صحافة إسرائيلية

صحيفة إسرائيلية: داعش لن يحتل العراق لكنه خطر

داعش تربك حسابات المنطقة - أرشيفية
داعش تربك حسابات المنطقة - أرشيفية
قلل الكاتب الإسرائيلي يورام شفايتسر، في مقاله المنشور في صحيفة "نظرة عليا" الإسرائيلية، من قدرات تنظيم داعش على التوسع في العراق، كونه لا يتسم بالضخامة العددية التي تصورها وسائل الإعلام.

غير أن الكاتب أكد ثقة التنظيم بنفسه التي جمعها من إنجازاته في العراق وسوريا، ومن المال الهائل الذي تحت تصرفه، إلى جانب تاريخه الإجرامي وسمعته السيئة. وقال إن ما حصده التنظيم جعله غنيا بالمقدرات التي لا تساعده في احتلال العراق، إلا إنها بالتأكيد تشجعه على استغلالها من أجل توسيع عمله في ساحات أخرى، مشيرًا إلى "إسرائيل" وشركاء التنظيم في المنطقة.

 وفي ما يأتي نص المقال كاملا:

 منذ علم بسقوط الموصل في أيدي تنظيم داعش، تنشر في الإعلام في الأيام الأخيرة صورة متشائمة لسقوط العراق في أيدي هذا التنظيم. وحسب التقارير في وسائل الإعلام سيحتل التنظيم بغداد فيكمل بذلك سيطرته على العراق بأسره. كما قيل إن الأردن والكويت ودولا خليجية أخرى قلقة من مصير مشابه للسقوط في أيدي التنظيم شديد القوة وكأن الحديث يدور عن قوة عظمى تتشكل. ودون الاستخفاف بإمكانيات التهديد الكامنة في المنظمة – في ضوء إنجازاته المحلية وأعماله الإجرامية – يجدر بنا أن نفهم السياق الواسع الذي يحظى فيه بإنجازاته وبقوته.
 
 بداية ينبغي إيضاح مسألة انتماء التنظيم للقاعدة على خلفية التقارير الرائجة في وسائل الإعلام. ومع أن الأمر صحيح إذ أن داعش يشكل جزءًا من معسكر الجهاد العالمي، الذي يسعى إلى أن يقيم في منطقة الهلال الخصيب خلافة إسلامية شرعية على نمط طالبان، إلا أن النزاع الشديد الذي نشب بين زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي وبين زعيم القاعدة أيمن الظواهري أدى إلى طرد داعش من الحلف الذي أقامته القاعدة مع عدة شركاء أساسيين.

 وبالتالي، فإن الاستخدام السائد لتعبير "قوات القاعدة في العراق" لا يتناسب مع الواقع وبالتأكيد يعظم عبثا اسم القاعدة التي من جانبها تتمتع بتعظيم قوتها في مكان ليست جديرة به. فضلا عن ذلك، فإنه أكثر من أن يكون كنتيجة للقوة والكفاءة العسكرية غير المسبوقة، فإن انتصار داعش في العراق ينبع قبل كل شيء من انعدام الشرعية العامة لرئيس الوزراء الشيعي، المالكي، من الضعف الشديد للجيش العراقي ومن الزعامة الفاشلة لقادته.

 قسم كبير من نشاط التنظيم في غربي العراق تميز حتى وقت أخير مضى بهجمات اضرب واهرب، وباستعراض التواجد العسكري الرمزي في الأماكن التي احتلها وفي إجراء مسيرات عسكرية تظاهرية. في المناطق التي نجح فيها التنظيم في رفع علمه، كان هذا أساسا عقب عدم الاهتمام والمقاومة من جانب السكان المحليين، بل إن هؤلاء ساعدوه أحيانا بسبب الضغينة العميقة التي يكنوها للنظام المالكي، الذي يعتبر طاغية فاسدا يميز ضد المواطنين السنة بشكل فظ. هذه المشاعر تجاه النظام العراقي الشيعي دفعت سكان المناطق التي احتلت في غربي العراق، في المرحلة الحالية على الأقل، لأن يروا في داعش أهون الشرور. واضح أن المواجهة مع التنظيم تأجلت للمستقبل في حالة محاولته فرض نمط الحياة الإسلامي المتطرف والمتصلب عليهم، مثلما فعل في الماضي في العراق وفي السنة الأخيرة في سوريا. 

إن ادعاء داعش والجلبة الإعلامية حوله أكبر بكثير من حجومه. أولا، طبيعة الأرقام التي تنشر في وسائل الإعلام عن الحجم الحقيقي للقوات التي تحت تصرف التنظيم في العراق ليست بالضرورة مصداقة. ولكن حتى لو اعتبرناها مصداقة فإن التقدير يزيد على نحو 10 آلاف رجل هم في بعضهم متطوعون أجانب. واضح أن هذه ليست قوة كافية لاحتلال وإدارة العاصمة بغداد حيث لنظام المالكي وسكان بغداد مصلحة جوهرية في الدفاع عنها كجزء من الدفاع عن وحدة الدولة.  فضلا عن ذلك، ليس لداعش عمليا القدرة على السيطرة بشكل كامل في مناطق أخرى أيضا احتلها في العراق. فما بالك فرض النظام الإسلامي الشرعي الذي يطمح إليه على السكان الذين يسكنون في هذه المناطق. في سوريا أيضا نجد أن التنظيم بعيد عن أن يسيطر على أجزاء واسعة وهو يكتفي بالسيطرة أساسا على منطقة الرقة وفي أجزاء من دير الزور. 
 
التخوف والقلق الذي يثيره نجاح التنظيم بين الدول المحاذية للعراق، وعلى رأسها إيران وتركيا والأردن من المتوقع أن يكون عائقا له. في حالة فاجأ داعش مع ذلك وحقق إنجازات إقليمية هامة في بغداد، وهدد بشكل مباشر الأمن القومي لجيران العراق، فإنه سيصطدم بمقاومة جوية ومن شبه المؤكد أيضا بتدخل أمريكي، حتى لو كان هذا محدودا، بسبب التخوف الأمريكي من العودة إلى التورط في الاستثمار الذي ينطوي عليه التواجد العسكري المكثف في العراق. هكذا مثلا، لا بد أن إيران ستتجند لمساعدة نظام المالكي الشيعي، الذي يعتبر حليفها لحماية مجال نفوذها على نظامه فتمنع بالقوة الخطر في شكل نظام إسلامي سني جهادي معادٍ على حدودها.  يمكن التخمين أن تركيا هي الأخرى لن تجلس مكتوفة الأيدي إذا ما بدا هذا السيناريو المتطرف قابلا للتحقق. 
 
رغم كل ذلك، فإن الخطر المحدث من نجاحات داعش في العراق هو في أن من شأنها أن تمنح زخما شديدا للفكر والطريق الذي يمثله، وتشارك فيه منظمات إرهابية عديدة تعمل في الشرق الأوسط وخارجه. وينبع الخطر الأساسي في هذا الوضع من المال الاقتصادي الهائل الذي جمعه التنظيم في العراق، حين سيطر على أموال البنوك في المناطق التي فر منها الجيش العراقي وفشلت الشرطة المحلية  في حمايتها. إضافة إلى ذلك توجد لدى التنظيم أموال استخلصها من السيطرة على آبار النفط والطاقة مما يوفر له دخلا كبيرا. ومن شأن هذه القدرة الاقتصادية الهائلة أن تستغل لدعم وشراء النفوذ على نشاط منظمات الإرهاب التي تشاركه أفكاره. إضافة إلى ذلك، فقد وقعت في أيدي التنظيم كميات هائلة من الوسائل القتالية النوعية، بعضها غربي، لا بد ستجد طريقها إلى منظمات إرهابية تعمل في مناطق القتال في الشرق الأوسط بل وخارجها. 
 
إسرائيل مثل دول عديدة في العالم تشاهد باهتمام شديد تطورات المعركة في العراق وسيتعين عليها تصعيد يقظتها الاستخبارية المكرسة لداعش وعلاقاته مع المنظمات العاملة في حدودها، لاستباق الشر الذي قد ينأى من جهته. في هذه المرحلة وإن كان يبدو أنه لا يوجد تهديد مباشر وفوري على أمن إسرائيل كنتيجة للتطورات في العراق، وإن كانت الأجواء التي تبثها من شأنها أن تؤثر أيضا على تعزيز محافل الجهاد العالمي، العاملة في الدول المحاذية لإسرائيل، غير أنه من صورة الوضع في سوريا يتبين أن التهديد الكامن المحدق بإسرائيل قد يأتي بالذات من جانب تنظيم جبهة النصرة، القائم إلى جانب رجال الجبهة الإسلامية في هضبة الجولان السورية وعلى حدود الأردن. حتى الآن لم توجه هذه المنظمات سلاحها إلى إسرائيل ولا يمكن ربطها مباشرة بمعظم حالات إطلاق النار والتخريب التي نفذت ضدها من الجانب السوري، ولكن احتمال التصعيد من جانبها في هذه الجبهة قائم. 
 
إن الفكر الأيديولوجي والخطاب لداعش، جبهة النصرة والقاعدة التي أعلنت علنا عن نيتها الهجوم في المستقبل على إسرائيل يعزز التقدير بأن هذه المنظمات ستحاول في المستقبل تنفيذ تهديداتها ضدها. وفي هذا السياق يجدر بالذكر أن اسم داعش ارتبط هذه السنة بعمل إرهابي أحبط عندما خططت خلية نشطاؤها من شرقي القدس وجنين، بإشراف من غزة وتوجيه من الباكستان للارتباط بنشطاء داعش في سوريا بتنفيذ عمليات انتحارية مشتركة في القدس وفي تل أبيب. ليس واضحا ما إذا كان هذا العمل يبشر بميل التنظيم للتسلل إلى أراضي إسرائيل أم أن هذه مجرد محاولة وحيدة. على أي حال، فإن الثقة بالنفس التي جمعها التنظيم من إنجازاته في العراق وفي سوريا والمال الهائل الذي تحت تصرفه وجعله تنظيما غنيا بالمقدرات لا يمكنها أن تساعده في احتلال العراق إلا أن بوسعها بالتأكيد أن تشجعه على استغلالها من أجل توسيع عمله إلى ساحات أخرى بما فيها إسرائيل بل والمساعدة والتمويل لأعمال شركائه في الطريق.
التعليقات (0)