مقالات مختارة

العراق: معضلة رئيس الجمهورية

يحيى الكبيسي
1300x600
1300x600

بعد احتلال العراق، عمد الأمريكيون إلى توزيع السلطة على أساس هوياتي، اعتمادا على تصوراتهم للتقدير الديمغرافي الهوياتي للمجتمع العراقي! هكذا تشكل مجلس الحكم الذي أعلن في 12 تموز/ يوليو 2004 وضم 25 عضوا منهم 13 عضوا شيعيا، و5 أعضاء سنة وكرد، وعضو لكل من المكونين التركماني والمسيحي، وقد تم الالتزام بهذا التوزيع عند تشكيل أول سلطة عراقية: رئيس سني ونائبان أحدهما شيعي والآخر كردي، وحكومة مؤقتة أعلنت في 28 حزيران/ يونيو 2004 يرأسها شخص شيعي ونائباه سني وكردي، مع 31 وزيرا توزعوا كالآتي: 17 وزيرا شيعيا، و6 وزراء لكل من السنة العرب والكرد، فضلا عن وزيرين مسيحي وتركماني!


ولم يتغير هذا التوزيع الهوياتي مع السلطة الانتقالية التي تشكلت 2005، أي بعد انتخابات الجمعية الوطنية الانتقالية، باستثناء حصول الكرد على منصب رئيس الجمهورية، وتحول الممثل السني إلى نائب للرئيس. وكان العامل الرئيسي في هذا التغيير هو مقاطعة السنة العرب شبه الشاملة لهذه الانتخابات، وبالتالي فقدانهم لتمثيل حقيقي فيها!


وقد كان يُفترضُ، بعد انتخابات مجلس النواب العراقي التي جرت 2005، أن يعود منصب رئيس الجمهورية للسنة العرب، لكن الحزب الإسلامي الذي شكل العمود الفقري للتمثيل السني في جبهة التوافق، تنازل عن هذا المنصب لصالح المرحوم جلال الطالباني، في ظروف لاتزال غير معلنة من أطرافها الرئيسيين حتى اللحظة! فقد كانت هناك حاجة كردية داخلية لفك الاشتباك بين الزعيمين التاريخيين الكرديين؛ السيد مسعود البارزاني، والسيد جلال الطالباني، وبالتالي ضرورة أن يكون أحدهما في بغداد، وقد اختير السيد جلال الطالباني رئيسا لجمهورية العراق 2005، ويحصل الآخر على منصب رئيس إقليم كردستان، وهو المنصب الذي استحدث في العام نفسه، إذ لم يكن هذا المنصب مطروحا خلال 12 عاما من الإدارة الذاتية للإقليم، وذلك بسبب طبيعة الصراع الداخلي بين الرجلين.


وانتخب برلمان الإقليم مسعود البارزاني 2005 ليكون أول رئيس للإقليم. وبذلك حلت عقدة رئاسة الإقليم، واستمر هذا الوضع قائما حتى تعرض جلال الطالباني لأزمة صحية في العام 2012 أبعدته عن موقعه. وبعد انتخابات العام 2014 استمر الاتفاق على توزيع المناصب الرئاسية بهذا الشكل؛ أربيل مقابل بغداد، وانتخِب، بذلك، فؤاد معصوم رئيسا للجمهورية.


المعادلة السياسية في إقليم كردستان، كما في بغداد، يحكمها السلاح أيضا، وقد سبق للجميع أن تيقن من هذه الحقيقة في عام 2013.


لكن الصراع على منصب رئيس الجمهورية بين الحزبين الكرديين الرئيسيين؛ برز لأول مرة بعد انتخابات العام 2018، وكان ذلك نتاجا مباشرا للصراع الذي تجدد بين الحزبين في أعقاب أزمة الاستفتاء الذي جرى في 2017 وتبعات هذه الأزمة المتعلقة في محافظة كركوك.

 

وقد كانت هذه الأزمة الدافع الرئيسي لاستقالة مسعود البارزاني من منصبه من العام نفسه، وهو ما أدى إلى اتخاذ برلمان الإقليم قرارا بتجميد عمل هيئة رئاسة الإقليم، وبقاء هذا المنصب شاغرا إلى أن انتخب برلمان الإقليم السيد نجيرفان البارزاني رئيسا للإقليم 2019 في جلسة قاطعها نواب حزب الاتحاد الوطني الكردستاني (21 نائبا)! ترافقت هذه التحولات تغييرات لافتة في علاقات القوة بين الحزبين؛ ففي العام 1992 تشكل أول برلمان للإقليم بحصول كلا الحزبين على 50 مقعدا من مقاعد البرلمان البالغة 105 مقاعد (المقاعد الخمسة الأخرى كانت مخصصة للأقلية المسيحية).

 

وقد استمر هذا البرلمان قائما إلى العام 1998 حيث تعذر إجراء الانتخابات بعد المواجهة المسلحة بين الحزبين التي اندلعت في العام 1994. ليتم إعادة عمل البرلمان نفسه مع تغيير في عضويته بالاتفاق بين الطرفين بالنسب نفسها في العام 1998 حيث وقع الطرفان اتفاقية واشنطن للسلام من أجل مرحلة انتقالية، ومن ثم الاتفاق على أن تكون رئاسة المجلس بالتناوب بين الحزبين.

 

ولم تجر الانتخابات الثانية إلا 2005، بالتزامن مع انتخابات الجمعية الوطنية الانتقالية التي جرت في بغداد، يومها دخل الحزبان الكرديان في تحالف واحد تحت اسم «القائمة الوطنية الديمقراطية الكردستانية» وحصلا على 104 مقاعد من مجموع 111 مقعدا.

 

وتكرر الأمر في الدورة الثالثة في انتخابات العام 2009، فقد دخل الحزبان ضمن تحالف واحد هو «القائمة الكردستانية» وحصلا على 59 مقعدا فقط من مجموع 111 مقعدا، وكان واضحا يومها أن الاتحاد الوطني يواجه تحديا حقيقيا من حزب التغيير الذي حصل على 25 مقعدا في تلك الانتخابات، وهو ما أفقد الاتحاد الوطني نصف مقاعده التي حصل عليها في الانتخابات السابقة!


وقد اختلفت علاقات القوة بين الحزبين الرئيسيين في انتخابات 2013 تماما، ففي تلك الانتخابات حصل الحزب الديمقراطي على 38 مقعدا، مقابل 18 مقعدا للاتحاد الوطني، في حين حصلت قائمة التغيير على 24 مقعدا، وهو ما جعل اتفاقية تقاسم السلطة بين الحزبين الرئيسيين تواجه تحديا حقيقيا!


تكرس هذا الاختلال في انتخابات 2018، خاصة مع تأثير الاستفتاء على العلاقة بين الحزبين، فقد حصل الديمقراطي على 45 مقعدا، مقابل 21 مقعدا للاتحاد الوطني، على الرغم من تراجع حضور حركة التغيير التي فقدت نصف مقاعدها ولم تحصل سوى على 12 مقعدا، ولكن في هذه الانتخابات ظهر منافس ثان للاتحاد في مناطقه، ألا وهو حركة الجيل الجديد التي حصلت على 8 مقاعد.

 

وهذه الخارطة الجديدة جعلت حزب الاتحاد الوطني يقاطع انتخابات رئاسة المجلس، ثم يقاطع انتخابات رئاسة الجمهورية! اليوم، ونحن على أعتاب انتخاب رئيس الجمهورية المقرر أن يجري يوم 7 شباط/ فبراير، يبدو واضحا أن المواجهة بين الحزبين على أشدها حول المنصب، خاصة بعد نتائج الانتخابات التي أظهرت استمرار الاتحاد الوطني في فقدان قوته، بحصوله على 17 مقعدا فقط على الرغم من دخوله في تحالف مع حركة التغيير باسم «القائمة الكردستانية» وهي أدنى حصيلة له (حصل الاتحاد الوطني على 19 مقعدا في انتخابات العام 2018) في مقابل حصول الديمقراطي على 31 مقعدا.

 

فقد رشح الحزب الديمقراطي السيد هوشيار زيباري، في مقابل إصرار الاتحاد الوطني على ترشيح برهم صالح، وقد كانت حظوظ هوشيار زيباري تبدو أكبر بعد النتائج التي استطاع التحالف الثلاثي (سائرون، السيادة، الديمقراطي) تحقيقها في انتخابات رئيس مجلس النواب ونائبيه، ولكن قرار المحكمة الاتحادية الصادر يوم 3 شباط/ فبراير قد عقد هذه المسألة عندما قررت أن البدء بإجراءات رئيس الجمهورية تتطلب نصاب الثلثين.

 

وهو ما قد يؤخر إمكانية عقد جلسة انتخاب الرئيس من دون الوصول إلى توافق بين الكتلة الصدرية والإطار التنسيقي، ولكن بمعزل عن هذه التعقيد فإن فوز السيد هوشيار زيباري سيطرح سؤالا جديا حول طبيعة العلاقة بين الحزبين الكرديين داخل الإقليم، فيما يتعلق بتوزيع المناصب داخل الإقليم؛ وتحديدا منصبي الرئيس ورئيس مجلس الوزراء.


ففي النهاية المعادلة السياسية في إقليم كردستان، كما في بغداد، يحكمها السلاح أيضا، وقد سبق للجميع أن تيقن من هذه الحقيقة في عام 2013 حين حصلت حركة التغيير على 24 مقعدا مقابل 18 مقعدا للاتحاد الوطني، ومع ذلك لم يتغير شيء من حقيقة سيطرة الاتحاد الوطني المطلقة على السلطة في السليمانية!

0
التعليقات (0)