ملفات وتقارير

الخضوع أو الهروب.. خياران فقط أمام الفنانين في مصر

هشام عبد الله من الفنانيين الذين رفضوا أن يكونوا أداة بيد النظام- تويتر
هشام عبد الله من الفنانيين الذين رفضوا أن يكونوا أداة بيد النظام- تويتر

ضمن سلسلة القرارات والإجراءات التي يتخذها النظام العسكري الحاكم في مصر، ضد المعارضين له، طالت يده الأمنية والقضائية عددا من الفنانين المعارضين من الخارج.

وأصدر القضاء المصري، الأربعاء الماضي، حكما بتأييد قرار شطب الفنانين المصريين المعارضين؛ عمرو واكد، وخالد أبو النجا، من نقابة المهن التمثيلية، وذلك بتهم "الاستقواء بالخارج، والخيانة العظمى، والانتماء لجماعة إرهابية، وافتقاد حسن السيرة والسمعة، ومخالفة قانون النقابة".

ورفضت محكمة القضاء الإداري طعن الفنانين العالميين اللذين يشاركان بأعمال سينمائية في هوليود، على قرار شطبهما من نقابة الممثلين، والذي اتخذته حيالهما آذار/ مارس 2019.

ذلك الحكم يأتي بعد نحو 10 أشهر من رفض القضاء الإداري بمجلس الدولة، 2 آذار/ مارس 2021، طعنا مماثلا للفنان المعارض من إسطنبول هشام عبدالحميد على قرار شطبه من النقابة.

تلك الأحكام تأتي ردا على حملات متواصلة ضد الجرائم الحقوقية للنظام في مصر، يقودها واكد، وأبو النجا، إلى جانب الفنان والإعلامي هشام عبدالله، وغيرهم من الطيور الفنية المهاجرة من مصر؛ إثر انقلاب قائد الجيش عبدالفتاح السيسي منتصف 2013.

 

اقرأ أيضا: عمرو واكد عن مرسي: مات شهيدا وتعرض للظلم والاستبداد (شاهد)

وبينما يشارك عبدالله في برامج الفضائيات المعارضة من إسطنبول، شارك واكد وأبو النجا في وقت سابق من 2021 بجلسة استماع بالكونغرس الأمريكي، ضمن المنبر المصري لحقوق الإنسان.

"سيطرة وإبعاد وتنكيل"


وعلى مدار سنوات الانقلاب العسكري، سيطر النظام على ملف الفن، والإنتاج الدرامي والسينمائي، وقرّب فنانين، ومنحهم الكثير من الامتيازات، وأسند إليهم الأعمال التي ينتجها، وفي المقابل أبعد آخرين.

وحاصر كذلك الفنانين المعارضين، بإبعادهم عن الأعمال الفنية، ثم العديد من القضايا والقرارات، ما دفع العديد منهم إلى الهروب خارج البلاد، في مشهد مشابه لحقبة ستينيات القرن الماضي، بحسب نشطاء.


وغادر فنانون مصريون البلاد قبل تعرضهم للاعتقال والتضييق والبطش الأمني، بينهم عمرو واكد، إلى فرنسا، وخالد أبو النجا إلى أمريكا، وهشام عبدالله وهشام عبدالحميد ومحمد شومان إلى تركيا، وجيهان فاضل إلى كندا.

وبجانب إلغاء عضويتهم في نقابة الممثلين، وعدم تجديد جوازات سفرهم وأسرهم، جرى تهديد العديد منهم باعتقال ذويهم.

آب/ أغسطس 2018، شهد توقيف شقيق الفنان هشام عبدالله، ثم توقيف 5 من أقاربه خلال عام 2020، ردا على دوره الإعلامي في كشف جرائم النظام الحقوقية.


وفي نيسان/ أبريل 2020، دفعت التهديدات الأمنية لأسرة الفنان محمد شومان، إلى خروج ابنته ببيان مصور، تؤكد فيه أنها وأشقاءها ووالدتها لا علاقة لهم بوالدها، وذلك بعد أيام من اعتقال أحد أبناء شومان.

وفي 14 آذار/ مارس 2021، ظهرت الممثلة المعارضة وإحدى ناشطات ثورة يناير 2011، جيهان فاضل، وهي تعمل في سوبر ماركت بمدينة كالغاري بمقاطعة ألبرتا لتعيل أبناءها الثلاثة.

وعلى إثر سلسلة تدوينات عبر صفحته بـ"فيسبوك"، منتصف 2021، منتقدا فيها رأس النظام بسبب ملف سد النهضة الإثيوبي والفساد والظلم والاعتقالات وزوار الفجر، اختفى الفنان إيمان البحر درويش بشكل مثير للجدل، وسط تكهنات عن اعتقاله.

"رسالة واكد"


ولم يرد واكد على أسئلة "عربي21"، حول "صدور الحكم بتهم الاستقواء بالخارج، والخيانة العظمى، والانتماء لجماعة إرهابية، وافتقاد حسن السيرة والسمعة، ومخالفة قانون النقابة"، حتى كتابة هذه السطور.

ولكنه وردا على الحكم الجديد، نشر حديثا للممثل حسين فهمي، يعترف فيه خلال حزيران/ يونيو 2016، بأنه سافر للكونغرس الأمريكي 5 مرات أثناء حكم الرئيس الراحل محمد مرسي؛ لإقناع صناع القرار الأمريكي بأن "جماعة الإخوان إرهابية".



 
كما خاطب واكد كل من ينتقده من المصريين من أنصار النظام، متمنيا بأن "يأتي اليوم الذي يفهم فيه من يشوهون صورته وصورة غيره أنهم يخطئون ويضرون أنفسهم قبل الآخرين".


 

 

 

"تاريخ من التنكيل"


أما الفنان المصري والإعلامي المعارض من تركيا، هشام عبدالله، فتحدث إلى "عربي21"، مؤكدا أن "الحكم العسكري منذ سيطرته على مصر بالقرن الماضي، جعل الفنانين أداة من أدواته، وجعل خروج أي فنان من هذه المنظومة جرما يعاقب عليه".

وضرب عبدالله المثل بـ"تأميم شركة (صوت القاهرة)، المملوكة للفنان الراحل محمد فوزي، عام 1961، وإهانة العسكر له، التي سببت مرضه ووفاته، لأنه لم يطبل للحكم العسكري والرئيس جمال عبدالناصر، ولأنه لم يغنّ للزعيم، وغنى لمصر فقط (بلدي أحببتك يا بلدي)".

وأضاف: "وفي المقابل، استمرت شركة (صوت الفن) المملوكة للموسيقار محمد عبدالوهاب والمطرب عبد الحليم حافظ -مطرب الثورة- وظلا خير المؤيدين والمصاحبين للنظام، وتغنوا وغنوا لعبد الناصر والحكم العسكري".

ولفت إلى أنه "بعد نكسة 1967، أراد عبدالناصر تهدئة الشارع، والسماح ببعض الحرية للفن، فوجدوا أن كل الأغاني المذاعة تمجد به شخصيا، ولم يجدوا وقتها أغنيه صادقة تذاع سوى أغنية محمد فوزي، التي منعوا إذاعتها سنوات".

وكشف الفنان المصري عن مثال آخر لبطش النظام العسكري بالقرن الـ20، لافتا للتنكيل بـ"أعظم مخرج بتاريخ السينما المصرية توفيق صالح، الذي أخرج 3 أفلام فقط، واضطهدوه، وأوقفوه عن العمل، فخسرت مصر أحد مبدعيها لمجرد رفضه أن يكون ضمن المنظومة".

وأشار أيضا إلى ما تعرض له "الشاعر نجيب سرور أحد المبدعين الذي انتهت حياته بالجنون من ما حدث له بالمعتقلات، وكان لا يقل عن صاحب (نوبل) نجيب محفوظ وغيره"، موضحا أن "الأمثلة كثيرة على مر عصور الحكم العسكري". 

 

اقرأ أيضا: عمرو واكد يعتذر لضحايا رابعة: "كنت عبيط"

وأكد عبدالله، أن "صناعة النجم صارت بأيدي المخابرات، وأصبح الفنانون أدوات لترسيخ حكمهم وبطولتهم، وتغييب وعي الشعب، وأصبح البطل الوحيد بالدراما رجل عسكري بداية من فيلم (رد قلبي) وانجي بنت الباشا وعلي ابن الجناينيي، في تزييف لفترة الملكية التي شهدت ديمقراطية وحرية ورأي ورقي للفن".

ولفت إلى أن "حكايات كثيرة رواها الفنانون عمر الشريف وأحمد رمزي وفاتن حمامة، ولنا في رئيس مخابرات ناصر، صلاح نصر، المثل، فمن كان يخرج عن طوعهم يتعرض للتنكيل، والتشويه، وتلفيق القضايا المشينة، إلى أن وصلنا لأسوأ فترات الحكم العسكري، وتدمير مصر وكل جميل فيها".

وأكد الفنان المعارض، أن "الفترة التي نعيشها أصبح القضاء والنيابة والإعلام والفن والثقافة أدوات للنظام كالجيش والشرطة، ومن يخرج عنهم يحدث له ما يحدث لي أنا ومن مثلي، واكد وأبو النجا وجيهان فاضل وأحمد عيد".

وقال إنه "لمجرد أننا عملنا برسالتنا بأن الفنان هو حزب كل فئات الشعب، ويمثله ويعبر عنه، وشاركنا بثورة ٢٥ يناير، وعبرنا عن الشعب ولم نعبر عن النظام، كان هذا مصيرنا، بل لم يسلم أهلونا من التنكيل".

وأشار عبدالله إلى حبس أخيه الأكبر لأكثر من ثلاث سنوات وحتى الآن، بجانب خمسة من أبناء إخوته، و2 من أخوة زوجته الناشطة غادة نجيب، متسائلا: "ما ذنب ثمانية أبرياء، سوى التنكيل بنا، والرد على مواقفنا من النظام".

وأكد أنه في مقابل البطش بالفنانين المعارضين والتنكيل بهم، واستخدام الآخرين لخدمة النظام، فإن "مصر الحضارة والتاريخ والفن والثقافة والريادة أصبحت مسخا، من قمم وقامات في الأدب والفن والثقافة، إلى زمن حمو بيكا وفيفي عبده".

وختم حديثه بالقول: "لا خلاص لمصر إلا بالخلاص من الحكم العسكري".

"لا قانون ولا دستور"


وفي تعليقه، قال الحقوقي والإعلامي المصري المعارض هيثم أبو خليل: "ليس قطاع الفنانين والمبدعين وحده من تعرض لتنكيل النظام، فالنخبة جميعها يضغط عليها عسكر مصر ضمن سياسة الاستئصال والإقصاء، وفقط من يمسك بالمايك (السيسي) له حق الكلام".

وأضاف لـ"عربي21"، أن "هناك تنكيلا وتشويها آخر، وربما واكد وأبو النجا أكثر حظا من شومان الذي اعتقل نجله، وهشام عبدالله الذي اعتقل أخوه وأقاربه، ونفس القصة تكررت مع هشام عبدالحميد بشطبه من النقابة".

وأكد أن "من يخرج عن طوع النظام بتصريح جزاؤه التنكيل في عملية ممنهجة، والإبداع والفن لديهم فقط بمسلسل (الاختيار)، وتضليل الناس، وتمجيد العسكر وما يفعلونه، والإبداع لديهم جلسة تصوير وتعرية للفنانات؛ لإلهاء الناس، وإثارة الغرائز، والاحتفاء بالانحلال في سياسته الممنهجة".

وقال: "اليوم التنكيل بأي مبدع وفنان، وأكثر من نصف عام لا نعرف مصير إيمان البحر درويش، ولو قُسم ما يقوم به النظام من بطش، نجد كذلك الكاتب عبدالناصر سلامة الذي قال كلمة حق".

وختم حديثه لافتا إلى أنه "من التنكيل بواكد وأبو النجا وشومان وهشام، الذي اتخذوا من عنده رهائن، يتضح أن هذا النظام لا يعرف قانونا ولا دستورا، ولا يطيق سماع الرأي الآخر".

التعليقات (1)
عليهم بالإنتاج الفني بتركيا
الجمعة، 07-01-2022 11:25 ص
شطب النظام الانقلابي لهؤلاء الفنانين الأحرار من نقابة الممثلين هو وسام شرف يضعه هؤلاء الفنانون الأحرار على صدورهم. أعتقد أن أفضل رد منهم على هذا الظلم والعسف والاستبداد هو أن يقوموا بإنتاج أفلام وأعمال فنية بالخارج يعرضون فيها جوانب الظلم والفساد والاستبداد والقهر التي يمارسها النظام الانقلابي ضد الشعب المصري وأحراره. وستلقى الرواج داخل مصر نفسها بفضل الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي.