قضايا وآراء

"الإخوان المسلمون".. ماذا يجري الآن؟ مربع الانتظار (3)

محمد عماد صابر
1300x600
1300x600
ما زالت الغالبية من قواعد جماعة الإخوان تعلق الأمل كل الأمل، بل قد يكون الأمل الوحيد على الجماعة في الخروج من المأزق المصري الراهن، وكل يعبر بطريقته، منهم من يتساءل: ماذا ستفعل الجماعة؟ وما هي رؤيتها؟ وما هو السيناريو الراجح لديها؟ ومنهم من يطالب الجماعة بالمراجعات التي تأخرت كثيرا للفترة السابقة من بعد الثورة حتى حدوث الانقلاب وتشخيص الأسباب والتحديات والفرص وما إلى ذلك، ومنهم من يطالب بقايا القيادات بالرحيل بهدوء؛ بزعم أنهم سبب لما تعيشه البلاد والعباد أو على الأقل شركاء الثورة والفشل، ومنهم من يدّعي أن المراجعات تراجعات ولسنا في حاجة إليها وليس هذا وقتها، وقليل منهم من هو "حقا" مهموم بدعوته حريص عليها حرصه على أهله (ولده وزوجه وعشيرته).

الخلاصة، الغالبية يقفون في هذا المربع، مربع انتظار ماذا ستفعل الجماعة، وما هو الجديد لديها ليدور دولاب العمل ويتحرك قطار الدعوة والدولة. هذا الموقف وهذه الرؤية وهذا الانتظار من غالبية قواعد الجماعة يؤشر لخطأ بنيوي وخلل تربوي لدى هذا الكم الهائل من الأعضاء، هذا الخلل الذي يؤكد أن منظومة البناء الفكري والتنظيمي أنتجت صنفا من الأعضاء لا يتمتعون بالاستقلالية في التفكير والتدبير، وإنما هم دوما جاهزون منتظرون لما يصدر من تكليفات وتعليمات ليجتهدوا في تنفيذها على الفور، وإن لم تصدر هذه التعليمات، فهم جنود مرابطون على الخطوط الأمامية انتظارا لما يصدر.

المؤكد أن الصبر غير المقترن بالعمل يعتبر موقفا سلبيا يؤدي إلى تزييف الوعي وخلط المفاهيم وإلحاق الضرر بالثائرين أنفسهم، فمن شروط الصبر أن تعرف كيف تصبر، ولمن تصبر، وما تريد بصبرك، وتحتسب في ذلك وتحسن النية فيه، بل إن الصبر الاستراتيجي يتمثل في التريث الذي يلازمه الإعداد والتأهب، فهو انتظار واع لا ينشغل صاحبه عن الهدف لغيره، ولا ينساه، ولا يستدرج لمعارك جانبيه تشغله عن هدفه حتى لو كان النجاح في هذه المعارك الجانبية مضمونا.

مقياس نجاح الصبر الاستراتيجي يتمثل في قلة حدة المعوقات والتحديات التي كانت موجودة منذ بداية الصراع، هنا يكون الصبر الاستراتيجي قد أتى بعض ثماره وأن الوقت جزء من العلاج، أيضا الصبر الاستراتيجي لا بد أن يلازمه الذكاء التكتيكي ملازمة السوار للمعصم، ويتمثل في وضع الخطة المناسبة، والعمل على تطويع الظروف المعوقة لها وتحديد آلية ومراحل تنفيذها.

ماذا حدث؟ عندما ارتبكت قيادات الجماعة من صدمة وهول الأحداث الجسام منذ 3 تموز/ يوليو 2013، ارتبك تبعا لها الملايين في الشوارع والميادين، ملايين من الأعضاء والمحبين والمؤيدين والمتعاطفين، لكن بكل أسف، ارتبكت القيادة فاختلط الحابل بالنابل، وكان بضعة عشرات من البلطجية وقطاع الطرق ينالون كل النيل من عشرات الآلاف من الأعضاء والأتباع. نعم قواعد الجماعة لم تُعد للصدام الخشن ولكن للدعوة والإصلاح السلمي، وما فرض عليهم من عنف لم يؤهلوا أنفسهم له، بل وغير مطلوب تأهيل الناس لحروب الشوارع وأعمال العصابات والبلطجة، فهذا ليس نهجا، ولن يكون نهجا رغم الثمن الباهظ الذي دفعه عشرات الآلاف سجنا وجرحا وقتلا وشهادة.

لا نفتش في خزائن الماضي، خاصة خزائن الألم، فاستدعاء ذكريات الإخفاق ألم مضاعف. تكفينا الاستفادة من المراجعات العامة والكلية، والخوض في تفاصيل الحاضر معطل، ونبش تفاصيل الماضي محزن ومؤلم.

عموما "رصيد الحق لا ينفد"، قد لا نستطيع اليوم استرداد الحقوق وتحقيق الطموحات وحماية الموارد والثروات واستعادة الأراضي المغتصبة أو المباعة، لكن رغم ذلك وجب علينا أن نبقى على وعي بكل ما يحدث ويدبر، نقاوم باللسان ما لا نستطيع مقاومته بالأيدي، وبالقلوب ما لا نستطيع مقاومته بالقول، نظل نورث من حولنا ومن بعدنا قائمة حقوقنا المسلوبة وطموحاتنا المشروعة، وأنه لا تنازل عنها مهما طال الزمن، نظل نرسخ فيهم أن الأيام دول، فإذا كان اليوم لغيرك فاجتهد ليكون الغد لك، وأن الحقوق لا تُمنح لكنها تُنتزع. نبقى على هذا الحال (نورث ونربي ونحرث ونروي)؛ فإما أن نصل ونشاهد أو نرحل ونحن نجاهد.

نعود إلى ما نقصده حتى لا يضيع المقصود. على مئات الآلاف من قواعد الإخوان أن يكونوا قد تعلموا الدرس، درس الاستقلالية في التفكير والتدبير، والعمل وفق المتاح من الإمكانات الشخصية والظروف الأمنية والمعيشية، فقد اجتمع عليهم كل ألوان المحن المرتبطة بالدين والدنيا، وعليهم كذلك (فرادى وجماعات) وفقا للمتاح الآمن أن يفكروا ويخططوا ويدبروا للقاعدة الدعوية ميراث الأستاذ البنا: "أصلح نفسك وادع غيرك" وفقا للمتاح (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) إصلاح النفس استكمالا للتطهير والتزكية والتطوير والتنمية، ودعوة الغير، بنشر الوعي وتصحيح الرؤى والتصورات وتدقيق المعارف والمعلومات ورد الشبهات وبث الأمل، هكذا تكون الجماعة قد ربت وعلمت وأنتجت، وغير ذلك تكون الجماعة قد أضاعت وأهدرت. حفظ الله مصر، وحفظ الله الإخوان.
التعليقات (0)