كتاب عربي 21

غموض أسباب النمو البطيء لموازنة التعليم بمصر رغم استفحال مشاكله

ممدوح الولي
1300x600
1300x600
أثارت صورة لأحد الفصول الدراسية المصرية يفترش التلاميذ فيها أرضية الفصل، دون وجود مقاعد أو حتى حصيرة يجلسون عليها، مواجع المصريين حول حال المدارس الحكومية، التي يتكدس فيها التلاميذ، حتى وصل عدد التلاميذ في بعض الفصول بمحافظة الجيزة لأكثر من 80 تلميذا في الفصل الواحد، باعتراف وزير التعليم نفسه.

وكالعادة حل المسؤولون المشكلة بمعاقبة مدير المدرسة التي ظهر فيها مشهد التلاميذ على الأرض، كما صدر قرار بمنع التصوير داخل المدارس، بعد إمداد ذلك الفصل بمقاعد دراسية، لكن مشكلة تكدس الفصول ظلت على حالها، حيث يجلس على المقعد المخصص لتلميذين أربعة تلاميذ، بحيث لا يكفي نصيب التلميذين على الطرفين لجلوس كامل مقعدته ولكن لجزء منها فقط، ولذلك ظهر مطلب توفير كرسي لكل تلميذ منذ سنوات إلا أنه لم ينفذ حتى الآن.
كالعادة حل المسؤولون المشكلة بمعاقبة مدير المدرسة التي ظهر فيها مشهد التلاميذ على الأرض، كما صدر قرار بمنع التصوير داخل المدارس، بعد إمداد ذلك الفصل بمقاعد دراسية، لكن مشكلة تكدس الفصول ظلت على حالها

وخرج وزير التعليم في أحاديث للبرامج الفضائية يُرجع السبب لعدم توافر الميزانيات اللازمة لبناء فصول دراسية كافية لاستيعاب تلك الكثافات المرتفعة، والتي تؤدي إلى اللجوء لعمل 1500 مدرسة لفترتين دراسيتين خلال اليوم الواحد، مما يؤدى إلى تقصير زمن الحصص وعدم وصول الجرعة الدراسية الكافية للتلاميذ.

الحاجة لبناء 300 ألف فصل

وقال وزير التعليم إنه يحتاج لبناء 250 ألف فصل دراسي لاستيعاب الكثافات المرتفعة، حيث تصل تكلفة بناء الفصل الواحد نصف مليون جنيه، مما يعنى الحاجة إلى 130 مليار جنيه، كما أنه يحتاج أيضا سنويا إلى 28 ألف فصل لاستيعاب الزيادة السنوية بعدد التلاميذ، والتي يصل متوسطها إلى 800 ألف تلميذ سنويا.

ونظرا لقلة عدد الفصول المبنية خلال السنوات الأربع الماضية، حيث يتم بناء نصف الفصول المطلوبة لاستيعاب عدد الطلاب الجدد، فإن هناك حاجة لبناء حوالي 50 ألف فصل دراسي لتعويض ذلك النقص، تُضاف إلى الربع مليون فصل المطلوبة لتخفيض الكثافات في الفصول ليصل عدد الفصول المطلوبة إلى 300 ألف فصل، تتكلف 150 مليار جنيه بينما الموازنة السنوية المخصصة للوزارة حوالي 110 مليارات جنيه.

وألقى الوزير الكرة في ملعب وزيري المالية والتخطيط لعدم توفير الاعتمادات المطلوبة لبناء الفصول الدراسية المطلوبة، لكنه سرعان ما التمس العذر للحكومة بأنها لديها مسؤوليات أخرى في باقي المجالات مثل الصحة والطرق والمرافق وغيرها، مما يجعلها لا تستطيع تدبير كامل طلبات وزارة التربية والتعليم.
تآكلت مصداقية النظام الحاكم بشكل كبير، بعد صورة التلاميذ الذين يفترشون الأرض في الفصل، حين قارنت جموع المصريين بينها وبين الترف الذي يشاهدونه ببناء مقر جديد لرئاسة الجمهورية ولمجلس الوزراء ولوزارة الدفاع وباقي الوزارات

والغريب أنه لم يخرج مسؤول يعقّب على أحاديث الوزير سواء رأس النظام أو رئيس الوزراء، أو حتى يعد بالوفاء بالمتطلبات التعليمية المطلوبة خلال الفترة القادمة احتراما للرأي العام، خاصة بعد أن تآكلت مصداقية النظام الحاكم بشكل كبير، بعد صورة التلاميذ الذين يفترشون الأرض في الفصل، حين قارنت جموع المصريين بينها وبين الترف الذي يشاهدونه ببناء مقر جديد لرئاسة الجمهورية ولمجلس الوزراء ولوزارة الدفاع وباقي الوزارات، ومقر جديد للبرلمان وآخر لمجلس الشيوخ، وبناء أكبر مسجد وأكبر كاتدرائية وأعلى برج في أفريقيا بالعاصمة الإدارية الجديدة، وغيرها من أوجه الترف مثل شراء الطائرات الرئاسية وبناء القصور الرئاسية.

خمسة آلاف فصل جديد سنويا

والغريب أيضا أنه رغم حديث وزير التعليم الموجع فإنه لم يذكر الحقيقة كاملة، حيث ذكر أنه يتم بناء 14 ألف فصل دراسي سنويا، بينما المطلوب بناء 28 ألف فصل لاستيعاب الداخلين الجدد للتعليم.

فحسب بيانات مركز معلومات وزارة التعليم نفسها لم يتم بناء سوى 41 ألف فصل دراسي جديد خلال السنوات الدراسية الثمانية، منذ تولي الجيش السلطة في تموز/ يوليو 2013 وحتى العام الدراسي 2020/2021، أي بمتوسط سنوي 5148 فصلا سنويا.

فلم يحدث أن تم بناء الـ14 ألف فصل السنوية في أي من تلك السنوات، فأعلى رقم خلال تلك السنوات كان عشرة آلاف فصل عام 2013/2014، وهي السنة الأولى لتولي الجيش، ولأن بناء الفصول يحتاج أكثر من عامين، فإن تلك الفصول تم الشروع في بنائها قبل تولي الجيش السلطة وتم الانتهاء منها في ذلك العام، وبدليل أن العام الثاني لتولي الجيش شهد نقص عدد الفصول الدراسية الحكومية بنحو 348 فصلا، لأن عدد الفصول الجديدة كان أقل من التي خرجت من الخدمة نتيجة عدم الصلاحية؛ إما بسبب الهدم أو التصدع الجزئي.

ولم يتم تعويض ذلك في السنوات التالية، حيث ظل العدد يدور حول الخمسة آلاف فصل سنويا، وهو أمر مرتبط بالموازنة الممنوحة لهيئة الأبنية التعليمية، وهي الجهة الحكومية المسؤولة عن بناء الفصول الجديدة أو ترميم المتصدع منها والإحلال والتجديد.

فخلال العام المالي الأول لتولي الجيش السلطة كانت الموازنة المخصصة لبناء وترميم المدارس 1.5 مليار جنيه، وفي السنة الثانية 1.7 مليار جنيه، وفي الثالثة 2.3 مليار جنيه، وفي الرابعة 3.8 مليار جنيه، وفي الخامسة 5.7 مليار جنيه عام 2017/2018، وهي آخر بيانات ختامية منشورة من قبل الجهات الرسمية، في حين أن باقي السنوات المالية التالية ما زالت بياناتها تقديرية ولا يمكن الاعتماد عليها، حيث أظهرت المقارنة بين البيانات التقديرية لموازنة التعليم والبيانات الختامية الفعلية؛ نقص الفعلية عن التقديرية في غالب السنوات التالية لتولي الجيش السلطة.

وزير المالية يضخم أرقام التعليم

وفي أعقاب ظهور فيروس كورونا قامت الحكومة بترشيد الإنفاق بالنسبة لموازنات غالبية الجهات الحكومية، ومنها التعليم في العام المالي 2019/ 2020 أو العام المالي التالي له، وكذلك في العام المالي الحالي، مما يقلل من قيمة الإنفاق الفعلي بالمقارنة بقيمة المخصصات التقديرية.

ولهذا فإن رقم العشرة مليارات جنيه المخصص لبناء المدارس وترميمها في العام المالي 2020/2021 غير معروف مدى الالتزام بتفيذه، حتى تظهر بيانات الحساب الختامي حسب التقسيم الوظيفي، أي الذي يتم حسب الوزارات والهيئات والأجهزة الحكومية.

وعندما نعلم أن الحسابات الختامية الأخيرة المتاحة والخاصة بالعام المالي 2017/2018، صدرت في شباط/ فبراير 2021، فلنا أن نتصور توقيت معرفة رقم ما تم تنفيذه بالفعل لبناء وترميم المدارس للعام المالي 2020/2021.

ولكن يظل السؤال: كم تخصص الحكومة المصرية للتعليم في الموازنة؟ وهنا يمارس وزير المالية نفس أسلوب التجميل والتضخيم الذي لا يمت للواقع بصلة، مثلما فعل وزير التعليم بتضخيم عدد الفصول التي تم بناؤها، حيث ذكر وزير المالية في البيان المالي لموازنة العام المالي الحالي (2021/2022)، الذي بدأ بداية تموز/ يوليو الماضي ويستمر حتى آخر حزيران/ يونيو القادم، وفي الصفحة 57 منه، أنه تم تخصيص 388 مليار جنيه للتعليم في الموازنة، بينما أشارت بيانات التقسيم الوظيفي لموازنة العام المالي الحالي في الصفحة 120 من نفس البيان المالي للموازنة، أن مخصصات التعليم بلغت 172.6 مليار جنيه فقط، شاملة التعليم الجامعي والتعليم ما قبل الجامعي.
هكذا ضخم الوزير الرقم كي يوحي بالوفاء بالمتطلبات الدستورية، والتي نصت في دستور عام 2014 على تخصيص نسبة 4 في المائة من الدخل القومي للتعليم ما قبل الجامعي، ونسبة 2 في المائة للتعليم الجامعي بإجمالي 6 في المائة للتعليم بمرحلتيه

وهكذا ضخم الوزير الرقم كي يوحي بالوفاء بالمتطلبات الدستورية، والتي نصت في دستور عام 2014 على تخصيص نسبة 4 في المائة من الدخل القومي للتعليم ما قبل الجامعي، ونسبة 2 في المائة للتعليم الجامعي بإجمالي 6 في المائة للتعليم بمرحلتيه.

عدم الالتزام بالإنفاق التعليمي بالدستور

وهي نسبة لم تحدث منذ صدور الدستور وحتى الآن بالمرة، فإذا كان مطلوبا تخصيص 6 في المائة للتعليم بمرحلتيه الجامعي وما قبل الجامعي، فقد تراوحت النسبة التي تمت ما بين 2.3 في المائة إلى 3.9 في المائة خلال السنوات التالية لصدور الدستور، رغم نص الدستور على الارتفاع التدريجي عن النسبة المقررة حتى تصل للمعدلات العالمية.

ويدرك الوزير عندما يضخم الأرقام أنه لن يجد اعتراضا من البرلمان الذي تم اختيار أعضائه من قبل أجهزة سيادية، ولن يجد اعتراضا من إعلام الصوت الواحد، بل إنه وجد تدعيما وترويجا لما ذكره بغض النظر عن الحقيقة.

وبالعودة لرقم تقديرات مخصصات التعليم الأقرب للواقع والبالغة 172.6 مليار جنيه، والتي تمثل نسبة 9.4 في المائة من مصروفات الموازنة، وفي المركز الثالث بين أبواب التقسيم الوظيفي العشرة، بعد مخصصات الخدمات العامة البالغة 857 مليار جنيه والحماية الاجتماعية البالغة 283 مليار جنيه، نجد داخل رقم مخصصات التعليم أن أجور العاملين بالتعليم والمدارس والجامعات تستحوذ على نسبة 67 في المائة من الإجمالي، كما تتجه نسبة 8 في المائة إلى تدبير المستلزمات الدراسية من كتب وتغذية وإنارة ومياه وصيانة وغيرها، لتتبقى نسبة 23 في المائة والتي تتجه لبناء المدارس والمعامل والجامعات والمستشفيات الجامعية والمدن الجامعية.

ولكن تلك المخصصات لن تتم عمليا، بسبب قرار رئيس الوزراء بترشيد الإنفاق وتجميد نسبة ما بين 25 إلى 50 في المائة، من معظم بنود الإنفاق في غالبية الجهات ومنها التعليم، لمدة ستة أشهر، وكذلك تراجع إيرادات الموازنة، مما أدى إلى تقليص المصروفات عموما.
يرى آخرون أنه بذلك التسويف يضغط لخفض الزيادة السكانية، لكن النتيجة التي يتفق عليها الجميع أن الاستثمار في البشر هو الضامن الأساسي لتطور كل أنواع الاستثمارات الأخرى والحفاظ عليها

والغريب أنه حتى بافتراض تنفيذ كامل تلك المخصصات للتعليم، فإنها تصل إلى نسبة 9.4 في المائة من إجمالي مصروفات الموازنة، وهي نسبة تقل كثيرا عما كان يُخصص للتعليم في الموازنة خلال فترة الرئيس مبارك، حيث كانت النسبة تتخطى 12 في المائة من المصروفات في سنوات عديدة حسب الحسابات الختامية، بل إنها وصلت في العام المالي 2004/2005 إلى حوالي 16 في المائة.

ويظل السؤال: لماذا لا يزيد النظام الحاكم مخصصات التعليم لمواجهة مشكلاته المزمنة؟

وتتعدد الإجابات ما بين التعلل بعجز الموازنة، لكن ذلك لم يمنع من الاتجاه لتنفيذ قطار السُخنة- العلمين الذي يتكلف 360 مليار جنيه، وبين القول بأن التعليم استثمار طويل الأجل والحكام يفضلون الاستثمارات قصيرة الأجل التي تظهر نتائجها سريعا. ورأي آخر يرى أن ذلك يتم لصالح ترويج التعليم الخاص والعديد من الأنظمة التعليمية الموجودة، بينما يرى البعض أن هناك موقفا خاصا من قبل رأس النظام من التعليم، ويرى آخرون أنه بذلك التسويف يضغط لخفض الزيادة السكانية، لكن النتيجة التي يتفق عليها الجميع أن الاستثمار في البشر هو الضامن الأساسي لتطور كل أنواع الاستثمارات الأخرى والحفاظ عليها.

twitter.com/mamdouh_alwaly
التعليقات (0)