بورتريه

تايوان على مرمى نيران التنين الصيني (بورتريه)

تايوان
تايوان
تبدو مثل عصفور في مواجهة صقر، أو قط يصارع دبا، فالفارق كبير، والمقارنة ظالمة وشاسعة مثل اتساع مجرة درب التبانة.

ويبدو الغرب وكأنه يستخدم ورقتها لمواصلة استفزاز وتشتيت الصين في المحيط الهادي دون أن يعترف بها دولة مستقلة.

ظهرت جزيرة تايوان لأول مرة في السجلات الصينية بعدما أرسل الإمبراطور مينغ كتيبة لاستكشاف المنطقة عام 239.

استعمرها الهولنديون ما بين عامي 1624 و1661، ثم خضعت لحكم عائلة تشينغ الصينية من عام 1683 إلى عام 1895 حيث احتلت من قبل الإمبراطورية اليابانية، بعد أن كانت جزءا من الأراضي الصينية في الحرب الصينية اليابانية الأولى، وعادت إلى حكم الجمهورية الصينية عام 1945 بعد الحرب العالمية الثانية.

وصادفت تلك الفترة الحرب الأهلية الصينية، بين نظام الجمهورية الصينية بزعامة الصيني القومي، تشيانغ كاي شيك، "الكومينتانغ"، والحزب الشيوعي الصيني بقيادة الزعيم الصيني التاريخي، ماو تسي تونغ، وفي نهاية المطاف تغلب الحزب الشيوعي الصيني وأعلن عن قيام جمهورية الصين الشعبية.

فرت حكومة "الكومينتانغ" إلى تايوان التي أعلنت مقرا للحكومة التي منعت أي اتصال مع الصين الشيوعية، وفي ذلك الوقت أعلن كلا الطرفين أنهما يمثلان الصين كلها. وفي عام 1950، أصبحت تايوان حليفة لواشنطن في الحرب ضد الصين في كوريا.

موقف الغرب من تايوان كان فضفاضا، ويضيق أحيانا وفقا للمصالح الغربية، ففي عام 1971 أعيد مقعد الصين في الأمم المتحدة لبكين والذي كانت تشغله حكومة تايوان. ثم أقامت الولايات المتحدة علاقات دبلوماسية مع بكين، كما التزمت مثل باقي دول العالم بسياسة "الصين الواحدة"، معترفة فقط ببكين حكومة شرعية، لكن ذلك لم يمنعها من إقامة علاقات وثيقة اقتصادية وعسكرية مع تايوان.

وفي ظل الانفتاح الصيني على العالم في عام 1987، سُمح للتايوانيين بالتوجه إلى الصين لاجتماعات لم شمل عائلي، ما فتح الطريق للمبادلات التجارية. وعام 1991، ألغت تايبيه الإجراءات التي تفرض حالة حرب مع الصين.

وشهد عام 2005، لقاء وصف بالتاريخي في بكين بين زعيمي تايوان والصين لأول مرة منذ عام 1949.

وتعد بكين أكبر شريك اقتصادي في التصدير لتايوان حيث تجاوزت صادراتها الـ515 مليار دولار في الفترة ما بين عامي 2018 و2022.

تايوان عبارة عن مجموعة جزر، وتضم أرخبيلا يزيد على الـ80 جزيرة، أكبرها جزيرة تايوان التي تسمت بها مجموعة الجزر من باب تسمية الكل بالجزء.

وتبدو المقارنة غير عادلة بين الصين وتايوان إذ يبلغ عدد سكان تايوان نحو 23 مليون مقابل 1,400 مليار نسمة في الصين، و179 ألف جندي مقابل مليوني جندي في الصين، وهكذا في الدبابات والطائرات والمدافع والقطع البحرية.

من حيث القوة العسكرية، تتفوق الصين على تايوان من جميع النواحي تقريبا، ومع ذلك، فإن لدى تايوان قوة عسكرية احتياطية مدربة أكبر، جاهزة في حالة حدوث غزو واسع النطاق من قبل الصين. واحتمال الهجوم على تايوان قائم منذ الخمسينيات من القرن الماضي، وقد طورت الدولة الجزيرة "استراتيجية" للدفاع عن نفسها.

يتضمن ذلك استخدام الألغام البحرية والصواريخ المضادة للسفن والطائرات والدبابات وقوارب الهجوم السريع لمنع قوة الغزو البحري. وإذا نجحت الصين في إنزال قواتها، فقد استعدت تايوان لحرب العصابات في مدنها ومناطقها الريفية الجبلية.

تمتلك الصين ثاني أكبر ميزانية عسكرية في العالم، وهي تسبق كل الدول الأخرى في المحيط الهادئ بهامش كبير. وتشير معظم التقديرات إلى أن الصين تمتلك أكبر أسطول عسكري من حيث عدد السفن في المنطقة، لكن الولايات المتحدة، التي تحتفظ بقوة عسكرية كبيرة في المنطقة، لديها إنفاق عسكري إجمالي أكبر بكثير.

ولا تزال الولايات المتحدة قوة عسكرية مهيمنة في جميع أنحاء منطقة المحيط الهادئ، مع قواعد جوية وبحرية رئيسية في اليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة.

ورغم أن العلاقات الصينية الأمريكية تشهد مدا وجزرا إلا أن زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي إلى تايوان، كانت كافية لترد الصين بأن واشنطن "ستدفع الثمن جراء" هذه الزيارة للجزيرة التي لا تزال بكين تنظر إليها كجزء من أراضيها.

وتدهورت العلاقات بين الصين وتايوان أكثر منذ تسلم تساي إينغ ون، رئاسة تايوان في عام 2016، وتنتمي إلى الحزب الديمقراطي التقدمي الذي يميل للاستقلال.

وتتمتع تايوان حاليا بحكم ذاتي على الرغم من أن بكين تعدها إقليما متمردا على سلطة جمهورية الصين الشعبية الكبرى و"لا يجب أن تتمتع بأي نوع من الاستقلال"، بحسب الموقف الرسمي الصيني.

أما تايوان فترى أنها الأحق في حكم كل من تايوان وجمهورية الصين الشعبية.

وكان الرئيس الصيني قد قال في خطاب له إن "الطرفين يمثلان جزءا من العائلة الصينية"، وإن مطالب استقلال تايوان كانت "تيارا معاكسا للتاريخ لا مستقبل أمامه".

ورغم التأكيد الأمريكي على دعم تايوان، إلا أنه من غير الواضح إلى أي مدى تعتمد تايوان على الدعم الأمريكي لصد أي توغل عسكري صيني.

الولايات المتحدة دأبت لعقود على التمسك بما يطلق عليه "الغموض الاستراتيجي" بشأن تايوان المعروفة رسميا بجمهورية الصين الوطنية أيضا؛ إذ حافظت على علاقة ودية مع حكومة الجزيرة لكن دون إقامة علاقات دبلوماسية رسمية أو حتى الاعتراف بها كدولة مستقلة ذات سيادة كاملة.

ورغم أن واشنطن تقوم ببيع أسلحة ومعدات عسكرية دفاعية لتايوان، إلا أنها لم تعلن التزاما عسكريا بالتدخل في حالة تعرض الجزيرة للعدوان.

وقد فتح التدخل الروسي في أوكرانيا أبواب التوقعات وسيناريوهات مطاردة الساحرات، بعد أن قارن كثيرون بين هذا التدخل وفتح شهية الصين لتدخل مماثل في تايوان.

لا يبدو أن الصين تخطط أساسا لاستعادة هذه الجزيرة التي تؤكد أنها "المنشقة" عنها بالقوة العسكرية. رغم أن الجيش التايواني يؤكد أنه "يستعد للحرب من دون السعي إليها".

زيارة بيلوسي إلى تايوان، لأقل من 24 ساعة، أثارت غضب بكين لأنها أعلى مسؤول أمريكي منتخب يزور تايبيه منذ 25 عاما. وهو غضب سيطول قليلا فالحكومة الصينية تتوعد بأن "الذين يسيئون للصين سيعاقبون حتما".

فهل تكون الزيارة والعقاب، كما في رواية "الجريمة والعقاب" للروائي الروسي ديستويفسكي؟!
0
التعليقات (0)