كتاب عربي 21

العرش فوق البركان

راميا محجازي
1300x600
1300x600
لا بوادر حل تلوح في أفق الأزمة السورية، وأحوال السوريين سواء في الداخل أو في الخارج من مهجرين أو عاملين تزداد من سيء إلى أسوأ.

تعاني سوريا حالة انهيار اقتصادي، واجتماعي، وسياسي غير مسبوقة، والسوري بات مستهدفا وقلقلا، ومحبطا؛ لذا يعاني من ضغوط نفسية، واقتصادية مرهقة نتيجة لما ألم به خلال فترة الصراع الدامي الطويلة مع نظام الأسد، ولما تعرض له خلالها من ترويع وقمع، وتعذيب؛ إذ لا يخلو البيت السوري اليوم -سواء أكان من بيوت المناهضين أو التابعين لنظام الأسد- من محارب أو معتقل أو مفقود أو فقيد أو هارب أو مطلوب أو مصاب أو مخنوق ماديا يعاني من تأمين أبسط احتياجاته المعشية!
  
و يبدو أن تذمر الموالين للأسد قد وصل إلى الذروة ولعله لا يقل عما يشعر به المعارضون بسبب ارتفاع عدد قتلاهم ومفقوديهم وقد علا صوتهم اليوم ليقولوا له: "الكرسي إلك والتابوت لأولادنا؟! وقد أدركوا أخيرا أن الإنسان لا قيمة له مهما قدّم للنظام، و هذا ما أثار سؤالاً مهما: هل يستحق عرش الأسد كل هذا الثمن؟
   
بالنظر إلى البلاد المتقدمة -في حالتي السلم و الحرب- يعتبر الإنسان أهم عامل مؤثر في مؤشر التغيرات التنموية، و الاهتمام باحتياجاته وفرديته أولوية من قبل الحكومات، فهي تقيس مدى نجاحها من خلال مدى إسهامها في خلق الفرد السوي المعافى نفسيا وجسديا، ليكون مؤهلا وقادرا على المواجهة والتصدي، ومن ثم ليستطيع البدء بالبناء والإنتاج والإبداع.

قد يخسر المجتمع السوري غدا، أي أمل في إمكانية إعادة تأهيل الفرد وترميم التلف والعجز الذي يمكن أن يصل إليه نفسيا وفكريا واقتصاديا؛ في حال استمر الانحدار بالمتسوى الإنساني الذي يعيشه السوري على هذا المنوال، ومن هنا يبدو الوقوف على أهم العوامل التي أعجزت الثورة، ضرورة إذا ما أردنا النهوض بحال المواطن، فمعرفة المشكلة هي أهم وأول خطوة يمكن أن تصلنا بالحل.
 
تتضح المشكلة على الصعيد الداخلي في الثورة: بتشرذم الجهود، والنهج السياسي المتشتت، والانفلات الأمني داخل الكتائب المسلحة.

فإلى اليوم وبالرغم من اجتماع كافة فصائل المعارضة على أهمية الوصول إلى جسد سياسي وعسكري واحد، وضرورة الاتفاق على نهج محدد و واضح في العمل؛ إلا أن قلة من الفصائل السياسية أو العسكرية قد آثرت المصلحة العامة على مصلحتها الخاصة.
     
وللأسف! فإن أغلبية القيادات الثورية السورية اليوم تتجاهل بأنه ما لم تتوحد الجهود ويتحقق للمجتمع السوري حالة الهدوء والاستقرار الأمني والسياسي، وما لم تتماسك قواها في صيغة محددة وتثبت على تحديد أولوياتها و خصومها في معركة الوجود التي تخوضها؛ فإن أي منها لن يدرك ما يطمح إليه من أهداف مشروعة: (كالوصول إلى سدة الحكم، أو المشاركة في السلطة على أدنى تعبير)؛ ناهيك عن أنها ترتكب أسوأ الأخطاء في انطلاقتها السياسية بلا مبالاتها واستهتارها بالقاعدة الشعبية التي لن تحتضن أي أحزاب أو قيادات لا تبدّئ مصالح المواطن عن القيادي وتستخف بقدراته الفردية وأهليته وحقه في المشاركة الحقيقية في العمل السياسي وتستبد في رؤيتها لمستقبل سوريا........ 
   
أما على الصعيد الخارجي : فللأسف! المشهد الخارجي للقضية السورية يبدو باهتا، فلا بوادر تدخل أو إنقاذ من المعسكر الغربي لسوريا، ولا تدخل عربي حاسم يمكن أن يؤمل به، وخصوصا بعد حرف الثورة عن مسارها وتحويلها إلى حرب طائفية همجية، وفتح قضايا خطيرة يمكن أن تورط أطرافها في محاكم دولية، ناهيك عن أزمات المعابر الحدودية والتي كان أبرزها فتح معابر الحدود السورية للفارين والمتطرفين، ليشكلوا بؤرا إرهابية، استثمر نظام الأسد وجودها، بحيث يغطي بها جرائمه أمام المجتمع الدولي، ويعطي مبررات أو ربما شرعية لانتهاكاته الإنسانية بحق أهل سوريا.
     
ويظهر دور الغرب الواضح كذلك، في الإشراف على تحركاتها وتمددها وتمويلها، ويبدو راضيا لما تحققه من تغيرات ديمغرافية، وجيوسياسية ملهمة لمرحلة إدارة جديدة كلياً لمنطقة الشرق الأوسط.  
   
لم يعد من أهمية في البحث حول كيفية وجود هذه التنظيمات الإرهابية ومن وراءها أو من سهّل عبورها اليوم إلى الأراضي السورية، الأكثر أهمية هو آثارها على الثورة وعلى نضال الشعب السوري وكيف يمكن القضاء على هذه الفروع التي تتكفل أميركا اليوم باجتثاث جذورها في العراق، بعد أن أنهت ما أنتجت لأجله. 

وطالما أن الثورة السورية اليوم تعاني من الرفض العلني أو المبطن لقادتها في العمل الجماعي والمنظم، وطالما أن المجتمع الدولي يرفض الاعتراف بأهمية تدخل سريع لحل الأزمة الانسانية الكارثية التي يتعرض لها المواطن السوري ويتجاهل مدى خطورتها على الأمن العالمي، وطالما أن المواطن السوري يرفض التعايش، ولا يؤمن أو يثق بالحوار؛ فستبقى الثورة السورية التي انطلق بها المواطن السوري المخنوق من الفقر، والظلم، والقهر، عاجزة عن منحه أبسط حقوقه الإنسانية بل على العكس! ربما ستكون طريقا ضبابيا قد يقود إلى المزيد من الدم، والفقر، والألم. 

سوريا اليوم على فوهة بركان إذا ما انفجر لن يذر على أرضها ديّارا، و لن يخمد إلا إذا تعاون السوريون جميعا على إخماده بدك عرش الفتنة.
التعليقات (0)