كتاب عربي 21

"لا تنظر للأعلى".. السماء ملكنا وعيناك أيضا

أحمد عمر
1300x600
1300x600

أصاب صناع الفيلم في اختيار اسمه فهو يناسب حال المواطن الأمريكي الحبيس في زنزانة هاتفه، أو في صندوق التلفزيون. الإنسان هو مارد القمقم الذي حبسه مخترعو قماقم وسائل التواصل الزجاجية. 

الفيلم من إخراج المخرج آدم مكاي صاحب فيلم "العجز الكبير"، يوصف الفيلم من لدن منتجيه بأنه كوميديا سوداء، وهو كذلك، فهو حافل بالكوميديا، ويوصف بأنه فيلم كوارث وأبو كاليبتو، فهو من أفلام نهاية العالم وأفلام صراع العلم والسياسة، أو الأخلاق والسياسة، وقد يذكرنا بقصة مسرحية "عدو الشعب" الشهيرة للنرويجي هنريك ابسن. 

نجد في مذكرات المتحررين من السجون السورية والمصرية أن السجانين كانوا يحرمون على السجين رفع بصره للأعلى، عليه أن ينظر إلى قدميه، لن يكرم بالنظر إلى السماء، أو إلى وجه سجانه. نحن لا نرفع أبصارنا إلى الأعلى، فعيوننا سكّرت في شاشات هواتفنا.

يقول الباحث في مقارنة الأديان والأساطير جوزف كامبل: إنَّ من أسباب ارتفاع نسبة الجريمة في العواصم العالمية الكبيرة أن الإنسان محروم من رؤية السماء، بسبب ارتفاع الأبراج وكثرة الإعلانات وزحمة مشاغل الحياة، مات كامبل قبل أن يدرك الهواتف النقالة، ولو أدركها لندب حياتنا ندبًا. 

يمس الباحث كامبل أنصاف الحقائق لمسًا، ويصل إلى تأملات وحكم لطيفة، من غير أن يقبض عليها قبض العارفين. قارن كامبل الأديان، لكنه لم يقرب الإسلام، لا يعرف كامبل أنَّ في القرآن آيات كثيرة مثل: "أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت وإلى السماء كيف رفعت"، و"وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ " و"يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس" ... وغيرها كثير.

 لم تكن نهايات الأنبياء سعيدة بموازين البشر، وليس كالشهادة مصيرا، وكانت خواتيم المستبصرين عبر التاريخ دامية، كان النبي موسى عليه السلام ينكر أفعال الرجل الصالح ولم يكن يقدرها، ويقال إن زرقاء اليمامة كانت تُبصر الشَعَرةَ البيضاء في اللبن، وترى الشخص على مسيرة ثلاثة أيام. وسميت بزرقاء اليمامة لزرقة عينيها. وقيل فيها "أبصر من زرقاء اليمامة".

كانت البصيرة والنبوءة موهبة وحدسًا، واشتهر بها العميان مثل تيريزياس، وهوميروس، وأبي العلاء المعري لكن المتنبئين المعاصرين مختلفون، فهم يبصرون بالآلات.

 

يقول الباحث في مقارنة الأديان والأساطير جوزف كامبل: إنَّ من أسباب ارتفاع نسبة الجريمة في العواصم العالمية الكبيرة أن الإنسان محروم من رؤية السماء، بسبب ارتفاع الأبراج وكثرة الإعلانات وزحمة مشاغل الحياة، مات كامبل قبل أن يدرك الهواتف النقالة، ولو أدركها لندب حياتنا ندبًا.

 



يرى العالم الفلكي "أزرق نيويورك" الدكتور ميندي وزميلته الحسناء كيت نيزكًا يتجه للأرض عبر التلسكوب الفضائي، ويحسبان ميقات وصوله إلى الأرض فيجدان أنه يصل إليهم بعد ستة أشهر، ويطلبان لقاء الرئيس الأمريكي، والرئيس أنثى هذه المرة، فالقناة المنتجة للفيلم إن اعتدلت كانت نسوية وإن ثارت فهي مثلية، فيجدان الرئيس وحاشية البيت الأبيض قد ضرب الله على آذانهم، فيفشون خبرهم للإعلام الذي يحوّل الخبر إلى تسلية إعلامية في مواقع التواصل الاجتماعي، الحسناء كيت سيدة نابهة أحصف من زميلها العالم العجوز الذي تغويه الإعلامية بري إيفانتي في برنامجها الشهير، تضطر الإدارة الامريكية إلى مواجهة الخطر بعد انتهاء مدة الخوف الانتخابي الثانية، لكن مليارديرًا عجوزًا إسمه بيتر بيتش، هو الثالث عالميًا، فلا يجرؤ صانع الفلم على جعله الأول، يؤمن بالمثل الانكليزي الشهير: لا تدع المشكلة تمر من غير أن تستفيد منها، فالإنسان يهرم ويبقى منه اثنتان: الحرص وطول الأمل. النيزك المهلك يقترب، والتجارة والدعارة على أشدهما. وسندرك  بالتأويل أن النيزك الذي يدمر الكوكب هو الجشع وليس  النيزك الساقط من السماء، صناع الفلم تجنبوا أن يذكروا غضب الله كما في أفلام القيامة.

يغير الملياردير رأي الرئيسة الأمريكية، ويقرر صيد النيزك في السماء قبل سقوطه في المحيط، ونهبه بملاقط فضائية لاحتوائه على أطنان من المعادن الثمينة، فيتحول العالمان في الإعلام إلى عدوين للشعب الأمريكي حتى أنَّ عشيق كيت يطلقها، ووالديها يمنعانها عن بيتها. يصحو العالم ميندي من سكرة الحب، ويفضح السياسة الأمريكية صائحًا بأعلى صوته، ويعود إلى زوجته التي تغفر له خيانته لها مع الإعلامية الحسناء، وتبوح له بأنها خانته، فيعانقها، فقد تعادلا في الخيانة، فهي سجال أمريكي شائع، لقد كانت الكوميديا من أفضل الوسائل في تجميل القبيح.

في هذه الآونة يقترب النيزك من الأرض، وتجتمع طائفة العلماء، ميندي وكيت ومديرهما الأفريقي وعائلة ميندي على مائدة العشاء الأخير في بيت ميندي، ويتلو صديق العالمة كيت الشاب الوسيم صلاة، فهو الوحيد الذي يعرف بعض الأدعية، والأدعية فاسدةٌ، فهو يدعو الإله إن كان موجودًا أن يغفر لهم، فيأكلون فطائر التفاح واللحم بانتظار سقوط النيزك.

 

أطرف مشاهد الفيلم فنجدها في مشهد تغيير مسار الصواريخ والمركبات الفضائية المحاربة، ونجده في مشهد الصحافية الشهيرة والعالم وهما في السرير عندما يسألها عن أحوالها، فتقول إنها لا تحب معرفة عشاقها، وتعدِدهم، وبينهم رئيسان أمريكيان،

 



انتحر هتلر وهو يأكل، ومات الفيس بريسلي وهو يأكل، يقول عبد الوهاب المسيري في كتاب "رحلتي الفكرية": إن الشعب الأمريكي استطاع تطبيع الجنس وتحطيم خصوصيته، فهم يمارسونه في العلن، ويقرنونه بالطعام، فالجنس عضلات وغدد، بل إن الأمريكي يستتر في المرحاض ولا يستتر في الإتيان ويمارسه في الشارع. اختار الغربيون صفة الجنس للتعبير عن الاتيان والجماع، ومرد ذلك أن المسيحين الأوائل كانوا يستقذرونه ولا يأتونه إلا من أجل التكاثر، وقد انعدمت في الجنس صفة التكاثر، فلم يبق منه سوى المتعة، وهي متعة انحرفت كثيرًا عن فطرتها وضلّت.

لا يخلو الفيلم من الملح والطرائف، وهو فيلم حسن التعبير عن الشخصية الأمريكية، وقد حاولتُ توقع النهاية، فجاءت أحسن مما توقعت، فقد دمر كوكب الأرض، ونجا نحو مائتي أمريكي هم نخبة المجتمع الأمريكي السياسي والمالي، وركبوا مركبة فضائية وهبطوا على كوكب بعيد، عراة كما في بدء الخليقة، يقودهم الملياردير بيتر وهو يحمل هاتفه النقال، فهو كتابه المقدس، الرجل يقيس كل شيء بالخوارزميات، تقترب الرئيسة الأمريكية من طائر يجمع بين ضخامة النعام وجمال الديك، فيقتلها ويفترسها ويُحاط بهم، لقد مات الذين على الأرض ميتة أكرم من ميتة الهاربين.

أما أطرف مشاهد الفيلم فنجدها في مشهد تغيير مسار الصواريخ والمركبات الفضائية المحاربة، ونجده في مشهد الصحافية الشهيرة والعالم وهما في السرير عندما يسألها عن أحوالها، فتقول إنها لا تحب معرفة عشاقها، وتعدِدهم، وبينهم رئيسان أمريكيان، فذكّرني بقول لعبد الوهاب المسيري: إن الأمريكي مصاب بمرض الخوف من الحميمية، لقد حُشر في فردية فولاذية، إنه روبنسون كروز يعيش محبوسا في جزيرة هاتفه وصندوق التلفزيون، ومأسورًا بين شهوتيه.

سُرّ كثيرون بهداية الممثل المصري حسن يوسف الذي مثل إمام الدعاة، والإمام المراغي، والإمام الأوزاعي، وأطلق لحيته، وهو زوج شمس الباردوي الحموية، وأهل حماة أهل تقوى، ثم ظهر في دور الشيخ الشقي، فنفر منه الناس، فصرح قائلًا إنه ممثل، وليس شيخًا. عادل إمام مثّل دور زكي الدسوقي في عمارة يعقوبيان، وصرخ صرخات بطولية نادبًا القاهرة، فقال إنها صرخات الشخصية الروائية وليست صرخاته.

يذكر أن بطلة الفيلم جينيفر لورانس حلّتْ مؤخرًا ضيفة على برنامج، فى حملة للترويج عن فيلمها "لا تنظر للأعلى"، فدعت للفيلم بقصص من حياتها الزوجية قائلة: "أعتقد أني مدبرة منزل جيدة حقًا"، مؤكدة أنها لجأت للطهي واهتمت أكثر بتفاصيل المنزل في فترة وباء كورونا. وتألقت الممثلة الحامل البالغة من العمر 31 عامًا فى فستان "منقط" أبرز بطنها المنتفخ، وتلقت ترحيبًا حارًا من جمهور الاستوديو في مدينة نيويورك خلال حلقة البرنامج. 

لقد نددت النجمة الهادية المهديّة بالتفاهة في فلمها الذي لا يحيد عن سكة الأفلام الأمريكية، ولم تفعل ذلك إلا بعد أن هُدد وجودها بل الوجود كله، ثم نقضت غزلها بعد قوة أنكاثًا. 

لا تنظر للأعلى: وإلا وضعنا رأسك في كيس القمامة الأسود.


التعليقات (2)
أيمن عصمان ليبيا
الإثنين، 27-12-2021 11:35 م
أنت و( الحراق ) أحمد بحيري اتفقتم على نفس الفيلم ؟!
محمد
الإثنين، 27-12-2021 09:07 م
أولا إسم الملياردير هو إشرويل و ليس بيتش ثانيا الفلم يعالج غرق الإنسان الامريكي في الشهوات و المؤثرات و المحفزات و المهلوسات مثل الزنا و جمع المال( الذي ظهر عندما اخذ الجنرال ثيمس ثمن المقبلات التي احضرها للعالمين عندما كان ينتظران الدخول الى الرئيسة والتي تبين انها مجانية اخيرا) الإدمان على الفضائح التفاهة مثل قضية إنفصال المغنية المشهورة رايلي بينا و حبيبها دي جي تشيلو (و الذي اخرجه المخرج كأنه أمر مدبر من طرف اناس لجذب الإنتباه و إنتهى اخيرا بعودتهما بل بطلب الزواج منها على المباشر في التلفاز) غرق الناس في هواتفهم التي وصل الامر السيطرة التامة و الى ان تسلبهم اموالهم من غير موافقتهم (كما حدث عندما إشترى هاتف إبن العالم أغنيتين ل دي جي تشيلو من دون موافقته و كما حدث عندما قدمت خدمة الإستفسار حول النيزك لمشتركي هاتف باش حصريا و بثمن) و أخيرا فإن الفلم ايضضا يبرز كيف يضيع سياسيون فاسدون لا يملكون اية إحترافية اجيالا بأكملها بخدع كبيرة ليحولو انتباههم من فضائحهم و فسادهم الى اي شيئ أخر حتى لو كان نيزكا في حين ان الخطر يداهم كل الناس و اعتقد ان الخطر المقصود هنا ليس النيزك و لكنه بكل بساطة مدة حياة اي شخص