قضايا وآراء

الأسرى المضربون يعيدون للثورة فرصتها من جديد

وليد الهودلي
1300x600
1300x600
حيران: أذكر سيدي عندما أضرب سجن هدريم وتبعته بقية السجون عام 2000، انطلقت انتفاضة سميت انتفاضة الأسرى، وكانت انتفاضة هادرة قوية فعلت فعلها وجعلت الاحتلال يعيد حساباته مع أسرانا المضربين ويستجيب لمعظم مطالبهم. وكان ذاك الإضراب من أنجح الإضرابات، فلماذا اليوم يصل المُضرب إلى هذا الرقم القياسي المرعب دون أن يتحرّك شعبنا الحركة المطلوبة؟

نبهان: هناك متغيرات كثيرة، أنت تتحدّث عن عقدين من الزمن.. اشتُغل كثيرا على شعبنا، هناك تغيير ثقافي كبير، تغيير في سلّم الأولويات والاهتمامات.. قطاع الشباب يعيش حالة من الضياع والسحق الاقتصادي والاجتماعي، إذ إن الخريج الجامعي بالكاد يجد عملا يسدّ رمقه، والقبضة الأمنية على الأعناق والأرزاق شديدة.. كلّ من يفكّر في الهم العام يجد العصا أمامه، والثقة تراجعت كثيرا في فصائل العمل الوطني، وشبابنا يرون القيادات في الصف المتأخر؛ فبدل أن يتقدّموا الصفوف تجد الشارع قد تجاوزهم وتقدّم عليهم، لا يراهم الناس إلا أمام الكاميرات وعند التصريحات الرنّانة.. ظاهرة صوتية بلا فعل ولا خروج عن رتابة ما ألفوه، وقد ملّهم الناس، وأصبح الناس كالإبل الشاردة دون راع يقودها ولا برنامج وطني ولا خطة ولا هدف ولا وحدة، والانقسام يضرب أطنابه ويفسد اجتماع الناس على هم الوطن ومشروعه الكبير.

حيران: وكأنك تقودني إلى اليأس من الحال وقطع الأمل من قدرة شعبنا على استنهاض الهمم وعودة الروح الثورية العالية التي سادت سابقا، وأنتجت انتفاضة الحجارة ثم انتفاضة الأقصى وهبّة القدس وبوابات الأقصى وسيف القدس.. إلخ؟!

نبهان: أبدا، ما هذا قصدت، ولكني قارنت بين أحوالنا في إضراب عام 2000 وانتفاضة الأسرى، تراجع نودّ تفسيره لوضع اليد على الجرح ونعرف أين الخلل، لنرى إمكانية إصلاحه ما استطعنا لذلك سبيلا.

حيران: أعلم أن التراجع كبير والتغيرات كثيرة، فهل اتسع الخرق على الراتق ولم يعد بالإمكان إعادة البوصلة إلى حيث نريد؟

نبهان: نحن قوم لا نفقد الأمل، ولكن في الوقت نفسه نؤمن بالعمل، ومهما كانت أوضاعنا فلا بدّ من أن يكون هناك مخرج.

حيران؛ إننا أمام من هم على حافة الموت وفي الرمق الأخير، لا تقل لي عن خطط استراتيجية بعيدة المدى، نريد خطة طوارئ تنقذنا سريعا.

نبهان: بالتأكيد، وهذه منوطة برقبة من يملك صناعة القرار، من يملك أتباعا يأتمرون بأمره وينتهون بنهيه. ماذا هم فاعلون؟ هل ينتظرون أن يبادر الشارع والحراك الشبابي مثلا، حتى إذا ارتفع الموج ركبوه؟

حيران: هم بالمناسبة يجيدون ركوب الموجة، تراهم يتعلّقون بها ويتصدّرون أمرها.

نبهان: ما علينا الآن إلا أن ندعوهم إلى أن يكونوا على قدر مسؤولياتهم، فيصدروا القرارات التي تليق بتاريخ نضالاتهم ونضالات حركاتهم، ما يفي بدماء شهدائهم والتجاوب مع نبض أسراهم.

حيران: بالفعل، لو كان الأمر تنافسيا أو صندوق انتخاب لنقابة أو بلدية لحشد كل حزب أتباعه ومؤيديه، لماذا ينظرون إلى هذا الإضراب وكأن الأمر لا يعدو عن إسقاط الواجب والتذرّع بسلبية الواقع؟

نبهان: نحن بأيدينا صنعنا هذا الواقع وهو نتاج تراكمات مرّرناها بعجز وصمت وخور، والآن فرصة أمامنا أن قد فتحها لنا هؤلاء الأبطال لنمضي قدما نحو رفع مستوى المنسوب الثوري في ثقافة شعبنا، وأن نصرة المظلوم والاشتباك مع هذا المحتل الغاشم من أبجديات ديننا وقضيتنا وبديهيات وجودنا على هذه الأرض المباركة. الحراك الآن هو فرصة وعودة للروح الفلسطينية العالية الجميلة التي تعطي وتضحّي وتسير للأمام قدما.

حيران: سرعان سامع هذا الكلام ما يقول إنّ هذا مجرّد شعارات وإنشاءات لغوية جميلة؟

نبهان: اهتبال الفرص يحوّل الشعار إلى ميدان الفعل، وهؤلاء الأبطال المضربون لا يصدرون شعارات بل أفعالا تشارك بها كل خلايا أجسامهم، وخلايا عقولهم الفذّة وخلايا أعصابهم وأمعائهم ودعائم إراداتهم.. لقد ضربوا أعظم المثل وفتحوا للناس فرصة الأمل، فهل نهتبل هذه الفرصة ولا تضيع قياداتنا المرة تلو الأخرى هذه الفرص التاريخية العظيمة؟
التعليقات (1)
رائد عبيدو
الأحد، 07-11-2021 04:19 ص
للمعارك شهداء. لكن تقزيم المعركة الكبرى ضد الاحتلال إلى قضايا على الهوامش مثل معركة أمعاء خاوية فردية ضد الاعتقال الإداري أدى إلى استنزاف متواصل منذ 9 أعوام، وانتصارات جزئية، وإلى إيهام الشعب بأن أي نهاية أخرى تعني خسارة وخذلانا شعبيا، لا تضحية طبيعية في المعركة الكبرى. أسوأ ما يحصل أن المعارك الثانوية تتيح للمتسلقين التعاطف والتضامن الجزئي وتسويق أنفسهم وفرض رؤاهم للحل الشامل، فيلتبس العدو بالصديق، وتتميع المبادئ والمفاهيم، ويتراجع المقاوم، ويقبل التنازل تلو التنازل لأجل "أصدقائه" هؤلاء، ولزيادة عدد المتضامنين معه في المعارك الثانوية، حتى يخاصم المقاوم الحقيقي الذي يرفض دخول الأعداء وأعوانهم في صفوف المقاومة. القدرة التي يتحلى بها المضربون عن الطعام لأشهر من أجل انتصار فردي قصير المدى هي مؤشر على القدرة الشعبية للتضحية من أجل تحرير فلسطين بكل العلاقات بالحكومات والقنوات والشركات المتعاونة مع العدو وبكل ما يترتب عليها من مصالح ومكاسب. وهذه أول خطوة مطلوبة لمن يريد الوحدة والثورة والتضامن والانتصار على عدوه وتحرير فلسطين.