ملفات وتقارير

كيف يُنتخب رئيس لبنان؟.. فراغ رئاسي متكرر وعجز عن إنهائه

البرلمان اللبناني فشل في اختيار الرئيس ست مرات منذ انتهاء ولاية عون- جيتي
البرلمان اللبناني فشل في اختيار الرئيس ست مرات منذ انتهاء ولاية عون- جيتي

تستمر حالة الشغور الرئاسي في لبنان منذ انتهاء ولاية ميشال عون 31 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وللمرة الخامسة في تاريخه منذ الاستقلال، لتثير تساؤلات عن سبب ذلك وتكراره، لا سيما أن مجلس النواب الحالي عجز عن انتخابه ست مرات حتى الآن.

اقرأ أيضا: لماذا لم يمدد رئيس لبنان ولايته؟ شرط دستوري وسوابق تاريخية

ويستعرض التقرير التالي كيف يتم انتخاب الرئيس في لبنان، وأسباب الشغور الرئاسي، ودور المحاصصة الطائفية بتكرار ذلك، بالإضافة إلى طبيعة التدخلات الخارجية ودورها، والخلافات داخل البرلمان على اختيار شخصية الرئيس وأبرز المرشحين.

كيف ينتخب الرئيس في لبنان دستوريا؟

وفقا للدستور اللبناني، ينتخب الرئيس بالاقتراع السرّي بغالبية ثلثي أعضاء مجلس النواب في الدورة الأولى، أي 86 من أصل من 128 نائبا، بينما تكفي الغالبية المطلقة (النصف+1) لانتخابه في دورات الاقتراع التي تلي ذلك.

ويأتي ذلك بحسب المادة 49 من الدستور، على أن يكون نصاب حضور هذه الدورات الثلث على الأقل.

ولا يلزم الدستور الراغبين للترشح إلى الرئاسة بتقديم ترشيحات مسبقة. ورغم أنه لا يميّز بين المواطنين لتولّي المناصب، إلا أن النظام السياسي المتبّع منذ عقود يقضي بتقاسم السلطات والمناصب العليا وفقا للانتماءات الدينية والطائفية.

ويطلق على ذلك المحاصصة الطائفية، ولها نصيبها ودورها في عملية اختيار الرئيس في لبنان، بحسب العرف السياسي الذي اعتمد مع استقلال لبنان في عام 1943، بحسب الميثاق الوطني المعلن حينها. 

وجاء بعدها "اتفاق الطائف"، وهو ما تعرف به وثيقة الوفاق الوطني اللبناني التي وضعت حدا للحرب الأهلية في لبنان، بوساطة سورية- سعودية في عام 1989، ونصت على محاولة إنهاء المحاصصة الطائفية، إلا أنها لم تضع خطوات عملية لذلك، واستمرت بذلك المحاصصة الطائفية إلى اليوم.

وضمن العرف السياسي اللبناني القائم، يتولى الرئاسة مسيحي ماروني، ورئاسة الحكومة سُني، ورئاسة البرلمان شيعي، ويمتد العرف إلى مناصب أخرى كأن يكون قائد الجيش مارونيا، وقائد الدرك سنيا، ومدير الأمن العام شيعيا، وحاكم مصرف لبنان مارونيا.

أما ما يتعلق بمجلس النواب، فإنه يتم تقسيم مقاعده بالتساوي بين الطوائف الإسلامية والمسيحية، الأمر الذي يلعب دورا كذلك في تكرار حالة الشغور، بحسب محللين تحدثوا لـ"عربي21".

وتدوم فترة ولاية الرئيس 6 سنوات غير قابلة للتجديد، ولا يجوز إعادة انتخابه إلا بعد مرور 6 سنوات على انتهاء ولايته الأولى، إلا أن هذه القاعدة تمّ اختراقها مرتين تاريخيا في لبنان، وتحديدا في عهد الرئيسين إلياس الهراوي (1989- 1998) والعماد إميل لحّود (1998- 2007).

إخفاق لست مرات في البرلمان

ومنذ بداية أيلول/ سبتمبر الماضي، أخفق نواب البرلمان ست مرات في انتخاب خلف لميشال عون، وسط توقعات باستمرار الفراغ الرئاسي لأشهر عدة أخرى.

وسبق للبرلمان أن أخفق خمس مرات في انتخاب الرئيس خلال جلسات في 29 أيلول/ سبتمبر و20 و24 تشرين الأول/ أكتوبر الماضيين وفي 3 و10 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري.

 

اقرأ أيضا: للمرة السادسة.. برلمان لبنان يفشل في انتخاب رئيس للبلاد

أسباب الشغور الرئاسي

من جانبه، أوضح الصحفي والمحلل السياسي اللبناني منير الربيع، في حديث لـ"عربي21"، أن استمرار الشغور الرئاسي يعود إلى "انعدام قدرة القوى السياسية والكتل النيابية على التفاهم فيما بينها على مرشح وسطي أو توافقي، خصوصا أنه لا قدرة لأي طرف سياسي أن ينجح في تأمين الفوز لأي مرشح محسوب عليه".

وقال إن "هناك أسبابا داخلية، سببها التباعد في وجهات النظر السياسية بين الكتل، وهذا يؤدي إلى انتظار تطورات خارجية إقليمية دولية، تدفع باتجاه تحريك الملف الرئاسي".

وعن الوضع الداخلي في البرلمان، قال إن "هناك تضاربا حول المرشحين بالنسبة إلى الكتل النيابية، ولذلك تبرز أسماء متعددة، بعضها يمكن أن يكون طرحه جديا، والبعض الآخر في سبيل الحرق لا أكثر. فلبنان محكوم بالتسوية بين الجميع وفق موازين القوى القائمة داخل البرلمان".

وأوضح أن "التفسير السيئ والخاطئ للدستور هو الذي يسهم في عرقلة إنجاز الاستحقاق الرئاسي، لأنه يتم تفسير الدستور بطريقة سلبية ونيات سيئة، تهدف إلى تعطيل عملية الانتخاب".

أما بشأن تأثير اتفاق الطائف، فقال الربيع إنه "قائم بفعل قوته كدستور، ولا قدرة لأحد على تجاوزه أو تغييره".

وعن سيناريو انتهاء الشغور الرئاسي، قال: "يجب للوصول إلى إنهاء هذه الحالة توفير مقومات تسوية داخلية تتقاطع مع مصالح خارجية. وأعتقد أن الأسماء الجدية المطروحة لإنهاء حالة الشغور ستكون إما بتسوية على قائد الجيش كرئيس للجمهورية، أو الاتفاق على شخصية اقتصادية لديها اطلاع سياسي، وتتمتع بعلاقات جيدة داخليا وخارجيا". 

وأكد أن شخصية الرئيس المقبل يجب أن تكون "قادرة على استعادة الثقة، لا سيما أن لبنان بحاجة إلى خطة مع صندوق النقد الدولي للاستنهاض الاقتصادي والمالي".

"نظام محاصصة طائفي"

بدوره، حمل الكاتب والمحلل السياسي اللبناني، حنا صالح، ما يحصل من شغور رئاسي متكرر ومستمر حاليا، إلى نظام المحاصصة الطائفية، وقال لـ"عربي21": باعتقادي، فإن السبب الرئيسي للشغور الرئاسي الذي يتكرر، أنه منذ عام 1992 ولبنان يحكم بنظام المحاصصة الطائفية".

وضرب بذلك مثالا أنه "بعد 2005، لم يصل رئيس للبلاد إلا بموافقة حزب الله، كما حصل بداية مع ميشال سليمان، فقط جرى منح حزب الله حق الفيتو في اختيار الرئيس"، وفق قوله. 

وأضاف: "تكرر الأمر مع ميشال عون عندما رفض حزب الله أي مرشح آخر سوى عون، ليكون أمام الجميع خيارين، إما عون وإما الشغور، وظل البلد دون رئيس لثلاثين شهرا، إلى حين تبنت جميع القوى مرشح حزب الله".

 

وعن التدخلات الخارجية ودورها في اختيار رئيس للبلاد، قال حنا صالح: "لا يمكن إلا أن تكون هناك تدخلات خارجية، لأن الطبقة السياسية اللبنانية مرتبطة واقعيا بالخارج، وكل طرف يستقوي على طرف آخر بالخارج، وهناك تراجع للوطنية اللبنانية".

وقال إن التكتلات داخل البرلمان تتمسك بنظام المحاصصة الطائفية، ما عدا تكتل 13 نائبا أوصلتهم "ثورة تشرين" للبرلمان، وشكلوا "نواب التغيير".

والثورة المقصودة جرت في 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2019، واستمرت حتى 2021، بسلسلة من الاحتجاجات المدنية التي جرت في لبنان، واندلعت بسبب الضرائب على الوقود والتبغ وغيرها، وأزمة القمامة.

وشدد صالح على أن "كل فريق في البرلمان يبحث عن حصته وطبيعة البنية السياسية اللاحقة لاختيار الرئيس، من حكومة ومواقع المسؤولية المختلفة، في حين أنه لا يوجد صراع على برامج سياسية واقتصادية، بل هناك صراع على حصص، وعلى تشويه العمل البرلماني، واستسلام لمنحى اختطاف الدولة المتحكم في قرارها".

وأوضح أن "المتحكم اليوم ليس الدستور وليس اتفاق الطائف، بل ما تمارسه قوى عدة بمراهنة على مزيد من الفراغ، لكي تملي شروطها على الآخرين، والغائب هو مصالح الناس والجوع والمأساة التي تطحن اللبنانيين".

وشدد على أنه "لا يمكن لرئاسة الجمهورية أن تخرج لبنان من الأزمة ما دام الاختلال كبير في ميزان القوى الوطني، فلبنان بحاجة إلى بلورة تحرك سياسي وبنية سياسية وأحزاب جديدة ثورية، لخلق الخطوة التاريخية التشريعية العابرة للحدود والطوائف والمناطق، ولا يمكن الحديث عن أي تغيير في لبنان إلا بذلك".

 

من جهته، خالف أستاذ العلوم السياسية بالجامعة اللبنانية في بيروت، طلال عتريسي، ما ذهب إليه حنا صالح، بشأن فرض حزب الله مرشحه على القوى الأخرى أو استمرار الشغور الرئاسي.

وقال لـ"عربي21": "حزب الله لا يستطيع أن يفرض مرشحا، لأنه لا يملك العدد الكافي من الأصوات لاختياره، بالتالي لا يمكن أن يتحمل مسؤولية هذا الشغور الرئاسي، ويمكن كذلك أن يوجه حزب الله التهمة ذاتها للطرف الآخر (القوات اللبنانية)؛ بسبب سعيه لـ(مرشح تحدّ)، أي من خارج التوافق، وهذا أيضا يستحيل أن ينهي حالة الفراغ الرئاسي".

وأضاف: "إن اتهام حزب الله بالمسؤولية أمر غير واقعي. وبناء على المواقف والتصريحات، فإن القوات اللبنانية تريد رئيس تحدّ، وحزب الله يريد رئيسا توافقيا، وذلك بحسب ما هو معلن من الطرفين، وإمكانية فرض أحد الطرفين رئيسا أمر مستحيل، ما يعني أن هذه التهمة يمكن أن يوجهها أي الطرفين للآخر".

 

ولم يتسن الحصول على تعليق من حزب الله على هذا الأمر.

التدخلات الخارجية ودورها

 

وعن التدخلات الخارجية ودورها في اختيار الرئيس، قال عتريسي، إنه "في السابق لم تعرف البلاد مثل هذا الشغور الرئاسي أثناء الوجود السوري في لبنان، فقد كان هناك قوى مؤثرة ترتب مثل هذه العملية مع مختلف الأطراف اللبنانية، وكان الأمر يتم بالتفاهم مع الأطراف الإقليمية والدولية".

وأضاف: "بالتالي كانت الرئاسة اللبنانية تخضع لتوافقات إقليمية ودولية، فمثلا كان هناك سوريا وأحيانا مصر والسعودية كلاعبين إقليميين، ولطالما كان هناك دور لفرنسا وأحيانا أمريكا، التي تشارك كأطراف دولية في التفاهمات لاختيار الرئيس عبر تاريخ لبنان".

أما بشأن الوضع الإقليمي اليوم، فهو ليس مستقرا، بحسب عتريسي، الذي أوضح أنه "ليس هناك قوى خارجية وحيدة مؤثرة اليوم، بالتالي فإن التفاهم الداخلي يلعب الدور الأقوى في عملية اختيار الرئيس، وهذا التفاهم غير متحقق حتى الآن، لذلك نشهد هذا الشغور الرئاسي الذي لانعرف إلى متى سيستمر".

وأكد أن "التدخلات الخارجية هي جزء مرافق لتكوين لبنان في عملية اختيار الرئيس. وصحيح أن الانتخابات تجري داخل البرلمان اللبناني، لكن الخارج دائما له وجهة نظر علنية وغير علنية، فاليوم نسمع أن الفرنسيين يبحثون مع القوى السياسية شكل الرئيس، وكذلك أمريكا والسعودية، وكل منها تريد مواصفات معينة".

وشدد على أنه "في ظل غياب التوافق الداخلي، يزيد منسوب تأثير التدخل الخارجي".

وأشار إلى أنه "إلى غاية الآن، فإن ما يجري في البرلمان لا يعبر حقيقة عن التوجهات لاختيار الرئيس المقبل، فالانقسام واضح بين من يريد رئيسا أن يواجه الطرف الآخر، وهو حزب الله وتحالفاته، وبين حزب الله وتحالفاته نفسها التي تريد رئيسا غير صدامي مع المقاومة، وهي شروط متباعدة كثيرا".

وبالنسبة لعتريسي، فإن "ما هو مرجح أن يكون هناك توافق بين أغلب القوى السياسية، لأن الواقع الحالي عمليا لا يسمح لأي قوى من حزب الله وتحالفاته والطرف الآخر القوات اللبنانية وتحالفاتها، من الإتيان برئيس من ضمن أصوات هذه الكتل أو الأخرى، لهذا السبب تدعو بعض الأطراف إلى التوافق، لأن فرض رئيس غير ممكن عمليا".

الخلافات داخل البرلمان والمرشحون الأبرز


أما عن الخلافات داخل البرلمان، فأوضح عتريسي أن "من المرشحين، ميشيل معوض، وربما يكون ترشيحه في الوقت الضائع، ولكنه ليس هو المرشح الحقيقي للقوات اللبنانية، فمرشحها الأفضل هو سمير جعجع. في حين أن الطرف الآخر حزب الله لم يحسم قراره حتى الآن، فالورقة البيضاء منه خلال الجلسات الأخيرة تعني ذلك".

ورأى الخبير اللبناني، أن "الأسماء الأخرى التي تطرح لا معنى لها، وهي تطرح كنوع من الاختبار وإعلان النوايا والتوجهات فقط. لكن الأسماء الفعلية لم تبرز حتى الآن". 

ولكنه أشار إلى أن "هناك توجها لدى ما يعرف بقوى 8 آذار، بأن يكون سليمان فرنجية هو المرشح التوافقي، لكن هذا الترشيح يحتاج إلى موافقة التيار الوطني الحر (يرأسه جبران باسيل)، ومن دون أصوات منه لا يمكن لفرنجية أن يصل للرئاسة".

في المقابل، فإن ميشيل معوض لا يمكن أن يكون رئيسا دون جزء كبير من أصوات قوى 8 آذار، وهذا مستحيل حاليا، بحسب عتريسي.

وأكد أن المشكلة بالتالي ليست من الجانب الدستوري، "إنما المشكلة في لبنان بأنه بلد يعتمد ما تسمى الديمقراطية التوافقية، التي لا يمكن أن تتحقق دائما أو أن نراها بسهولة".

يشار إلى أن قوى 8 آذار، هو تحالف نشأ في لبنان بعد اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري في شباط/ فبراير 2005، وخروج الجيش السوري من لبنان، وأبرز مكوناته حزب الله، في حين تنافسه قوى 14 آذار، ومن أبرز ممثليها القوات اللبنانية بزعامة سمير جعجع، وتيار المستقبل بزعامة سعد الحريري.

التعليقات (0)