كتاب عربي 21

من العراق إلى لبنان: سؤال الدولة والوحدة والمستقبل

قاسم قصير
1300x600
1300x600
بدعوة من مجلس كنائس الشرق الأوسط ومجلس الكنائس العالمي، استضافت العاصمة اللبنانية (بيروت) في الأيام القليلة الماضية مؤتمرا هاما حول كيفية تعزيز اللحمة الاجتماعية والوطنية وتعزيز الحوار والتنوع الديني في العراق. وقد جمع المؤتمر شخصيات دينية تمثّل مختلف الأطياف والمناطق العراقية، وكانت الصورة الجامعة لهذه الشخصيات على طاولة واحدة في فندق لانكستر في منطقة الروشة معبّرة جدا حول التنوع العرقي والديني والطائفي في العراق، رغم كل ما عاناه في السنوات الأخيرة من أزمات ولا سيما الحرب مع تنظيم داعش.

والصورة الأكثر تعبيرا في هذا المؤتمر كونه ينعقد في العاصمة اللبنانية في الوقت الذي يواجه فيه لبنان أزمات عميقة، اقتصادية ومالية واجتماعية، وسياسية وانقساما طائفيا ومذهبيا حول مختلف القضايا والملفات الداخلية والخارجية، بحيث تعطلت جلسات مجلس الوزراء وتزداد الأزمات وتتضخم، والعلاقات بين لبنان ودول الخليج العربي تمر بمرحلة دقيقة، والأسئلة والنقاشات حول مستقبل لبنان ودوره وكيانه تزداد وتتفاقم.

وما يجمع لبنان والعراق في هذه المرحلة، كما العديد من الدول العربية التي تمر بمرحلة دقيقة كتونس وليبيا واليمن وسوريا وغيرها، أسئلة عديدة حول مستقبل الدولة والوحدة الوطنية وكيفية مواجهة الانقسامات الطائفية والمذهبية والسياسية والحزبية. فبدل أن يكون التنوع عامل غنى وثراء للمجتمع، يتحول إلى عامل انقسام وصراع وتبادل للمخاوف والأزمات.
ما يجمع لبنان والعراق في هذه المرحلة، كما العديد من الدول العربية التي تمر بمرحلة دقيقة كتونس وليبيا واليمن وسوريا وغيرها، أسئلة عديدة حول مستقبل الدولة والوحدة الوطنية وكيفية مواجهة الانقسامات الطائفية والمذهبية والسياسية والحزبية


فالعراق الخارج من صراع أمني وعسكري وفكري واجتماعي مع أخطر تنظيم متطرف وهو تنظيم داعش، لم يستطع الذهاب إلى مشروع وطني متكامل وإقامة دولة المواطنة الحقيقية. فالصراع السياسي والحزبي الذي نشهده اليوم في العراق حول نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة والتشكيك فيها، والصراع حول تشكيل الحكومة المقبلة، إضافة للنقاشات حول مستقبل الحشد الشعبي ودور المليشيات، وغير ذلك من الملفات الساخنة في العراق.. كل ذلك يؤكد أن العراق لم يشف من أمراضه المتنوعة حتى الآن، منذ الاحتلال الأمريكي وسقوط نظام صدام حسين وقيام النظام الجديد عام 2003، كما أن خطر عودة داعش لا يزال قائما في ظل الخلافات الداخلية والصراعات الخارجية على أرض العراق.

ومع أن المشاركين في مؤتمر مجلس كنائس الشرق الأوسط في بيروت حول العراق؛ تحدثوا عن الجهود الكبيرة التي تبذل من قبل الجهات الدينية والرسمية لحماية التنوع والحريات ومواجهة التطرف والعنف والعمل لقيام دولة المواطنة، فإن المعطيات الواقعية والأحداث التي نشهدها يوميا في العراق تكشف عن حجم المأزق الذي يعانيه العراق اليوم والذي يتمثل بأسئلة أساسية، ومنها: هل تريد القوى السياسية والحزبية والمليشيات قيام دولة حقيقية في العراق؟ وهل يمكن حماية الوحدة العراقية في ظل التنوع الديني والطائفي والعرقي؟ وأي مستقبل للعراق في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية التي يواجهها اليوم؟

وبالانتقال من العراق إلى لبنان، فإن الأسئلة حول مستقبل لبنان ووحدته وكيانه ودور الدولة ومستقبلها تزداد يوما بعد يوم، في ظل الأزمات المتعددة الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية والسياسية.

 

والمؤشرات على خطورة ما يواجهه لبنان اليوم كثيرة، ومنها ارتفاع معدلات الفقر حتى تصل إلى ثمانين في المائة من الشعب اللبناني حسب دراسات موثقة من عدة مؤسسات دولية، وزيادة أعداد المنتحرين يحيث نشهد حالة انتحار كل 48 ساعة، إضافة لانتشار العنف المجتمعي والسرقات وتعاطي المخدرات والدعارة، مع ما يرافق ذلك من ازدياد في عدد المهاجرين والهاربين من لبنان إلى بقاع العالم.

هل تريد القوى السياسية والحزبية والمليشيات قيام دولة حقيقية في العراق؟ وهل يمكن حماية الوحدة العراقية في ظل التنوع الديني والطائفي والعرقي؟ وأي مستقبل للعراق في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية التي يواجهها اليوم؟

وبموازة الأزمات الاقتصادية والمعيشية في لبنان، نحن أمام أزمة سياسية عميقة تطال بنية النظام وكيانه، بحيث ارتفعت الأصوات الداعية إلى الفيدرالية والتقسيم والعودة إلى لبنان الصغير، في ظل نقاشات متعددة حول هوية لبنان وعروبته ودوره وعلاقته بالعالم العربي ودعوات لمواجهة ما يسميه البعض "الاحتلال أو النفوذ الإيراني في لبنان"، وبالمقابل ترتفع الأصوات الرافضة لهذه الدعوات وتدعو لاعتماد خيار المقاومة لمواجهة مختلف التحديات والضغوط الداخلية والخارجية.

نحن إذن أمام خطابات متقابلة، وكل خطاب ينفي وجود الآخر ولا يعترف به والاختلاف معه، في حين أن مؤسسات الدولة لم تعد قادرة على حسم الاختلافات والخلافات المتنوعة حول كل القضايا والملفات القضائية والأمنية والسياسية، مما يؤدي لتعطيل المؤسسات الرسمية وعدم قيامها بمسؤولياتها تجاه المواطنين في ظل الظروف الصعبة التي يعانون منها اليوم.

كل هذه الأزمات تؤكد أن مشكلة قيام الدولة الحقيقية في العالم العربي هي الأساس، فكلما غابت الدولة القادرة على احتضان التنوع وتأمين حقوق الإنسان الطبيعية وحماية حدود الوطن في مواجهة مختلف التحديات، كلما برزت قوى وجهات تسعى لملء الفراغ مما يجعلها في صراع داخل الدولة ومعها. ومن هنا أهمية العودة إلى النقاش الحقيقي: كيف يمكن قيام الدولة القادرة على تأمين حاجات مواطنيها وحمايتهم، إضافة إلى ضرورة اقتناع كافة مكونات الوطن بأنه لا خيار لها سوى قيام هذه الدولة القوية والقادرة على تأمين حقوقها وحاجاتها؟
هذه الأزمات تؤكد أن مشكلة قيام الدولة الحقيقية في العالم العربي هي الأساس، فكلما غابت الدولة القادرة على احتضان التنوع وتأمين حقوق الإنسان الطبيعية وحماية حدود الوطن في مواجهة مختلف التحديات، كلما برزت قوى وجهات تسعى لملء الفراغ مما يجعلها في صراع داخل الدولة ومعها

أزمة قيام الدولة في الوطن العربي وحماية التنوع والوحدة واللحمة الاجتماعية هي الأساس، وهذا ما يجب أن نعمل له جميعا وأن تتركز الحوارات والممارسات على هذا الأساس، ومن خلال ذلك نقطع الطريق على أي تدخل خارجي، وتصبح الدولة هي الملجأ الحقيقي والكامل للمواطن في كل قطر.

وعلى ضوء ذلك فإن اختيار مجلس كنائس الشرق الأوسط ومجلس الكنائس العالمي؛ بيروت كي يجمع الأطياف العراقية للحوار حول قيام الدولة واللحمة الاجتماعية هو رسالة للبنانيين ولكل العرب بأن مسؤوليتهم جميعا حماية هذه التجربة المتنوعة في لبنان والعالم العربي، ودعوة صريحة كي نحافظ على لبنان دولة وكيانا ووطنا يحتضن الحرية والتنوع، على أمل أن ننجح جميعا في إقامة دولة المواطنة وحماية الوحدة الوطنية في زمن تغيير الخرائط، والبحث عن مستقبل جديد لكل دول المنطقة.

twitter.com/KassirKassem
التعليقات (1)
احمد
الأربعاء، 15-12-2021 06:34 م
غريب امر قاسم قصير تكلم كثيرا عن العراق لكنه لم يشير من قريب ولا بعيد الى الدور التخريبي الايراني المدمر للعراق و هذا طبيعي لان قاسم قريب من حزب الله و بالتالي من ايران