صحافة إسرائيلية

الكشف عن مقبرة جماعية لـ200 فلسطيني قضوا بمجزرة الطنطورة

مجرمو الحرب المسؤولين عن المجزرة يشغلون مناصب عليا في جيش الاحتلال
مجرمو الحرب المسؤولين عن المجزرة يشغلون مناصب عليا في جيش الاحتلال
تتوالى فضيحة الاحتلال الإسرائيلي بالكشف عن مقبرة جماعية لعشرات الشهداء الفلسطينيين في مجزرة الطنطورة التي نفذتها العصابات الصهيونية في عام 1948، حيث تم الكشف عن دفن 200 فلسطيني بعد إعدامهم ليلة 22-23 أيار/ مايو 1948، مع أن مجرمي الحرب المسؤولين عن إعدامهم يشغلون مناصب عليا في جيش الاحتلال، وفي المؤسسات الإسرائيلية الرسمية، ولعل الكشف عن هذه المجزرة يمثل انعكاسا للتاريخ الإسرائيلي الدموي على أرض فلسطين.

مع العلم أن عددا من المؤرخين الإسرائيليين "الجدد" حاولوا الوصول إلى تفاصيل هذه المجزرة من خلال ملفات أرشيفية عن التهجير القسري للفلسطينيين، لكنهم لم يستخدموا مصطلح "التطهير العرقي"، مثل بيني موريس وإيلان بابيه اللذين واجها ردًا قاسياً من المجتمع الإسرائيلي للإشارة لأحداث عام 1948 على هذا النحو، فيما تراجع آخرون عن النتائج التي توصلوا إليها بعد حملة عامة من الضغط والترهيب المكثف.

أليكس ليبيك الكاتب في صحيفة "هآرتس" ذكر في مقاله الذي ترجمته "عربي21" أنه "من الأنسب للإسرائيليين ألا يستغرقوا وقتا طويلا لإجراء تفكير عميق في كيفية محو تاريخ الفلسطينيين، بدليل أن مقبرة الشيخ على شاطئ الطنطورة ما زالت ماثلة وقائمة، لأنه في اليوم الذي ستكون فيه المعرفة الأصلية للفلسطينيين شرعية ومقبولة للأذن الإسرائيلية، فسيتمكن الباحثون اليهود من تجنيبنا التذكير المخزي والخاضع مرة بعد مرة للفظائع التي ارتكبت بحق الفلسطينيين".

وأضاف أن "مقبرة الطنطورة التي اكتشفت للتو تعتبر معلومة مهمة لأنها تعكس آليات الإسكات والمحو التي تخدم الرواية الصهيونية، فعندما يتم دفن جميع المعلومات في الأرشيف تمامًا، كما دفنوا الفلسطينيين دون أن يعلم أحد بوجودهم، فإن القصة أعمق بكثير مما يعتقد الإسرائيليون أنهم يعرفونه، لأنها تعبير عن السيطرة الصهيونية الوحيدة المسؤولة عن دفن النكبة بطرق مختلفة، تارة بالأرشيف، وتارة أخرى بالمحو والشطب، وهي نفس الآلية التي تعزز السيادة الصهيونية التي تنظر مرارًا وتكرارًا إلى النكبة بنظرة "فوقية"، وكأنها ليست مسؤوليتهم، مع أن المنفذين كانوا جزءًا من نفس الجهاز الاستعماري".

مع العلم أن المكتبة العربية والفلسطينية حافلة بالعديد من الكتابات حول مجزرة الطنطورة، وتتضمن شهادات من فلسطينيين وفلسطينيات كن سجينات في الأقبية، أو تمكنوا من الهروب، لكن الفيلم الوثائقي الإسرائيلي الجديد المسمى باسم مجزرة "الطنطورة" لمخرجه آلون شوارتس، وسيتم عرضه عبر الإنترنت، يتضمن شهادات جنود إسرائيليين شاركوا فيها، ما أثار ردود فعل إسرائيلية عاصفة لأن الفيلم يكشف عن قبر جماعي لفلسطينيين قتلوا على شاطئ مدينة قيسارية الشهير.

يكشف الفيلم الإسرائيلي عن حدوث عمليات قتل جماعي للعرب بعد استسلام قرية الطنطورة عام 1948، ودفن 200 فلسطيني بعد إعدامهم في قبر جماعي يقع حاليا تحت ساحة انتظار سيارات "شاطئ دور"، صحيح أن مؤرخين فلسطينيين وثقوا المجزرة، لكنها المرة الأولى التي يتم فيها نقل شهادات عن جنود إسرائيليين تواجدوا خلالها، والمرة الأولى التي يتم فيها الحديث عن موقع القبر الجماعي، ومعظمهم تجاوزوا سن التسعين عاما.

تجدر الإشارة إلى أن هذا الفيلم سيعرض مرتين عبر الإنترنت ضمن مهرجان "سوندانس فيلم" بولاية يوتا الأمريكية، ويتضمن إضافة للشهادات والوثائق، صورا جوية للقرية ما قبل وبعد مذبحتها، وتظهر المقارنة واستخدام التصوير ثلاثي الأبعاد باستخدام أدوات جديدة، تحديد الموقع الدقيق للقبر، وتقدير أبعاده البالغة 35 مترًا طولًا، وعرضًا 4 أمتار، ما يشير إلى أن منفذي المجزرة اهتموا بإخفاء القبر الجماعي، بطريقة تجعل الأجيال القادمة تسير هناك دون أن تعرف ما الذي تخطو عليه، وتبقى الحقيقة أنه تحت ساحة انتظار أحد أكثر مواقع المنتجعات الإسرائيلية المألوفة على البحر المتوسط، توجد رفات ضحايا إحدى المذابح الصارخة في حرب 1948.

أمير بوغن الكاتب الإسرائيلي المقيم في الولايات المتحدة ذكر في مقاله الذي ترجمته "عربي21" أن "الكشف عن القبر الجماعي لضحايا مجزرة الطنطورة يساعدنا في التعرف على ماضينا المظلم، لأنه يشكل استدعاء له، حتى إن الاستماع لشهادات منفذي المجزرة تبدو لافتة، وهم يحدقون بالكاميرا، ويعترفون بما نفذوه وكأنهم كانوا فرقة إعدام، لكنهم في النهاية يشكلون اعترافا متأخرا عما حاولت المؤسسة الإسرائيلية الرسمية إنكاره طوال أجيال ماضية عن انقراض القرى الفلسطينية".

وأضاف أن "إسرائيل لم تتجاهل مجزرة الطنطورة وغيرها فحسب، بل حاولت إخفاء الأدلة، وكأنه لا يوجد شيء سوى بعض الأنقاض هنا وهناك، رغم أن محاولات إسرائيلية عديدة أهمها تيدي كاتس الباحث في جامعة حيفا قبل 25 عامًا، عندما وصف بالتفصيل قتل 200 فلسطيني في الطنطورة، مستندا في تحقيقه لـ70 مقابلة أجراها مع جنود يهود وناجين فلسطينيين، لكن فور نشر بحثه على الملأ تعرض لدعاوى قانونية بالتشهير، ما اضطره للتراجع خوفا، والاعتذار علناً، وإزالة بحثه من على رفوف المكتبة".

الجديد في فيلم "الطنطورة" الذي يكشف مكان القبر الجماعي أن الشهادات التي يتضمنها، وهي تثير الذعر والصدمة في محتواها ليست لأعضاء في منظمات حقوقية معادية للصهيونية، وإنما لجنود إسرائيليين تحدثوا بطريقة متعجرفة، عبروا فيها عن أنفسهم بحرية، ولعل هذا خط البداية لفيلم يأخذ الإسرائيليين في رحلة للوراء في مسار يصطدم مباشرة مع ما اعتبروه طويلا من المحرمات.

يتضمن الفيلم العديد من أسماء الجنود الإسرائيليين الذين نفذوا المجزرة، وحفروا القبر الجماعي، ومنهم أميتسور كوهين، وموليك ستيرنبرغ، وحاييم ليفين، ويعقوب إيريز، وهانوي بن موشيه، وتوفيا هيلر، وقد وافقوا على أن يفتحوا أفواههم، ويتحدثوا كثيرا، وتدريجيا كشفوا عن الرعب الذي حل بالفلسطينيين من ضحايا مجزرة الطنطورة، من خلال الحديث بالتفصيل عن مسرح الجريمة، ضمن سيناريو تم إنكاره لسنوات عديدة.

يذكر أن الفيلم يتضمن شهادات هؤلاء الجنود عن جرائم القتل بالرصاص واستخدام قاذفات اللهب، ولم يشمل الجحيم الموصوف القتل الجماعي فحسب، بل الاغتصاب أيضًا لبعض النساء الفلسطينيات، حتى أن إحداهن لم تتجاوز الـ16 عامًا، وغيرها من الجرائم المروعة، والأفعال الفظيعة، والغريب ذلك الاعتراف بأنه لولا هذه الجرائم لما قامت دولة إسرائيل.
0
التعليقات (0)