أفكَار

هل كل ما فعله الرسول سنة وكل ما لم يفعله بدعة؟ باحثون يجيبون

أكاديميون: علينا أن لا نقول عن أي فعل جديد لا يتعارض مع الشرع بأنه بدعة، بل هو على أصل الإباحة
أكاديميون: علينا أن لا نقول عن أي فعل جديد لا يتعارض مع الشرع بأنه بدعة، بل هو على أصل الإباحة

تُعرف السنة النبوية عند علماء أصول الفقه بأنها ما صدر عن النبي عليه الصلاة والسلام من قول أو فعل أو تقرير مما يصلح أن يكون دليلا لحكم شرعي، وفيما يتعلق بأفعاله عليه الصلاة فليست كلها من باب التشريع الذي يصلح أن يكون دليلا للأحكام الشرعية. 

ومن الملاحظ أن سوء التعامل مع أفعاله عليه الصلاة والسلام، من غير التفريق بين ما يكون منها على سبيل التشريع، وما يكون منها بحكم الجبلة والطبيعة الإنسانية، أو باعتبارها من قبيل الخبرة البشرية، يفضي إلى الخلط في فهم دلالة تلك الأفعال وما يترتب عليها من توجيهات وأحكام. 

وكذلك الحال فيما لم يفعله عليه الصلاة والسلام، حيث استنبط بعضهم من تركه لذلك الفعل عدم جوازه، بل عده من جملة البدع الحادثة، والتي نهى عنها، وأمر باجتنابها، وهو ما يتطلب من علماء الدين إيضاح طبيعة أفعاله عليه الصلاة والسلام، وكذلك تركه، ما يثير تساؤلات إن كان كل ما فعله الرسول يعد سنة، وهل كل ما لم يفعله يعد بدعة؟

وفي هذا الإطار أوضح أستاذ الفقه وأصوله بالجامعة الأردنية، الدكتور عبد الله الكيلاني أن "أفعال الرسول عليه الصلاة والسلام ليست كلها من قبيل التشريع، بل منها ما فعله بحكم الجبلة البشرية، ومنها ما فعله بوصفه قائدا سياسيا، ومنها ما وقعت منه من باب الخبرة البشرية، وهذا ما كان موضع نظر الأصوليين والفقهاء لفهم دلالة تلك الأفعال على وجهها الصحيح".

 



وأضاف: "لقد جعل العلامة الطاهر بن عاشور في كتابه المقاصد أفعال الرسول عليه الصلاة والسلام على عشرة أبواب، فبعضها على سبيل التشريع، ومنها ما هو على سبيل الإرشاد، والنصح، والتأديب، والإمارة..". 

وواصل الكيلاني حديثه لـ"عربي21" بالقول: "أما بخصوص ما لم يفعله الرسول عليه الصلاة والسلام على الجملة، فلا يكون بدعة إلا إذا قام المقتضي لذلك الفعل في زمانه، لكنه لم يفعله عليه الصلاة والسلام مما يدل على أنه غير مشروع". 

ولفت إلى أن "بعض العبارات التي وردت عن ابن تيمية في الزيادة على ما فعله الرسول عليه الصلاة والسلام على غير الصفة التي وردت عنه، ما يدخله في دائرة البدع، وقد توسع فيها بعض المتابعين لابن تيمية، فأكثروا من الحكم على مسائل وتصرفات بالبدع".

وذكر الكيلاني أنه "حينما أدخلت مكبرات الصوت إلى الحرم المكي، عدها بعض أتباع المدرسة الأثرية (السلفية) من البدع، لأنها زيادة في صفة الأذان، فناقشهم أحد العلماء سائلا أحد أولئك المشايخ الذين يلبسون النظارات الطبية، هل النظارة التي تلبسها بدعة، فقال: لا، فهي لا تعدو تكبير الصورة، فقال له، وكذلك مكبرات الصوت هذه فهي تكبر الصوت، وتوصله إلى مسافات أبعد، فكيف تكون بدعة"؟

ونقل عن الشاطبي تعريفه للبدعة بأنها "ما لم يكن له أصل.. أو زيادة لم يكن لها أصل وغير داخلة في عموم دليل شرعي" موضحا أن اعتبار أي فعل لم يقم بفعله الرسول عليه الصلاة والسلام بدعة سيفضي إلى تبديع أعمال فعلها الصحابة كجمع القرآن الكريم، وهو ما تردد فيه أبو بكر الصديق رضي الله عنه بادئ الأمر واستثقله حينما فاتحه عمر بذلك، وما زال به حتى أقنعه به بأنه "فعل خير".

من جهته قال الأكاديمي والباحث الشرعي السعودي، الدكتور إبراهيم عبد الله الحازمي: "ليس كل ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم يعد سنة، فقد يكون من عادات العرب وقومه، مثل لبس العمامة وغيرها، وقد تكون بعض أفعاله من العادات، فلا بد من تحقيق القول في تمييز أفعاله، لمعرفة ما كان منها على سبيل التشريع، أو ما كان منها غير ذلك". 

 

                          إبراهيم عبد الله الحازمي.. باحث سعودي

وأضاف لـ"عربي21": "وفيما يتعلق بأفعاله وتركه عليه الصلاة والسلام، فالقاعدة في ذلك: ما توفر سببه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وتركه ولم يفعله فهذه هي السنة، وفعل الإنسان لذلك الشيء لا يكون بدعة إلا إذا لم يدخل في عموم النصوص ولا خصوصها". 

وأردف لـ"عربي21": "والقاعدة الأصولية تقول (الفعل لا يفيد القول)، والبدعة لها ضوابط زمانية ومكانية وأقسام وأنواع، وهذه الأمور تحتاج إلى أدلة قولية وفعلية، والبدعة استحداث واختراع في دين الله ما ليس منه، ولا يدخل فيها ما دل عليه دليل في مشروعيته أو حث الشارع على فعله ولم يقيده بوقت". 

بدوره قال الأكاديمي الفلسطيني والباحث في الدراسات الإسلامية، الدكتور بلال زرينة: "خلاصة ما توصلت إليه حول هذا الموضوع هو: أن فعل النبي صلى الله عليه وسلم لشيء لا يدل على وجوبه أو استحبابه، وتركه صلى الله عليه وسلم لشيء لا يدل على تحريمه أو كراهته، إلا إذا قامت قرائن أخرى قولية وحالية ترجح أحد الاحتمالات". 

 

                       بلال زرينة.. أكاديمي وباحث فلسطيني

وأضاف: "فأفعال النبي عليه الصلاة والسلام لها عدة أقسام: أولها ما فعلها بحكم جبلته وطبيعته البشرية مثل أكله وشربه ونومه، فهذه تدخل في باب المباحات، وإن أردت الاقتداء به في ذلك فلا بأس ولك أجر، وثانيها ما هو خاص به كزواجه من تسع نسوة والوصال في الصوم، ولا يجوز لأحد الاقتداء به في ذلك، لوجود نصوص تدل على أن هذه الأشياء مما اختصه الله به".
 
وتابع زرينة لـ"عربي21": "وثالث أقسام أفعاله عليه الصلاة والسلام، ما فعله تشريعا، كطريقة أدائه للصلاة والحج، وهذا واجب علينا الاقتداء به، أما بخصوص تركه عليه الصلاة والسلام لأشياء، فلا يدل ذلك بالضرورة على تحريمها، فقد ترك النبي عليه الصلاة والسلام أكل الضب وهذا لا يدل على تحريمه أو كراهته، وقد ترك فعل أشياء لعدم وجود المقتضي لذلك، كتركه جمع القرآن، لأن الوحي ما زال يتنزل، والنبي بينهم ولا خشية من ضياع شيء من القرآن، وفي عصر أبي بكر وجد المقتضي".
 
وعن تركه عليه الصلاة والسلام لأفعال لوجود موانع معتبرة تمنع من فعلها، بيَّن زرينة أنه "عليه الصلاة والسلام ترك بالفعل أشياء لوجود موانع، مثل تركه قتل عبد الله بن أبي بن سلول، خوفا من حدوث الفتنة، وأن يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه، وامتنع عن هدم الكعبة وبنائها من جديد على قواعد إبراهيم، لأن القوم حديثو عهد بجاهلية".
 
واستدل ببعض الأحاديث التي يفهم منها ما سبق تقريره وبيانه، منها قوله عليه الصلاة والسلام: "إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها، وحرم أشياء فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمة بكم من غير نسيان، فلا تسألوا عنها"، وحديث "ما أحل الله في كتابه فهو حلال، وما حرم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عفو".
 
وأردف: "لذا علينا أن لا نقول عن أي فعل جديد لا يتعارض مع الشرع بأنه بدعة، بل هو على أصل الإباحة، وإذا كان هذا الفعل الجديد يتوافق مع أصول الشريعة ومقاصدها فهو سنة حسنة مأجور فاعلها، فالبدعة السيئة هي التي تتعارض مع مقاصد الشريعة ومبادئها أو التي تدخل في باب الزيادة في الشعائر التعبدية كصور وأشكال، بينما التفاصيل جائز فيها الزيادة".
 
ومثّل زرينة في ختام حديثه لذلك بأن "النبي صلى الله عليه وسلم أثنى على الذي زاد في الصلاة بعد القيام في الركوع، وقال: سمع الله لمن حمده، حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه، وقال للفاعل: لقد رأيت بضعة وثلاثين ملكا يبتدرونها أيهم يكتبها أولا، واستنبط ابن حجر العسقلاني مشروعية البدعة في باب الذكر وقال هي سنة حسنة، وهذا الذي أقوله يتوافق مع غالب منهج الأصوليين والأشاعرة والمقاصديين، ويعارضه السلفيون من أتباع ابن تيمية".  


التعليقات (1)
ثابت
الإثنين، 11-07-2022 04:25 م
""" وعن تركه عليه الصلاة والسلام لأفعال لوجود موانع معتبرة تمنع من فعلها، بيَّن زرينة أنه "عليه الصلاة والسلام ترك بالفعل أشياء لوجود موانع، مثل تركه قتل عبد الله بن أبي بن سلول، خوفا من حدوث الفتنة، وأن يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه """ ألا بتعارض هذا مع قوله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين """ لو فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها """؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟. رأي المتواضع في كل ما يقال وكتب ويكتب على مر العصور والأزمان هو أننا نقلنا الكثير الكثير ما سميناه بالأحاديث النبوية الشريفة التي بلغت حوالي سبعون ألف حديث ثم تمت الغربلة الى ما وصلنا اليه الآن بضعة آلاف ويختلف الجامعون على بعضها والنتيجة دخل المسلمون """ غثاء السيل """ الجاهلون الذين لا يقرؤون بالحائط لا يعلمون الصح من الخطأ لأنهم جهلة لا يقرؤون. والأهم من ذلك كله أن المصطفى صلوات الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين منع كتابة أحاديثه ( ومنها أفعاله ) كي لاتفسر تفسيرا يعارض القرآن الكريم الجامع الشامل لكل شيء ولكن من يتدبر القرآن ليعرف تأويله وقد قال جل جلاله """" لا يعلم تأويله الا الله """". وللتذكير فان هذا الرسول العربي الهاشمي الأمي """ لاينطق عن الهوى """ وقد ترك لنا كتاب الله الذي علينا أن نسير بهداه لأنه كامل مكمل لا ينقصه شيء. ومشكلة غثاء السيل في هذا العصر أن مفاتيهم مثلهم """" فاتو بالحيط """" وأصبح حب الظهور والفهم أهم من الدين نفسه. أتقوا الله رب العالمين وآمنوا أن هذه علامات آخر الزمان شئتم أم أبيتم وكل شيء باذنه وأمره جل جلاله.