كتاب عربي 21

عن روسيا وأوكرانيا والصين وأمريكا وعلاقتنا بالصراع

ياسر الزعاترة
1300x600
1300x600

كلما تحدّثنا في شأن يخصّ الصراع الدولي الراهن بين أمريكا والغرب من جهة، وبين الصين وروسيا من  جهة أخرى، خرج من يحدّثنا عن أفضلية الغرب؛ قياسا بالصين وروسيا، كأننا أمام وجبات طعام سنختار أيها الأفضل لصحّتنا.


الأسئلة الخاصة بالمشهد على الحدود الأوكرانية زادت من إلحاح القضية، مع أن سؤال الصراع الدولي ومآلاته كان وما يزال الأكثر حضورا في أروقة السياسة والإعلام على مستوى العالم أجمع خلال السنوات الأخيرة.


إذا كان بوسعنا أن نفاضل بين الأطراف المعنية، في ما خصّ العلاقة التاريخية مع عالمنا العربي والإسلامي، فإن إجرام الغرب بحقنا كان الأكبر دون شك. أما إذا جئنا نأخذه في السياق الراهن، فقد يبدو المشهد ملتبسا، بحسب هوية المراقب وأولوياته.

 

العالم العربي والإسلامي يعيش شرذمة استثنائية، فإن سؤال الموقف من أساسه يبدو صعبا


مأساة العراق التي صنعتها أمريكا ليست قديمة، وكذلك أفغانستان، فضلا عن دعم الأنظمة الدكتاتورية والفاسدة في منطقتنا. وإذا أضفت إلى ذلك صراعنا التاريخي في فلسطين، والذي يمثل العنوان الأبرز في العقل الجمعي العربي والإسلامي، فستغدو مواقف أمريكا والغرب هي الأكثر بشاعة حيالنا كأمّة.


هنا تحضر روسيا وإجرام بوتين في المقابل، بخاصة في الشيشان، وفي سوريا، ثم يحضر موقف الصين من الإيغور، ومواقف الدولتين عموما من الربيع العربي، ومطالب شعوبنا، ودعمهما للأنظمة الشمولية، الأمر الذي لا يختلف عن مواقف الغرب عموما.


كل ذلك هو من باب الاسترسال في النقاش، لكنه لا يحدّد مواقفنا مما يجري، هذا بفرض أن للمسلمين صوتا واحدا، وقبلهم للعرب أيضا، الأمر الذي لا وجود له بطبيعة الحال.


ولو استعدنا التاريخ في الموقف من الصراع في أفغانستان مع الاتحاد السوفياتي لأجل المقارنة؛ فإن الموقف العربي والإسلامي لم يكن موحّدا، وإن كانت مواقف القوى الإسلامية واضحة ضد السوفيات، ليس بسبب صراع جغرافي، بل لأن ذلك الصراع كان عنوانا لقلق الهوية التي كانت مهدّدة بالشيوعية؛ أكثر من العلمانية الغربية، رغم خطورتها الأخيرة، وهذا السؤال ليس حاضرا بقوة الآن، لأن الصين أو روسيا لا تهدّدان المسلمين بتغيير الهوية، بل بمنظومة القمع التي يصدّرانها، ولو جئنا نحسب حساب الهوية، لوجدنا العلمانية الغربية أكثر خطورة راهنا؛ عبر القيم التي تريد فرضها على مجتمعاتنا، والتي يتناقض كثير منها مع قيمنا وعقيدتنا.


ولأن العالم العربي والإسلامي يعيش شرذمة استثنائية، فإن سؤال الموقف من أساسه يبدو صعبا، لأن كل بلد سيحدّد مواقفه بناء على حساباته الخاصة، وهي في الغالب حسابات نخبته الحاكمة، أكثر من حساب الوطن والشعب، فضلا عن حسابات الأمّة.


لعل أهم ما يمكن التأشير عليه في هذه المرحلة هو أن العالم لم تعد فيه قوة مسيطرة، وبوسع كل دولة أن تلعب على التناقضات الدولية، فضلا عن أن تفعل ذلك مجموعة دول متفاهمة، وهذه هي سنّة التدافع التي تحدّثا عنها مرارا، ولخصّتها الآية القرآنية: "ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين".


في مختلف قضايانا يمكن الاستفادة من الصراع الدولي، وإن كان بوسع الأنظمة الشمولية المتناقضة مع شعوبها أن تفعله أيضا، مع أن دعمها لن يكون موضع خلاف كبير بين القوى الكبرى، لأن الأخيرة تدرك أن الشعوب ترفض التعبية لأي كان؛ وليس لقوة دون أخرى.


نتوقف هنا عند مسألتين؛ تتعلق الأولى بقضية فلسطين، وحيث سيكون الصراع الدولي الراهن لصالحنا ضد الكيان الصهيوني، لأنه كيان اعتمد منذ نشأته على دعم الغرب، حتى لو كان ذكيا ويحسب حساب الزمن، ويمدّ جسور تعاون كبيرة مع الصين وروسيا.


أما المسألة الثانية، فهي القدرة على التمرّد على خيار الشرذمة والصراع، وذلك عبر تفاهمات عربية وإقليمية يمكنها أن تؤسس لمرحلة جديدة يكون فيها للعرب والمسلمين مكان أفضل تحت الشمس. ولا شك أن الصراع الإقليمي الراهن ما زال يستنزف شعوب المنطقة على نحو رهيب، وإذا ما تمكّن العقلاء من وقفه، فسيؤسس ذلك للمرحلة الجديدة التي قد تجعل الحصول على مكان أفضل في ترتيبات الوضع الدولي الجديد، أمرا ممكنا من دون شك.


وإذا كانت هناك كلمة للقوى الحيّة في الأمّة، وفي مقدمتها القوى الإسلامية، فإن عليها أن تعلي من مسألة الهوية المستهدفة راهنا من كل القوى الكبرى، بهذا القدر أو ذاك، وتجعلها مقدمة على الصراعات مع الأنظمة، لأن النجاح الأكبر لهذه القوى كان يتمثّل في تعميق الهوية الإسلامية، ما يعني أن الخسارة على هذا الصعيد ستعني خسارة مجهوداتها منذ قرن كامل، من دون أن يعني ذلك التخلّي عن مطالب الشعوب الأساسية في الحرية والعدالة والعيش الكريم والاستقلال أيضا.

التعليقات (1)
ناقد لا حاقد
الإثنين، 07-03-2022 03:39 ص
ربما معك الحق في مثير من النقاط و لكن جرائم الصين روسيا تمتد لعصور قديمة إبان الفتوحات الإسلامية و هذا عكس امريكا مثلا التي لم نسمع عنها شيء يخص الحروب الصليبية الا مع مجيء جورج بوش و لست هنا احاول الدفاع عن امريكا و لكن مشكلتنا الأكبر هيوان روسيا و الصين و ايران اي الفرس عندهم مشكلة و عقدة نفسية من دين الإسلام و اكبر دليل هو جرائمهم التي لم و لن تنتهي إلا بسقوط تلك الأنظمة الإرهابية ، أنا أرى أنه يمكن تغيير امريكا من خلال اللوبيات لأن امريكا لا تعترف الا بالقوة و القوة احيانا تأتي عن طريق المصالح المشتركة .... اما قضية الكيان الصهيوني قتلك حكاية تبدأ مع سقوط أنظمة العار العربية و خاصة محمود عباس و نظام الطاغية عبد الله في الاردن و تلك سوف تكون مؤشر على تغير الكثير من المعطيات و المؤشرات و لكن اكبر حدث يمكن أن يحدث هو اصلاح الفكر العربي و زيادة الوعي حتى تتحقق لنا الحماية الذاتية من اي خطر فكري أو دعاية إعلامية سواء من أنظمتها الخبيثة أو من اي جهة أخرى