قضايا وآراء

تنمية الأسرة المصرية بين زيادة السكان والرقمنة

مصطفى جاويش
1300x600
1300x600
في نهاية شهر شباط/ فبراير الماضي شهدت مصر احتفالا رسميا حول فعاليات "مشروع تنمية الأسرة المصرية"، والذي يهدف إلى خفض معدل الزيادة السكانية بصورة أساسية، بالإضافة إلى تمكين المرأة اقتصاديا ومجتمعيا.

ومن المعروف أن عدم التناسب بين الزيادة السكانية والنمو الاقتصادي هو أحد المحاور الثلاثة المكونة للمشكلة السكانية، والمحور الثاني سوء التوزيع الجغرافي للسكان، حيث إن المساحة المأهولة بالسكان لا تزيد على 6.5 في المائة من إجمالي مساحة مصر الكلية. أما المحور الثالث فهو تدني مؤشرات الخصائص السكانية، مثل: اختلال التركيب العمري للسكان وارتفاع نسبة الأطفال، وارتفاع نسبة الأمية، وانهيار منظومة التعليم لدرجة أن ارتفعت نسبة الذين لم يلتحقوا بالتعليم لأكثر من ربع المصريين، وانخفاض نسبة مساهمة الإناث في القوى العاملة، وارتفاع معدل البطالة بين الشباب خاصة في الفئة العمرية المؤهلة علميا والقادرة على العمل والإنتاج، وارتفاع معدل الخصوبة، وانخفاض متوسط نصيب الفرد من الدخل القومي مع تزايد معدلات الفقر، وارتفاع نسبة عمالة الأطفال، وتدني مؤشرات الخدمات في الريف المصري (تعداد مصر 2017).

وبالتالي، فإن حل المشكلة السكانية لا بد له من العمل على جميع تلك المحاور بالتوازي وفي نفس الوقت، ولكن الواضح من جميع الخطط والإجراءات الحكومية هو أن التفكير يدور حول خفض معدل الزيادة السكانية فقط دون التناول الفعلي لباقي المحاور، بدليل التصريحات عن فشل التعليم والتوظيف وعشوائية سوق العمل في مصر، ثم توجيه الاتهام إلى عنصر وحيد وهو كثرة الإنجاب. ومن تلك النقطة كان التركيز على المرأة المصرية من خلال خمسة محاور، هي المحور الاقتصادي، والرقمنة، وتوفير وسائل منع الحمل بالمجان، ومحور التوعية بأهمية خفض الإنجاب، وأخيرا وضع تشريعات تهدف إلى خفض معدلات الإنجاب، منها على سبيل المثال حظر زواج القاصرات.
حل المشكلة السكانية لا بد له من العمل على جميع تلك المحاور بالتوازي وفي نفس الوقت، ولكن الواضح من جميع الخطط والإجراءات الحكومية هو أن التفكير يدور حول خفض معدل الزيادة السكانية فقط دون التناول الفعلي لباقي المحاور، بدليل التصريحات عن فشل التعليم والتوظيف وعشوائية سوق العمل في مصر، ثم توجيه الاتهام إلى عنصر وحيد وهو كثرة الإنجاب

مشروع تنمية الأسرة يشمل خمسة محاور خاصة بالمرأة المصرية:

المحور الاقتصادي: ويهدف إلى تمكين اقتصادي للسيدات من العمل والاستقلالية المالية، وتنفيذ مليون مشروع متناهي الصغر تقودها المرأة في المحافظات المختلفة، إلى جانب تدريب السيدات على إدارة المشروعات، فضلا عن تجهيز مشاغل خياطة للسيدات ملحقة بوحدات صحة وتنمية الأسرة (وهو الاسم الجديد لمستشفيات التكامل الصحي المهملة).

وهذا المحور ليس جديدا، فقد سبق تناوله في بداية السبعينيات من القرن الماضي تحت مسمى "مشروع الأسرة المنتجة"، حيث تم تمليك السيدات بعض الآلات والماكينات اليدوية وإمدادهن بالمواد الخام ومستلزمات الإنتاج، ولكن المشروع توقف نتيجة عدم وجود آليات واضحة لتسويق المنتجات وبيعها لتعويض تكاليف الإنتاج وضمان الاستمرارية، بالإضافة إلى منظومة الفساد الحكومي وضياع مصادر التمويل الذاتي لتلك المشروعات.

محور التدخـل الخــدمي: ويتضمن خفض الحاجة غير الملبّاة للسيدات من وسائل الصحة الإنجابية وإتاحتها بالمجان للجميع، من خلال تدريب وتوطين 1500 طبيبة (في ظل أزمة نقص أعداد الأطباء الحالية)، والتعاون مع 400 جمعية أهلية لتقديم خدمات الصحة الإنجابية، إلى جانب تجهيز مراكز الخدمة المتنقلة، فضلا عن تقديم سلال غذائية خلال الأيام الألف الأولى، علاوة على تقديم سلة أغذية غنية للسيدات شهريا كحافز إيجابي.
هذا المحور ليس جديدا، فقد سبق تناوله في بداية السبعينيات من القرن الماضي تحت مسمى "مشروع الأسرة المنتجة"، حيث تم تمليك السيدات بعض الآلات والماكينات اليدوية وإمدادهن بالمواد الخام ومستلزمات الإنتاج، ولكن المشروع توقف نتيجة عدم وجود آليات واضحة لتسويق المنتجات وبيعها

المحور الثقافي والتوعوي والتعليمي لخطة تنمية الأسرة المصرية: ويهدف إلى رفع وعي المواطن بالمفاهيم الأساسية للقضية السكانية وبالآثار الاجتماعية والاقتصادية للزيادة السكانية، وذلك من خلال صياغة رسائل إعلامية على مستوى الدولة وحملات إعلانية بجميع وسائل الإعلام المتاحة، تشمل السيدات في سن الإنجاب والشباب المقبلين على الزواج، بهدف التوعية بمفهوم تنظيم الأسرة من منظور حقوق الطفل، فضلا عن فعاليات ثقافية ومناهج تعليمية لرفع الوعي بالأبعاد الاقتصادية والاجتماعية للقضية السكانية على مستوى الجمهورية.

محور الرقمنة: ويهدف إلى إنشاء منظومة إلكترونية موحدة لميكنة وربط جميع الخدمات المقدمة للأسرة المصرية، لربط كل من: قاعدة بيانات الزواج، وقاعدة بيانات الأسرة، وقاعدة بيانات تكافل وكرامة، وقاعدة بيانات وحدات صحة وتنمية الأسرة، مع قاعدة بيانات صندوق تأمين الأسرة المصرية، وذلك بهدف قياس درجة الالتزام بشروط برنامج الحوافز المقترح، إلى جانب بناء منظومة متابعة وتقييم المشروع القومي لتنمية الأسرة المصرية، فضلا عن تفعيل دور المرصد الديمغرافي للقيام بالرصد المستمر لجميع الخصائص السكانية على مستوى الجمهورية بشكل آلي.

المحور التشريعي: ويهدف إلى وضع إطار تشريعي وتنظيمي حاكم للسياسات المتخذة لضبط النمو السكاني، وذلك من خلال قانون زواج الأطفال الذي يتضمن تجريم زواج القاصرات، وتغليظ العقوبة وتشمل ولي الأمر، إلى جانب قانون عمالة الأطفال ويشمل تغليظ العقوبة، وعقوبة ولي الأمر، فضلا عن قانون تسجيل المواليد الذي يتضمن تجريم عدم تسجيل المواليد.
أصبحت التنمية المستدامة محورا أساسيا ومهما لبناء المجتمعات، حيث تشمل عدة ركائز؛ من أبرزها تنمية وتطوير رأس المال البشري، بمعنى الاهتمام بالبشر باعتبارهم قيمة مضافة وعنصرا أساسيا من عناصر النمو الاقتصادي وليسوا عائقا أمامه. وهذا يستدعي بالضرورة إعادة صياغة الرسالة الإعلامية والمجتمعية للمشروع بعيدا عن كونه وسيلة للحد من الإنجاب


الرقمنة وحدها لا تكفي ويجب تدريب الأسرة على عمليات التحول الرقمي:

الإجراءات الواردة في خطة المشروع تشمل محور الرقمنة بمعنى إنشاء قاعدة بيانات إلكترونية خاصة بالمرأة والأسرة، بهدف توثيق ورصد كافة المتغيرات، وتدريب المرأة المصرية على تلك الفعالية وإدراك أهميتها. وتلك خطوة مهمة بلا شك، ولكنها غير كافية لضمان نجاح المحور الأول وهو تمكين المرأة اقتصاديا، ولا بد من تدريب تلك الكوادر النسائية على تملك مشروعات متناهية الصغر، ثم استخدام آلية التحول الرقمي لضمان الاستمرارية في تلك المشروعات؛ لأن التحول الرقمي يتيح فرصاً عديدة للمشروعات الصغيرة، سواء الوصول للأسواق أو التسويق باستخدام المنصات الرقمية، وهي وسائل تعتبر رخيصة وتمكن صاحب فكرة المشروع من الوصول إلى مصادر التمويل من البنوك وغيرها عبر العمليات الرقمية، كما أنها تفتح المجال أمام عملاء وأسواق لم يكن ممكناً الوصول إليها من قبل. وهذه البرامج تمكّن صاحب المشروع من استخدام التكنولوجيا في أمور الحسابات والمبيعات، وبالتالي يمكن متابعة العمل بشكل أفضل بعيدا عن دائرة الفساد الحكومي، والتي كانت السبب الأساسي في فشل مشروع الأسر المنتجة من قبل.

مفاهيم غائبة عن مشروع تنمية الأسرة المصرية:

واضح أن المشروع هو نوع من المحاكاة لمثيله في بداية السبعينيات، والمعروف وقتها باسم المدخل التنموي المجتمعي لتنظيم الأسرة، ولكن مفاهيم الزيادة السكانية قد تغيرت كثيرا عالميا اليوم عنها في فترة السبعينيات، خاصة بعد مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة والتنمية أو قمة الأرض (ريو92)، وبعدها أصبحت التنمية المستدامة محورا أساسيا ومهما لبناء المجتمعات، حيث تشمل عدة ركائز؛ من أبرزها تنمية وتطوير رأس المال البشري، بمعنى الاهتمام بالبشر باعتبارهم قيمة مضافة وعنصرا أساسيا من عناصر النمو الاقتصادي وليسوا عائقا أمامه. وهذا يستدعي بالضرورة إعادة صياغة الرسالة الإعلامية والمجتمعية للمشروع بعيدا عن كونه وسيلة للحد من الإنجاب كما هو معلن حاليا، والتركيز على جوانب تنمية البشر من حيث التعليم والصحة والتوظيف وحقوق الإنسان.

 


التعليقات (0)