مقابلات

أكاديمي وناشط فلسطيني لـ "عربي21": إذا لم تنتصر المقاومة ستنهار عدة حكومات عربية

الجميع بدأ يدرك داخل فلسطين وفي كامل المنطقة أن انتصار المقاومة في فرض المطالب الوطنية الفلسطينية مهم وضروري جدا. (عربي21)
الجميع بدأ يدرك داخل فلسطين وفي كامل المنطقة أن انتصار المقاومة في فرض المطالب الوطنية الفلسطينية مهم وضروري جدا. (عربي21)
عرفت أجيال من الإعلاميين والمثقفين والسياسيين الفلسطينيين والتونسيين الدكتور هاني مبارك الروسان أستاذا في الإعلام والعلاقات الدولية في الجامعة التونسية وخبيرا متعاونا مع مؤسسات دراسات وتفكير عربية ودولية.

وعرفه النشطاء الفلسطينيون واللبنانيون والعرب مناضلا وطنيا وإعلاميا وناشطا وخبيرا في السياسة الدولية منذ حصار القيادات الوطنية والتقدمية والإسلامية اللبنانية والفلسطينية في بيروت في 1982 وكان من بين الكوادر الذين وقع ترحيلهم وقتها في باخرة نحو تونس.

انخرط وهو في الـ 21 من عمره في فريق الإعلام الفلسطيني في مقر المجلس الثوري الفلسطيني ومكتب وكالة الأنباء الفلسطينية "وفاء".. الأمر الذي مكنه ونخبة من شباب الثورة الفلسطينية من التعرف عن قرب على الزعماء الراحلين ياسر عرفات وخليل الوزير أبو جهاد وصلاح خلف أبو إياد والمدير العام لوكالة الأنباء الفلسطينية زياد عبد الفتاح ورفاقهم في لبنان وتونس وواكب مؤتمراتهم ولقاءاتهم الدولية.. كما واكب متغيرات حركات التحرر الوطني الفلسطينية والعربية قبل استشهاد الزعيم عرفات وخلال العقدين الماضيين..

كما تولى مع نخبة من الدبلوماسيين الفلسطينيين والإعلاميين التونسيين والعرب في تونس عبر "التنسيقية الإعلامية للإعلام" دعم القضية الفلسطينية عربيا ودوليا..


                                الزميل كمال بن يونس يحاور الدكتور هاني المبارك

الإعلامي والأكاديمي كمال بن يونس التقى الدكتور هاني مبارك الروسان وأجرى معه الحوار التالي الخاص بـ "عربي21" حول المتغيرات فلسطينيا وعربيا ودوليا بعد حرب الإبادة الحالية للشعب الفلسطيني في غزة والضفة والقدس المحتلة.. مع التوقف عند صفحات من مؤامرات حروب "تصفية القضية الفلسطينية" في المشرق العربي و"التهجير القسري" للمجاهدين والمواطنين الفلسطينيين قبل احتلال إسرائيل لبيروت في 1982 وبعدها ومنذ انفجار الانتفاضات الجديدة و"طوفان الأقصى "..

 س ـ بعد 40 عاما عن مواكبتك وأنت صحفي شاب في الـ 21 من عمره احتلال القوات الإسرائيلية لبيروت وحصارها للقوات والقيادات الوطنية الفلسطينية واللبنانية لمدة ثلاثة أشهر، تعيش اليوم الحرب الإسرائيلية الجديدة ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة والقدس العربية.. هل من مقارنة بين الحربين والتجربتين؟

 ـ فعلا.. هناك نقاط تشابه كثيرة بين الحربين والحصارين.. في كلا التجربتين رغم الفروقات..

في التجربتين تعلق الأمر بقصف وحشي وحملات تقتيل وقصف إسرائيلي شرس وبحصار قاس جدا للشعب الفلسطيني وللمقاومة الوطنية وحلفائها..

انتهى حصار بيروت والحرب المدمرة فيها عام 1982 بالتجويع ومنع الماء والدواء والغذاء وضغوطات من أجل ترحيل القيادات الوطنية الفلسطينية من كامل لبنان والمشرق العربي بعد أن تسببت الحروب السابقة في إبعادهم عن فلسطين والأردن وسوريا ومصر...

وحصل ذلك بتواطؤ مع "حلفاء إسرائيل العرب" وعملائها وخاصة "تنظيم الكتائب" المتطرف بزعامة البشير الجميل.. ووقع ترحيلنا في "بواخر التهجير" مع قياداتنا بزعامة ياسر عرفات وأبو جهاد خليل الوزير وأبو إياد صلاح خلف وأبرز القيادات السياسية والعسكرية التاريخية نحو تونس ودول عربية أخرى بينها اليمن والسودان والجزائر وسوريا..

وقد عارضت قيادات إسرائيلية "الصفقة ".. فرد عليهم الجنرال الصهيوني المتطرف أرييل شارون: "تذكروني بعد 10 أعوام.. سوف يغلق ملف فلسطين والثورة الفلسطينية "..

توقعات "الإرهابي شارون"

س ـ وهل تحققت "نبوءات" الجنرال أرييل شارون.. قائد حرب احتلال بيروت وغزو لبنان.. ووزير الحرب الإسرائيلي المتطرف جدا الذي كنتم تصفونه وبنيامين نتنياهو ورفاقه بالإرهابيين ومجرمي الحرب؟

 ـ  لم تتحقق كل "نبوءات "شارون وصقور إسرائيل تلامذته ورفاقه وبينهم بنيامين نتنياهو الذي طفا على السطح بعد اغتيال اليمين الإسرائيلي المتطرف لإسحاق رابين وإبعاد شمعون بيريز وقيادات "حزب العمل"..

لكن نتائج حرب بيروت وتشريد مقاتلي منظمة التحرير ومناضليها وقياداتها أفرز "اتفاق أوسلو" في  1993.. وجعلت القيادة الوطنية بزعامة ياسر عرفات تقبل به رغم الثغرات الواضحة فيه.. بعد أن خذلتها عدة عواصم عربية في قمة فاس الأولى التي تقدم خلالها ولي العهد السعودي فهد بمبادرة للسلام عارضتها "حكومات عربية ثورية".. خذلتنا بدورها خلال حرب 1982.. وبعدها..

وتعقد الأمر بعد اغتيال إسحاق رابين وتصدر اليمين الإسرائيلي المتطرف بزعامة نتنياهو ورفاقه السلطة وكامل المشهد لمدة عقود..

واليوم ضاعفت قوات الاحتلال حصارها للشعب الفلسطيني عموما ولقطاع غزة خاصة لمحاولة دفعه نحو قبول مخططات التهجير والتشريد والخروج مرة أخرى من دياره وأرضه ووطنه.. وبلغ الضغط أقصاه من خلال تعمد قصف عشرات آلاف المساكن والمستشفيات والمدارس وسيارات الإسعاف ومخيمات اللاجئين ومراكز الأمم المتحدة والمخابز ومؤسسات إنتاج الكهرباء وصرف المياه..

لكن الفارق كبير جدا هذه المرة.. لأن قصف الشعب الفلسطيني والمقاومة الوطنية يجري هذه المرة على أرض فلسطين.. وليس خارج الوطن.. بل إن المقاومة نجحت في نقل المعارك، أو جانب منها، إلى "الداخل الإسرائيلي "..

وهنا أستحضر زيارات الزعماء يسار عرفات وأبو جهاد وأبو إياد ورفاقهم إلينا ونحن في مقر "المجلس الثوري لحركة فتح" في بيروت.. وفي الطابق التحت أرضي المخصص للمكتب الإعلامي التابع لوكالة الأنباء الفلسطينية وفاء..

كانوا يرفعون معنوياتنا بعد أن اختلت موازين القوى العسكرية وانتشرت الدبابات الإسرائيلية في بيروت.. وتزايد قصف مواقع المقاومة الوطنية الفلسطينية واللبنانية جوا وبرا وبحرا.. كانوا يطمئنوننا أن "فلسطين هي الرقم الصعب في المنطقة والعالم مهما اختلت موازين القوى عسكريا واقتصاديا"..

واليوم تبدو المقاومة الوطنية الفلسطينية في موقع أفضل.. لأنها تحظى بدعم إعلامي وشعبي وسياسي ودبلوماسي فلسطيني وعربي ودولي أكبر بكثير من مرحلة حرب 1982.. والحصار الشرس الذي فرض علينا طوال حوالي 3 أشهر.. بسبب دخول القوات البرية الإسرائيلية لوسط بيروت بعد أيام قليلة من انطلاق القصف الجوي..

اختلال موازين القوى العالمية والإقليمية

س ـ واليوم كيف تنظر إلى المتغيرات بين مؤشرات التصعيد العسكري والسياسي الإسرائيلي وبوادر التهدئة التي مهدت لها مبادرات حوار برعاية دولية وإعلان "هدنة إنسانية" وصفقات تبادل للأسرى مع مساع لإعلان "هدنة طويلة" أو وقفا كاملا لإطلاق النار؟

 ـ إذا كانت بعض الحروب العربية الإسرائيلية اندلعت في مرحلة "تعددية الأقطاب" و"الحرب الباردة"، فإن الحرب الحالية تجري في مرحلة "تغول قطب واحد" وتكريس "هيمنة القوات الأمريكية والمؤسسات الاقتصادية والمالية وشركات السلاح الأمريكية والأطلسية على العالم وعلى القرار السياسي والإعلامي العالمي..

لذلك فإن من بين أبعاد التحركات الشعبية والرسمية والدبلوماسية الأممية والدولية دعما لفلسطين ومعارضة للعدوان على غزة والضفة والقدس تبلور مؤشرات إعادة تشكل نظامين إقليمي ودولي جديدين "..

س ـ لاحظنا تكثف التحركات العربية والإسلامية قبل قمة الرياض وبعدها، قبل الوساطة القطرية المصرية وبعدها.. لماذا؟

  ـ لأن كل دول المنطقة والعالم تعتبر أن مآلات الحرب في فلسطين ستؤثر هذه المرة ليس على فلسطين وإسرائيل فقط، بل كذلك على مستقبل التوازنات السياسية والديمغرافية والجيو استراتيجية لكل دول المنطقة وبصفة أخص الدول الأكثر تأثيرا فيها مثل مصر ودول الخليج العربية وإيران وتركيا والباكستان والدول الأفريقية الغنية.. فضلا عن دول المنطقة الأورو متوسطية وبينها بلدان شمال أفريقيا ودول أوروبا الغربية، حيث تزايدت نسب المهاجرين العرب والمسلمين والأفارقة بين المواطنين وعموم السكان، وأصبحت ورقة ضغط ديمغرافي وسياسي هائلة.. ويوشك دور هذه الورقة أن يضغط أكثر على الساسة الغربيين والدوليين بعد أن أصبح قطاع كبير من أبناء الجالية المهاجرة من بين الشباب وخريجي الجامعات والنخب المثقفة والعلمية ذات الصيت الحسن..

مطلوب ضغوطات دولية أقوى على إسرائيل

س ـ  عمليا ماهو المطلوب اليوم من صناع القرار في العالم العربي الإسلامي والأمم المتحدة والعالم؟

 ـ في هذا المناخ العام على العواصم العربية والإسلامية وقيادات الأحزاب والمجتمع المدني أن تضغط بقوة في كل المحافل الأممية والأوروبية والأمريكية والدولية من أجل فرض تسويات تحترم الحقوق الوطنية والسياسية للشعب الفلسطيني في كل فلسطين وفي قطاع غزة خاصة.. وعدم الاكتفاء بالإعلان عن بعض القرارات والإجراءات "الإنسانية "..

ورغم حاجة شعب فلسطين المحاصر في قطاع غزة بإلحاح إلى حلول إنسانية عاجلة لمخلفات الحرب، بينها المستشفيات والمدارس والغذاء والماء والسكن اللائق، فإن القضية الأهم وطنية وسياسية وضمان حق الشعب الفلسطيني في وطن مستقل ودولة مستقلة عاصمتها القدس الشريف.. وضمان اعتراف كل دول العالم التي تؤمن بالسلام بهذه الدولة ومنحها حقوق دولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة والمؤسسات الأممية والدولية وليس مجرد "عضو مراقب "..

انهيار بعض الحكومات العربية وارد

س ـ  وماذا إذا فشلت المساعي الدبلوماسية والوساطات في التوصل إلى "وقف شامل وفوري لإطلاق النار" أو "هدنة طويلة"؟ هل سيعني ذلك استمرار القصف العشوائي الوحشي وحرب الإبادة حتى يقبل الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وفي الضفة الغربية مخططات التشريد والترحيل نحو "مخيمات مؤقتة جديدة" تقام لفائدة "اللاجئين الجدد" في بعض دول المنطقة وخاصة في مصر والأردن ولبنان وسوريا.. وربما في العراق وإيران وتركيا؟

 ـ إذا لم تضغط الدول العربية والإسلامية بقوة على واشنطن والعواصم الأطلسية وعلى حلفاء إسرائيل عالميا قد تشهد المنطقة كوارث وحروبا ونزاعات وأعمال عنف أخطر.. في هذه الحالة ستختل التوازنات الديمغرافية والبشرية والسياسية والقبلية.. وقد تفقد بعض الحكومات والأنظمة فرصة الحفاظ على مصالحها، خاصة في ظل مشاركة الملايين من أنصار السلام في مسيرات الغضب والمساندة لفلسطين في كامل العالم بما في ذلك في بلدان مثل مصر والمغرب ودول الخليح وأوروبا وأمريكا..

كما سيستخدم شباب العالم بنجاعة أكبر سلاح الإعلام الإلكتروني والمواقع الاجتماعية للضغط وللمشاركة في "الحرب الإلكترونية والمعارك السيبرانية "..

الحرب الإعلامية أصبحت منذ عقود أخطر من الحروب العسكرية والمعارك التقليدية.. أو في مثل أهميتها وتأثيرها.. وستزداد قيمتها بعد التقدم العلمي والأشواط الجديدة في عالم الأنترنيت والفضائيات والإعلام الشبابي الإلكتروني..

وقد سبق للعالم أن عرف تجارب ناجحة انتصرت فيها المقاومة الوطنية والحركات المعادية للأنظمة العنصرية، بما فيها في فيتنام وجنوب أفريقيا.. وتحقق ذلك لأسباب عديدة من بينها نزول الملايين للتظاهر في بريطانيا والعالم الغربي الذي كان يدعم النظام العنصري ويعادي "الإرهابيين" في جنوب أفريقيا بزعامة نلسون مانديلا..

آليات جديدة لتوحيد فصائل المقاومة

س ـ ومن خلال مواكبتك عن قرب لقيادات ومناضلين من تيارات فلسطينية مختلفة.. كيف تتوقع أن تؤثر الحرب الحالية في غزة والاشتباكات مع قوات الاحتلال في الضفة الغربية والقدس ولبنان على فصائل المقاومة؟ هل يمكن أن يتزامن الإعلان عن وقف إطلاق النار مع توحد القوى الوطنية من مختلف التيارات خاصة إذا شمل الإفراج قيادات وطنية من الحجم الكبير من حركات فتح والجبهة الشعبية وحماس والجهاد.. الخ؟

 ـ التصريحات الصادرة عن عدد من قيادات حركات فتح والجبهة الشعبية وحماس والجهاد وغيرها.. وكذلك عن مؤسسات منظمة التحرير والسلطة الوطنية في رام الله تؤكد تزايد الاقتناع بالحاجة إلى توافقات جديدة.. وإلى وحدة وطنية لقوى المقاومة والفصائل الفلسطينية بكل مكوناتها..

والجميع يعلم اليوم أن لا بديل عن العمل المشترك.. مثلما ورد على لسان عسكريين وسياسيين بارزين من قيادات منظمة التحرير وفتح والجبهة الشعبية وحماس والجهاد..

ويبدو أن الجميع بدأ يدرك داخل فلسطين وفي كامل المنطقة أن انتصار المقاومة في فرض المطالب الوطنية الفلسطينية مهم وضروري جدا.. لأن هزيمة المقاومة وانتصار مخططات التهجير والترحيل والتشريد الجديدة سيعني إرباكا للوضع الأمني محليا وإقليميا ودوليا واحتمال سقوط عدة حكومات وأنظمة ومنظومات.. واختلال كثير من التوازنات على المدى القصير والبعيد.. وسيؤدي ذلك إلى إجهاض مخططات واشنطن وتل أبيب في توظيف الحرب الحالية لمزيد التغول في المنطقة والعالم..
التعليقات (0)