صحافة دولية

معهد واشنطن: موسكو تطبق خطة "عاصفة الصحراء" بأوكرانيا

استعراض للجيش الروسي- جيتي
استعراض للجيش الروسي- جيتي

قال معهد واشنطن، إن روسيا تعلمت الكثير من حرب الخليج التي خاضتها الولايات المتحدة عام 1991، وطبقت الكثير من استراتيجياتها وتكتيكاتها وأنظمة الأسلحة في سوريا عام 2015، وحاليا قد تستخدمها في أوكرانيا.

وقال المعهد في تقرير له: "لا ندرك ذلك الآن، لكننا قد نكون على وشك رؤية نسخة روسية من عملية عاصفة الصحراء في أوكرانيا".

وأشار إلى أن عاصفة الصحراء، كانت إحدى أكثر العمليات العسكرية حسماً وتأثيراً في القرن العشرين. وكانت أهداف هذه العملية التي نفذت في خلال "حرب الخليج" في عام 1991 بالغة الأثر؛ وتضمنت العملية حملة جوية شنها تحالف بقيادة الولايات المتحدة لمدة 42 يوماً ودعمتها قدرات فضائية وسيبرانية، ثم تلتها عملية برية ساحقة.

 

واقتضت الفكرة الرئيسية نشر غارات دقيقة جوية وصاروخية وفضائية وفضائية سيبرانية لتقويض القيادة والسيطرة الوطنية وتدميرها، وبالتالي تمكين العمليات البرية الحاسمة.

ولم تكن أي قوة أخرى حتى ذلك الوقت قد نفّذت عملية مشابهة؛ فقد غيّرت هذه العملية سير الأمور وحققت نجاحاً باهراً. ودمّرت عملية "عاصفة الصحراء" بشكل فعال الجيش العراقي المتمرس في الحرب من خلال القضاء على قدرته على قيادة قواته الميدانية والسيطرة عليها والحفاظ على معرفته بأحوال ساحة المعركة.

 

وتعرضت آلة الحرب العراقية لغارات سيبرانية وجوية وصاروخية أطاحت بالقيادة وأدت إلى هلاك الجيش في صحاري الكويت والعراق.

ومنذ ذلك الوقت، سيطرت الفكرة الرئيسية التي استندت إليها عملية "عاصفة الصحراء" على الحروب الحديثة. والأهم من ذلك هو أن هذه العملية كشفت عن القصور العسكري للاتحاد السوفيتي، لا سيما قصور دفاعاته الجوية وعقيدته العسكرية، وأيضاً عتاده العسكري، إذ كانت أغلبية الأسلحة العراقية مشتريات سوفيتية.

وكما كتب غراهام إي. فولر، النائب السابق لرئيس "مجلس المخابرات الوطني" في "وكالة المخابرات المركزية" الأمريكية في صيف عام 1991، "حتى في أفضل حال... لم يظهر الجيش السوفيتي بصورة جيدة في المواجهة."

وقال المعهد، إنه على الرغم من انهيار الاتحاد السوفيتي في العام ذاته، لكن الجهاز العسكري والأمني السوفيتي أخذ دروس عملية "عاصفة الصحراء" على محمل الجد. فراجع هذه الدروس وناقشها بشكل مكثف. وبعد كانون الأول/ديسمبر 1991، لم يستطع الكثيرون أن يتخطوا خسارة الاتحاد السوفيتي في الحرب الباردة.

ومن جهتها، ظلت القوات العسكرية الروسية تعاني من عدة مشاكل في التسعينيات وأوائل القرن الواحد والعشرين. لكن بعد أدائها المحرج بشكل خاص في الحرب الروسية الجورجية في آب/أغسطس 2008 (حين انتصرت روسيا في النهاية، ولكن بصعوبة كبيرة، على خصم أصغر منها بكثير)، باشرت القوات العسكرية الروسية بسلسلة من الإصلاحات الشاملة. وقد فشلت جهود الإصلاح السابقة، إلّا أن المحاولة الأخيرة بدأت تفضي إلى نتائج حقيقية مع الوقت.

 

وكما كتب ديمتري آدمسكي، عالجت الإصلاحات المشاكل التي توضحت في حرب جورجيا من خلال استخدام "ثورة تكنولوجيا المعلومات في الشؤون العسكرية". وأضاف آدمسكي قائلاً: "الهدف من الإصلاحات الروسية منذ ذلك الحين هو إعادة بناء الجيش التقليدي وتطويره ليعتمد نموذجاً مثالياً يمزج بين الاستطلاع وإطلاق النار".

 

 

اقرأ أيضا: البنتاغون يرفع جاهزية 8 آلاف جندي بسبب الوضع في أوكرانيا


أما فلاديمير بوتين، وهو الذي اشتهر بأسفه على تفكك الاتحاد السوفيتي، واصفاً إياه بأعظم مأساة شهدها القرن العشرين، فقام إلى جانب أولئك المتواجدين في دائرته، بدراسة سقوط الاتحاد السوفيتي بعناية واستخلاص عدة دروس.

وعلى مر السنين، درس المحللون العسكريون الروس على نطاق واسع العمليات العسكرية التي قادتها الولايات المتحدة، وخاصة في الشرق الأوسط وكوسوفو. وفهموا أنهم خسروا في أعظم معركة جيوسياسية في القرن العشرين أمام خصم متفوق تكنولوجياً وظّفَ بشكل تشغيلي عمليات سيبرانية وجوية وفضائية من أجل تحقيق آثار استراتيجية حاسمة.

وقال المعهد إنه لكي تستعيد روسيا دورها كقوة عظمى، توجب عليها أن تعالج مكامن الضعف والخلل الخاصة بها، ولا بد من عودتها بطريقة أو بأخرى إذ إن روسيا دولة "محكوم عليها" بأن تكون قوة عظمى، وفق العبارات الشهيرة لوزير الخارجية الروسي السابق أندريه كوزيريف.

وبعد تنفيذ تحسينات عسكرية متواصلة وُضعت أسسها في منتصف الثمانينيات في ظل ثورة تكنولوجيا المعلومات التي قادها المارشال السوفيتي نيكولاي أوجاركوف، أخذت موسكو تنهض من جديد. وساعدت الدروس المستفادة من عملية "عاصفة الصحراء" في تطوير نموذج الاستطلاع وإطلاق الضربات الحالي الذي تعتمده روسيا.

وبحلول عام 2015، حين تدخلت روسيا في سوريا، وللمرة الأولى، أظهرت موسكو عناصر عسكرية شبيهة بعملية "عاصفة الصحراء"، مع التركيز على الضربات الدقيقة المتعددة المجالات (في الجو وعبر سفن السطح والغواصات والقوات البرية) التي دعمتها العمليات الحربية المعلوماتية والإلكترونية. وأعلنت حملتها العسكرية للعالم أن الجيش الروسي التقليدي تطور من ماضيه السوفيتي وأصبح يمتلك الآن بعض القدرات المناظِرة للولايات المتحدة.

وقال "معهد واشنطن": "نظرت هيئة الأركان العامة إلى العملية في سوريا على أنها حقل تجارب لصقل قدرتها على دمج أنظمة الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع، وأنظمة القيادة والسيطرة، وأنظمة إطلاق النار". بعبارة أخرى، شكلت سوريا تجربة تعليمية تماشت مع الإصلاحات العسكرية الروسية. وإلى ذلك، قال فاليري غيراسيموف، رئيس هيئة أركان القوات المسلحة الروسية، إن الدروس المستفادة من سوريا ستساعد في الدفاع عن المصالح الوطنية الروسية وتعزيزها خارج حدود روسيا.

ويوضح المحلل المخضرم للجيش الروسي تيموثي توماس بأفضل صورة التطور الموصوف أعلاه. فكتب في تموز/يوليو-آب/أغسطس 2017، نقلاً عن مصادر عسكرية روسية أصلية، أن الفترة الأولية للحرب مهمة جداً و"ستتضمن عملية معلوماتية موجهة، وعملية حربية إلكترونية، وعملية فضائية جوية، ومضايقات مستمرة للقوات الجوية، واستخدام أسلحة عالية الدقة تطلق من منصات مختلفة، ومدفعية بعيدة المدى، وأسلحة تستند إلى مبادئ فيزيائية جديدة".

وقد يقول الخبراء العسكريون إن هذا بالضبط ما حدث بشكلٍ عام في عملية "عاصفة الصحراء". واختتم توماس بالقول إن المرحلة الأخيرة تتضمن استخدام القوات البرية "من أجل إخضاع الوحدات المتبقية أو الإطاحة بها، لا سيما من خلال استخدام العناصر البرية". وسعت العقيدة والمشتريات العسكرية الروسية إلى تطوير العمليات وتوظيف قوة قادرة على شن الحرب بهذه الطريقة على مدى العقدين الماضيين.

وقال المعهد: "يقودنا ذلك حالياً إلى أوكرانيا. فلا أحد يمكنه توقّع المستقبل، لكنّ الساحة جاهزة للسماح لموسكو بتنفيذ حملة طاقة فضائية مدفوعة بالتكنولوجيا، تدعمها الحرب المعلوماتية والسيبرانية من أجل تمكين حملة برية لاحقة يمكن أن تستولي على أجزاء من شرق أوكرانيا. وقد نقلت موسكو قواتها الحربية الجوية والصاروخية والإلكترونية من كافة قياداتها العملياتية المشتركة، بما في ذلك من الشرق الأقصى، ودمجتها على طول محيط أوكرانيا بأكمله".

وأضاف: "يصعب علينا أيضاً أن نصدّق أن الكرملين لم يكن وراء الهجمات السيبرانية الأخيرة في أوكرانيا، حيث ندرك جيداً ما هي استراتيجيات موسكو وتاريخها في العمليات السيبرانية. وإذا كان الأمر كذلك، فالاستنتاج المنطقي هو أن ما سيلي سيكون عمليات الحرب الإلكترونية وعمليات الفضاء الجوي. وتُهيّئ أنشطة موسكو على طول الحدود الأوكرانية مع بيلاروسيا والبحر الأسود لذلك بشكلٍ كافٍ".

ومؤخرا، في 21 كانون الثاني/يناير، أعلن رئيس مجلس الدوما (البرلمان) الروسي فياتشيسلاف فولودين أن "مشاورات" ستجري في الأسبوع المقبل حول الاعتراف "باستقلال جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين المعلنتين ذاتيا" في شرق أوكرانيا.

ولم تكن العملية في سوريا تتعلق بها حقا، ومن المنطلق نفسه، فإن الأحداث في أوكرانيا لا تتعلق حقاً بأوكرانيا. فكلاهما يتعلّق حول مراجعة الكرملين لنظام ما بعد الحرب الباردة بقيادة الولايات المتحدة وتعديله وفقاً لشروط موسكو. والآن، في أوكرانيا، عادت موسكو إلى نقطة البداية عند نهاية الحرب الباردة، وما اعتبرته إذلالا ربما بدأ مع عملية "عاصفة الصحراء"، واستمر في نظر موسكو مع عمليات حلف "الناتو" في كوسوفو والاجتياح الأمريكي للعراق.

وإذا نفذت روسيا الآن العملية العسكرية في أوكرانيا كما وصفتها، فستعلن للعالم أن روسيا هي قوة تقليدية مهيمنة، وليست قوة نووية فحسب. ويمكن أن يؤدي الاستخدام الاستراتيجي لهذه القوة إلى عزل أوكرانيا عن البحر الأسود، مما يجعلها غير قابلة للاستمرار اقتصادياً. كما سيبعث رسالة مفادها أن القوة هي أفضل طريق لتحقيق الأهداف السياسية وإقناع قادة أوروبيين معينين بأن الوقت قد حان لإعادة التفاوض بشأن البنية الأمنية الأوروبية.

وقال بعض المحللين إن بوتين لا يريد على الأرجح حرباً تقليدية كاملة مع أوكرانيا، وقد يكونون على حق. لكن عملية "عاصفة الصحراء" تجنبت مثل هذا السيناريو وأسفرت عن خسائر في صفوف التحالف أقل بكثير مما كان يمكن لأي شخص توقعه، بسبب القيود المفروضة على تلك الحملة. والسيناريو الذي عرضته هو حملة محدودة. كما لم يحشر بوتين نفسه بالضرورة في الزاوية حيث لا خيار له سوى خوض الحرب، كما كتب مؤخراً ديفيد ج. كرامر.

ويُظهر أسلوب الحرب الذي يسلط توماس الضوء عليه أن أمام بوتين خيارات وفيرة قبل المباشرة بالأساليب التقليدية. وكما كتب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على منصة "تويتر"، "ليست هناك عمليات توغل بسيطة".

ووفقا للمعهد فإن المحللين العسكريين يشيرون إلى أن الحشد الروسي الحالي على طول حدود أوكرانيا يختلف عما سبقه؛ فهو أكثر جدية وشمولية إلى حد كبير. وتستخدم موسكو كافة أدوات القسر والإكراه التي تمتلكها في ترسانتها. وقادت سنوات من التحليل غير الجاد واضعي السياسات الغربيين إلى مواساة أنفسهم بأن بوتين مجرد شخص انتهازي، لأنهم فشلوا في صياغة استراتيجيتهم الخاصة لردعه.

وشجع الضعف الغربي على مر السنين بوتين على الاستمرار في التقدم، فأولئك الذين رأوا أن القساوة هي تصعيدية جدا قد يرون قريبا ما حققه الضعف الشديد بدلا من ذلك.

 
التعليقات (0)