اقتصاد دولي

لماذا انخفضت أسعار الغاز الأمريكي إلى ما دون الصفر؟

سوق الغاز الأمريكي معزول إلى حد كبير عن الأسواق الأوروبية والآسيوية ولا يؤثر عليهما بشكل مباشر- جيتي
سوق الغاز الأمريكي معزول إلى حد كبير عن الأسواق الأوروبية والآسيوية ولا يؤثر عليهما بشكل مباشر- جيتي
نشرت صحيفة "إزفيستيا" الروسية تقريرًا تحدثت فيه عن وصول أسعار الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة إلى مستويات قياسية.

وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إنه في نهاية نيسان/ أبريل اقتربت أسعار الغاز الأمريكي في جنوب الولايات المتحدة من أدنى مستوياتها منذ 29 سنة. 

وفي مركز هنري، وهو أكبر مركز في لويزيانا، انخفضت الأسعار إلى 1.8 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، أو نحو 64 دولاراً لكل ألف متر مكعب، وذلك مقارنة بحوالي 3.8 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.

لكن ظهرت ديناميكيات أكثر إثارة للاهتمام في مركز واها، الواقع غرب ولاية تكساس، أكبر ولاية منتجة للغاز في البلاد، حيث ظلت الأسعار عند مستويات سلبية منذ آذار/ مارس. وفي نهاية نيسان/ أبريل، وصلت الأسعار إلى سالب 3 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية وسط أنباء عن إغلاق أحد خطوط أنابيب الغاز العاملة في المنطقة.

وذكرت الصحيفة أن الغاز المباع في سوق الجملة منتج مختلف لا يمكن شراؤه إلا إذا كان هناك أنبوب يمكنه توصيل الوقود الأزرق مباشرةً إلى المنزل أو محل الإنتاج.

اظهار أخبار متعلقة


ولأسباب واضحة، فإن عدد أصحاب خطوط أنابيب الغاز في موقع معين محدود. وفي حال انخفضت الأسعار إلى ما دون علامة الصفر أو حتى مستوى الربحية، فقد تتوقف الشركة المصنعة عن الشحن، ولكن من الصعب القيام بذلك مع الهيدروكربونات لأن إغلاق الحقل ثم إعادة تشغيله يكلف أموالا طائلة. وبالنسبة لصغار المنتجين، يكون من الأسهل في بعض الأحيان التداول بخسارة بدلاً من تشغيل المضخات وإيقافها.

منتجات ذات صلة
أوردت الصحيفة أن سوق النفط نادرًا ما يشهد وضعا مماثلًا. ولعل المثال الأكثر شهرة حدث في تكساس سنة 2020 مع بداية الوباء والذعر المصاحب له في أسواق السلع العالمية. وفي حالة الغاز، يتعلق الأمر بالوقود المنتج في حقل الصخر الزيتي في حوض بيرميان، حيث يتم إمداده إلى مركز واها. وفي منطقة بيرميان، يعد الغاز منتجًا ثانويًا لإنتاج النفط، وأسعار النفط حاليًا ترضي المنتجين الأمريكيين.

من ضمن الاختيارات المطروحة خيار حرق الغاز المصاحب، ولكن إهدار الموارد غير مرحب به، بالإضافة إلى خطر التعرض لغرامة من قبل السلطات التنظيمية البيئية. ومع ذلك، لا تزال مشاعل الحقول مشتعلة ويمكن الحصول على الإعفاء من الحظر على حرق الوقود لعدد من الأسباب. والفائزون في خضم هذا الوضع هم تجار الغاز الذين حجزوا مكانهم في خطوط أنابيب الغاز على المدى الطويل، حيث يمكنهم الحصول على المال مقابل الغاز مرتين، عند الشراء والبيع. وعلى الرغم من أن الأسعار السلبية للمورد هي سمة من سمات منطقة ومركز معين، إلا أن الغاز أصبح بشكل عام في أمريكا رخيصًا وفقًا للمعايير التاريخية.

اظهار أخبار متعلقة


وضع مؤقت
نقلت الصحيفة عن خبير الطاقة في شركة "فيغون كونسولتينغ" الروسية، إيفان تيمونين أن الأسعار في الوقت الراهن عند مستوى منخفض قياسي على خلفية سعة التخزين العالية التي فاقت الحجم الطبيعي، فضلاً عن انخفاض طفيف في صادرات الغاز الطبيعي المسال نتيجة لصيانة خطين تكنولوجيين لمصنع فريبورت الكبير. ويرى تيمونين أن أسعار مركز هنري قد تصل لحوالي دولارين لكل مليون وحدة حرارية بريطانية في أفق الشهر وستستمر في النمو نتيجة لاستئناف عمليات فريبورت. ومن المهم الإشارة إلى أن صناعة إنتاج الغاز الأمريكية تتميز بمرونة كبيرة، وبالتالي فإن تخفيضات الإنتاج ستساهم أيضًا في ارتفاع الأسعار.

بحلول نهاية السنة قد ترتفع الأسعار في السوق الأمريكية بالفعل إلى مستوى 3.5 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، بما في ذلك نتيجة التشغيل الكبير لقدرات جديدة في مصنع تسييل الغاز في كوربوس كريستي.

وحسب الخبير الاقتصادي سيرجي كوفمان، فإن توقف أسعار مركز هنري عند مستوى دولارين لكل مليون وحدة حرارية بريطانية قيمة منخفضة للغاية وفقاً للمعايير التاريخية، ولكن لا يوجد حديث عن الدخول في المنطقة السلبية. ويرى كوفمان أنه بسبب انخفاض الأسعار منذ بداية السنة شهدت الولايات المتحدة انخفاضًا في إنتاج الغاز، مما قد يدعم بدوره نمو الأسعار. ومن المتوقع ارتفاع الأسعار في النصف الثاني من العام بين 2.5 و2.8 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية.

لا يمكن الاستغناء عن روسيا
ذكرت الصحيفة أن الولايات المتحدة أصبحت منذ فترة طويلة مصدرًا للغاز الطبيعي لذلك تتم مراقبة أسعار المورد في بقية أنحاء العالم بما في ذلك روسيا، حيث انخفضت صادرات الغاز العام الماضي بشكل كبير بسبب رفض الأوروبيين شراء جزء كبير من الوقود من روسيا والعقوبات الأخرى. وعلى الرغم من أن روسيا تمكنت من إعادة توجيه إمدادات النفط بنجاح إلى أسواق بديلة، إلا أن القيام بذلك ليس بالأمر السهل مع الغاز.

وحسب تيمونين، فإن سوق الغاز الأمريكي معزول إلى حد كبير عن الأسواق الأوروبية والآسيوية ولا يؤثر عليهما بشكل مباشر. ويرى تيمونين أن الأسعار المنخفضة في السوق المحلية الأمريكية تزيد من القدرة التنافسية للغاز الطبيعي المسال المنتج في البلاد. ومع ذلك لن تكون هناك زيادة كبيرة في الصادرات إلى حين تشغيل قدرات إنتاجية جديدة. وبالنسبة لتوازن السوق العالمية ككل، من غير المتوقع حدوث فائض في العرض هذه السنة لأن النمو في الإنتاج يقابله زيادة متناسبة في الطلب.

وأشار سيرجي كوفمان إلى أن الولايات المتحدة تفتقد القدرة على زيادة أو خفض حجم الصادرات حسب ظروف السوق بسبب قدرات التسييل المحدودة. كما ترتبط تكلفة جزء فقط من الغاز الطبيعي المسال المصدر بالأسعار المحلية، وعادة ما تكون هذه هي أسعار مركز هنري. وبسبب هذه العوامل، فإن تأثير فائض الغاز الأمريكي على السوق العالمية محدود للغاية.

اظهار أخبار متعلقة


وأشار كوفمان إلى أن فائض الغاز في السوق الأوروبية يمكن أن يحدث بالفعل، لأسباب أخرى. وعلى خلفية تدابير توفير التكاليف وزيادة حصة مصادر الطاقة المتجددة وزيادة واردات الغاز الطبيعي المسال، أصبحت مرافق تخزين الغاز تحت الأرض في الاتحاد الأوروبي ممتلئة بنسبة 63 بالمئة. وفي نهاية سنة 2024، من المتوقع بدء فترة نمو العرض في سوق الغاز الطبيعي المسال. وبسبب هذه العوامل، قد تكون مرافق التخزين ممتلئة بنسبة 100 بالمئة قبل موسم التدفئة. ومن المتوقع انخفاض أسعار الغاز الأوروبي إلى حدود 200 و250 دولاراً لكل ألف متر مكعب في الأرباع المقبلة من السنة الحالية.

لاحظ رئيس قسم الاقتصاد في المعهد الروسي للطاقة والتمويل مارسيل ساليخوف أن سوق الغاز العالمية، التي كانت مجزأة، أصبحت في السنوات الأخيرة أكثر ارتباطًا بسبب التوسع في قطاع الغاز الطبيعي المسال. لذلك، يؤثر انخفاض أسعار الغاز في الولايات المتحدة على الأسواق الأخرى - آسيا وأوروبا. مع ذلك، يكمن القيد في قدرة محطات تصدير الغاز الطبيعي المسال في الولايات المتحدة، التي تكون ممتلئة بالكامل. وأضاف ساليخوف أن الطلب على الغاز في الاتحاد الأوروبي يستمر في الانخفاض، مما يؤثر أيضًا على الحاجة إلى واردات الغاز الطبيعي المسال.

التعليقات (0)
الأكثر قراءة اليوم

خبر عاجل