قضايا وآراء

سردية السياسة الروسية في الملف الفلسطيني

نزار السهلي
علاقة قوية بين بوتين ونتنياهو- جيتي
علاقة قوية بين بوتين ونتنياهو- جيتي
من يفتش في بيانات الخارجية الروسية، عقب كل عدوان وتصعيد إسرائيلي على الفلسطينيين، عن موقف روسي مختلف عن مواقف أمريكية وغربية تنافق سياسة الاحتلال وعدوانه المستمر، لا يجد سوى تطابق فيما بينها، فالسياسة الروسية في الملف الفلسطيني تحمل سردية لغوية فارغة. وبيان الخارجية الروسية يوم 4 تموز/ يوليو الحالي عن العدوان الإسرائيلي على جنين حمل دعوة "لتخفيف التوترات والانخراط في عملية تفاوض بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي"، وأكدت روسيا "على موقفها الأساسي المؤيد لتهدئة التوترات وإقامة عملية تفاوض من أجل تسوية عادلة للقضية الفلسطينية على أساس الأسس القانونية الدولية المعروفة".

يمكن قراءة سطور البيان الروسي، على أنها نسخة من بيانات رفع العتب الدولي والغربي تجاه الضحايا الفلسطينيين، خصوصاً في السنوات الأخيرة، وتجربة تلك المواقف التي اعتبرها الفلسطينيون رخصة مجانية لإسرائيل بالعدوان والتصعيد واقتراف الجرائم دون محاسبة. وهذا يعيدنا لقراءة العلاقة الروسية الإسرائيلية المتطورة في العقدين الأخيرين خصوصاً في عهد بوتين وعلاقته المتميزة مع بنيامين نتنياهو، وما رافق تلك العلاقات من مواقف وتعاون وتنسيق ودعم روسي لإسرائيل، وموازٍ لدعم غربي وأمريكي.

انتهجت موسكو مبدأ تزوير الوقائع وتبني الرواية الصهيونية بتقليد "بارع" للمواقف الأمريكية في حماية إسرائيل ودعمها من خلال سردية "تخفيف التوتر"، وفي رمي مواقف تطالب ضحايا العدوان الإسرائيلي بعدم التصعيد والانصياع للمفاوضات تحت وابل العدوان والاستيطان والتهويد
في المناسبات واللقاءات التي جمعت رؤساء وزراء حكومة الاحتلال مع بوتين كلام كثير ومواقف أكثر، لمن ضَمِنَ لإسرائيل تدفق أكثر من مليون مستوطن للمستعمرات الصهيونية، وأكد مكانة "القدس الباقية في قلب الشعب اليهودي" كما وصفها بوتين أمام أرئيل شارون. وإسرائيل ككيان قائم فهي محط إعجاب وتقدير روسي عميق، وهذه عينة من تصريحات بوتين للتلفزيون الروسي قبل سنوات قليلة:

"يجب على الشعوب السلافية أن تستلهم من الإسرائيليين وحدتهم وتجربتهم، وإسرائيل نموذج لمن يأتيها من أفريقيا، ومن أوروبا، ومن دول أخرى في العالم يأتي الناس من أوروبا، يتحدثون اليديشية وليس العبرية. يبدو أنهما مختلفان عن بعضهما البعض، ولكن على الرغم من كل شيء، فإن الشعب اليهودي يُقدر في وحدته". وعن ذكاء الجندي الإسرائيلي استخدم بوتين نكتة صهيونية: "قائد استجوب جنديا حول كيفية التعامل مع العديد من الأعداء، فكانت نصيحة الجندي: أرسل المزيد من القوات لأسحقهم".

انتهجت موسكو مبدأ تزوير الوقائع وتبني الرواية الصهيونية بتقليد "بارع" للمواقف الأمريكية في حماية إسرائيل ودعمها من خلال سردية "تخفيف التوتر"، وفي رمي مواقف تطالب ضحايا العدوان الإسرائيلي بعدم التصعيد والانصياع للمفاوضات تحت وابل العدوان والاستيطان والتهويد.

ولنفس المصلحة الغربية مع المشروع الصهيوني، تمتلك موسكو مصالح مماثلة معه، في عودتها للسياسة العربية من البوابة السورية، ولمصالح لا تناقض أبداً السياسة الإسرائيلية ومشروعها الاستعماري في المنطقة العربية. أظهرت موسكو في عهد فلاديمير بوتين تحالفا متينا ومتطورا مع إسرائيل، بدا جلياً من خلال التعاون والتنسيق في سوريا، بالإضافة لتحالف يمتنه الطرفان بكل لقاء وتُوج قبل أسابيع بافتتاح قنصلية روسية في القدس المحتلة. فمصالح روسيا في المنطقة العربية بعيدة عن أوهام بعض الأطراف الفلسطينية والنخب العربية، والمصلحة الروسية في حضورها السياسي في الملف الفلسطيني قائمة على قناعة بأن إسرائيل "حليف مهم" لتأمين مصالح مماثلة لما تعتقد به الولايات المتحدة من العلاقة مع المشروع الصهيوني.

ومن يدقق في كل تواصل روسي فلسطيني أو عربي حتى في قمة الحوار "الاستراتيجي" الخليجي الروسي، لا نجد سردية روسية تخص فلسطين على الطريقة الأمريكية لدعم إسرائيل، بمعنى أن "موسكو تقف دائماً مع أمن الفلسطينيين وتدعم شرعية دفاعهم عن النفس وتدين إرهاب الاحتلال"، وهنا لا يسمع الجانب الروسي كلاماً عربياً في الحوار الاستراتيجي عن وجوب دعم فلسطين على الطريقة الأمريكية الإسرائيلية أو الروسية السورية.

رغم كل ما يقال، في موسكو عن السياسة الإسرائيلية مع الشعب الفلسطيني، وما يصدر من بيانات سياسية تخص القضية الفلسطينية بعد كل اتصال هاتفي ولقاء فلسطيني روسي، هناك توجه روسي واضح بعدم وصف السياسة الإسرائيلية بأنها معطلة لـ"التسوية والسلام" وبعدم وصف العدوان وإدانته بأشد العبارات، أو باستخدام النفوذ الروسي في مجلس الأمن كما يستخدم من أجل حماية النظام السوري. فهنا المنهج الروسي في جوهره مؤيد للسياسة الإسرائيلية ومصلحته تتطابق معها، والذي يدفع بإسرائيل للإحساس بالطمأنينة بموازاة ما تتلقى من شعور مماثل من الولايات والمتحدة والغرب بشأن سلوكها العدواني المستمر.

تبقى النتائج الراهنة للسياسة الروسية في الملف الفلسطيني، تصب في المصلحة الصهيونية، عملها الدؤوب ملتصق ومندمج مع الصهيونية، لا مع المصالح والحقوق الفلسطينية. وإذا نحّينا جانباً شعارات استعمال القضية الفلسطينية وشعار تحقيق السلام في المنطقة والمطالبة بعودة المفاوضات على الطريقتين الأمريكية والغربية، فسنجد خططاً وبرامج روسية وُظفت ضد الثورات في العقد الأخير؛ استحضرت فيها موسكو قوتها العظمى في سوريا لقتل وتحطيم الشعب السوري ودعم الطاغية السوري واستخدمت ديبلوماسيتها الفظة لبقائه في السلطة
ورغم الحديث عن تشكل عالم جديد غداة الغزو الروسي لأوكرانيا، والمواجهة الدولية مع موسكو، تبقى العلاقة الإسرائيلية الروسية خارج أي تجاذب جديد يحلم البعض بأنه سيشكل للدفاع عن القضية الفلسطينية من موسكو، لأن جدوى العلاقة مع إسرائيل يقوم على جباية المصلحة والمنفعة المتبادلة التي ساهمت موسكو بتزويد المشروع الاستيطاني في فلسطين بأحد أسلحته الديمغرافية التي تتفاخر نخبها الفاشية بمنبتها الروسي وعلاقتها القوية معه.

تقسيم المهام الروسية الأمريكية بالنسبة للمشروع الصهيوني واضحة المعالم، لكن يمكن إيجاد بعض المواقف الأمريكية اللفظية بما يتعلق بالتشكيلة الفاشية لحكومة نتنياهو، ورفض الرئيس بايدن الاجتماع مع نتنياهو على خلفية التعديلات القضائية التي تمس "الديمقراطية" في إسرائيل، لكن في المقلب الروسي هناك تطابق بين واقع الحال الروسي والمثال الصهيوني.

تبقى النتائج الراهنة للسياسة الروسية في الملف الفلسطيني، تصب في المصلحة الصهيونية، عملها الدؤوب ملتصق ومندمج مع الصهيونية، لا مع المصالح والحقوق الفلسطينية. وإذا نحّينا جانباً شعارات استعمال القضية الفلسطينية وشعار تحقيق السلام في المنطقة والمطالبة بعودة المفاوضات على الطريقتين الأمريكية والغربية، فسنجد خططاً وبرامج روسية وُظفت ضد الثورات في العقد الأخير؛ استحضرت فيها موسكو قوتها العظمى في سوريا لقتل وتحطيم الشعب السوري ودعم الطاغية السوري واستخدمت ديبلوماسيتها الفظة لبقائه في السلطة.

وفي نطاق هذا التوظيف يختفي المسعى الروسي الحقيقي لدعم القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني الذي يُمكنه من الصمود والمواجهة، ويظهر دور روسي مُكمل ومتكامل مع سردية السياسات الأمريكية والغربية بما يخص دعم المشروع الصهيوني ومحاصرة الحقوق الفلسطينية والنظر إليها من المصلحة الإسرائيلية أولاً وأخيراً.

twitter.com/nizar_sahli
التعليقات (1)
أبو فهمي
الأربعاء، 19-07-2023 06:42 ص
شرقا وغربا وشمالا وجنوبا """""" أرذل """""" من بعضهم البعض!. الجميع أتفق على احتلال الصهاينة لفلسطين وانشاء """" دويلة اسرائيل """" وسمحوا لها بالقتل والتدمير الى الآن وذلك لأن """" الجربانين """" باعوها لهم أيضا تحت """" أعذار """" واهية. روسيا سبقت أمريكا بالحفاظ على """ اسرائيل """ منذ أيام """" القيصرية """" والى الآن . يعرفون أن """""" الجربانين """""" خونة وهم """ يماشونهم """ لابقائهم على كراسي "" الخيانة "" أكانت روسيا أم أمريكا أم أوروبا أم الصين أم الهند ........ الخ فالكل """"" يخاف خوفا قاتلا """"" من الاسلام ويعرفون أنه سيعود منتصرا ولكنهم """""" يمددون """"" الزمن.