمع والدولة. 

هامش:

1-حسني إبراهيم عبد العظيم، الجسد والطبقة ورأس المال الثقافي: قراءة في سوسيولوجيا بيير بورديو، إضافات: المجلة العربية لعلم الاجتماع، مركز دراسات الوحدة العربية، المجلد 2011، العدد 15 (31 يوليو/تموز 2011)، ص 55-77


التعليقات (1)
نسيت إسمي
الخميس، 26-08-2021 01:16 م
كثيرا ما اشاهد افلاما امريكية ليس فيها مشاهد عري و تكون افلاما جيدة جدا كما انني اشاهد افلاما امريكية فيها عري و تكون غاية في الضحالة الفكرية إن فهمنا لموضوع السينما أو الفن بشكل عام يجب أن يطرح من منضور عام ويطرح على شكل تساؤل من قبيل ما هي الغاية المرجوة من هذا الفن بمعنى الرسائل المعلنة أوالمخفية لهذا الأخير فهل القصد منه الترفيه من أجل الترفيه أم هدف منه تنويري ذو بعد أيديولوجي كالترويج لأفكار ومفاهيم معينة من قبيل اللبرالية التحررية أو الفوضوية أو الشيوعية أو الرأسمالية الإستهلاكية.. كيف نفسر غياب أفلام ذات جرأة سياسية وتاريخية واقتصادية أيضا كما هو الحال في الأفلام الأمريكية! على منتجي ومخرجي الأفلام أن يبرهنوا أنهم فعلا مبدعون في المجالات الأخرى وليس العري والكلام السقط فقط! ( إلى حيث ) مسكينة هي المرأة تحلل وتحرم كيف تشاء تخلت على العقل ومالت إلى الجسد كانت للمرأة مكانة مقدسة قبل أكثر من 130 سنة. إجتياحها لمجالات الرجل من أسواق الشغل إلى غير ذلك كانت له سلبيات على كلا الجنسين خصوصاً في التفتح الفني بين قوسين في مجتمعتنا العربية بعيداً التقدم التكنولوجي .. عندما يسلب التقدم التكنولوجي أفكارنا يفاجئنا التقدم التكنولوجي كل يوم باكتشاف يصعب على عقولنا تصديقه، لكن بالرجوع إلى تفاصيله العلمية ورؤيتنا لتجسيده على أرض الواقع، نقف مبهورين أمام عقول تبدع وتكتشف كل ما هو جديد، فآخر اكتشاف توصل له العلماء تكنولوجيا جديدة تعرف ماذا يدور في دماغ الإنسان، لكن الأمر الخطير أن ينتهك ذلك "حريتك في التفكير".. فكيف نحمي أفكارنا من السرقة؟