كتاب عربي 21

الأسد والسراب

راميا محجازي
1300x600
1300x600
تحولات كبيرة شهدها الموقف الدولي تجاه الوضع في سوريا في الفترة الأخيرة، كانت نتيجة لتمدد تنظيم الدولة في المنطقة، واستفزازاته المستمرة للرأي العام العالمي والتي كان من أبرزها نشره لشريط مصور يحتوي على مشهد ذبح الصحفي الأميركي "جيمس فولي" على يد بريطاني يقاتل ضمن صفوف تنظيم الدولة.
  
وعلى الرغم من أن الأجواء الدولية تنذر بالتخلي -ولو المؤقت- عن دعم المعارضة السورية والاتجاه إلى دعم الأسد والاستفادة من إمكاناته والمواقع الاستراتيجية التي لا زالت تحت سيطرته لأجل الخلاص من تهديد تنظيم الدولة، إلا أن ما يهم الشعب السوري اليوم هو آثار هذا التحول ونتائجه المتوقعة على الثورة السورية؛ فالموقف الأميركي اليوم يرى أنه من الأفضل التعاون مع الأسد أمنيا وعسكريا في ضرب مواقع داعش داخل الأراضي السورية، دون أن يثير ضجيج الأسد مزيدا من الصخب فيما لو تم ضرب مواقعها على الأراضي السورية، دون التنسيق الأمني والسياسي معه، والذي يعتبر فيما لو تم حسب تصريحات رئيس الخارجية السوري اعتداء على السيادة في الأراضي السورية.
 
يحاول نظام الأسد استثمار هذه الرغبة الدولية في ضرب مواقع داعش على الأراضي السورية من أجل الحصول على خمسة مكتسبات أساسية:
 
الأولى: إعادة الشرعية السياسية الدولية لنظامه، والتخفيف من حدة الازدراء السياسي العالمي له عبر التنسيق السياسي، والأمني مع حكومات القوات التي ستشارك في هذه الضربة، ويذكر بأن تصريحات الحكومة السورية جاءت مؤخرا، بأنها مستعدة للتنسيق لمواجهة تهديد داعش الذي بات يشكل خطراً إقليميا، ولكن لا تعاون أمني دون السياسي وهذا ما يعتبر موافقة مشروطة (الدعم مقابل تخفيف الضغوطات السياسية)، وقد يبدو الرد الأميركي فيه الكثير من الرضوخ وخصوصا بعد سماع الجنرال "ديمبسي" قائد أركان الجيوش الأميركية والذي يرى أنه لا يمكن هزيمة "الدولة الإسلامية" دون الهجوم على مواقعها في الجزء السوري، وكذلك هو الموقف البريطاني، فعلى الرغم من إعلان بريطانيا عدم رغبتها في التعاون مع نظام الأسد الديكتاتوري، إلا أن تصريحات اللورد "داننت " تقول بأهمية التعاون مع نظام الأسد تحت الطاولة أو فوقها، وإن أي غارات على التنظيم داخل الأراضي السورية لا يمكن أن تتم دون موافقة الحكومة السورية!
 
أما عربيا، فيوحي اجتماع ما يسمى"أصدقاء سوريا العرب" المفاجئ، والطارئ في جدة الكثير من الذعر، مما يمكن أن يسببه تقدم داعش على الحدود مع السعودية والأردن ومصر، فالسعودية تستنفر قواتها عبر الحدود ورغم ذلك لم يخفف من قلقها، لأنها تدرك تماما بأن خلايا التنظيم النائمة على أراضيها يمكن أن تشكل تهديدا أمنيا جديا داخل المملكة، وكذلك حال الأردن ومصر اللتين تواجهان نفس التهديدات ولكن ضمن مستويات مختلفة.

بكل تأكيد لا يمكن تجاهل إعلان اسرائيل استعدادها للتعاون والدعم من أجل القضاء على الإرهاب الذي يهدد أمن المنطقة، إلا أننا لا يمكننا التنبؤ بجاهزية التعاون الاسرائيلي اليوم إثر انشغالها حالياً بإعادة ترسيم حدودها مع حماس.
  
ثانيا: من المكتسبات التي يمكن أن يحققها الأسد أيضاً التفرغ  لقتال الجيش الحر بجاهزية عالية وذلك بعد ضمانه، تكفل المجتمع الدولي بداعش، وبالتالي إغلاق جبهة من الجبهات التي تصارع ضده في المنطقة.

ثالثا: استعادة هيبته السياسية التي تضرجت في الوحل و الدماء، بعد مقاطعته سياسياً والتعاطي معه كمجرم حرب علنياً على أقل تقدير.

رابعا: عودة العلاقات السياسية مع المجتمع الدولي، تعني وبكل وضوح، نهاية حلم الإمداد العسكري للحر وقطع أو تخفيف دعم المعارضة (حتى ما كان خلبيا منه) والتعاون مع فصائل المعارضة الأكثر ميلا ً للحلول السياسية والتفاوضية مع النظام، والعمل على إدراجها في الواجهة ولو بشكل صوري لأجل ضمان وجودها في مراحل مقبلة.

خامسا: ضمان الأسد لخروج آمن على أقل تقدير, في حال لم يتم الاتفاق على دعمه لإكمال فترته الرئاسية الحالية.
 
إن أي محاولة لأجل التخلي ولو الجزئي عن المعارضة السورية لن تكون سوى توريط أكبر للمجتمع الدولي في انتهاكه لحقوق الإنسان، والتملص من القوانين التي صاغها لحماية البشرية من عبث آلة الحرب اللعينة، ولغة الموت التي يتعلمها اليوم أطفالنا قبل أن ينطقوا -على أي حال- إن أي من الاتفاقيات الدولية لن تطيل من أمد نظام الأسد، ولن تلغي من أهمية التفاوض مع المعارضة السورية والتي إلى اليوم وعلى الرغم من تشرذمها، ما زالت تشكل قوة لا يستهان بها من قوى الصراع في المنطقة، لا يمكنهم إلا الأخذ بها إذا ما أرادوا حلا حقيقيا وشافيا في سوريا. 

الرئيس الفرنسي "هولاند" اعترف بأنهم لم يتصرفوا بشكل سليم لضمان نقل السلطة في سوريا، وقال بأنهم لو تصرفوا قبل عامين لما كانوا يواجهون الآن الدولة الإسلامية، ولو أن القوى الكبرى اتفقت فيما بينها حول التعامل والرد في قضية استخدام النظام للأسلحة الكيماوية قبل عام لما كانوا اليوم في مواجهة هذا الاختبار الرهيب بين الدكتاتور والجماعات الإرهابية.
     
ولكن "مالكولم" وزير الدفاع والخارجية البريطاني الأسبق ورئيس لجنة المخابرات في البرلمان قالها: " تحالفنا مع جوزيف ستالين ضد هتلر، فلماذا لا نتحالف مع الأسد لأجل مواجهة البغدادي؟". 
 
في الواقع؛ لا يعلق الشعب السوري أهمية تذكر على التصريحات الدولية، مهما بلغت نافذيتها تجاه الوضع في سوريا، فقد أثبت المجتمع الدولي اليوم نفاقاً غير مسبوق في مواقفه، ودائما لديه الصيغ الشرعية لكل قراراته، والشعب السوري يدرك تماماً بأن أي تحرك دولي لن يكون إلا عندما تهدد مصالح أصحاب القرار وأمنهم وبكل تأكيد لن يصب في مصالحه.

الشعب السوري اليوم ناضج بما فيه الكفاية لكي يملك زمام أمره، ويحقق نصره بيده وما كانت النار التي أشعلت الأرض تحته إلا سببا لنضجه أكثر وإحراق كل ماهو فاسد حوله. 
التعليقات (0)