قضايا وآراء

أفغانستان.. تقاطعات باكستان وإيران والهند

أحمد موفق زيدان
1300x600
1300x600
على الرغم من تغطيتي للشأن الباكستاني لثلاثة عقود، إلاّ أنني لم أجد تصريحاً باكستانياً يُدين إيران كما أدانها أخيراً بالقبض على خلية إيرانية قادمة من منطقة تشاربهار الإيرانية بقيادة رسول بخش الإيراني، وتورطها بقتل مهندسين صينيين في بلوشستان الباكستانية. وعلى الرغم من أن توجيه الاتهام لإيرانيين سابقة في التعاطي الباكستاني مع طهران، إلاّ أن اللافت أن الحدث أتى بعد أن أجمعت المخابرات الصينية والباكستانية على تورط تنظيم داعش في العملية، ليكتشف الجميع اليوم تورط الخلية الإيرانية بالعملية. كما تتداخل مع الحادث اللافت حزمة متغيرات، فيتداخل فيها العامل الأفغاني والعامل الصيني وعامل حرب الموانئ في المنطقة كلها.

ما كان لباكستان أن تقدم على هذا التصعيد مع إيران لو لم تكن الأمور قد وصلت إلى مرحلة عالية ومتقدمة من المشاكل البينية، والظاهر أن ذلك فجره وصول حركة طالبان إلى السلطة، وهزيمة التحالف الشمالي المدعوم إيرانياً وأمريكياً وهندياً، الأمر الذي أفقر وصحّر الحياة السياسية الإيرانية في أفغانستان، خصوصاً مع هروب كل قيادات التحالف الشمالي تقريباً من أفغانستان..
ما كان لباكستان أن تقدم على هذا التصعيد مع إيران لو لم تكن الأمور قد وصلت إلى مرحلة عالية ومتقدمة من المشاكل البينية، والظاهر أن ذلك فجره وصول حركة طالبان إلى السلطة، وهزيمة التحالف الشمالي المدعوم إيرانياً وأمريكياً وهندياً

وقد عكست ذلك تصريحات الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي من أن حكومة أفغانستان غير شاملة، وأن الوضع الأفغاني يشكل تهديداً لإيران وأوربا، وذلك خلال استقباله رئيس المجلس الأووربي في طهران، وهو ما أوحى باستعداد إيران لربط سياستها في أفغانستان بسياسة الأوروبيين. وهنا يبرز بالتأكيد الدور الفرنسي مع تراجع الدور الألماني برحيل أنجيلا ميركل، فمعلوم أن الدور الفرنسي معني بشكل كبير في دعم التحالف الشمالي وأحمد شاه المقرب من إيران كما هو مقرب من فرنسا، وهي علاقة قديمة تاريخية ربطتها بوالده أحمد شاه مسعود أيام الجهاد الأفغاني.

عادة ما ينعكس وصول حليف باكستان إلى السلطة في كابول بتقارب إيراني- هندي تجاه سياستهما في أفغانستان، وهو ما تجلى بوضوح مع وصول طالبان إلى السلطة. فطهران ونيودلهي تريان نفسيهما أكثر المتضررين من هذا الوصول، ولذا فقد بدأ التنسيق بينهما من خلال زيارة مباشرة لوزير الخارجية الإيراني إلى نيودلهي، أو بتقارب المواقف السياسية، لا سيما وأنه خلال العشرين عاماً الماضية من الاحتلال الأمريكي كانت استثمارات البلدين في أفغانستان الاقتصادية والأمنية والعسكرية ضخمة، ووصلت إلى تقوية ميناء تشاربهار الإيراني بحيث يكون نافذة هندية إلى أفغانستان وأسواق آسيا الوسطى، أملاً في قطع الطريق على ميناء جوادر الباكستاني- الصيني الذي يستهدف أفغانستان وأسواق آسيا الوسطى.

ومن هذه الزاوية قرأ البعض استهداف الخلية الإيرانية للمهندسين الصينيين في بلوشستان حيث يقع ميناء جوادر، وذهب البعض إلى إطلاق عليه مثلث حرب موانئ، وأضلاعه جوادر- تشاربهار- جبل علي في الإمارات.

لم تقتصر الاستثمارات الهندية على الميناء وبنى تحتية صحية وإعمارية فقط، وإنما امتدت إلى مدّ خط حديدي من إيران إلى أفغانستان فآسيا الوسطى يصل طوله إلى خمسة آلاف كيلومتر، الأمر الذي كان من المفترض أن يحرم باكستان من التواصل مع أفغانستان.

أفغانستان جائزة كبيرة للهند وباكستان والصين، فهي بوابتهم جميعاً إلى آسيا الوسطى، كما هي ترانزيت طريق الحرير الصيني، أو بعبارة صينية جديدة: مبادرة الحزام والطريق، والتي تعتبرها الصين مشروع ماريشال اقتصادي عالمي، وما دامت أفغانستان دولة حبيسة، ولا منفذ بحريا لها، فأمامها الإطلالة البحرية الوحيدة وهي على ميناء كراتشي، ولذا فقطعها عن الجار الباكستاني يلقي بتداعيات اقتصادية وجيوسياسية ضخمة على باكستان.
ثمة إشكالية إيرانية- باكستانية تنتظر علاقات البلدين وتكمن في لواء زينبيون الذي قاتل في سوريا إلى جانب القوات الإيرانية والنظام السوري، لا سيما بعد أن كشفت مصادر أخيراً عن محادثات تجري بين البلدين بشأن إعادة توطينهم في باكستان، ولم يحسم الأمر بعدُ. وهناك إشكالية لواء فاطميون الأفغاني الذي يمكن أن يتسلل إلى باكستان ثم إلى أفغانستان

الاجتهاد الصيني- الباكستاني اليوم ينصبّ على تسويق حكومة طالبان الأفغانية للعالم، وكسب اعتراف دولي لها، وهو الذي تمانعه بشكل مباشر وواضح الهند وإيران ومن خلفهما روسيا، وإن كانت لا تريد أن تظهر بنفس الخانة. ولعل اتهامات طالبان الأخيرة لدول الجوار دون أن تحددها؛ بالمسؤولية عن تفجيرات جلال آباد التي أعلن تنظيم الدولة "داعش" مسؤوليته عنها تشير إلى دور الهند وإيران وربما روسيا معهما، لا سيما وأن الإعلام الإيراني يسعى هذه الأيام إلى تضخيم تنظيم الدولة وقوته في أفغانستان، وهو ما يستدعي تحركاً دولياً. ولذلك ردّت طالبان بشكل غير مباشر على ذلك حين قالت بأن داعش تهديد بسيط ويمكن لطالبان أن تتعامل معه، فهي تود قطع أي تدخل دولي بذريعة داعش كما حصل في سوريا والعراق من قبل.

ثمة إشكالية إيرانية- باكستانية تنتظر علاقات البلدين وتكمن في لواء زينبيون الذي قاتل في سوريا إلى جانب القوات الإيرانية والنظام السوري، لا سيما بعد أن كشفت مصادر أخيراً عن محادثات تجري بين البلدين بشأن إعادة توطينهم في باكستان، ولم يحسم الأمر بعدُ. وهناك إشكالية لواء فاطميون الأفغاني الذي يمكن أن يتسلل إلى باكستان ثم إلى أفغانستان، مما يشكل بدوره تهديداً حقيقياً لحكومة طالبان حليفة باكستان. وبالتالي فالتهديد لطالبان هو تهديد لباكستان، وعلى هذا قد يسبب عودة "زينبيون" و"فاطميون" من سوريا توتراً جديداً في العلاقات الإيرانية- الباكستانية، لكن بكل تأكيد ستكون ساحة الانتقام والانتقام المضاد الحقيقية هي أفغانستان، وإن كان هذا لا يمنع أو يوقف بعض ارتدادات تلك المواجهة في باكستان أو في إيران.
التعليقات (0)