قضايا وآراء

الواقعية العربية الغريبة في التطبيع مع الأسد

غازي دحمان
1300x600
1300x600
تنحصر واقعية الأنظمة العربية، في توجهها للتطبيع مع عصابة الأسد، في مقولة أن الأسد باق ولم يسقط، لكن هذا النمط المشوّه من الواقعية، يلغي نصف المعادلة القائمة في سوريا، ذلك أن الأسد وفي سبيل بقائه قتل مئات آلاف السوريين، وأخفى مثلهم، وشرد نصف سكان سوريا. وهذه الواقعية أكثر صلابة من واقعية بقائه، وخاصة وأن بقاءه صنعه له الروس والإيرانيون وسيبقى رهينة اتجاهات رياح مصالحهم، في ظروف يتغير فيها العالم سريعاً.

تتخذ الأنظمة العربية من هزيمة السوريين ذريعة لعودة علاقتهم مع النظام، لكنها تعرف أن عملية غش كبيرة أدت إلى هذه النتيجة المأساوية. فالسوريون انهزموا بعد أن سحقتهم آلة عسكرية جبارة لا قِبل لشعب، تم حكمه بالحديد والنار لعقود طويلة، بمواجهتها، ولا قِبل لمجتمع بنى حياته بما يشبه حفر الجبال بالإبرة؛ برؤية ما بناه ينهار تحت وابل النيران لمجرد أنه طالب بكرامته، ولا قدرة له على تحالف مافياوي يمتد من موسكو إلى طهران؛ يملك كل صنوف أسلحة القتل، مع وجود مجتمع دولي اقتصرت استجابته على خطب رنانة في الأمم المتحدة وليس لها رصيد حقيقي على أرض الواقع.

في لقائهما الأخير بجنيف، في منصف أيار/ مايو الماضي، حاول فلاديمير بوتين جاهداً تزيين صورة الأسد لجو بايدن، فقال له إن الأسد ذو خبرة في محاربة الإسلاميين وسيريحكم من مقارعتهم، والأسد على استعداد لمنح أمريكا مزايا استثمارية في سوريا في عملية الإعمار، باختصار فإن مضمون ما قاله بوتين لبايدن، أن الأسد سيكون كلباً في مزرعتك فقط إرضى عنه، وبوتين متأكد من ذلك لأنه خبِر مدى ذل الأسد تجاه من يمد له حبل الإنقاذ من أوضاعه المأساوية، إلا أن بايدن، ورغم براغماتيته الأمريكية، لم يستطع بلع هذا الأمر، واكتفى بجملتين مكثفتين تختصران قول الكثير: "لا مكان في العالم لزعماء مثل الأسد" قتل شعبه بالكيماوي، و"التعالمل مع الأسد لم يعد جائزاً أخلاقياً".
بشار الأسد، ساقط بكل المقاييس، لكن السؤال اللاهث اللاهف الذي يطرحه حتى الطفل الصغير، هو إذا كان بايدن الأمريكي يأنف من التعاطي مع الأسد، كيف يمكن لعربي، شاهد عمليات ذبح السوريين وانتهاكهم، القبول بالتعامل مع الأسد؟ ثم لماذا هذا الاندفاع باتجاه تعويم الأسد وإعادة تأهيله؟

وهذه بالفعل حقيقة بشار الأسد، ساقط بكل المقاييس، لكن السؤال اللاهث اللاهف الذي يطرحه حتى الطفل الصغير، هو إذا كان بايدن الأمريكي يأنف من التعاطي مع الأسد، كيف يمكن لعربي، شاهد عمليات ذبح السوريين وانتهاكهم، القبول بالتعامل مع الأسد؟ ثم لماذا هذا الاندفاع باتجاه تعويم الأسد وإعادة تأهيله؟ هل هي المصالح الاقتصادية مثلاً؟ الواقع يقول إن سوريا باتت طاردة لأي فرص اقتصادية محتملة بعد أن تم تفريغها من كفاءاتها، وتدمير قطاعات إنتاجها!

أم هل هو الخوف؟ من ماذا؟! بشار لا قدرة له على مواجهة جيوش، كما أن لا إيران ولا روسيا تستطيع ضرب خصوم الأسد الخارجيين، ولا يستطيع الأسد ضرب العرب لا بالبراميل ولا بالكيماوي، ولا أن يخفي أبناءهم في سجونه أو يغتصب نساءهم كما فعل بالسوريين، ليس بسبب كرم أخلاقه، بل لأن هناك حدوداً لقدرته. وبالتالي إذا كان لا المصلحة الاقتصادية هي الدافع الحقيقي ولا الخوف والبحث عن السلامة، فلماذا الجري لمصافحة مجرم، ليس من الجائز أخلاقياً التعامل معه؟
يتوهم البعض أن سوريا ستعود دولة قوية، يكفي فقط لتحقيق ذلك إعادة دمجها في المحيط العربي. والواقع أن سوريا بلد منهار حتى قبل الثورة وتطورات الأحداث اللاحقة، فمؤشرات انهيارها بدأت منذ ثمانينيات القرن الماضي، ولم تكن الثورة سوى محاولة لإنقاذ هذا البلد من الانهيار التام

على العكس من ذلك، تضع العلاقة مع الأسد الأنظمة العربية على محك المخاطر، ليس فقط لأن تجارة المخدرات قد تماسست تحت سلطة الأسد، ولا لأن العقلية الانتقامية هي المسيطرة، بل لأن هذا النظام أصبح مندمجا ضمن شبكة ترى أن انتصارها وسيادتها الإقليمية لن تقوم إلا بتدمير مجتمعات تلك الدول وخلق حالة من الفوضى فيها، وهو لن ينسى أن هذه الدول وقفت في يوم من الأيام ضده، وسينظر لأي عملية تطبيع معه على أنها فرصة لتصدير كميات أكبر من المخدرات لمجتمعات هذه الدول، وفرصة أيضاً لإرسال الزعران بتأشيرة دخول رسمية، للعبث في أمن المجتمعات العربية، انتقاما وحسداً.

يتوهم البعض أن سوريا ستعود دولة قوية، يكفي فقط لتحقيق ذلك إعادة دمجها في المحيط العربي. والواقع أن سوريا بلد منهار حتى قبل الثورة وتطورات الأحداث اللاحقة، فمؤشرات انهيارها بدأت منذ ثمانينيات القرن الماضي، ولم تكن الثورة سوى محاولة لإنقاذ هذا البلد من الانهيار التام، محاولة للبحث عن خيارات تنقذ السفينة الغارقة، والتي كان من ضمنها إبعاد النخبة الحاكمة الفاسدة. اليوم بعد عشر سنوات تأكدت رؤية السوريين الذين ثاروا، لكن مع قتل مليون وتشريد أكثر من نصف السوريين.

العين العربية ترى أن الأسد باق لذا من الواقعية استعادة العلاقة معه، لكن العقل يغفل عن حقيقة تخرز العين، وهي أن ما هو باق في سوريا هو مجرد هيكل لاحتلال روسي إيراني، والباقي مجرد حشو كلام.

twitter.com/ghazidahman1
التعليقات (2)
محلل سياسي متواضع
السبت، 16-10-2021 01:52 م
واقعية هؤلاء هي ليست الواقعية في العلاقات السياسية الدولية - كما تتحدث عنها كتب و مراجع العلوم السياسية التي تتناول الموضوع على أساس أنه يتعلق بدول لديها إرادة حرة في صنع القرار – و إنما هي واقعية عبيد " لا يعصون الاستعمار الفرعوني حين يأمرهم و يفعلون ما يؤمرون " . يتميز هذا الاستعمار بشيئين عمن سبقوه من مستعمرين "بكسر الميم الثانية" : ) أنه يمتلك السيطرة على كل دويلات قمعستان " الاسم الذي أعطاه الشاعر الراحل نزار قباني للبقعة الممتدة من الخليج السائم إلى المحيط الهائم" . 2) أنه يتابع تفاصيل التفاصيل في تلك الدويلات و لا يسمح للطراطير النواطير أن يكونوا أصحاب قرارات أو مبادرات و إنما يتلقون أوامر "افعل أو لا تفعل " و عليهم تنفيذها من دون نقاش أو اعتراض. يتبنى الاستعمار الفرعوني (( الكذب )) في أقواله و تصرفاته ليس فقط على شعوب العالم و إنما أيضاً على شعبه "الجاهل أكثر من شعوبنا في المعرفة السياسية" . نتيجة تضليل آلة الإعلام المستمر عن طرطور ناطور في إحدى دويلات قمعستان بأنه ضد الامبريالية و عميل للسوفيت و يقوم بتهديد مصالح الاستعمار الفرعوني ، تجمع عدد من النواب في ذلك البلد و أعلنوا أنهم سيجعلون مجلسهم يقرر قطع إمدادات القمح عن تلك الدويلة في مطلع الستينات من القرن الماضي . قبل اجتماع المجلس ، طلب رئيس البلاد لقاءهم في جلسة سرية فذهبوا إليه . كان مضحكاً لي و لغيري أنهم ، بعد اللقاء ، قالوا للصحافة ما يعاكس تماماً تصريحاتهم الساخنة قبل اللقاء و طلبوا استمرار إمدادات القمح "لأنه ذاهب إلى الشعب و ليس للديكتاتور المستبد" ، يا للحنان !! واضح أنهم استمعوا من الرئيس لقصة أخرى مختلفة تماماً عن ما تهيأ لهم . لي عتب شديد على إخوة من النخبة المثقفة في سوريا التي كانت لديها علاقات سابقة مع العصابة المتحكمة في الشام و يدركون واقعها بدقة . العتب أنهم كانوا يعطوننا المعلومات ب "القطارة" إلى درجة حصول نقص في المعلومات السابقة لدينا ، و هذا النقص كانت نتيجته الحتمية ضعف التحليل و الرأي السياسي سابقاً . في السنوات الأخيرة ، زاد عطاء هؤلاء الإخوة فصرنا نقرأ الأحداث بشكل أعمق . و لقد تبين أن إيران و روسيا هما مجرد أداتان في سوريا للاستعمار الفرعوني "الأولى برتبة عميل و الثانية برتبة وكيل " . هذا الفهم للأداتين ، يجعل المحلل السياسي يحدد بالضبط وظيفة الأداتين بل و يتوقع توقعات صائبة عن مسار الأحداث المستقبلي .
الكاتب المقدام
الجمعة، 15-10-2021 06:52 م
*** تمثل حالة الثورة السورية الحالة الأكثر بروزاُ بين الثورات العربية من حيث كم التضحيات التي قدمها الشعب السوري، بالمقارنة بين ما دفعت ثمنه الثورات العربية في مواجهة الحكومات المستبدة الفاسدة العميلة، ومن حيث ما يبدوا للبعض بأنه تأخر في ظهور أي نتائج إيحابية لها، ورغم خصوصية الأوضاع السورية، فإن فهم حقيقة الأوضاع القائمة في العالم العربي اليوم، وتوقع الاتجاهات والمسارات التي ستئول إليها الأحوال في المستقبل القريب فضلاُ عن البعيد، يتطلب النظرة الشاملة إلى مجمل ما يدور في العالم العربي اليوم ككل واحد، بل وخارجه من حيث تبين حقيقة اهداف وتدخلات الدول الاجنبية الطامعة في فرض سيطرتها وقيمها وأجندة مصالحها، وإن كان البعض يعيب على القوى الثورية للشعب السوري في التسرع بالخروج على نظام متمكن وراسخ ومدعوم، فالحقيقة أن كل العجب هو في تأخر الشعب السوري في الثورة على نظام المأفون بشار وأبيه الأسد المقبور الذين فرضوا سيطرة جماعتهم الباطنية على سائر الشعب السوري الأبي، وارتكبوا قبل الثورة وبعدها من الجرائم ضد الإنسانية ما لا يجوز السكوت عليه لشريف، بل أن الجريرة هي في تأخر من تأخر في قيام تلك الثورة أو في دعمها، والجريمة الأكبر هي في دعم حكومة بشار المستبدة، والتطبيع مع عصبة الأسد بدعوى الواقعية والمصلحة هي أكذوبة، فالواقع أن الباطني بشار هو جزء وشريك كامل لمنظومة الاستبداد للحكام العرب، فلهم نفس الأهداف ويعتنقون نفس العقائد والمبادئ الإجرامية تجاه شعوبهم، وهم يتكاتفون مع بعضهم البعض ويسعون بذات العمالة لدعم القوى الأجنبية ضد شعوبهم، والحالة الأفغانية وإن بدت بعيدة عن واقع البلدان العربية، فإنها حالة جديرة بأن يستفاد منها، فقد تغلب الأفغان وهم من أفقر شعوب العالم، على قوى الاستبداد الأجنبية التي قادتها الولايات المتحدة مع حلفائها، تحت رايات الحرب الصليبية العاشرة التي سماها علانية وبوضوح بوش الأبن سليل الحركة الصليبة الصهيونية الجديدة، التي صاغ أهدافها وحدد مراميها ضد ما نعتوه كذباُ وبهتاناُ مبيناَ باسم الإرهاب الإسلامي، ثم رد الله كيدهم وخرجوا هاربين مهرولين يجرون أذيال الخيبة، وسقطت معهم حكوماتهم الوطنية العميلة، والله أعلم بعباده.