قضايا وآراء

مشيخة الأزهر بين عهدين.. مبارك والسيسي

عصام تليمة
1300x600
1300x600

الهجوم على مشيخة الأزهر منذ تمكن القائمين على الانقلاب العسكري في مصر لا ينتهي، فأذرعه الإعلامية لا تكاد تمر بضعة أشهر حتى ترى هجوما على المشيخة: شيخا، وجامعا، ومنهجا، وتاريخا.. وهو ما يستدعي مقارنة بين عهدين في طريقة التعامل مع مشيخة الأزهر، بين عهد مبارك، وعهد السيسي، فالملاحظ أن عهد مبارك لم يكن يتم الهجوم على الأزهر في الإعلام، نجد فقط مجلات وصحفا، مثل روزاليوسف التي تهاجم الإسلاميين، ومظاهر التدين، والفنانات المعتزلات، والدعاة الذين لهم صلة بهن.

المقارنة هنا مهمة، لنعرف سر هذا الهجوم، والأجهزة التي تقوم عليه، وهي مقارنة ببساطة بين جهازي مخابرات، تتفق أو تختلف معهما في الموقف السياسي، لكن عند الدراسة والاستقراء لمواقف كل منهما تجد فروقا مهمة، ففي عهد مبارك كانت المخابرات العامة هي التي ـ غالبا ـ تدير معظم الوسائل الإعلامية، وبعض الأماكن الأمنية الأخرى، في وزارة الداخلية.

بعد ثورة يناير أصبحت الغلبة في الإدارة للمخابرات الحربية، والمقصود بالمقارنة هنا ليس بين جهازي مخابرات فقط، بل بين مؤسستي رئاسة، مع كل ملاحظاتنا على المؤسستين سياسيا ومن موقفها من حقوق الإنسان.

كانت مؤسسة الرئاسة والمخابرات العامة أيام مبارك، تحرص إلى حد ما على التوازن بين المؤسسات الدينية، قد ترجح كفة على الأخرى قليلا، لكن في حدود لا تزيد كثيرا ـ في الغالب ـ على الأخرى، ولعل هذا ما يفسر سر التصريح الذي صرحه الدكتور سليم العوا عن وجود أسلحة في الكنائس، فهذه كانت معلومة مسربة له، ولذا لم تجرؤ المؤسسة الكنسية على رفع أي دعوى وقتها عليه، لعلمها أن الرجل ليس ساذجا حتى يخرج بهذا التصريح دون أن يستند إلى معلومة.

لاحظنا أن مؤسسة الرئاسة في عهد مبارك والمخابرات العامة كان لديها حرص بدرجة ما على مشيخة الأزهر، وأن أي إساءة أو تقليل من شأنها يرفع من شأن المؤسسة الدينية الأخرى وهي الكنيسة وباباها، وهو ما لا ترغب فيه، وهناك مواقف تدلل على ذلك.

منها: موقف اعتداء المرحوم الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر وقتها بالضرب على صحفي كان مراسلا لجريدة عربية تصدر من لندن، يحكي لي المرحوم الشيخ جمال قطب وآخرون: أنه وقت أن قابل شيخ الأزهر حاخاما إسرائيليا في المشيخة، وكتب أحد الصحفيين الخبر، فتضايق طنطاوي لذلك، وطلب الصحفي لمقابلته في مكتبه، ودار هذا الحوار:

لماذا يا بني نشرت هذا الخبر؟ فأجاب الصحفي: لقد اتصلت بك يا مولانا، وقلت لك: إن الحاخام باتجاه المشيخة وأمامه ساعة زمنية ليصل إليك، فاخرج حتى لا تسبب لك زيارته حرجا، أو هجوما عليك، عندئذ قام الشيخ طنطاوي بسب الصحفي، وقال له: وهل أنتظر منك توجيهات يا ابن ...، فسمع من في مكتب الشيخ بالخارج صوت صراخ، فظنوا أن الاعتداء من الصحفي على الشيخ، ودخلوا وبصعوبة أفلتوا الصحفي من يد الشيخ.

اتجه الصحفي لعمل محضر في أقرب قسم شرطة من المشيخة بالدرّاسة، وعندما سأل الضابط الصحفي: ضد من المحضر؟ قال: ضد شيخ الأزهر، فاتصل الضابط بمأمور القسم، فنزل للصحفي، وأخبره أن يذهب إلى بيته، ولا يتصل بأحد، لأن الأمر كبير، وليس سهلا وهينا.

فوجئ الصحفي باتصال من ديوان رئاسة الجمهورية من زكريا عزمي، وقال له: غدا سيصحبك اللواء محمد رفعت مسؤول النشاط الديني بأمن الدولة، وسيصحبك للمشيخة ليتم معالجة الأمر بينك وبين الشيخ، وبالفعل تم ذلك، وتم علاج الأمر ومراضاة الصحفي.

وصدرت بعض التصرفات من الشيخ طنطاوي رحمه الله لم تكن تليق بمقام المشيخة، فتم تنبيهه بأن هذا التصرف غير لائق، منها: أنه كان في مؤتمر مع البابا شنودة فقال له نكتة، ومواقف أخرى كان يتصرف بها على سجيته وطبيعته دون مراعاة لمقام المشيخة، كبعض زياراته للمعاهد الأزهرية وتعليقاته على فتاة صغيرة في السن ترتدي النقاب، فنزع نقابها، وقال لها: أمال لو كنت حلوة كنت عملت إيه؟! سخرية منه من الفتاة.

 

ما يتم مع المشيخة هو نموذج لسلوك إداري وتعامل يتم مع مؤسسات ليست تحت السيطرة الكاملة للنظام، فضلا عن إخراج من يهاجمون الأزهر في أحيان كثيرة بهدف الإلهاء للناس، إلا أنه استمرار لهدف آخر ثابت، وهو الحط من شأن المشيخة،

 



وعندما توفي طنطاوي وخلفه الدكتور أحمد الطيب، وقد كان عضوا في أمانة السياسات بالحزب الوطني، وكان ذلك مثار اعتراض من الكثيرين، وطالبوه بالاستقالة، وكان وقتها مبارك في سفر للعلاج، فقال شيخ الأزهر: سأنتظر الرئيس حتى يعود، وعندما عاد وطلب إليه ذلك، أجابه.
 
ويبدو كانت هذه سمة مرحلة مبارك وأجهزته في نظرتها للمشيخة، فهي لا تعاونها في التطور، ولا تلبي كثيرا من طلباتها، لكنها تظل محافظة على شكلها وهيئتها أمام المجتمع، وعلى التوازن بينها وبين المؤسسة الدينية المسيحية.

الوضع الآن مختلف، فالمتحكم في شؤون المؤسسات وغيرها: المخابرات الحربية، وبخاصة بعد ثورة يناير وما تلاها، فالملاحظ أن النظرة للمؤسسة الدينية ممثلة في المشيخة لا تروق لها، ولا تروق للنظام بأجهزته الرئاسية، بل يتم التربص بها ليل نهار، والتضييق، وفتح الباب لأذرعه الإعلامية، ولكل من هب ودب بالتطاول والتجريح، مع عدم السماح لها بأي مساحة للرد.

فهل يعقل أن بلدا كمصر لا يتاح فيه، في أي برنامج ولا أي قناة، أي مداخلة للأزهر للرد على ما يكال له من اتهامات وافتراءات، بل إن الباب يفتح لمداخلات أناس جهلة، لو تقدموا بأوراقهم للأزهر الشريف فلن يقبلهم طلبة في معاهده الأزهرية، لعدم الصلاحية العلمية والسلوكية.

ما يتم مع المشيخة هو نموذج لسلوك إداري وتعامل يتم مع مؤسسات ليست تحت السيطرة الكاملة للنظام، فضلا عن إخراج من يهاجمون الأزهر في أحيان كثيرة بهدف الإلهاء للناس، إلا أنه استمرار لهدف آخر ثابت، وهو الحط من شأن المشيخة، بينما لا نرى في المقابل نفس الكلام يقال بحق المؤسسة الدينية المسيحية، وهو باب لمن يزعم التجديد والنقد الديني أوسع مجالا من النقد بحق المؤسسة الدينية الأزهرية، لكن الأوامر باتجاه واحد فقط، وهو ما يتضح في المقارنة بين العهدين، وبين النظامين.

[email protected]


التعليقات (0)