كتاب عربي 21

"صباحية مباركة يا عريس"!

سليم عزوز
1300x600
1300x600
لست متأكداً أن "الصباحية" اصطلاح معروف لدى عموم العرب، مع أن الشركة السعودية للأبحاث سبق لها أن أصدرت صحيفة من لندن تحمل اسم "الصباحية" في بداية التسعينيات، وقد أغلقت باتفاق مصري سعودي، وأغلقت بمقتضاه جريدة "مصر الفتاة"، التي كانت تروج لدعوة الأخ العقيد معمر القذافي، قائد الثورة الليبية، بتدويل المقدسات، مقابل إغلاق الصحيفة السعودية، لأنها نشرت بتوسع قصة فتاة العتبة!

فقد حدث أن جرى التحرش بفتاة في حافلة للنقل العام بموقف العتبة في القاهرة، من قبل أحد الأشقياء، مستغلا الزحام الشديد، وكان موضوعاً عظيماً شغل الإعلام المصري لفترة طويلة، ومع ذلك كانت الأزمة في تناول صحيفة "الصباحية" لهذا الموضوع، إذ كانت إذاعة مثل هذه القضايا في الخارج من شأنها أن تسيء إلى البلد، وكان يتم التعامل أحياناً مع النشر الداخلي على هذا النحو. وعندما نشرت إحدى الصحف وقائع قضية آداب على حلقات أسبوعية، وهي الخاصة بشبكة دعارة اتهمت فيها الفنانة عايدة رياض، طالب مبارك نفسه، في خطاب علني وكان في بداية عهده، الصحافة بالكف عن ذلك، حفاظاً على سمعة مصر في الخارج، مع أن الشرطة هي التي ضبطت ما وصفته بالشبكة، قبل براءة المتهمات!

و"الصباحية" كانت صحيفة جديدة من نوعها في ذلك الوقت، لأنها بعيدة عن السياسة، وكان الجديد أن يكون "مانشيت" الصحيفة وهي من القطع الكبير (وليست في حجم التابلويد) هو حادثة أو خبر فني، ولهذا وجدت في واقعة فتاة العتبة بغيتها فتوسعت في النشر. وقد أغلقت الصحيفة مبكراً، فلست على علم بأن من اختاروا لها هذا الاسم يدركون مفهوم "الصباحية" كما هو الحال عند المصريين!
العريس كان بالأمس هو رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، وقد ظهر بملابس زاهية، في وسط إثيوبيين وإثيوبيات بملابس مثلت ألوانها كرنفالاً مبهجاً، في احتفال كبير، ببدء توليد الكهرباء من سد النهضة، ثم التقطت له الصور وسط المحتفلين به بهذه المناسبة العطرة

فالصباحية تعني صباح اليوم التالي لـ"ليلة الدخلة"، ولن أتطرق بطبيعة الحال، لصباحية عريس محافظة الإسماعيلية، وهو من أصول صعيدية للأسف، والذي اعتدى على عروسه في "ليلة الدخلة" في الشارع وأمام المارة، وبعد بث الواقعة- الجريمة على السوشيال ميديا، ظهر في "الصباحية"، ومع عروسه وأقرباء له، وهم في سعادة وحبور، ويقبلون على وليمة حمام. وبدا الاحتفال مفتعلا لتبرير ما جرى، والتأكيد على أن العروس صارت راضية مرضية، فضرب الحبيب كأكل الزبيب كما يقول المثل المصري. وإذ كان العرف قد جرى في الريف، ولست مطلعاً على تقاليد أهل الحضر، بإرسال أهل العروس في "ليلة الدخلة" الحمامَ المحشي بالفريك، فإن هذا طعام هذه الليلة المباركة، وليس لـ"الصباحية"!

العريس الحقيقي

بيد أن "عريس الإسماعيلية" على جلافته ليس موضوعناً، فالعريس كان بالأمس هو رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، وقد ظهر بملابس زاهية، في وسط إثيوبيين وإثيوبيات بملابس مثلت ألوانها كرنفالاً مبهجاً، في احتفال كبير، ببدء توليد الكهرباء من سد النهضة، ثم التقطت له الصور وسط المحتفلين به بهذه المناسبة العطرة، ليصبح يومنا هذا الاثنين (21 شباط/ فبراير 2022) هو صباحيته، لكن في المقابل فإن المصريين استيقظوا على كارثة، لأنهم لا يرون في ما جرى زواجاً شرعياً، ولكن واقعة اغتصاب لإرادتهم!

لقد أغرقنا إعلام الانقلاب العسكري في "دوامة"، نخرج من قصة إلى أخرى، ومن ملهاة إلى ملهاة، وتم تصدير الذراع الإعلامي إبراهيم عيسى، فمرة يسوق معلومات كاذبة عن نساء الصعيد في فترة السبعينيات وما قبلها، ومرة عن إنكار المعراج، بدون مبرر، وبدون أن ينجح في خلق سياق مناسب لهذه الهرطقات، وفي وسائل إعلام مسيّرة لا مخيّرة. ثم نفاجأ بأن إثيوبيا بدأت عملية توليد الكهرباء، مع أن السيسي سبق له أن طالب المصريين بالاطمئنان تماماً، فالملء لن يتم بشكل أحادي (وكان يقصد الملء الثالث)، وأن مياه النيل خط أحمر، وأعطى إشارات احتفى بها رجاله، مثل أن "العفي لا يأكل أحد لقمته"!
أغرقنا إعلام الانقلاب العسكري في "دوامة"، نخرج من قصة إلى أخرى، ومن ملهاة إلى ملهاة، وتم تصدير الذراع الإعلامي إبراهيم عيسى، فمرة يسوق معلومات كاذبة عن نساء الصعيد في فترة السبعينات وما قبلها، ومرة عن إنكار المعراج، بدون مبرر، وبدون أن ينجح في خلق سياق مناسب لهذه الهرطقات

عريس الغفلة

وكالة الأنباء الفرنسية هي التي أذاعت يوم السبت الماضي أن الأحد سيكون الاحتفال الكبير من الجانب الإثيوبي بالبدء في توليد الكهرباء من سد النهضة، بينما القوم بالقاهرة في غيبوبة ويدفعون في اتجاه انشغال الناس بما قاله عيسى. وهذه التفجيرات التلفزيونية تستهدف الذهاب بعيداً عن موضع الفشل، واستخدام التفجيرات هذه في تمرير قرارات اقتصادية قاسية، وفي لحظة الانشغال بقضية "مايوه" الصعيدية في السبعينات وما قبلها، تمدد رئيس الحكومة بالحرارة وتحدث عن إجراءات لرفع الدعم عن رغيف الخبز. واللافت هنا أنها المرأة الأولى التي يتحدث أحد غير السيسي عن القرارات الصعبة، وهو من كان يقدم نفسه دائماً أنه رجل هذا النوع من القرارات.. فمن ينافسه في ميادين الشجاعة وساحات الوغى؟ ومن قبل هدد بأنه سيرفع الدعم جزئياً عن رغيف الخبز، لكن من الواضح أنه تلقى تحذيرات والبلد قادمة على ذكرى ثورة يناير فتراجع، أما وقد انتهت الذكرى فقد دفع رئيس الحكومة للتحدث على غير العادة!

وفي ذروة الانشغال بـ"غاغة" إنكار المعراج، فاجأتنا وكالة الأنباء الفرنسية بهذا الخبر، وكان القوم في القاهرة كعريس الغفلة آخر من يعلم، ربما لم يعلم بما كان ينبغي علمه سوى في "ليلة الدخلة" وآبي أحمد يظهر بحلته الذاهية وسط كرنفال أزياء للإثيوبيات والإثيوبيين، عندئذ أصدرت وزارة الخارجية المصرية بياناً ضعيفاً وباهتاً يصف هذه الخطوة بأنها تصرف منفرد لتشغيل السد بشكل أحادي، وتعد إمعاناً من الجانب الإثيوبي في خرق التزاماته بمقتضى اتفاقية المبادئ لسنة 2015 الموقعة من قبل رئيس الوزراء الإثيوبي!

لم يحدد بيان الوزارة البنود في اتفاق المبادئ التي خرقها الجانب الإثيوبي، فهو اتفاق مثل موافقة مصر والسودان على بناء السد بدون قيد أو شرط، بجانب كلام فضفاض غير محدد عن عدم الإضرار بمصالح دولتي المصب، دون تحديد لهذه المصالح ومعنى الإضرار بها.

ولا يرتب اتفاق المبادئ أي عقوبات على من يخالف الاتفاق! فإذا وقع الخلاف يكون الاحتكام إلى رؤساء الدول الثلاث، ولا يجوز اللجوء إلى التحكيم أو الشكوى إلا بموافقة الدول الثلاث: مصر والسودان وإثيوبيا!

والمعنى أن اتفاق المبادئ هو أساس الأزمة ولن يكون أبداً مرجعية لحلها، والسيسي يتمسك بتوقيعه وبإمكانه إلغاء موافقة مصر من خلال عرض الاتفاق على البرلمان، كما ينص الدستور، لكنه لن يفعل، ويستنزف الوقت في طلعات جوية، ومن مفاوضات عقيمة، إلى مجلس الأمن، وإلى الاتحاد الأفريقي، وبالعكس، رغم تحذيراتنا المتواصلة مع كل طلعة بأنها لن تحقق إنجازاً، وفي كل مرة يتحقق ما قلناه، ولا جديد!
اتفاق المبادئ هو أساس الأزمة ولن يكون إبداً مرجعية لحلها، والسيسي يتمسك بتوقيعه وبإمكانه إلغاء موافقة مصر من خلال عرض الاتفاق على البرلمان، كما ينص الدستور، لكنه لن يفعل، ويستنزف الوقت في طلعات جوية، ومن مفاوضات عقيمة، إلى مجلس الأمن، وإلى الاتحاد الأفريقي، وبالعكس،

والسؤال الآن: ماذا بعد بيان وزارة الخارجية الذي أسس لعملية "إمعان الجانب الإثيوبي في خرق التزاماته"، من، أمعن، يمعن، إمعاناً؟ الحقيقة ليس أمام "الجانب المصري" إلا مواصلة الطريق في الشكوى لغير مختص، وفي إضاعة الوقت، وإصدار بيانات لا قيمة لها.

نخشى أن يكون هذا البيان للاستهلاك المحلي باستنكار عملية الاغتصاب، وأن نفاجأ مستقبلا بأنهم اتصلوا بآبي أحمد ليهنئوه: "صباحية مباركة يا عريس"، وقد تنشر لهم صور وهم يشاركون العريس في وليمة الحمام المحشو بالفريك!

يسمونه في الصعيد "ونسة"، والاصطلاح خاص بحمام ليلة الداخلة، و"الونس" مرتبط بالليل وآخره، وليس له شأن بما فعله عريس الإسماعيلية وأقرباؤه!

"صباحية مباركة يا عريس"!

twitter.com/selimazouz1
التعليقات (5)
عبدالرحيم بادة
الأربعاء، 23-02-2022 10:29 ص
مقال رائع بارك الله فيكم وجزاكم كل خير
شاكر الجندي
الثلاثاء، 22-02-2022 01:56 م
انت قديم جدا يا استاذ لان الدعارة الثلاثية العلنية - بموافقة الجيش المصري الذي باع كل شئ و انحط و اصبح احقر من الاحتلال الانجليزي الذي لم يوافق على بناء سد اثيوبيا تصور يا استاذ الاحتلال لم يوافق على السد و وافق عليه الجيش المصري الذي اصبح مافيا وظيفيا تنهب و تقتل و تبيع مصر لمن يدفع - تمت و نتج منها سد يولد كهرباء و لم يكن هناك داعي لذكر العتبة و الاسماعيلية
آدم لهذا الزمان
الثلاثاء، 22-02-2022 10:58 ص
فى مصر «المحروسة» عصافير الإلهاء وضرب عقيدة المسلمين لا تطلق جزافا. صباحية مباركة لآبى أحمد، فالعروسة للعريس والجرى للمصريين المتاعيس، كما يقول المثل المصرى «بتصرف»!
منصور
الثلاثاء، 22-02-2022 07:55 ص
ثلث المقالة على شيء "ليس موضوعنا". لماذا تفسد مقالة مهمة بسرديات "فرح العمدة" و "دولة بحجم بمصر".
Hosny Ibrahim
الثلاثاء، 22-02-2022 06:49 ص
بحلته الذاهية الزاهية نرجوا التصيح