تقارير

كامل السوافيري.. مستودع الأدب الفلسطيني وحارسه الأمين

كامل السوافري أول من عرّف بشعراء فلسطين وكُتابها قبل النكبة وبعدها
كامل السوافري أول من عرّف بشعراء فلسطين وكُتابها قبل النكبة وبعدها

أسماء قليلة هي التي ساهمت في الحفاظ على الأدب الفلسطيني حياً في مؤلفاتهم، توثيقاً وتأريخاً ونقداً. وسيستحيل على الباحثين في الأدب والشعر الفلسطيني تجاهل هذا الرجل الذي أعطى الحياة الثقافية الفلسطينية أهمّ المؤلفات البحثية وأوسعها وأعمقها.

إنه كامل السوافيري، رجل الهوامش في رسائل الدكتوراه، لن تجده موضوع بحث أو رسالة أو أطروحة، ولكنك ستقرأ اسمه حتماً في هوامش أطروحات الأدب الفلسطيني أكثر من أي شاعر، ولكن ليس في متن النص، بل في الهوامش، حيث إنه أهم المصادر والمراجع في هذا المجال.

أسماء قليلة، كما ذكرت، تُعد على أصابع اليد الواحدة التي وثقت للأدب الفلسطيني، حيث لم يكن هناك مراجع لهم، نحتوا في صخور المجتمع الثقافي، ووثقوا من ألسِنة المعنيين به، وجمعوا الوثائق من أوراق منثورة هنا وهناك، لم تسبقهم كتب ومراجع، بل كانوا هم المراجع الأولى للباحثين. من هذه الأسماء: كامل السوافيري، عبد الرحمن ياغي، يعقوب العودات، عبد الرحمن الكيالي، ناصر الدين الأسد، إحسان عباس..


وفي قراءاتي بمصادر كتب الأدب الفلسطيني، كنت أجد في المصادر كتاباً واحداً للمؤلف، إلا السوافيري فأجد له أربعة كتب على الأقل وعشرات الأبحاث المنشورة في المجلات العربية.

عاش في مصر، منخرطاً في الحياة الثقافية، وأسس ندوة أدبية في منزله حضرها الأدباء والشعراء مثل محمد حسن الزيات ووديع فلسطين وسيد قطب وغيرهم.. وأسس مكتبة فلسطينية ضخمة في بيته نافست المكتبات الجامعية والوطنية، وهو ما دفع صديقه وديع فلسطين أن يطلق عليه اسم "مستودع الأدب الفلسطيني". فمكتبته مخضرمة قبل النكبة وبعدها، ولم تنتكب بضياعها في مأساة النكبة كونه كان في القاهرة قبل عشر سنوات من النكبة. ولولا وجود إسعاف النشاشيبي، لكان هو عميد الأدب الفلسطيني. 

ترجمته

ولد كامل صالح السوافيري في 6-11-1914 (1917 في مصادر أخرى) في قرية السوافير (غزة). تلقى تعليمه الابتدائي في قريته، وزوّده والده الشيخ صالح بالعلوم العربية والدينية، وحبب إليه اللغة العربية. وأرسله إلى الأزهر الشريف ليكون عالماً مثله. في عام 1934 عاد إلى فلسطين، وشهد ثورتها الوطنية الكبرى على الانتداب والصهيونية، وأسهم فيها بلسانه وقلمه، حيث لاحقه الاحتلال لاعتقاله.

بعد الثورة، في بداية الحرب العالمية الثانية عام 1939 لجأ إلى مصر بسبب مناهضته للاحتلال البريطاني، وهناك حرص على استكمال دراسته العالية فيها، فدخل دار العلوم بعد سنتين من وصوله. وقضى فيها أربع سنوات حصل في نهايتها على درجة الليسانس عام 1945، وحصل على إجازة في التربية والتدريس عام 1947.

 



عيّنته وزارة التربية في مصر بعد تخرجه مباشرة، مدرساً للغة العربية في مدارسها الثانوية بمدينة القاهرة. وواصل دراسته في قسم الدراسات العليا في كلية دار العلوم. وفي عام 1962 حصل على درجة الماجستير في اللغة العربية (مادة تاريخ الأدب)، ونُشرت رسالة الماجستير في كتابه الأول "الشعر العربي الحديث في مأساة فلسطين" عام 1964.

وفي عام 1970 حصل على الدكتوراه في اللغة العربية (مادة الدراسة الأدبية)، ونشر أطروحته لاحقاً في كتابه الفذ "الاتجاهات الفنية في الشعر الفلسطيني المعاصر"، عام 1973.

نشر السوافيري عام 1974 كتابه الثالث عن "حياة الشاعر الفلسطيني الشهيد عبد الرحيم محمود وشعره"، جمع فيها الأعمال الكاملة للشاعر الشهيد. وفي عام 1979 نشر كتابه الرابع "دراسات في النقد الأدبي". وما لبث أن نشر في العام نفسه كتابه الخامس المرجعي في مجاله "الأدب العربي المعاصر في فلسطين من سنة 1860 إلى 1960"، ثم جمع الأعمال الكاملة للأديب إسعاف النشاشيبي.

منحه أبو عمار في عام 1990 "وسام القدس للثقافة والفنون"، وقال للحاضرين: حيّوا معي أستاذي ومعلمي.

بدأ السوافيري ينشر مقالاته ودراساته وأبحاثه في الأدب والنقد عقب تخرجه من معهد التربية عام 1947 في الصحف والمجلات التي كانت تصدر في القاهرة، حيث نشر طائفة من مقالاته في الأهرام والبلاغ وصوت الأمة ومجلة العالم العربي.

 



وابتداءً من عام 1950 أخذ ينشر مقالاته في مجلات الرسالة والثقافة والكتاب في القاهرة، والأديب والآداب في بيروت، والمنهل والحج في السعودية، والحديث والضاد في حلب، والقلم الجديد وأفكار في الأردن.

ولم يقتصر نشاطه على نشر مقالاته وأبحاثه، ولكنه أسهم بفكره في ندوات الأدب، والجمعيات الثقافية، فألقى طائفة من محاضراته في المركز العام لجمعيات الشبان المسلمين في القاهرة، ورابطة الأدب الحديث، والرابطة الإسلامية، وجمعية الأدباء، وفي ندوات دورية عقدها في بيته.

تناولت مقالاته في الأدب والنقد التعريف عدداً من الكتب والكتّاب وعدداً من دواوين الشعر والمجموعات القصصية، كما تناولت دراساته بعض الشخصيات التي كان لها أثر في الأدب والفكر، وناهزت أبحاثه الأدبية خمسين بحثاً منشوراً في المجلات الأدبية الكبرى.

يقول عنه يعقوب العودات: وهو أول من عرّف بشعراء فلسطين وكُتابها قبل النكبة وبعدها، وأول من أبرز خصائص الأدب الفلسطيني في فنونه المختلفة، ولم يترك عَلَماً من أعلام الفكر والبيان في فلسطين، ولا شاعراً دون أن يفرد له بحثاً.

ولعلّ ما يقوله عن كتابه "الاتجاهات الفنية.." يعبّر عن حرصه على أن يخدم بكتابه قضية بلده، وهويته الفنية الفلسطينية، فيقول:
 
"وقصدتُ بالشعر الفلسطيني الشعر الذي تغنى به شعراء وشواعر فلسطين الذين نبتوا على أرضها، وترعرعوا بين جبالها وسهولها في المجال الجغرافي المكاني المحدد لفلسطين في عهد الانتداب البريطاني قبل وقوع الكارثة سنة 1948، والذين تشردوا بعد الكارثة في الأقطار العربية وواصلوا غناءهم حنيناً للوطن، وتحرّقاً لمغانيه، وهتافاً بالعودة إليه، وإضراماً للثأر في صدور أبناء الأمة العربية في الوطن العربي، لأن نزوحهم إلى الأقطار التي نزحوا إليها بعد الكارثة لا يزيل انتماءهم لفلسطين، ولا يفقدهم جنسيتهم، ولا يغيّر من عواطفهم نحو بلادهم.. وقد كلّفتني هذه الدراسة أن أعكف على ما يربى على ثلاثين ديواناً لشعراء وشواعر نبتوا في أرض فلسطين وتضمنت دواوينهم إلى جانب الشعر الغنائي شعراً قصصياً، وشعراً مسرحياً، وأن أدرس هذا الشعر بفنونه الثلاثة دراسةً موضوعية، وأن أقف عند كل أقصوصة وملحمة ومسرحية وقفة الدارس المفسر والموضح والمبيّن للقيمة الفنية لكل منها".

في مثل هذه الأيام، قبل ثلاثين عاماً، فارق الدكتور كامل السوافيري الحياة في 8 شباط (فبراير) 1992، عن عمر يناهز الـ78 سنة.

 


التعليقات (0)
الأكثر قراءة اليوم